فصل من رواية “الرئيس”
محمد علوان جبر

(هل في هذا الجمر ملاذ……..؟)

– ادونيس –

لم تكن الرائحة التي استنشقتها في غرفة العمليات  تعني لي شيئا سوى غموض مطاطي تفاوتت الوانه وتأثيراته بين الابيض المصحوب بضوء رمادي وغيبوبة محاطة بجبروت الخدر الذي يشبه ضغطا ثقيلا على صدري لم يدع لي فرصة فهم مايجري ،  ولامعرفة  فترة غيبوبتي ، لكني بعد ان خرجت من غرفة العمليات بدأت افيق ببطء وكان احساسي  بالبرد الذي اجتاح جسدي علامة اولى لعودتي للحياة ،  ثم وجدت نفسي في ردهة متوسطة وانا محاط بالاطباء ، حيث بدأت مرحلة احساسي بالالم في جنبي بعد ان بدأ المخدر يتبخر تدريجيا من جسدي ، وهكذا كانت توازنات الالم والخدر يتضادان بنسب تهبط وتعلو، كنت اصطك من البرد وروائح المعقمات وشفتاي ملتصقتان بسبب الجفاف في فمي .  تحولت الصالة التي وجدت نفسي فيها تمثل ظهورا هلاميا لجزيرة ،  ربما صرخت ، اوكنت ائن كلما كان المخدر يتطاير من جسدي كغبار غير مرئي ، وفي اعماق غيبوبتي المتقطعة كنت ارى مرضى يساقون على نقالات جلدية ويوضعون برفق على الاسرة حولي ، ولم استطع ان احدد الوقت الذي فصل بين غيبوبتي المتقطعة وصحوي التام ، حيث بدأت ادير رأسي في الصالة التي امتلآت بالاسرة ،  وقعت عيناي التائهتان على شاغل السرير المجاور لي والذي لايبعد سريره عني اكثرمن مترين ، التقت عيوننا لمرات عديدة ، كان رجلا شاحبا مركزا عينيه في وجهي ويدير رأسه في فضاءات الصالة لمرات عديدة ، ولم تصدر منه اهات كما كان يفعل اغلب شاغلي الاسرة الاخرى التي انتبهت الى ان اغلبها كان فارغا ، ولم احس بوخزة الحقنة في جسدي الا بعد ان انتهى الممرض من مسح مكانها بالمعقم البارد ، وربت على كتفي وغادر قبل ان تطبق الغيبوبة علي مرة اخرى فلم استيقظ الا بعد ان سمعت اصواتا، ولغطا مبهما ، حينها فتحت عيني لمحت مجموعة من الاطباء والممرضين وهم يحيطون سرير الرجل الذي يرقد الى جواري ، وسمعت كلمات لم افهم منها شيء، ولكنها كانت اوامر حازمة الى الممرضين المتحلقين حول رجل اشيب بصلعة ونظارة كبيرة ، وتوقعت انهم بعد ان ينتهوا من معاينة الرجل سيديرون وجوههم نحوي  ليعاينوا حالتي، ولكن لم يقترب مني احد مما اثار استغرابي ، ادارت جوقة الاطباء والممرضين ظهورهم ومضوا وهم يحيطون الرجل ذو الصلعة الكبيرة ، طالعني الوجه الشاحب وبعينين شبه مغمضتين ، سرعان مافتحهما مركزا نظراته في وجهي ، وسمعت كلمة –  اهلا – مع ابتسامة باهتة…….قالها وهو يدير رأسه نحوي ، اجبت على تحيته بصعوبة ، لاني كنت احس نفسي شبه مشلول من الخدر والم عملية الفتق التي اصر اخي الاكبر على اجرائها لي بعد ان استشار الطبيب الذي كنا نعوده في عيادته القريبة من البيت ،  حاولت ان اتحرك من السرير لكني احسست بلسعة في جنبي الايسر…
لايهمك سيزول الالم قريبا ……   قالها وهويبتسم في وجهي ……..
تكلمت معه بصعوبة وشرحت له الالام التي كنت اعانيها قبيل العملية ، التي تشبه الدخول في نفق مظلم تحس ازائه انك على وشك الموت ,  ربما لمحت طيف ابتسامة على وجهه واضاف
انه المخدر ،  يدخلك في عوالم من الظلمة الغريبة،  انا خدرت كثيرا، واعرف ماتعنيه…
انها نفس الالام التي كنت اعانيها ولكن بلا وخز…..
ولم اسأله عن شحوبه وعن سبب خدره ، فاسترسلت كأني لم اتكلم منذ عام مع احد ما في شرح الالام وكلمته عن عملي كموظف بسيط في احد المصارف ،  لكنه قاطعني دون ان يسمح لي ان اكمل ، اذ قاطعني بسرعة اعتبرتها في تلك اللحظة جزءا لايتجزأ من هلوسات المخدر ،  ربما لم يقل الرجل ماسمعته ، ربما هي اوهامي تقتحمني بنفس السرعة التي تغادرني،  لكنه كرر ذلك ولمرات عديدة مما جعلني اوقن ان الامر حقيقي ….
سأعطيك امانة ….
امانة ….. واضاف  حينما لاحظ صمتي ودهشتي
اجل  ،  شيء مايخصني وليس امامي شخص اخر اسلمها اليه غيرك!!
قلت امانة ،  لمن ….؟
لك….  ارجو ان تأخذها بلا اسئلة كثيرة ،  ساتركها عندك امانة ، اذا استطعت ان اخرج من هذا المكان سالما – وانا اشك في هذا – ربما استعيدها منك ، وكذلك ارجو ان تحتفظ بها في مكان امن ،  ستقول لي ، ولماذا انا ،  هل تعرفني ، وماهي الامانة ، صحيح اني لااعرفك ولكني اشعر ان الوقت ضيق ولايوجد احد اخر امامي اسلمها اليه غيرك ، استطيع ان اثق بك …  اجل استطيع ان اثق بك  ،  لكن –  ليس في الوقت متسع – كررها لمرات عديدة ،  انها مجموعة اوراق لاغير ، لاتخف انها لاتعني احدا بقدر اهميتها العمومية ، انها تهم الجميع ، جميعنا ، وربما ساحاول ان اكتب لك اليوم ايجازا اذا استطعت،  لاني اعرف اني سأكون في مكان اخر غدا او بعد غد او ربما اليوم .
دهشت من كلام الرجل وبقيت مصرا على انا هلوسات رجل خرج توا من تأثير المخدر ولايعرف ماذا يريد،  لكن الرجل قاطع افكاري ، وكأنه عرف بما كنت افكر به ….
كلا ارجوك لاتظن هكذا ،  فانا لست مخدرا ولم اخضع الى اى عملية جراحية ، انا محتجز هنا لانهم يظنون اني رجل خطر لاني اطلعت على سر يعتبرونه كبير ، وجوقة الاطباء والممرضين الذين رأيتهم وهويتحلقون حولي،  ليسو كما تظن ، انهم محققون عسكريون، كانوا يتفحصون مافعلوه بي ، لااستطيع ان اشرح لك كثيرا لاني اعتقد ان الوقت ضيق جدا لكن….. ربما ستجيبك الاوراق عن كل مايدور في رأسك من اسئلة،  انا مشلول تماما ، ولكني ارجوك ان تتحامل على نفسك الان – من اجلي او من اجل الحقيقة التي يجب ان تعرفها – حاول ان تنهض من سريرك ، وتمد يدك تحت السرير في الفسحة الضيقة بين السرير والجدار ، ستجد مظروفا ملفوفا بكيس نفايات اسود ، مد يدك اليه بسرعة ، وحالما تخرجه اخفه في مكان امن بعيدا عن عيون من يمكن ان يتلصص علينا ، حاول ان تدعي السقوط من السرير، او اى شيء اخر .
صمت الرجل حينما دخل ممرضان ، فحصني احدهما وسألني
هل تناولت شيئا ، اشرب هذا……
وناولني كأسا فيه عصير برتقال ، ترك الكأس في يدي ومضى ، بقيت اشرب من الكأس على دفعات وحاولت ان اتحرك يمينا وشمالا مختبرا قدرتي على الحركة ، كان الامر سهلا ،  وقلت مع نفسي فالاجاري هذا المجنون الشاحب الذي يريد ان يورطني بشيء لااعرفه ، ولم يتطلب الامر مني سوى لحظات من الالم، اذ تحاملت على نفسي وهبطت من السرير، وبلا صعوبة عثرت على الكيس الاسود في المكان الذي حدده بالضبط ، وعدت الى سريري وانا اضع الكيس تحت الملاءة البيضاء محتملا الوخز الشديد ثم رفعت الوسادة وحشرته بين طياتها ، ووضعت رأسي عليها وانا احدق في الرجل الذي ازدادت ابتسامته اتساعا وهو يقول
لك الحق في قراءته ، واذا طال رحيلي ،  اقصد ، اذا طالت فترة غيابي ، فلك الحق في التصرف به ، انا اعرف انه ربما يسبب لك اشكالا اذا نشر ، ولكني اتمنى ان يعلن في كل العالم ، واكرر انها معلومات مهمة تخص امريكا ورئيسها بوش الذي قابلته هنا في العراق وتحديدا في اطراف بغداد  ،
صمت الرجل  حينما دخل القاعة مجموعة من الرجال الذين يرتدون الصداري البيض واقدامهم تضرب الارض برتابة ، اقتربوا من الرجل الشاحب ، انهضوه من مكانه ووضعوه على عربة نقل المرضى، وساروا به الى مدخل الصالة ، ولان الباب كان مواربا قليلا ادار الممرضان النقالة حينها التقت عيني بعينيه ، رأيت من بعيد وانا في مكاني وسط شحوب وجهه تصلب ابتسامة غامضة قبل ان يرفع يده ملوحا لي وكذلك فعلت .

*****

بعد ان تماثلت الى الشفاء ، وكان قد مضى على اختفاء الرجل الذي سلمني الكيس الاسود ثلاثة ايام، خرجت من المستشفى، كنت خلالها حريصا على اخفائه ,  في الليلة الاولى لم يتسنى لي ان افتح الدفتر ، لكني استطعت ان اتصفحه فقط .  في اليوم التالي، اغلقت باب الغرفة واخرجت الدفتر الذي كان عبارة عن مجموعة من الاوراق مكبوسة على شكل دفتر من القطع الكبير، ومغلفة بغلاف باهت وسميك ، كان الخط واضحا ، ومكتوبا بخط جميل ، ولكن بعض الاوراق كتبت بخط بدا الارباك واضحا على كاتبها،  فكانت الخطوط غير مستقيمة ولكنه على العموم كان خطا مقروءا  ، فتحت الدفتر وبدأت بالقراءة وصورة الرجل الشاحب لاتفارقني وانا اتصفح الكلمات بلهفة ،  حرصت على عدم ترك الدفتر في متناول احد فكنت اخفيه تحت السرير كلما خرجت لقضاء حاجة او لاستقبال احد .
طالعتني في منتصف الصفحة الاولى عبارة كتبت بخط  واضح موضوعة بين قوسين كبيرين (  كتابات ليست للنشر)وتحتها قرأت الاتي
ايها الخوف المضطرب في صمت الازقة ،  ايتها الوحدة السعيدة بلهاثها ، بعيدا عن الفانوس الوحيد في المساحات الشاسعة لهذه المزرعة ،  ايتها الوحدة المطهرة بالاضطراب ، اخترقي جسدي برفق … برفق اقل قسوة من اختراق الطائرات لفضاءات بغداد اخر الليل ،  لااملك اجوبة ، لاسئلة الليل …اوعن الذي يطحن بغداد الان ،  في سماء مغمسة بالدم ….. وفي الصفحة الاخرى قرأت الاتي:
كانت القرية التي قررت ان انزوي فيها صغيرة ، وقد اتخذت من مزرعة جدي ملاذا لي للتفرغ للكتابة والقراءة والترجمة ، بعد ان رحلت عائلتي الى بيت عمي الاكبر في اقصى الجنوب ، كنت امام رزم من الاوراق التي كانت تمثل رسالتي للماجستير في الهندسة ، وفعلا بدأت بمشروع قديم  مستخدما خبرتي كمهندس زراعي في دراسة امكانية استخراج ثمارا تختلف عن التي يعرفها الناس عن طريق خلط بذور معينة مع اخرى،  كان هذا مشروعي القديم الذي باشرت فيه وكذلك كنت اشغل نفسي بالترجمة لبعض الروايات الحديثة التي حصلت عليها من بعض الاصدقاء من الانكليزية الى العربية,  كنت كلما اشرع بالعمل في مشروعي تقوم حربا ، فاترك كل شيء على حاله، وحالما تنتهي حرب حتى تبدأ اخرى، حروبا كانت تطحن الجميع الا رئيسنا الذي ظهر امام العالم كاكذوبة كبرى .  اما اليوم وبعد خمسة اعوام على سقوطه وبعد ان اضطرب الوطن بحرب اخرى مختلفة عن سابقاتها ، لانها بدأت بفتنة ، ومجموعة من المؤامرات التي لانهاية لها تكاد ان تحولها الى حرب اهلية تحرق كل امانينا كبشر، بل تكاد ان تحرق كل شيء لولا بعض الامل ، ولهذا ارسلت الاطفال الى بيت جدهم في الجنوب ، حيث باتت تلك المدن اكثر امانا ، كانت المزرعة  تقع في اطراف بغداد وهي الشيء الوحيد الذي ورثته عن جدي . كنت اكتب محاولة لمشروع قصيدة املتها علي الوحدة  واول العتمة التي تعني ان اقرب الفانوس ،  وصوت فيروز يصدر من المسجلة القديمة التي تعمل بالبطارية ، حينما دوى انفجار غريب هز المكان رفعني من مكاني انا والبيت والجدران، اعقبته انفجارات مكتومة من بعيد ثم ساد سكون غريب ،  كنت  كعادتي في هذه الايام التي تنذر بالخطر اتخذ الغرفة الاخيرة ملاذي في الليل وفي الاوقات التي يسود فيها الاضطراب ، او اهتزازات الانفجارات ، كنا نسميها انا وزوجتي بالغرفة الحصينة او ملاذنا الامن ، فهي كانت مكانا اتخذه جدي ربما – قبل اكثر من خمسة عقود – في خزن اشيائه الثمينه ، لانهاغرفة صغيرة بلا شبابيك ،  فكانت لاتشبه شيء ، فلا هي غرفة ولاهي زنزانه ،اذ  لايدخلها الهواء الا من الباب اذا فتح ، وكان بابا من الحديد الصلب ،  ثم حورها ابي فيما بعد ، بان فتح ثلاثة فتحات صغيرة ودعمها بالحديد المتشابك ، ولااعلم لماذا جعل الشبابيك قريبة من السقف لكي يدخلها الهواء والضوء بدورات متعاقبة حسب حركة الشمس، مما احال منظرها من خزانة حصينة الى شيء يشبه زنازين القرون الوسطى ، فاتخذتها انا ابان الحرب مخدعا للنوم ومكتبا للكتابة وسماع الموسيقى تاركا المزرعة تحت رعاية كلبا ضخما عقدت معه صداقة والفه  ،  صديقا وشريك محنة ، فكان كلانا يبحث عن الاخر بعد كل اضطراب ،  بدءا من لعلعلة الرصاص ، وحتى الانفجارات التي كانت تفرقنا ، فكنت اهرع الى الغرفة الحصينة وهو يهرع الى حفرة قريبة من مدخل البيت اتخدها ملاذا له، كنا نتشابه كثيرا ، ربما كان يترجم خوفه الى نباح مكتوم ، مصدرا صوتا خافتا ، واذا مارأني اخرج في الليل فانه يقطع عوائه المكتوم ، ويركض نحوي ، ربما لكي يستمد قليلا من الشجاعة متخذا من  خوفي ذريعة له ليتشجع او ليشعرني دون ان يدرك باني لست وحيدا .  حينما خرجت بعد سماعي الانفجار الغريب ، نظرت كعادتي الى المكان الذي اتخذ منه الكلب حصنا له فلم اجده ولكني كنت اسمع نباحه ، كان نباحا قويا لم اسمعه من قبل ينبح هكذا الا نادرا ، فخمنت انه ربما اصيب لان الانفجار الذي هز المدينة لم يكن يشبه الانفجارات التي كنا نسمعها دائما بل وتعودناها ، ولكني وبعد ان خرجت اثر الانفجار القوي  ،  وجدت الكلب ينبح بشكل متواصل وقوي وقلت مع نفسي مالذي حصل للكلب حتى يعوي بهذا الشكل ،   كنت احمل بطاريتي اليدوية التي استعين بها في رؤية مايجري في المزرعة الصغيرة ولمعرفة سبب عواء الكلب المتواصل ونباحه القوي ، درت حول الغرفة القريبة من باب الدار متحاشيا فضاءات المزرعة في الليل ومقتربا بحذر من شجرة السدر العملاقة المحاذية للسياج ،  حينها رأيت الكلب متشبثا بالشجرة واقفا على قائمتيه الخلفيتين ومنشبا قوائمه الامامية فيها ، بدا عملاقا وهوواقف هكذا موجها رأسه نحو مكان ما في اعلى الشجرة ، وحينما رأني هرع يركض نحوي وهو ينبح بخفوت وعيناه لاتفارقان الشجرة ،  اشعلت ضوء البطارية ووجهته نحو الشجرة ، كانت الاغصان تتحرك بقوة ، ورأيت مضلة حمراء تغطي اجزاء كبيرة من الشجرة العملاقة ، اطفأت الضوء ، ودرت حول الشجرة ، وكلما كان يهدأ صوت نباح الكلب ، كنت اسمع اصواتا غير مفهومة ، لمست رأس الكلب ومسحت ظهره فسكت ،  حينها سمعت كلمة واحدة كانت تتكرر وبالانكليزية………………….
انا عالق ……  انا عالق …..  انا عالق…..
وساد صمت ثم اعقبته وشوشة اجهزة  تصدر من اعلى الشجرة ، ثم تابع الصوت وبالانكليزية ايضا
انا عالق في مكان ما في اطراف بغداد…….  ثم  سادت فترة صمت  بعد ان هيمنت وشوشة اجهزة مختلطة
سارسل لكم اشارة عن المكان الذي علقت فيه …..هناك كلب يحاصرني ولااستطيع الحراك او تلمس الاجهزة الاخرى ، لاني عالق في اغصان شجرة عملاقة وكلب كبير ……… حبال المظلة تحولت الى قيود، لااستطيع حراكا ، ولكني اسمع الان صوت رجل ينهر الكلب ويوجه بطارية يدوية نحوي ، بالتاكيد انه يراني الان…. انا حائر ماذا افعل…… زادت الوشوشة التي تحولت الى طنين ، شجعتني ندءات الاستغاثة التي كانت تنبعث من اعلى الشجرة فاقتربت واخرجت البطارية اليدوية ، فطالعني الوجه الشمعي مكبلا تماما بالاغصان العملاقة لشجرة السدر والحبال التي تشابكت مع المضلة الحمراء،  ادرت ضوء البطارية بدائرة حول الشجرة ، فلم ارى شيء اخر سواه ، حينما قابلني الوجه الشمعي الذي صرخ بتوسل وبانكليزية محاولا ان يترجمها بتعبيرات وجهه وقال
بأسم الانسانية ، ارجوك ان تفك اسري من الشجرة ….
فاجبته بانكليزية ….من انت …؟، ومالذي جاء بك الى هذا المكان…؟،  لكنه تجاهل سؤالي مواصلا توسله ان انقذه ، وان لاوقت للشرح الان،  فقلت له اذن  اصمد قليلا ، ساعود اليك بعد قليل,  حينها هرعت الى المطبخ ، وجلبت السكين الكبيرة التي تشبه الساطور ، وسلم الحديقة الخشبي، لكني حينما  اقتربت منه.. شاهرا السكين قريبا من وجهه ، ربما تصور اني ساقتله ، لانه صرخ بهلع ….
–   ارجوك …..ارجوك اترك هذا الامر الى حين !!
لم اعر توسلاته اهتماما ، فبدأت احز الحبال والاغصان المشتبكة بالمضلة الحمراء ، ولااعلم كيف كانت يداه مشدودتان بين الحبال والاغصان ، وحالما تحررت يداه ، سمعنا معا رنينا خافتا يصدر من سترته ،  فقال لي ، ان اسرع قبل ان تكتشف الحوامات مكاني ، لم افهم  حينها ماذا كان يقصد ، لكني واصلت بكل قوتي قطع كل الحبال وتهاوى على الارض ، وقبل ان يمد يده الى جيبه امسكته بكلتا يدي ، اياك ان تحاول شيئا وكان الكلب يكاد ان يطبق على عنقه ، لكنه قال اريد ان اطفىء هذا الجهاز اللعين الذي يرن في سترتي لكي لايعرف احد منهم مكاني ، تركت يديه تعبثان في سترته المليئة بالجيوب وفعلا اخرج جهازا صغيرا كان يبعث اشارة خضراء ، فضغط على زر فانطفأ الضوء.
تركت الدفتر جانبا وبقيت اتأمل ماقرأت ، لكني في اليوم التالي واصلت القراءة من حيث انتهيت .

