سنتناول اليوم قالبين من قوالب العامية العراقية هما كسر فعل المضارعة وإيراد فاعلين لفعل واحد
كسر فعل المضارعة :
من المعروف أن العربية الفصحى تفتح أول الفعل المضارع المسمى حرف المضارعة المشتق من الفعل الثلاثي مهما كانت حالة الفعل فنقول
رجع يَرجعُ
نام يَنامُ
نشأ يَنشأ
سأل يَسأل
قرأتْ تَقرأ
نزل يَنزل يَنزلون تَنزلون تَنزلان يَنزلان
وتضم أول الفعل المضارع المشتق من مزيد الثلاثي فنقول
أرجع يُرجع تـُرجع
أنام يُنيم
أنشأ يُنشأ
ولكن العامية العراقية تفعل غير هذا فنحن نكسر أول الفعل المضارع في كافة الأحوال فنقول
يِرجَعْ
يِنامْ
يِسأل
يِقرأ
تقرأ
يِنزْلون
يِركض،تِركض،يركضون ،تِركْضون ،يِركضن
وبالعودة الى اللغات العراقية القديمة نجد أن كسر حروف المضارعة متأصلة في هذه اللغات وتعتبر جزءً من قواعدها الثابتة.
يقول الدكتور أنيس فريحة في كتابه الموسوم(اللهجات وإسلوب دراستها)(دار الجيل بيروت 1989)
الفعل:ويظهر أثر الأرامية في الفعل،في كسر حرف المضارعة(ص132)
ومن المعروف أيضا أن الأكدية تكسر حرف المضارعة بنفس الطريقة فنقول:
يِشرق:يَسرق العربية
يِدق:يَقتل العربية
وظاهرة كسر فعل المضارعة ذاتها منتشرة في فروع الآرامية السريانية والمندائية وكذلك في العبرية.
أما في العربية فبعض القبائل عدا لغة الحجاز تكسر حروف المضارعة (الهمزة والنون والتاء) وقد قبل ذلك اللغويون الأوائل مثل سيبويه وعللوه لكنهم لم يقبلوا بكسر الياء مطلقا مثل يِدرس ويِبني.
يقول ابن جني (تـ 392):” وأمّا تلتلة بهراء، فإنّها تقول: تِعلمون وتِفعلون بكسر أوائل الحروف
وذهب الدكتور غالب المطلبي إلى أن تعليل القدماء ليس صحيحًا بسبب وجود أمثلة من غير باب فعِل يفعَل من نحو أبي، وركن، وخال وصنع، ومال إلى أن كسر حروف المضارعة في الأصل متعلق بصيغة يفعَل المفتوحة العين بغض النظر عن حركة العين في الماضي، وجعل ذلك ظاهرة لغوية سامية قديمة، إذ إنه اطرد في لغتين ساميتين غربيتين هما العبرية والسريانية (في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد العربية 1990( .
فاعلان لفعل واحد :
أما الظاهرة الثانية التي نتناولها اليوم في قوالب العامية العراقية فهي إيراد فاعلين لفعل واحد وهذا لايجوز في الفصحى ويطلق عليه تهكماً لغة (أكلوني البراغيث) فهنا جاءت واو الجماعة فاعلاً والبراغيث جاءت فاعلاً أيضاً لنفس الفعل أكل ولكن تعالوا نشاهد النماذج التالية من العامية العراقية
إجوا الولد
يرجعون الطلاب من المدرسة
بسطوني الجهال
قشمرنّي النسوان
رجعوا الحجاج من مكة
يلعبن البنات بالشارع
لِعبوني ولد الحرام
ما حِجوا الناس غير الحق
وغير ذلك كثير
ونعود للدكتور أنيس فريحة حيث يقول ما نصه في حديثه عن أثر السريانية الآرامية على لغة لبنان المحكية:
التركيب:أما أهم اثر للآرامية فهو في التركيب.وقد قلنا سابقاً أن التركيب جوهر اللغة.فإنك عندما تقرأ نصاً سريانياً وتترجمه ترجمة حرفية يتبادر الى ذهنك فوراً التركيب اللبناني العامي.ومن هذا التركيب ما يعرف بلغة أكلوني البراغيث فإن هذا التركيب سرياني فصيح وعليه نقول في لبنان
إجوا الضيوف
وطعموني الجيران عنب
إننا نستعمل مفردات عربية في تركيب سرياني فصيح.(ص133)
ونلاحظ هنا أن العامية العراقية تنحو تماماً نفس المنحى في هذا المجال.
من خلال هذين القالبين من قوالب العامية العراقية نضيف بعداً وأساساً جديداً لإثبات فرضيتنا أن العامية العراقية ليست صورة منحطة من العربية الفصحى بل أن العامية العراقية لها قوالب وقواعد وتراكيب مستمدة من اللغات العراقية الأخرى ولا شك أن إختلاف التراكيب والقواعد يشكل أساساً سليماً وقوياً لبرهنة هذه الفرضية يضاف الى مئات الأفعال الأصيلة في العامية العراقية التي أدرجناها في الحلقات السابقة من هذه الدراسة في قوالب العامية العراقية.
أوكلاند 15 تشرين الثاني 2011