(1)
بَكَتِ السَّماءُ عليْكَ ، وهي خَفِيضَةٌ ،
جَاءَتْ تُلَمْلِمُ ما تَبَقى عَالِقاً فيه الضُحى.
والدَّمعُ مِدْرارٌ ، يَنُثُ على الشَّوارعِ
طَيفَكَ الورديَّ فِتْنَةَ مهرجانْ.
والطَّيفُ منكَ ثيابُنا ،
عَلَقَتْ بتَلَّةِ سِنديانْ.
والعَارفونَ ، كما رويتَ ،
هَدِيلُ سربِ طُيورِ قافلةٍ ،
يَضِيقُ بها المكانْ.
والقولُ مِنْكَ صَداقَةٌ ،
تَأتِي بعطر الزعفرانْ.
(2)
فِي سَاحَةٍ رَمْضاءُ ، أدْلِفُ كالمَساءِ ، خُطايَ واهِنةٌ ، وَقَلبي
عالقٌ في وهَمِ طيفْ.
وذاكَ تاريخي دموعٌ قد رَوَتْ أغصَانَ زَهرةِ أقحوانٍ ،
طالها ظمأٌ بِصَيفْ.
واللَّيلُ كُلُّ اللَّيلِ يَهْدَأُ في خَمَائِلِها ، وكانَتْ تَحْتَمِي في ظِلِّها
حيناً وحيناً تَحْتسي كأَسَ النبيذِ ، تُقَلِّبُ الأيامَ ، تَصْغي للنهارِ ،
يُغَازِلُ الذِّكرى ويَغفُو تائهاً كالريحِ ما بينَ الأَزقَّةِ ،
يَقْتَفي أَثَرَ الدُّروبْ.
وكُنْتُ أرقَبُها وأَدنو مِنْ خَمائِلِها وأَحْتَضِنُ الغُروُبْ.
ولَمْ أَزلْ فِي وَجْهِها طَيفاً ، تَجُولُ بِهِ الصَّحارى ،
غَابَ عَنْهُ الماءُ ، يَكْسُوهُ الشُّحُوبْ.
واللَّيْلُ يَهْبِطُ مَرَّةً أُخْرى ، يَشْقُّ الصَّمتَ ، يَدْفَعُنا إلى قَبوٍ
نَؤبُ إليهِ مِنْ وَجَعِ الخُطوبْ.
ودَنوتُ مِنْها ، لَحْظَةً ، ودَنَتْ وكانَ اللَّيلُ ثَالثُنا وقَالتْ ؛
وهيَ تَمْحو في نَدى جَسَدي الذُنوبْ.
أَما أَتاكَ الصُّبحُ يوماً طَارِقاً بَاباً عَلِيكْ ؟
أَما تَعَلَّقَ فِي يَديْكْ
هَذا النَّهَارُ بِطُولهِ !
رَمْضَاءُهُ تَرَكَتْ مَلامِحَها عَليْكَ ،
أَمَا اكْتَويتْ !
يا رَبُّ ؛
ها إِنِّي أَشْمُّ اللَّيلَ فِيْها ،
مَرَّةً أُخْرى ،
وأَسْكنُ فِي يَديْها.
فعَلامَ تَكْويني برَمْضاءِ السِّنين !
وأنا الْمُدَلَلُ في أَريجِ العَارفين.
(3)
فِي سَاحَةٍ رَمْضَاءَ ، ضَاقَ بِيَ المَساءْ
فَغَفوتُ في غُصنٍ بَليلْ
وشَدَّنِي شَوقٌ إلى وَطَنٍ
تَفَيَّأَ فِي مَحَبَّتِهِ النَّخيلْ
فَدعوتُ حُزنِي هاجِساً في الظِّلِ يَجْري
وعُدْتُ أَجْري ، حيثُ لا أَدْري
وحيثُ مَحَبَتي طيفٌ تَعَلَّقَ في سَماءْ
لكنَّني ضَيَّعتُ في ظلِّي الهواجِسَ ،
مَرَّةً أُخْرى ،
وتِهْتُ وتاه في ظلِّي الْمَساءْ.
(4)
قال ؛ أُذرفي عطرَ الصَّباحِ عليَّ ، غَطَّيني بوردِ الكسْتنا ،
فاللَّيلُ قد طََمَرَ الأزقَّةَ بالبكاءْ ،
والبيتُ ذاكَ البيتُ من قَصَبٍ ومَاءْ ،
قد عادَ في عينيكِ مُنْكَسِراً ، وعادَ على الضُحى
شَبَحاً صموتاً في دعاءْ.
وأنا الْمُتَيَّمُ فيكِ ، أَنْزِفُ مِنْ جِراحِ ألبارحه ،
والدَّمعُ في عينيَّ مُحْتَبسٌ ، وقَلبي طافحٌ حُزناً ،
وأنتِ مَتاهتي ما بينَ أغصانِ البنفسجِ سَارحَه ،
فلتغفري لي ما ارتكبتُ ،
تَرجَّلي في الظِّلِ في عينيَّ ،
عيدي ما تبقى في حديثِ الأمسِ
من زَمَنٍ حنونْ.
لا طيفَ يسكنُ فيه لا أنسامَ شطآنَ الرياحِ الهائجاتِ بها الظنونْ.
فأنا الْمُتيَّمُ فيك ،
ضَيَّعني وضاعَ بيَ النَّهار
مطراً على شُرُفاتِ دَاري
دمعاً يَفِيضُ به انتِظاري.
نابولي… صيف عام 2009
www.malikalwasty.com