*****
كلما احاول ان اقنع نفسي ، بان الرجل الجالس امامي
على الكرسي الخشبي في غرفتي الحصينة هو سبب كل المتاعب التي مررت بها ، لااستطيع ان اصدق، فاحاول ان احاوره ،  لعلي افهم  مايجري ،  او على الاقل لكي اصدق ان مايحدث امامي هو حقيقي ،  لكني اجد عقبة خوفه تشبه جدارا كونكريتيا تشكل فجوة لفهم مايجري ،  خوفه مني او من اشياء اخرى لاافهمها ،  كان يتطلع الى السقف كثيرا خاصة حينما نسمع انا واياه صوت الحوامات وهي تشق السماء فوقنا، ويلتصق بالجدار وهو يهمهم بكلام غير مفهوم ،  لغة انكليزية لااستطيع فهمها رغم اني اجيد الانكليزية بشكل متقن لكوني مهندس زراعي ولدي محاولات كثيرة في ترجمة بعض الاعمال الادبية من الانكليزية الى العربية ،  لكني بقيت عاجزا تماما عن فهم ماكان يغمغم به انذاك ،  ولم استطع ان اقتحم وحدته وذهوله ،  كان ملتصقا بالكرسي وصامتا عدا بعض الاجابات العادية التي لاتعني شيء ازاء ماعشناه معا ، كان ينظر باستقامة نحو الجدار كانه يرسم لوحة لايستطيع انهائها ، ونظراته  توحي  بازمة ما ، لكني وازاء صمته وتجاهله اسئلتي  الكثيرة واجاباته المقتضبة ،  صرخت فيه بحدة
–   لكي افهم على الاقل ……؟
حاولت ان اثير خوفه ، وفتحت الابواب والشبابيك الخارجية  التي كان يتوسل لكي ابقيها موصدة …  فوعدني بان يشرح لي …ولكن ليس الان ،  اترك لي فرصة التقاط انفاسي  …  ثم اضاف…..” ايها الرجل الذي لااعرفه ولايعرفني والذي ساسميك – المنقذ – ،  اسمع  …  لقد ارتبطنا معا بمصير واحد ،  انا وانت نواجه المحنة ذاتها ، رغم ان الصدفة وحدها هي التي جعلتك شريكا اجباريا في محنتي” ، فتسائلت مالذي يريد ان يقوله هذا المعتوه ،  ثم ماعلاقتي به ، وفي فورة غضب  قررت ان اطرده حالا ، ولكني حالما نظرت الى الساعة التي كانت تشير الى ابتعادنا عن منتصف الليل ، قررت ان اؤجل طرده الى الصباح ، حيث لم تبق الا ساعات قليلة لانبلاج الفجر ،  كان شكله يوحي بالهدوء والذكاء  ويبدو مألوفا على الضوء الخافت الصادر من الفانوس المعلق قرب الباب ،  لكني رددت مع نفسي….. هكذا هي سحن الامريكان والانكليز،  ثم لماذا ابقيه في بيتي وهو يحدثني عن مأزق ومحنة ، هل انا بحاجة الى كارثة جديدة تضاف الى سلسلة كوارثي المتواصلة التي اجبرتني على التخلي عن المدينة والافتراق القسري عن عائلتي والسكن في هذه المنطقة النائية،  وكنت اردد مع نفسي لمرات – لاريحها على الاقل – فليذهب الى الجحيم هو وامثاله،  ثم ان ابناء جلدتي يواجهون في كل ساعة مصائرهم القلقة وموتهم الحتمي  جراء المفخخات والمعارك الطاحنة والموت الجماعي المنصوب كالشباك المتدلية من زوارق تائهة في مجاهل البحار،  ثم مامعنى ان يواجهني هذا الرجل الذي لااعرفه  بحقيقة ان مصيرنا واحد، مجرد رجل التقطته السدرة العملاقة في حديقة داري حيث اطبقت عليه باغصانها العملاقة ، ومظلته الحمراء  الكبيرة التي يستعملها – الهابطون من السماء –  كانا – هو ومظلته – جامدين امام جبروت الاغصان لساعات حتى اللحظة التي خرجت فيها لاستطلع الاصوات التي كنت اسمعها وانا في غرفتي التي اعتبرها اكثر غرف البيت حصانة ، كنت وحيدا بعد ان غادرت الزوجة والاولاد الى دار جدهم ، لكنه وبعد ان اطفأ الجهاز الذي كان يصدر وشوشة اخرج مجموعة من الاجهزة كانت محشورة في البدلة ،  وحينما قدته الى داخل البيت كان يكثر من الالتفات نحو المظلة التي تقطعت حبالها ولم تعد اسيرة السدرة العملاقة ، فكانت تتحرك بفعل رياح شهر نيسان ، فتتكور حينا حتى تكاد ان تطير اوتسقط على ارض الحديقة كبساط احمر فطلب مني برجاء ان نعود الى الحديقة ودار فيها وعلى ضوء البطارية التي كانت في يدي اشار الى حفرة الكلب ، وقال هل تسمح لي ان ادفن هذه الاجهزة هنا ، فالامر يهمك ويهمني بعد ان اشرح لك بعد حين ستفهم لماذا يجب علينا ان نسرع في دفن المظلة والاجهزة ،  فلم امانع ، بل ساعدته على دفنها في حفرة الكلب ، ثم اشار الى المظلة ، فحفرنا انا واياه في مكان اخر في اقصى المزرعة حفرة عميقة ودفنا المظلة وسوينا التراب عليها ووضعنا صخورا واحجارا وقطع صغيرة من الطابوق عليها ، كان يدقق في مكان الحفرتين ، حفرة الكلب التي توارت تماما وحفرة المظلة التي غطيت بالاغصان والحجارة ،  اطلق تنهيدة ارتياح ، فقدته الى غرفتي الحصينة ،  حين دخلنا الغرفة جلس على الكرسي الخشبي فيها وتركني واقفا لااملك ايما اجابة عما يحدث ، فعدت ادراجي الى المطبخ واعددت ابريق من الشاي ، وتناولت قدحين ، ملئت قدحه بالشاي الساخن فطلب ماءا ، ناولته قنينة من الماء فشرب ، لكنه كان يسهو كثيرا ولم يترك لي فرصة ان اكلمه اواسئله ، عن اقتحام منزلي في هذا الليل الذي يتحول في بعض الساعات الى جحيم ، ولم يكن هدوءه طبيعيا ، فلايمكن الا ان تشرخ صمته العيارات النارية التي تطلق من بعيد  والانفجارات المكتومة بتواصل مذهل،  قلت له في محاولة مني لكسر الحاجز الذي كنت احسه هائلا بيني وبينه ، اني مهندس زراعي واني قررت ان استغل منزل جدي وحديقته الكبيرة لاحقق هدوءا هو اقرب الى الحلم في بلد بات لايعرف الهدوء مذ خلق ، كان يجيبني بكلمات مقتضبة مشفوعة بأيماءات من رأسه ، بدا لي واضحا ان خوفه اكبر من السحنة الشمعية الجامدة التي رأيتها وانا اسلط ضوء المصباح عليها حينما كان عالقا في الشجرة ، ولكن وعلى ضوء الفانوس ، واقترابي منه وانا اقدم الشاي اليه ،ادركت اني امام رجل اعرفه تماما ، انه صورة او نسخة لاتقبل الخطأ باي نسبة ما من جورج بوش ، ان لم يكن هو …حتى البدلة الرسمية وربطة العنق ، التي كان يرتديها تحت البدلة الكاكية التي نزعها ودفنها مع المظلة  وتسريحة الشعر والانف الطويل ، ياالاهي هل انا في حلم ، حينها ادركت  اني ازاء مأزق الوهم ، هل يعقل ان يكون بوش في بيتي ، وفي هذه الغرفة القديمة  ، وهو على هذه الدرجة من الخوف ، اى بوش هذا الذي استطيع ان اركله وهو ملتصق بالكرسي ، حينها استطعت ان افك اول لغز واجهني حينما رأيته اول مرة معلقا بالمظلة ، ادركت ان الوجه الذي امامي وجها مألوفا ، ولكني عزوته  الى سحن الانكليز والامريكان التي تتشابه في اشياء كثيرة ،  بدا على الرجل انه قرأ افكاري ،  فقال بلهجة قاطعة تخللها الكثير من الخوف …
–    انا لست جورج بوش ، كما تظن ،  صحيح ان هناك شبها كبير بيننا في الشكل ……
وفي فترة صمته فكرت ان بوش خان نفسه،  بل انكرها ، واين ..- تصورو يامن تقرؤني الان –  امامي انا الرجل المسالم الذي لااملك اى قطعة سلاح في بيتي ،   لقد جبن بوش امامي ،  ربما حينها – وهذا طبيعي جدا – اني احسست بالفخر ، مما شجعني على الصراخ في وجهه …
–   اياك ان تنكر … انت الان امام رجل متعلم ،  ثم ان صورك في كل فضائيات العالم ،  لماذا تخاف مني ايها البوش ؟
لكنه قاطعني بكل هدوء  , وبمزيد من الرجاء ….
–   صدقني ايها المنقذ اني لست – جورج بوش – الحقيقي بل انا  بوش – المزيف…..!!
– هل تقصد الشبيه…….
وتذكرت رئيسنا السابق ،  وكم استخدم من رجال يشبهونه …  وكان يبعثهم الى الاماكن التي كان يشم فيها اقل درجة من الخطر عليه….. لكنه لم يعر دهشتي اهتماما فحاول ان يقول شيئا ، لكني قاطعته بحدة
– لماذا لاتصارحني ، وتقول لي من انت ، هل انت بوش ، ام شيئا اخر …؟
لكنه واصل كأنه لم يسمعني
–   انا شبيهه ، لقد جئت لتقديم المشورة في حقل اختصاصي كوني عسكريا محترفا سبق لي ان اشتركت بحروب كثيرة  ، لقد جئت ممثلا لرئيس اكبر دولة في العالم ولكن بصفة كوني الرئيس ذاته بسبب الشبه الكبير بيني وبينه – وهذا موضوع يطول شرحه ،  بسبب عمليات التجميل التي خضعت اليها تحت امهر اختصاصي التجميل في العالم ،  وسأهمل شرح اية تفاصيل اراها غير مهمة الان على الاقل – ولكن  المهم هواني بدأت اشعر بالكثير من الملل  والكثير من الشك فيما اعمل وانني بت لااعرف هل حقا اني اقدم المشورة من اجل علو الانسان او من اجل سحقه  …..  ثم صمت ، وحينما طالت فترة صمته ، ادركت مغزى تيهه
–   صدقني ان وجودي هنا في هذا المكان النائي ليس صدفة ،  اريد ان اقول لك مايجب ان يقال ، فاذا لم انجو ، اقصد اذا وقعت في قبضتهم الان اوغدا – وهذا مؤكد – ارجوك ان تعلن ماسأقوله لك علانيه ، ولكن لاتذكر اسمك او عنوانك ، لانهم اذا عرفوك فلن يتركوك الا جثة هامدة تحمل الكثير من الاسرار التي يجب ان تموت معها، ولكن انشر الخبر فقط وفي المكان الذي تريد……. المهم ان يعرفه اخرون ،ولايهم عددهم ، يجب ان يقال مايجب ان يقال لكل العالم ،  واريدك ان تأخذ على عاتقك هذه المهمة ، ربما خدمتني الصدفة لكي انجو ، واسقط في حديقة رجل مثلك ، رجل متعلم ويجيد الانكليزية ، كل هذا حفزني لان اسميك منقذي ، منقذي من اسر المظلة ، ومنقذي في ايصالك ماسأقوله لك
كان يتوقف عندما يصل حديثه الى نقطة ما ،  واضاف
–   ادرك الامريكان واولهم بوش اني لم اعد اصلح الى شيء – ربما بسبب خمولي وعدم اشتراكي بحماسة فيما يقررونه – فبعثني في مهمة اخيرة الى العراق ،  ولكن يبدو ان هناك امورا استجدت  ، استوجبت ان تنسف الطائرة بمن فيها ، حيث تموت اسرار كثيرة ، تحترق في الفضاء ، ومن ثم تتحلل في الاماكن العميقة بين الارض والسماء ،  اما الباقي فهو سهل جدا لانه سري جدا ، الا اذا نجوت ، وهذا ماحدث ،  انا موقن انهم سيجنون ، وسيفعلون المستحيل من اجل العثور علي مهما كان الثمن ، قتل ،تخريب مدن ، تشريد الالاف ، لايهم ، المهم ان يعثروا علي وعلى كل من اتصلت بهم بشكل او باخر ……
كم حاولت ان اقاطعه باسئلتي ….. عن الكيفية التي استطاع فيها النجاة والوصول الى هذا المكان ،  وكيف يمكن ان يفرط بك – بوش – لانك تشبهه تماما اذا لم تكن انت هو…. فكان يتجاهل اسئلتي ليظهر انه فرح جدا لانه وجد من يفهم لغته ، لكنه لم يستطع ان يخفي خوفه مني اومن الحوامات التي كانت تدور حولنا ،  فكان يكرر ان اكون حذرا اذا استطاعوا ان يصلوا الان او بعد قليل لاستجوابي
–  اقسم ليس من اجلي بل من اجلك ، ومن اجل هؤلاء ، كان يشير الى صورة عائلية تجمعني مع الاطفال وزوجتي ، كانت معلقة امامه على الجدار ،  واضاف بحزن –  انا ورقة سقطت في حساباتهم ، كان يردد هذه العبارة على مسامعي لمرات عديدة
–  انا ورقة سقطت في حساباتهم ، ولهذا يجب ان تحترق باى سبيل ،  المهم ان السبل كثيرة ومتاحة امامهم ،  ولهذا اطلب تعاونك معي كي لاتكتشفني دوريات الجيش المنتشرة حول هذا المكان ، واراني اجهزة  صغيرة –  عدا الاجهزة التي دفناها معا في حفرة الكلب –  ،  قال انه اتلفها حالما دخل هذه الدار حرصا منه على اصحابها – واشار مرة اخرى الى الصورة العائلية المعلقة على الجدار امامه ،  فبدأت اربط بين احاديثه عن الكتمان وبين ماحدث بيني وبين الضابط اثناء المداهمة الاولى في اليوم التالي  ، كانت فرقة مارينز مدججين بالاسلحة والصراخ ،  حدث هذا  صباحا بعد ليلة طويلة امضيناها معا ،  هو يتوسل ان لاابوح لكائن ما عن مكانه ، ويشرح بلهجة فيها الكثيرمن الانفعالات الطفولية التي تصل الى حد السذاجة ان مصيرينا مشترك مع وعود بان يشرح لي اشياء اخرى لاحقا .

