د. نادية هناوي سعدون : ملامح شخصية الطفل في المجموعة القصصية القصيرة (العسلية)

nadia hanawy*ناقدة وأكاديمية من العراق/ الجامعة المستنصرية

تمتاز المجموعة القصصية القصيرة (العسلية) للقاصة اطياف ابراهيم سنيدح بلغة قصصية بسيطة وشفافة تنساب معطية شخصية الطفل دورا مركزيا لكي يؤثر في سير الاحداث بإيجابية وفاعلية.. وهذا ما نلمسه من اول قصة حملت عنوان العسلية التي لأهميتها اختارتها الكاتبة عنوانا لمجموعتها .
واغلب ابطال قصصها اناث يفرض عليهن المجتمع تبعات معينة وهن يتعاملن مع الواقع بتفاؤل وصدق وقد تشارك الشخصية الطفولية بعض الشخصيات من الكبار الاقرباء او الغرباء .
ولا غرو ان تحمل كل قصة من قصص المجموعة الست عشرة مغزى اخلاقيا وبعدا تربويا بإزاء صفات ايجابية كالتزام الصدق والتحلي بالأمل والتمسك بالسلام والمحبة والتفاؤل بالغد القادم الذي سيحمل المسرات ..
وكل قصة تبدأ بنقطة معينة لترتبط بما ستنتهي به موظفة الحوارات الخارجية التي تناسب لغة الاطفال ومستواهم فضلا عن المونولوجات الداخلية المفردة والبسيطة.. وللاماكن مألوفية خاصة بعالم الاطفال والاحداث مكثفة بمنطقية ومترابطة باتقان.
وقد انتقت الكاتبة مفرداتها لتكون قريبة متداولة تماشيا مع المستوى العقلي للفئة العمرية التي وجهت اليها القصص.
ويغلب على القصص المسار الواقعي بهاجس طفولي يتسم بالعفوية والبساطة والانسياب بدءا من العنوان الرئيس ومرورا بالعنوانات الفرعية محققا وظيفة دلالية تخاطب الاحساس ومداركه الذوقية كما في قصص( العسلية واللبلبي وشعر بنات) حيث تقترن الطفولة باللذة والانتشاء من خلال توظيف الاطعمة التي يغرم بها الصغار
وقد تخاطب القصة الجسد حركة وانفعالا من خلال الالعاب التي يمارسها الصغار كما في القصص القصيرة ( البليلرد وديلاب الهواء والحجة).
وقد ترتبط القصة بالعقل الطفولي الانثوي حين يماشي الطبيعة ويستمع للفطرة والوجدان وهذا ما يلمسه القارئ في القصص القصيرة الاتية :( الحديقة وداد، البائعة ، دلال)
وقد تكون عملية تنمية المدارك وتثقيف للطفل بغية توجيهه توجيها اخلاقيا هي المقصودة كما في قصص( اليتيم والكابتن وعمو السكران) او تكون حاثة على الشعور بأهمية الالفة والتسامح كما في قصص( الحمامة وكوجي والبلبل والعصفورة )
وهذا المسار الواقعي قد منح القصص وحدة عضوية وموضوعية على الصعيدين الفني والموضوعي فالواقع وعلى الرغم من شروره ومتاهاته التي تهدد الطفولة الا ان الفطرة والبراءة تبقيان حاميتين لها..
واذا كان اغلب ابطال القصص اناثا فان الطفولة تبقى شريكا يتساوى فيه الجنسان ليعملا سوية باطمئنان وفرح وبفطرة وبراءة تجعل الطفلة مثلا في قصة ( الحديقة ) ترى الرجل الغريب بإشراق وقهقهة فترتسم على وجهها امارات التفاؤل بربيع يغازل خريفا كي لا تموت البراءة في ظل الدناءة .atiaf ebrahim
والزمن وان ظل معاندا الطفلة في قصة( البائعة ) الا انها تتغلب عليه بفطرتها واصرارها على العيش” قالت لها : الغائب علمه معه تريثي سياتي فهو يحبك اتسعت نظرة الصغيرة وسالتها : كيف تعرفين انه يحبني ضمتها الى صدرها ولم ترد عليها الا ان الصغيرة قالت وهي في سلام : نعم يحبني” ص88
ويبقى اللعب والشجار بالنسبة للطفولة ترميزا للحياة بجدتها ونضارتها ولكل ليل حكايا توصله بصباح قادم بالأمل.
ويهيمن الراوي الموضوعي كلي العلم على بناء السرد فهو العارف بالشخصيات ظاهرا وباطنا وقد يسند لاحد الكبار كالجدة مهمة الحكي..
ولعل السبب وراء توظيف السرد الموضوعي ان الكاتبة ادركت ان مسروداتها الصغار غير مهيئين لهذه المهمة كونهم غير قادرين على التعبير عن كينوناتهم او لعله اشعار ضمني ان ابطال القصص من الصبية والفتيات هم غير مختلفين عن ابطال الحكايات التقليدية
وقد وظفت القاصة الوصف في(البلبل والعصفورة ) توظيفا مال بالقصة نحو التغريب والفانتازيا حيث النقال هو واسطة الاتصال بين البلبل والعصفورة .
ولان البطلين غاصا في تفاصيل كادت ان تتجاوز مرحلة الطفولة صبا وفتوة الى مرحلة الشباب والنضج فان هذا ما جعل هذه القصة تبدو غير مقنعة وهي توضع على لسان العصفورة التي تبادل البلبل مشاعر الحب والرغبة.
وعلى الرغم من رمزية هذه القصة التي تجعلها مشفرة بشفرة قد لا يستوعبها ذهن الطفلkh atiaf كونها اكبر من عمره الا ان اتقان خاتمة القصة قد اعاد اليها بعض البراءة والصفاء والعفوية لتواكب سائر قصص المجموعة وتندمج معها ..
ختاما فان ما قدمته اطياف ابراهيم في هذه المجموعة انما ينم عن قدرة سردية في كتابة هذا اللون من الادب ولو واصلت الكتابة فيه مطوعة ابداعها للطفل فسيكون ذلك خطا فنيا مميزا.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *