*ناقدة وأكاديمية من العراق
الإرهاب مفهوم هجين في اديولوجيته متصلب في أشكال الشر التي يسلكها ومتوغل في الهمجية التي يتقنها وهو نقيض الفطرة الإنسانية وعدو كل مفاهيم الخير والسلام والبراءة والسمو.
وما امتهان القتل إلا فن وما ترويع الأبرياء إلا أسلوب يتمم به الإرهاب تخدير العقل وتعطيله عن أداء دوره الفاعل في الرقي بالإنسان عن سائر المخلوقات.
وإذا كانت النفوس الأمارة بالسوء تسيطر عليها نوازع الفتنة وتتملكها رغبات الشر، فان اصطيادها إلى مراتع الإرهاب سهل ميسر باتجاه شيطنة أفعالها إلى أقصى درجات الجريمة متجها بها نحو الحضيض معطلا الدور الذي ينبغي أن يقوم به البشر على الأرض وهو اعمارها وإشاعة الخير والفضيلة فيها.
وانطلاقا من المبدأ الميكافيلي فان الوسيلة التي بها يتم الفعل الإرهابي اهداافه لا يحدها أي حد لان المهم هو الغاية التي ينبغي الوصول إليها وهي إشاعة العنف وقتل الفطرة السليمة وتعطيل العقل والشذوذ عن الأصول والأعراف بلا صواب ولا عقلانية وبهمجية مقيتة وتحجر فكري فضلا عن الصرامة في التسلط وبلا وازع من ضمير وبشذوذ في مواجهة الماضي ومصادرة الحاضر.
وقد وفرت السيطرة الغربية على العالم العربي في القرن الماضي الغطاء القوي لينمي الإرهاب سلطاته بأشكال شتى وبجاذبية مقيتة فتارة بعنف الدراويش السودانيين وتارة بلورنس الجزيرة العربية مبتكرا حرب العصابات الشعبية منادما الأمراء ورجال الدولة ساعيا إلى الحفاظ على مجال نفوذ بريطانيا الأسمر بتعبير الناقد ادوارد سعيد.
وقد تحولت من ثم تلك السيطرة من لبوسها الاستعماري التوسعي إلى لبوس آخر ولكن بالهيمنة نفسها تحت مسمى الامبريالية لتغدو لعبة الإرهاب السمجة أكثر وضوحا كتنظيم يمتهن الإجرام السياسي وراء غطاء امبريالي وارثا ما تمخض عن الرأسمالية الاستعمارية.
ويعرف الناقد ادوارد سعيد الإرهاب بانه مصطلح مفتوح اشتق كليا من الشواغل والمصانع الفكرية في المراكز الحواضرية مثل واشنطن ولندن ذاهبا إلى أن تلك الصور المنتجة مخيفة تفتقر إلى المحتوى التمييزي والتجديدي بيد أنها تدل على القوة والاستحسان لكل من يستخدمها وعلى الاستدعائية والتحريم لكل من تشير إليه وتخصصه وهذا ما أدى إلى استنفار الجيوش وتعبئتها وكذلك عبأ المجتمعات المبعثرة. ينظر: الثقافة والامبريالية/366
ويغور أكثر وهو المفكر العربي الأصل والأمريكي الجنسية إلى القول:” إن الخوف والرعب اللذين تولدهما الصور المتضخمة للإرهاب والأصولية ـ بمتخيل عالمي أو عبر قومي مكون من شياطين أجانب ـ ليسرِّعان خضوع الفرد للمعايير المهيمنة في اللحظة الراهنة ويصدق هذا على المجتمعات ما بعد الاستعمارية الجديدة بقدر ما يصدق على الغرب عامة والولايات المتحدة بشكل خاص .. ينظر: الثقافة والامبريالية/366
أما مسألة الحاضنة الدينية والثاثير العقائدي فمسالة هشة لا أساس لها كون الإرهاب هو الأبعد عن التثقف في الدين أو في غيره والأكثر نائيا عن الكتب والتمدرس والأفكار.
وكذلك لا يمكن أن تكون حواضنه حواضر عرفت بالثقافة والحضارة مثل بغداد دار السلام التي يقول عنها البروفسور فؤاد عجمي اللبناني الأصل وصاحب كتاب (الإمام المختفي موسى الصدر) المنشور في 1986:” أطفال المدارس يعرفون أن بغداد كانت ذروة ازدهار الثقافة العربية بين القرنين التاسع والثاني عشر، الثقافة التي أنتجت أعمالا أدبية ما تزال تقرا اليوم أسوة بشكسبير ودانتي وديكنز وان بغداد كمدينة عاصمة هي أيضا احد المعالم العظيمة للفن الإسلامي وأنها المدينة التي حدث فيها إلى جانب القاهرة ودمشق الانبعاث والتجدد العربي في الأدب والفن في القرنين التاسع عشر والعشرين” من مقالته الموسومة (صيف خيبة العرب)
ثم يتساءل كيف أن المرء يصاب بمرض النسيان لسومر وبابل ونينوى وحمورابي وآشور وكل المعالم العظيمة لبلاد ما بين النهرين وان العراق مهد الحضارة..
والنظام العالمي الذي ينتج الثقافة والقوة السياسية والاقتصاد هو الذي يملك إنتاج الصور الخارجة عن المقياس التي تمارس إعادة توجيه الإنشاء الاجتماعي.
وما يحدث اليوم هو محصلة منطقية لتراكمات استعمارية شهدتها المنطقة العربية كان قد شخصها الغربيون قبل الشرقيين وفلسف أبعادها الاستشراق قبل الاستغراب كاستتباع تسلسلي لحلقات سيناريو قديم بناه الاستعمار سابقا.
ولما عاد المستعمر قافلا إلى بلاده خلف وراءه الفكر الإرهابي ليمارس دوره ضمن مرحلة زمانية ما بعد الاستعمار أو ما بعد الكولونيالية وداخل بؤرة مكانية محددة في الشرق الأوسط الجديد.
ومن هنا فان إعلان الرفض والشجب للتطرف والأصولية هو تعضيد للاعتدال والعقلانية والمركزية.
ولعل الحل الذي يترشح واقعيا ومنطقيا للازمة التي يكابد العرب ضراوة نارها سيبقى مؤجلا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا وحتى ذلك الوقت سنبقى ندور في متاهة الشمولية والمثالية غافلين عن التفاصيل المهمة ومتشبثين بالعموميات الأقل أهمية.
وقد بات حريا بالشعوب صغيرها وكبيرها متعلميها ومثقفيها عمالها وفلاحيها رجالها ونسائها مواصلة التحدي سياسيا ومجتمعيا بكليتهم لا بجزئيتهم مواجهين لا مدبرين ومشاركين لا حياديين ولا ريب أن حكم التاريخ سيصادق على وجهة النظر التي بها خير الأرض وأهلها وعمار البلدان وازدهارها.