*****

كان صباحا نيسانيا محملا برائحةالارض ، ولااعلم اين اختبأ ، كان هذا في المداهمة الاولى ، رغم انهم دخلوا كل غرف البيت وجالوا فيه من اقصاه الى اقصاه .
وفي المرة الاخرى ، كان الوقت ليلا حينما تم غزو البيت ، رأيت خمسة سيارات امريكية تحيط البيت ، كنت ارقب المشهد من الزاوية المتاحة  لي، خمسة سيارات جيب مسلحة ودبابة تصوب مدفعها العملاق نحو البيت ،  لم اكن امتلك سوى انفعالات هائلة تطبق على انفاسي ، خاصة بعد ان كسر الباب الخارجي ودخلت سيارتان توسطتا الحديقة ، وهي تسحق اماكن كنت قد خططت ان  تكون مكانا لمشروعاتي الزراعية ، وحتى لايحدث مالايحمد عقباه في مثل هكذا مداهمات ، هبطت السلالم القليلة المؤدية الى الباحة بشجاعة وتصميم ان اخبرهم ان الرجل الذي تبحثون عنه موجود في الغرفةالحصينة ،  وكدت اشير اليهم ان يتبعوني ، لولا هبوط الجنود من السيارتين ، وتحلقهم حولي دون اعطائي أي فرصة للكلام ، كانوا يبدون تحت اضواء سياراتهم  الكشافة كأنهم رجال هبطوا من الفضاء الخارجي وهم يصوبون بنادقهم نحوي وسط صراخ حاد ولغة وقحة اثارت في دخيلتي انفعالات شتى ، حينها لعنت في سري ذلك الدخيل الذي لااعلم اين يمكن ان يكون مختبئا ،  لانهم لم يتركوا غرفة من غرف الدار الا وداهموها ، فاذا كان موجودا في الغرفة الحصينة ،فمن المستحيل انه سيفلت منهم ، حينها طلبوا مني ان اركع واضع يدي فوق رأسي ، ساحت اصابعهم وهي تداهم كل مكان في جسدي ،  كنت اعلم اني لست المقصود في كل هذا الهوس الجنوني ، لكني كلما كنت اتذكر كلماته  وهو يحذرني ، وان الموضوع يخصنا معا كان خوفي يزداد ،  واتسائل وانا منهمك في اتاحة كل مساحات جسدي لملامساتهم ،  هل حقا انا المقصود لاني اويت رجلا يبحثون عنه بجنون ،  بقي الاربعة وهو يشكلون دائرة حولي ،  واخترق  البعض منهم البيت ، قلبوا كل شيء ، حتى البذور التي كنت احرص على وضعها في اكياس اكتب عليها اسمائها ، كانت صورهم تتخاطف سريعة امامي ،  وبدت امكانية ان يجلبوه الان وهو مكبلا امامي حيث سنحشر انا واياه  في زوايا مجهولة لااستطيع اطلاقا تصور مدياتها ، ثم اني سابقى عاجزا عن التكهن بما سيحدث، وهل كان الرجل جادا فيما قاله لي كونه الشبيه الذي  يريدون اغتياله ،  طبعا هذا يعني انهم سوف لا يتركون كل من اقترب قليلا من بعيد او قريب من هذه الحادثة سالما ،  قررت ان امسح كل السيناريوهات من عقلي والتي اعددتها لانقذ نفسي على الاقل ، وليذهب هو الى الجحيم ،  حينها شعرب بالارتياح بعد ان ازحت ماكان يشغلني ،  وقلت – لاترك الامر للصدفة ، وليحدث مايحدث ، مضت الدقائق حرجة وانا لااعرف مالذي يجب ان افعله ، وهل ابوح لهم بماحدث ،  ولنذهب انا واياه الى الجحيم ،  لكني علمت في اللحظة التي كنت اعد فيها سيناريو جديد ، انهم قاموا بمسح كل زوايا البيت ، حتى اني في لحظة كابوسية رأيت احدهم يقترب من حفرة الكلب الذي اختفى هو الاخر وقف قربها ومضى بعيدا عنها  ،  وخرجوا من البيت وهم يهزون رؤوسهم بعلامات نفي واضحة ، رغم اللكنة الامريكية المحلية ، فهمت انهم لم يعثروا على اى دليل يؤكد لهم ان الرجل الذي يبحثون عنه كان موجودا هنا ،  حينها زادت غرائبية المشهد برمته امامي ،  اذ كيف لم يجدوه وانا تركته في الغرفة منذ فترة وجيزة ،  هل يملك طاقية اخفاء !! ولكني لم اكن اعلم هل اغلقت باب الغرفة الحصينة ام تركته مفتوحا!!  اقتادني جنديان ،  احدهما زنجي والاخر ابيض  كأنه ملاك . سرت وسطهما بحذر متحاشيا ان اسبقهما او ان اتأخر عليهما ،  تم اقتيادي وسط اجراءات عسكرية صارمة ،  فاضافة الى الجنديين ، كان هناك اربعة جنود يحيطون بنا ،  سار الموكب  نحو بوابة الخروج ، وكنت اجد صعوبة في السيطرة على عقلي ومشاعري وانا التفت الى الخلف ، رأيت كل منافذ البيت محاطة بطوق من الدبابات العملاقة والكثير من الجنود الذين يعتمرون الخوذ المرقطة وهم يطلون من فوق السياج الكبير الذي يحيط الحديقة ،  حتى الشرفتان المطلتان على الحديقة ازدحمتا بمعتمري الخوذ ،  وتعجبت من الكيفية التي وصلوا بها وبهذه السرعة حتى اعتلوا سطح الدار وهم في اوضاع عسكرية يسددون بنادقهم نحو امكنة ربما – يتوقعون ان يظهر منها من يبحثون عنه – سار الموكب الذي يحيطني الى خارج الدار وهذا مازاد من شكي في انهم ربما قبضوا عليه، وهم يستجوبونه الان ، ترى هل سيدلهم على حفرة الكلب او مكان المظلة ،  اتجهنا نحو هيكل حديدي عملاق مطلي باللون الداكن الموشى ببقع كاكية ،  وكانت ضجة الحوامات فوقنا تثير فزعي واضطرابي ،  حينما وصلنا الى مؤخرة الهيكل الحديدي الهائل للدبابة الامريكية ، الذي كان يزمجر وقرب بوابة حديدية بدأت بالنزول نحو الارض باستقامة وحينما لامست الارض بدا مدخل الدبابة العملاقة ضيقا بالنسبة لحجمها ، لكزني احد الجنود في ظهري دافعا اياي نحو ذلك الثقب الكبير ، صعدت سلمه حديدية قاسية وواصلت تقدمي ، ورأيت ضابطا يشير لي بالجلوس على مقعد حديدي امامه ، حالما جلست واجهني كرسي اخر ، جلس عليه ضابط شاب نزع الخوذة العسكرية ، ووضعها على مقعد فارغ بجواره ، بدا بلا خوذة اكثر وسامة وانسانية ، عرف الرجل اني اجيد الانكليزية ، فاشار الى الرجل بفتح كومبيوتر صغير بدأ ينقر على ازراره ،  كنا ثلاثة رجال داخل رحم الدبابة ، بدأ بحذر وهدوء وهوينطق الكلمات بشكل متأن ، فقد حدثني عن مهمة عسيرة،  فاننا نبحث عن هدف كبير ولااعرف كيف اشرح لك … ولهذا اطالبك بان تكون صادقا معي وانت تجيب … بعد انفجار الامس ، هل لاحظت شيئا غريبا حول دارك او بشكل محدد في حديقة الدار ،  اى شيء ،  حاول ان لاتنسى شيئ ، ايا كان ، وسأريك مايجعلك لاتستطيع ان تنكر ، اشار الى الرجل ان يدير الشاشة نحوي ،  كان هناك منظر ليلي لشيء يشبه غابة تتوسطها فسحة واشار الى مكان  وبدأ بتكبيره وبدا واضحا ان هناك مظلة تتوسط اغصان عملاقة حيث علامات تحت الشجرة كانت واضحة حينا وغامضة حينا اخر لرجل وكلب وهما يقفان تحت الرجل ، كان الرجل الوسيم يشير الى تلك الاشكال بقلم ناعم في يده ….  حينها اشار الى الرجل الذي يقف تحت الشجرة ، ماذا كنت تقول الى  الرجل العالق في الشجرة ، وحينما غبت ، ماذا جلبت ،  نحن نعرف ماحدث ولكننا نريد ان نسمع منك ،  و لنعد الى الوراء قليلا ، اى منذ سماعك الانفجار ،في الثامنة من ليلة الامس ،طبعا لمصلحتك،  ولااعتقد انك تستطيع ان تنكر امام حقيقة صورتك وانت تلتقطه من الحديقة ،  – ثم كبس على زر في الكومبيوتر فتصاعد صوت مذعور ،((   انا عالق – انا عالق ، كررها لمرات ، هناك كلب ضخم تحتي ورجل قريب مني اعتقد انه رأني….)) ، صعقني الصوت الممتزج مع خوفي وهواجسي التي  بدأت تطبق علي بدءا من السؤال الكبير ، هل خانني المدعو بوش ،  لقد قال لي انه اتلف كل شيء وانه اوهمهم انه في مكان اخر بعيد عن هذا البيت ، وتذكرت اشارته نحو الصورة العائلية المعلقة على الدار امامه ، من اجل هؤلاء ، اه كم كان خسيسا في هذا ، لكن تبين لي وبوضوح ،  ان الكلمات لاتعود لرجل واحد ، اذ ظهر ان الجمل الاولى التي كانت تشبه الصراخ … تشبه صوت ونبرة الرجل التي سمعتها منه منذ ان انقذته من مخالب الشجرة وتواصلا مع احاديثنا  طوال الليل ، اما عبارة اني عالق ، وان هناك كلبا ورجلا تحتي ، فهي تعود الى نبرة اخرى مختلفة سرعان مااكتشفت الفرق بين النبرتين…. وتذكرت حديثه الذي قطعه معهم.. وقال لي حينها انه اوهمهم انه في مكان اخر ،  صحيح انه كان عالقا في حديقة داري ،  وزاد يقيني سؤاله اياي – هل ترى صورتك ،  حينما دققت بالصورة ، لم يكن هناك ايما شبه بيني وبين الشكل الذي افترضه انها صورتي ،  وهذا ماجعلني اوقن انهم لايعرفون من هو صاحب الصورة ،  استرجعت في ذهني صوت الانفجار القوي الذي سمعته بالامس والذي افزعني ، وحاولت ان لااتأخر بالاجابة خوفا من كشف اشياء كنت لااود ان يكتشفها هذا الرجل الذي احس ان عينيه تتحولان الى منظار كبير موجها نحو رأسي ،
–   هل سمعت …؟   قاطعته بسرعة
–   نعم لم اكن الوحيد الذي سمع الانفجار ، بالتأكيد ان الجميع سمعوا الصوت …
لكنه قاطعني كانه لم يسمع اجابتي المتضمنة اني سمعت الانفجار
–    وانت …..  في لحظة سماعك الانفجار اين كنت بالضبط…؟   قلت بنفس النبرة التي  حرصت على ان تكون هادئة
–   اجل سمعت اما اين كنت فاعتقد اني كنت داخل الدار بعد ان قطعت جولة امتدت لساعات في اطراف المزرعة المجاورة،  كان يهز رأسه بهدوء ليشجعني على المضي في الحديث ،  اضفت –   لكني دخلت البيت وكنت متعبا وحالما سمعت الانفجار انزويت في الغرفة الحصينة –  حينها احسست ان غصة هائلة بدأت تتصاعد من بلعومي ،  تصعد وتهبط الى اعماقي ،  كنت حذرا جدا ومتأنيا ولكن كيف انفلتت كلمة الغرفة الحصينة التي كنت قد شطبتها من كل السيناريوهات التي اعددتها في ذهني تحسبا لمثل هكذا استجواب ،  ندمت كثيرا على خطئي – ويبدوا ان الرجل التقط الكلمة بسرعة مذهلة ، ولم يتحرك شيئا في وجهه عدا عيناه اللتان تحولتا الى ابر تكاد ان تنغرز في رأسي من كثرة التحديق نحو مكان ما فيه ، واصلت الشرح من بعيد عن اشياء لاعلاقة لها بالغرف او الانفجارات ، حدثته عن الخوف وعن مايصيب الانسان حينما يسمع اصوات مفزعة،  لكنه لم يتمالك نفسه واتجه نحو هدفه مباشرة فقال
–  حدثني عن الغرفة الحصينة ….
ادركت ان الامر سوف لن يمر بسلام ابدا وبدأت اشرح له باسهاب – عن جدي – التي كان يتخذها كمخزن ليحفظ فيه اشياءه الثمينة والتي حولها ابي فيما بعد الى شيء ما يشبه الملجأ ولم اجرؤ على ان اقول له انها تشبه زنازين القرون الوسطى فقلت انها تشبه الملجأ ، ادخلها كلما احس ان الخوف او الخطر يحيطان بي …واصل اسئلته عن الغرفه كانه لم يسمعني ، فاطنبت بالشرح كما اراد ……
–    لانها صغيرة وتقع في اخر الدار ، وكونها الوحيدة بشبابيك صغيرة لاتطل على فناء الحديقة ……
واصل الرجل كأنه يكمل كلامي
ولهذا تعتبرها حصينة …..
اكتفيت بهز رأسي بالموافقة ،  يبدوا انه كان ينتظر هذه الاجابة مني اذ نهض من مقعده وهو يشير الى الخارج ..
اذن قدني اليها
وبخفة قط  هبط عبر السلم الى الارض نهضت وانا منحني  حتى لايلامس ظهري سقف الدبابة ووجدت السلم فنزلت منه على مهل وانا افكر بالفخ الذي اوقعت نفسي فيه ، كان عقلي الضاج يزخ الصور بكل توترها ،  ماذا يمكن ان افعل اذا وجدوه في الغرفة الحصينة بعد قليل مرتديا ملابسي التي كنت قد اعطيتها اياه ،  او وهو جالس على الكرسي الخشبي ،  كان كل شيء يوحي بالفوضى ،  مما جعل احساسي بالخطر يضمحل ،  خاصة ازاء منظري وانا اسير وسط اربعة رجال مدججون بالخطر الذي تحول بصلافة وقسوة الى شيء لامعنى له وتساوى عندي الخطر مع باقي المشاعر ،  وبت لاارى منه الا شكلا  مائعا يسيح كالصخور النارية نحو مكان ما، يحيطني بحرارته ،  كان يتمثل امامي بتكتكة بنادق الرجال وهم يضعونها في وضع الرمي ، شيئا عاديا ولاجدوى منه اطلاقا ،  سرت بثقة ، ربما لاني كنت اعرف ماينتظرني بعد قليل ،رغم اني لمحت اشباحا من بعيد وهم يتوزعون على الشرفات وسطح الدار ،  كان البيت محاطا بهم وبلا ادنى شك اذا بقي  في الغرفة التي تحولت الى هدف سهل امام سبعة جنود يجمعهم الغضب وهم يشهرون اسلحتهم بصلافة امام كل شيء ، وقلت في نفسي – لماذا انا قلق الى هذا الحد …. فليكن مايكون ،  وانا واثق ان عقلي سيكون حاضرا للاجابة على اية اسئلة تتعلق به ، فانا اولا  لااعرفه البتة، حتى اسمه …. وعمله كممثل لجورج بوش او شبيهه، ربما ان الامر يشبه النكتة السمجة ، ثم ان لاشيء يربطني به سوى …. اه … ماذا ؟  تصاعدت الغصة في بلعومي الجاف ،  ربما وهذا مؤكد ستكون المظلة الحمراء التي دفناها معا في حديقة الدار انا واياه ليلة امس ، ومعها تلك الاجهزة الصغيرة التي وضعها بعناية في كيس من البلاستك القوي ودفناها ، ستكون هي الرابط الوحيد بيني وبينه  ، وقلت مع نفسي وماذا في هذا ، انا لااعلم شيئا عنها ربما دفنها هو…، وقبل ان ندخل الدار بدأت عملية استعراض عسكرية مصحوبة بالكثير من الحركات البهلوانية واشهار الاسلحة في وجه كل شيء ، وتسائلت مع نفسي وانا ارتعش كالمحموم –  ذلك الارتعاش اللارادي الذي حاولت ان اخفيه عن محاوري الذي يريد ان يجعلني اصدق كل كلمة يقولها –  ثم من يكون هذا الرجل الذي هبط من السماء بمظلة حمراء عالقة بشجرة السدر العملاقة ،  ثم هل هو المطلوب للامريكان رغم انه – كما اكد لي و ماتأكدت منه انا –  انه الشبيه الكبير للرئيس ، قال لي انه امريكي حقا ، ولكنه بدأ ازاء اخطاء شبيهه الحقيقي – الرئيس – ينحى بمسارات مختلفة عنهم ،  –  انا اختلف عن الامريكان الذين تراهم في شوارع المدينة…..  انا ضدهم تماما وضد جورج بوش نفسه،  رغم اني احمل في اوراقي الثبوتية اسمه وشكله واركب طائرة رئاسية –ثم استدرك وهويسألني
لااعتقد انك لم ترى الطائرة الرئاسية …  الطائرة التي تحمل مصير العالم ولكن على كف عفريت ،  فهناك اسرار كثيرة فيها ، بدءا من الحقيبة السرية التي تحمل الارقام السرية للمفاعلات النووية ،ومحركات الصواريخ العابرة القارات ، كم تعتقد حجم وشكل التمويه الامريكي لحركة هذه الطائرة ،  انها عشرة طائرات ،  تتشابه كلها في الحجم والشكل واللون ، ولكن تسعة منها مزيفة ،  وواحدةهي الحقيقية ،  لااريد ان اشرح لك الكتمان الذي يحيط حركة هذه الطائرات العشر التي تطير كلها حالما تتحرك طائرة الرئيس – الحقيقية  طبعا –  وكل الرجال الذي يركبون الطائرات التسع يشبهون الرئيس في كل شيء ،  حالما تحط احدى الطائرات الزائفة مطار دولة ما تصرح وكالة الاستخبارات الامريكية لوكالات فضائية معينة بان تبث الخبر ، ان الرئيس في طريقه لزيارة شرق اسيا وحطت طائرته في مطار كذا ، للتزود  بالوقود او غيرها من الاسباب ،في هذا الوقت بالذات تحط الطائرة الحقيقية في مطار اخر ، مطار اكثر سرية من المطار الذي حطت به الطائرة الاولى
…. قلت :   هل تسخر مني ام ماذا ؟ فاجاب بسرعة- كلا اطلاقا ، فانا جورج المزيف ،  اعتقد ان علاقتي به تحولت الى مصير لااعرف كيف استطيع الخروج منه ، لكن لغزه هو من اسقطني في هذا الاضطراب ،  ترى مالذي يربطني به حتى يربط هو من جانبه وبطريقته الحزينة مصيره بمصيري  سألته بحدة وانا لم اخرج من مفاجأة اتخاذ بوش اشباها كما كان يفعل رئيسنا ، بسذاجته وبساطة اكاذيبه ، اتخذ اشباها له ، واحترنا نحن  فيمن هو الحقيقي  وفيمن هو المزيف  او الشبيه
لاتقل  شيئا لتصور نفسك ملاكا، خاصة وانك الشبيه الذي كلفت كما اظن الميزانية الامريكية الكثير من الاموال ، وقربك من الرئيس ، ان ليس في يدك حيلة ، هل يعرف الشعب الامريكي هذه اللعبة التي يمارسها الرئيس بحقهم ، ثم هل فعلت ذلك بدافع الاختيار ، او من اجل المصلحة الكبرى لوطنك …
قال بحزن وهو يطرق رأسه
صدقني لقد اجبرت على هذا ، وخيرت بين الموت او الغياب في اعماق زنازين لايعرف مكانها الا الله وبين القيام بالدور خدمة لامريكا . خياران كلاهما……..
لم امهله كثيرا اذ صرخت في وجهه
–  الاف الارواح تزهق و الاف غيرها على المحك ، رغم ادراكك  انك تمارس دورا مسرحيا هزيلا و الثمن دائما هو الكثير من الدم الذي يراق …
اطرق برأسه ، وقال بحزن ،  يااخي انها اللعنة نفسها تلاحقني ، ولااعرف كيف استطعت ان تحللها ببساطة ، ولكني اود ان احيلك الى موضوعة مهمة ، يتبناها الرئيس وغيره –  اقصد الذين يشرفون على وضع الاستراتيجيات الكبرى لامريكا، ومن ضمنها موضوعة ( الصراع  ) …..  اؤكد وهذا يقيني كمسيحي متدين وكما هو يقينك كمسلم ان الصدام حاصل لامحالة …. انهم يبحثون عن كل ثغرة يمكن ان تؤدي الى هذا ، وماحربنا المكلفة الباهظة الثمن والتي يدفع الامريكان نفقاتها من جلودهم ، بعد ان اوهمهم رئيسهم بانها ستكون حربا مجانية ، كلا.. كلا – رددها لمرات ، صدقني ان بوش مول الحرب بطرق مختلفة ،  ليس فقط بواسطة اموال دافعي الضرائب  ولكن بواسطة القروض المالية ،  لقد كانت حربنا معكم موضوعة على حساب بطاقات الديون ،  لقد اوهم بوش الشعب الامريكي بانه لايحملهم اى كلفة للحرب ….. وهذه كذبة كبرى اذ لاتوجد اطلاقا وعلى مر التاريخ كله حربا مجانية ،  وصدقني ان هناك الكثير من التعتيم على الحسابات الاقتصادية اولا ،  وكلفة الجنود الذين يعودون وهم معاقون،  انها اشياء خرافية اذا اضفتها الى ميزانية الحرب الحقيقية ،  صدقني ان بوش ودون علم الامريكان بدأ يدفع تكاليف هذه الحرب من القروض العالمية خوفا على مايمكن ان يظهر به امام ابناء جلدته وامام العالم اجمع ،  يحاول ان يراهن ، ولم يأمر بنسف طائرتي رغم حاجته لي ، الا لكوني صرخت في وجهه  ، ناعتا اياه بانه اكثر رؤساء امريكا اثارة للجدل والانقسام ،  جمهوريون ، ديمقراطيون ، حتى طبقات الشعب المقهورة بالحرمان ، بدأت تثير زوابع حولك  …. قلتها في وجهه  و فهم مااعني، ولم يحرك ساكنا ،  والان وبعد هذه الفورة التي دهمتني مستعيدا في ذاكرتي حديثنا ليلة امس،  بدأت ادرك تدريجيا مايمكن ان يحدث لي وانا اسير متوسطا جنود المارينز الشرسين ، وامامنا يسير ضابط يحاول ان يمسك الخيوط بدقة عجيبة ، اذ دخل السر عبر زلة لسان بسيطة ، مجرد كلمة اشارت الى مكان في البيت اسمه – الغرفة الحصينة –   انه يقودني الى المكان ذاته والذي اعتقد انه حالما يدخله سيصرخ في وجهي ،  – ايهاالمجرم الافاق ،  انك تعمل ضد وطنك اولا  ، وضد امريكا ثانيا ،  ثم انك مثال صارخ وغبي لكل كاذب حقير ، كنت اتوقع ان يبدأ هذا الرجل بصب غضبه علي حينما سيفتح الباب الحديدي الثقيل لغرفتي الحصينة ،  حيث سيراه واقفا وسط الغرفة او متسمرا على الكرسي الخشبي ،  ان لديه كل الاسباب والمبررات التي تسمح له بقول كل شيء او يتعدى كل مايمكن ان يخطر في بالي ،  اى شيء ،  ربما القتل الفوري ، يمكن ان يأمر احدهم بصفي على الجدار ودرز جسدي بالرصاص ، بلا ادنى تبعات ،  لانه يملك المبرر الكافي لقتلي ،  حينما وصلنا باب الغرفة تنحيت جانبا واشرت لهم نحو الباب الذي كان غير مغلق ،  كان الباب الموارب يمتزج شكله مع انفعالاتي في توقع صراخهم في وجه مضيفي الذي لااعرف حتى اسمه ، وكان تحسبي على ما يمكن ان تحدثه مفاجأة وجوده في الغرفة اكبر من خوفي منهم ، كنت اخاف من تلك النظرة في وجهي ، نظرة احتقاره لي ’ لاني قدتهم بسهولة ودونما مقاومة اليه رغم كل ماقاله لي ، سوف لااطيق احساسي باضطهاد وندم لايوازيهما خوفي من الموت ،  دفع جنديان اصهبان الباب وقفزا الى الداخل ، انتظرت ان اسمع صوته او صوت دوي رصاصات او اى صوت اخر من اشكال الحراك المدوي ، بقيت متجمدا حتى اللحظة التي خرج فيها الجنديان وهما يتجها مباشرة نحو الضابط  ، همسا في اذنه بكلمات لم استطع  سماعها لكنه اكتفى بهز رأسه وتقدم بخطوات واثقة وسريعة نحو الغرفة ،  دفع الباب ، واشار لي برأسه ، فتقدمت ، كنت في وسط الغرفة انا واياه فقط ، ولم يكن لرجل المظلة وجود ،  حقا كنت مندهشا الى حد اني بدأت اضحك بلا سبب لكل كلمة يقولها المحقق الامريكي ، وبدأت باستطرادات بلا معنى ، لكن خوفا كبيرا انتابني وانا اجول مع الضابط في الغرفة واتجهنا الى الشباك ، قلت مع نفسي ، لابد ان امرا ما سيحدث ، وهواجسي التي طغت على كل شيء كانت معبئة بالخوف الى الحد الذي جعلني احس بمغص في اعلى معدتي ، وقلت للضابط الذي كان يتفحص الغرفة بعناية ، وفي محاولة لصرفه عن افكاره ،  قلت له وانا اشير الى الكرسي –  كنت اجلس  هنا ، او على الارض حسب مايستدعيه الموقف من خطر ،  ثم ان الانفجارات القريبة تربك  الانسان ، وتجعله يبالغ في محاولات حماية نفسه  ،  هذا الكرسي ، وهذه الارض ، كانت تمثل لي ملاذا مهما وسط هذه الغرفة ،  اضافة الى الجدران السيمكة ، مبتعدا قدر الامكان عن الشبابيك العالية ،  ثم انتابتني نوبة من الضحك الهستيري ، وقلت ، – هذا كل شيء ، هل تود ان اريك باقي الغرف ، لكن الخوف داهمني بشدة – ماذا سيحدث لو انه اختار غرفة اخرى بعد ان سمع الضجة التي في الخارج – انبت نفسي مرة اخرى ، على اظهار مشاعر الفرح ، فرح التخلص من مأزق مميت ،  واحلت الموضوع الى سذاجتي وغبائي ، لكن الضابط ودون ان يعلمني انه يود الخروج من الغرفة والعودة الى الدبابة، امرني ان اصحبه مرة اخرى لاكمال اوراق التحقيق ، حينما التقينا مجددا في جسد الدبابة العملاقة ، قال لي وبلاادنى مقدمات ….
انظر ، اياك ان تعتقد ولو بجزء بسيط من النسبة انك خدعتنا ، انا اعلم انك متورط ، ولدي مايثبت ذلك ،  استطيع ان اعتقلك الان ، لاني متأكد انك تحاول ان تحمي احدا ما ،  استطيع ان اوقع بك الان ، او غدا ، ولهذا اطلب منك ان تفعل معروفا الى نفسك ولنا ، اريدك ان تخبرني الحقيقة .
وبعد فترة صمت تخللتها اصوات طلقات من بعيد ، قلت للضابط وبنبرة تحدي –لااعرف كيف هيمنت على كلماتي -.
لحد هذه اللحظة وانا لااعرف عما تبحثون عنه …؟
هز رأسه وقال بلهجة غاضبة
انزل من الدبابة وعد الى بيتك ، وغير مسموح لك ان تخرج من دارك ،  صدقني ان اكتشفت انك اخفيت علينا امرا ،  ساوقع بك ،  صدقني سافعلها ،
تمالكت نفسي وقلت له بثقة اكدها صوتي العالي
–    دعني افهم على الاقل مالذي تريده مني ،  فليس من المعقول بعد كل هذه الاجراءات والتهديدات ، وانا لاافهم مالذي تريده !!
لم يجبني لكنه اشار الى الباب ، اطرقت برأسي وهبطت بصعوبة من الدبابة وقطعت المسافة من الدبابة الى بيتي سيرا على الاقدام  ، وانا مضطرب ، ولم اتنفس بعمق حتى اللحظة التي تحركت فيها الدبابات ومجموعة السيارات العسكرية المرافقة لها بعيدا عن البيت .
حينما  عدت الى البيت ، كان السكون يهيمن على كل شيء ، وكنت افكر في لغز اختفاء الرجل ،  ترى اين ذهب ،  استلقيت على سريري محاولا الاسترخاء ،  لكني وجدت نفسي اردد دون ارادة مني –  ربما بصوت عال –  قلت انها حسابات معقدة جدا ، لايمكن ان تسوى ابدا ، وهل انا الوحيد الذي اكتشف بالصدفة ان الرئيس بوش يتخذ له رجال يشبهونه،  وطائرات رئاسية مزيفة تحمل اشباهه تحط الحقيقية في مكان سري وتحط معها في ذات الوقت طائرات رئاسية في اماكن اخرى من العالم ، كلها اجراءات احترازية لحماية الرئيس  ، كل هذه الاسرار اخبرني بها الرجل الذي اختفى دون ان يعرف احد مكانه ، ورددت مع نفسي انها صفحات هائلة من القتل العمد ستبقى مفتوحة ابدا امام الجميع ،  ولايمكن لحسابها ان يغلق ،  كل شيء سيدونه التاريخ ، مايمكن ان يحسب على القاتل ، ومايمكن ان يحسب على المقتول ،  التاريخ مسودة تكتب بالحديد والنار ،  اما ازالتها فيمكن للنار ان تحدث شرخا في مكان ما فيها ، لكنها ستبقى …..
تذكرت كلمات الرجل بوش الشبيه ، وانا اطالع بوش الحقيقي في شاشة التلفزيون وهو يتوسط مجاميع من  الجنود في احدى القواعد العسكرية  متحدثا  وهو يسرد الحكايات ،  عن جنود  يتناوبون على القتل في اعماق ادغال افغانستان وعلى شواطىء اعذب انهار الدنيا ،  لكي يدفعوا الخطر بعيدا عن امريكا
–  ان رجالنا عبروا المحيطات ليحققوا اهدافهم المرسومة على صفحات القدر، دون ان يتراجعوا عن اهدفهم المرسومه … لقد وصلوا الى هناك ليبقوا … مهما كان الثمن ، تحت شعار امريكا اولا.

*****

((….  اذكر عندما كنت طفلا ، كنت استيقظ  في اعماق الليل ، ليس من الخوف ، بل لاني لم اكن اعرف اين انا ……))

انها مدوناتي التي استبقت الحدث ، وكان سقوط بوش في حديقة داري وانقاذي له يشبه الحلم ، واقول هل ان الامر له علاقة بالحقيقة ، في اى مساحة  ما،  ماذا يريدون مني ،  لقد عادوا بعد يومين ،  كسروا الباب ودخلوا، وحينما خرجت لهم كانت كل فوهات البنادق مصوبة نحوي ، تقدم مني احدهم وشد وثاقي من الخلف ، الشد على معصمي  كان قويا ، حاولت ان افهم الرجل المجاور لي في السيارة العسكرية ان يخفف من الشد على معصمي ،  لاني اعاني جرحا قديما  في مقدمة رسغي مما جعلني اتأوه ، بل اصرخ فيهم وبلغتهم
هل تستطيعون ان تفهموا مايجري حولكم ، انا اكاد ابكي من الالم الذي يحدثه ضغط الطوق على معصمي
حينها دهمني احساس مؤكد انه ربما وقع في ايديهم – كانت هذه الربما اقسى من التأكد انه وقع في ايديهم حقا –  كما توقع هو واكدها لي بان لاخلاص له منهم ، لانهم سيفعلون اى شىء مهما كان للوصول اليه .
وصلنا معسكرا لااعرف اين ، لانهم عصبوا عيني ولم اعد ارى الا احذيتم من خلال فتحة صغيرة اسفل عيني كانوا يسحبوني عبر ممرات هيمنت عليها اصوات الجزم العسكرية الثقيلة وهي تطرق على ارض اسفلتية ناعمة،  كنت اتواصل في الشرح مع الرجل الذي يقودني ، ولم اكن ارى منه سوى حذائه العسكري ، كان يبدو انه اصما ، حقا انه اصم ، لانه لم يستطع ان يدرك الالم الذي يسببه القيد المشدود على معصمي وهل هناك امكانية ان يولد عنده جزءا من مساحة الافكار التي تخطر ببالي ، وكنت اتسائل وافكر بصوت عال…. هل يمكن ان يكون على الارض كائنات مثله .  سمعت ابوابا تفتح ودفعوني الى مكان لم استطع ان اتعرف عليه الا بعد ان سمعت صوت الابواب الحديدية الثقيلة وهو تضرب بعضها في عملية شد وجذب ، دفعوني من ظهري بقوة بعد ان فكوا قيدي ورفعوا العصابة عن عيني ، اتجهت مباشرة الى الامام حتى امسكت بجدار املس ، وسمعت صوت اصطفاق ابواب خلفي ،   كانت غرفة تشبه تماما – عدا الباب الحديدي والنوافذ –  غرفتي الحصينة – التي كانت فيها ثلاثة فتحات قريبة من السقف ، اما هذه ففيها فتحة واحدة قريبة من السقف ، وجدت سريرا ومغسلة وستارة حالما رفعتها وجدت مرحاضا وصنبور ، جربته ، كان فيه ماء ،  استلقيت على الفراش وانا احاول ان اغمض عيني لادع نفسي تغوص في ذكرياتي ،  والى ماعشته في الايام الاخيرة والايام التي سبقتها ، منذ تلك اللحظة الفاصلة التي اكتشفت فيها هذا الدخيل ، الذي لم يشرح لي الكثير ، سوى تلك الحقيقة الغامضة كونه شبيه بوش ، وان بوش ارسله الى العراق لكي يتخلص منه في حادث لايختلف كثيرا عن ما كنت اشاهده في افلام  – الاكشن – الامريكية وغيرها ، ولم اقتنع ادنى اقتناع باني يمكن ان اكون مذنبا ، ثم ماعلاقتي بهم وببوشهم الاخرق ، ذلك القاتل الذي كان يفلسف الموت بدم بارد وبابتسامة بلهاء وعينين كابيتين لايختلف اثنان على انهما انعكاسات لكذب ابله ،  ثم حاولت ان اخرج من عتمة الصور الى اللحظات الجميلة مع ابي وامي وفيما بعد مع زوجتي واطفالي ،  لكني ادركت ان ذكرياتي قليلة لاني كنت اعود الى الذكريات نفسها ، ربما لاني لااملك سواها ،  كانت الافكار تتبخر من رأسي بسرعة ، لقد حلمت بالانزواء في مزرعة جدي حيث سيكون لدي الكثير من الوقت للقراءة والبحث في اختراع اجناس جديدة من الفواكه ،  والكثير من المواضيع المهمة في الادب كنت قد قرأتها بلغتها الام ،واشرت عليها لترجمتها الى العربية ،  ولااعلم كم امضيت فترة من الزمن حتى فتح باب الزنزانة ودخل رجل خدمة ، نظف المكان بالمطهرات ، وقرب منضدة صغيرة وضع فيها اناء  كانت تفوح منه رائحة الطعام وقنينة من الماء ،  طلبت منه سيكارة ، اعتذر ، قال ساخبر مسؤولك لكي يوفر لك السكائر ،  لم اكن ادخن ، اذ اقلعت عن التدخين منذ اعوام ، لكني في تلك اللحظة وجدت ان ثمة ملاذا او صدمة تخدير مؤقتة  يمكن ان توفرها السكائر وسط هذا الاسطبل المعتم ، واثارت كلمة – مسؤولك – الكثير من الاسئلة في رأسي ، هل يعقل ان يكون لي مسؤول امريكي بعد الذي امضيته بعيدا عن الانضواء تحت اية مسؤولية وظيفية مهما كان حجمها والتي كانت متاحة امامي ، اضافة الى امكانيات سفري الى بلدان اخرى ، لاكسب الكثير من المال اضافة الى متابعة دروسي في الترجمة وتعلم لغات اخرى ، احسست في تلك اللحظة اني اهذي ، فما معنى ان افكر الان وانا في هذه الزنزانة باحلام السفر ومتابعة الدراسة ، حينها قررت ان اتوقف عن الهذيان ، فطرقت الباب بقوة ، طالبا ان يكلمني احد ما …. اريد ان اعرف تهمتي على الاقل ،  ربما مر يومان على وجودي في هذه الزنزانة ، وكانت مواعيد رجل الطعام والتنظيف منتظمة جدا ، وكلما اطلب من الرجل ان يعطيني سيكارة ، يقول لي كالروبوت ، انه سيكلم مسؤولي ، حتى في اللحظات التي كنت اصرخ فيه ، اجلب لي مسؤولي ، هل هو جبان الى هذا الحد حتى لايستطيع ان يواجهني ، ثم انه لايمتلك اى سبب لسجني في هذه الزنزانة ،  كان الرجل يبدو اصما ، لايظهر على وجهه اى تعبير عن فهمه لما اقول ، وفيما بعد ، ربما بعد اسبوع او اسبوعين او شهر لم اكن ادرك مغزى ولا معنى الزمن الذي مر علي سجينا في هذه الزنزانة اللعينة ، دخل رجلان مدججان بالاسلحة ، طلبا مني ان اقف ، ففعلت ، ادخلا كيسا في رأسي ، وكنت ارى ايضا كما في موضوعة العصابة السابقة الارض حيث الجزم العسكرية تطرق الارض الاسفلتية ذاتها  ، كنت واهنا ، وانا اصرخ فيهم ان يجعلوني افهم اذا كانت لديهم الشجاعة ، كانوا ايضا يمارسون الصمم او يدعونه ، فلم اتمالك نفسي ، فصرخت فيهم بحدة اني لن اقدم خطوة الى الامام اذا لم افهم ، لم يعر الرجلان ادنى اهتمام لصراخي ، فسحباني بقوة ، بعد ان التف احدهما خلفي ووضع القيد في يدي من الخلف وبنفس القوة التي ايقضت الام معصمي ، حينها ندمت ، وفيما بعد نقلت الى اكثر من زنزانة ، وفي كل زنزانة جديدة كان يصاحب رجل النظافة والطعام طبيب يضع سماعة الاذن على صدري ، ويزرقني بابرة اهمد بعدها في نوم طويل لايقطعه سوى صوت اصطفاق الزنزانة في حركتها الدؤوبة وهي تفتح ليقدم لي الطعام ، ومن ثم تغلق علي وانا وحيد لااعرف مايحيطني حتى اللحظة التي فتح فيها باب الزنازنة ودخل شاب يرتدي ثيابا مدنية ، عبارة عن بلوزة زرقاء وبنطلون جينز، ويضع نظارة معتمة على عينيه، وطلب ممن كانوا يرافقونه ان ينتظرونه قرب الباب ، سحب كرسيا وجلس بمواجهتي ، وابتسم وقال بعد ان نزع النظارة السوداء وبدا بعينيه الملونتين ، كائنا لاعلاقة له بالمكان الذي يعج بالعساكر المدججين بالاسلحة
نحن نعلم ، او علمنا مؤخرا بانك عانيت في هذه الزنزانة او الزنازين التي حللت فيها ، وكنت تطلب فيها رؤية مسؤولك ،  انا مسؤولك ، اطلب ماتريد ، عدا السكائر التي جلبتها اليك الان ، ماذا تريد ؟
اولا اريد ان اعرف لماذا انا هنا ، وماذا تريدون مني …….  لكنه قاطعني …
ارجوك ، الموضوع لايخصني ، انا مسؤول عنك في حدود هذا المكان ، اما لماذا انت هنا ، فهذا موضوع لايخصني ولاعلاقة لي به ،  انا هنا لتلبية احتياجاتك وكذلك لمراقبة صحتك ، لانها مسؤوليتي…
قلت وبسرعة ، اريد كتبا … روايات …دواوين شعر وكذلك الكثير من الاوراق والاقلام …. هز رأسه وناولني ورقة قال اكتب عناوين الكتب ، وقد جلبت لك بدلة ، تقتضي اوامر السجن هنا ان يرتديها كل النزلاء ،
حينها نهض ، واشار الى صندوق صغير ، هذه سكائرك ، والبدلة التي يجب ان ترتديها الان ،  وسيكون ماطلبته امامك صباحا ، ثم خرج وانا مذهول لااعرف ماذا اقول …. وكان اصطفاق البوابة الحديدية خلفه اشبه بصفعة على جبيني اثارت عاصفة من تراب ثلجي اطبق على عقلي واحاطه ككرة هلامية  ، فسكنت في مكاني متكورا وانا احدق في الصندوق الصغير والمنظر المذهل للجدران التي احسستها بدأت تتحرك نحو جسدي الواهن لتطبق عليه .
وفي اليوم التالي ورغم وصول صندوق كبير ضم الكثير من الكتب ، لم يكن يهمني ذلك كثيرا ولكني بحثت في اعماق الصندوق بحثا عن الورق، وبعد ان وجدت رزمة من الورق والكثير من الاقلام ، بدأت بكتابة مايمكن ان استطيع ايصاله الى احد ما ، ايا كان ، كتبت كل شيء ، ولم يتوقف الطبيب عن زرقي بالابر التي كنت اهمد بعدها لساعات ، لاستيقظ بعدها متلهفا لاكمال ماكنت انوي كتابته ، ولعنت بوش الذي ورط بلدي في فوضى لم يعرف احد لها بداية ولانهاية ، وبوش الاخر الذي اعتبرته مساهما كبيرا في هذ اللعبة ، والذي عرفت فيما بعد ودون تأكيد من احد انهم قبضوا عليه ، وربما اكملوا الصفحة الثانية التي امر بها بوش الحقيقي في تصفية بوش الاخر ، وكذلك وهذا مؤكد تصفيتي فيما بعد…. كنت اكتب صفحة عادية اسطر فيها معاناتي كأنسان ، وصفحة اخرى اشرح فيا ماحدث بالتفصيل ، كنت ابقي الاولى على المنضدة ، والاخرى كنت اخفيها في كيس القمامة  الذي كنت ادسه تحت طيات السرير، كانت هواجسي في ليل السجن المضطرب تؤكد موتي لامحالة ، ولااهمية لما يمكن ان اعرفه عن الكيفية التي ستتم فيها تصفيتي ، لقد كنت مشروعا لممارسة الاف وسائل التعذيب  المختلفة ، هذا ماكنت افترض متخيلا اكثرا الوسائل قساوة التي يمكن ممارستها على شخص مثلي ، ثم من انا حتى تجند امريكا جبروتها العسكري –  بالشكل المحدود الذي كنت المسه واراه يحيطني ، لم اكن سوى رجلا حالما بالحياة وجمالها ، جمال يمكن ان الج اعماقه وسط عزلتي التي اخترتها ، وها انا اجد نفسي غائصا في اعماق زنزانات غريبة ، ولم يتح لي فيها التكلم مع احد ، لشرح موضوعي اوالدفاع عن نفسي،  ثم ماذنبي اذا انا فككت اسر رجل كبلته سدرة وهو يستغيث بي ان انقذه ، وحينما فعلت لم اكن اعرف من هو الرجل الذي انقذته ، الا حينما ادخلته داري ،  ثم اما كان الاجدر بهم اذا كانوا يخافون ان يعرف احد سرهم القبيح ، ان يصفوا الرجل هناك بدلا من ارساله الى العراق ، وكان هذا متاحا وسهلا امامهم ، ثم كيف استطاع الرجل ان يقفز من طائرة يفترض انها منسوفة ، ولنفترض انه وجد نفقا يؤدي نحو الاعماق الهلامية واستطاع ان يخترقه قافزا بمظلة ، ثم فلنفترض جدلا ان الرجل اخبرني بتفاصيل واسباب زيارته الثقيلة ، فلماذا اذن تخاف امريكا منه اولا وبعد تصفيته ،  رغم ان الرجل لم يقل الكثير امامي،  وكم تمنيت ان اقتل نفسي ، وعندئذ لن يتمكنوا من تعذيب جثة هامدة .  كانت الكثير من اساليب التعذيب تراودني وانا قابع في زنزانتي اعمل على كتابة ماحدث واخفيه في مكان سري اخترعته بفضل كتابتي لورقتين احداهما معلنة وموضوعة على المنضدة والاخرى التي ربما استطيع ان اوصلها الى اول شخص يمكن ان التقيه خارج هذا المكان …….
الى هنا انتهى الدفتر ، وادركت لماذا كان الرجل يحرص على ان اخفي الاوراق الموضوعة في كيس النفايات الاسود ، و تأكدت حينها اني اول شخص صادفه في محنته التي عاشها وحيدا وسلمني الاوراق وهو يحذرني من اكتشافها  . ومن يومها دخلت ممرات غامضة ، لم يقدني اليها الخطأ او ضده ، كانت اشياء اغرب من كل ماعشته ، اشياء شدتني اليها ، وسرت خلف دخانها ، لكني وسط الطريق ، ادركت ان كل مايمت الى الاسماء  بصلة كان متدليا على كتفي ، بل كنت ارزح تحت ثقله ، عناوين بمعنى ، وعناوين بلا معنى ، اما هويتي ، فلم تكن الا خوفي واستغراقي في السؤال الازلي ، هل يمكن ان ادرك المغزى الذي اراد الرجل ايصاله الي او الى العالم عبر الصدفة التي جمعتني واياه في ردهة المستشفى ،

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| كريم عبدالله : وحقّك ما مسَّ قلبي عشقٌ كعشقك .

كلَّ أبواب الحبِّ مغلّقة تتزينُ بظلامها تُفضي إلى السراب إلّا باب عشقك مفتوحٌ يقودني إلى …

| عبدالقادر رالة : زّوجي .

    أبصرهُ مستلقياَ فوق الأريكة يُتابع أخبار المساء باهتمام…      إنه زّوجي، وحبيبي..     زّوجي …

تعليق واحد

  1. حسين عجة

    الرابعة صباحاً
    العزيز والمبدع ابا دنيا
    مودة 
    دعني أقول لك بعفوية وسذاجة عالية التالي : لم أترك ولا حرفاً واحداً من الفصل المنشور من روايتك “الرئيس”، أيها الكاتب الذي يذهب بروحه إلى ما هو أبعد من الإبداع. لكن، هل هناك ما هو أبعد من االإبداع؟ نعم : “لم أكن سوى رجلاً حالماً بالحياة وجمالها، جمال يمكن أن الج أعماقه وسط عزلتي التي اخترتها وها أنا أجدني في أعماق زنزانات غريبة” هؤلاء هم بالذات من يذهبون، مثلك أو مثل الراوي أبعد من الإبداع ذاته. أو أولئك الذين يقولون، في حاضرهم الحارق : “يجب أن يقال ما يجب أن يقال لكل العالم”. وها أنك، يا فوران وثراء الروح، تضع العالم كله أمام “النكتة السمجة”. الأمر كله. فكل شيء “سيدونه التاريخ” الذي ما هو إلا “مسودة تكتب بالحديد والنار” وها أنك، ثانية، تكتبه بالحديد والنار والجمر. لتغفر لي أن أدعو هذا العالم الأصم الذي رأى بأم عينيه كيف تشوى لحوم أطفالنا بسلاح المارينز “الذي لا يقاوم”؛ لتغفر لي أن اخبر الأجيال الحالية والقادمة أن تجشم نفسها عناء قراءة حروفك النورانية التالية: “بدأت بكتابة ما يمكن أن أستطيع أيصاله إلى أحر ما، أياً كان، كتبت كل شيء ولم يتوقف الطبيب عن زرقي بالأبر…” لتعرف، أيها القريب من الروح ونبض القلب، بأني ربما دخنت أثناء قراءتي لنصك الباهر هذا أكثر مما أوصل مسؤل بطلك من صناديق السجائر… أما بوش القبيح وأشباهه فما هم سوى دملة القيح التي قد يمكن للنار  أن “تحدث شرخاً في مكان ما فيها، لكنها ستبقى..” لقد كتبت أنت، وها أني أكرر نفسي للمرة الثالثة، الأثر، موقع الأثر والأثر ، كما تعرف يا محمد، هو بالدقة ضربة الواقعة التي لن يمحيها أبداً أي شيء. بيد أن الواقعة التي أتحدث عنها ليست حروبهم الكونية الكارثية، لكن ما تلقفه يراعك بدقة، برهافة، بصبر، بوجع واندفاع المبدع. سيكون من الحماقة أن أعلن عن أعجابي وحبي لهذا الفصل من روايتك، لكن دعني أقول بأنك كتبته نيابة عنا جميعاً، في الداخل والخارج، فأنت أبن ما تتكلم عنه روايتك، أبن العراق وبغداد بكل مزارعها وغرفها الصغيرة المحصنة أو الغرف المكشوفة السقوف والمقلوعة الأبواب. لتتقبل مني والنزف والتعب يمزق أحشائي، لتتقبل ايها الكبير في الروح والكتابة تحيتي الأخوية. 
    حسين عجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *