الناقد العراقي اول موقع عراقي مختص بالنقد
إشارة :
يسرّ أسرة موقع الناقد العراقي أن تحتفي بالشاعر الكبير “عيسى حسن الياسري” بهذا الملف الذي – على عادة الموقع – سوف يستمر لحلقات كثيرة لأن الإبداع الفذّ لا يحدّه زمن . لقد وضع عيسى الياسري بصمته الشعرية الفريدة على خارطة الشعر العربي والعالمي . نتمنى على الأحبة الكتّاب والقرّاء إثراء هذا الملف بما يتوفّر لديهم من دراسات ومقالات وصور ووثائق تحتفي بمنجز هذا المبدع الفذّ وتوثّق حياته الشخصية والشعرية الحافلة بالمنجزات والتحوّلات الإبداعية الثرة.
لقد أودعني الجنوب قلبه
المقالة :
وها أنا وحيدا أعبر المسافة الأولى
” فشهرزاد ” امرأة تحب طيبة الفلاح ” شهريار ”
إذ يغفو على ذراعها
و ” شهرزاد ” تبكي إذ يعود نصف الليل محزونا
على شفاهه رائحة الخمر
وفوق شعره الريفي قطرة من الندى
(الفلاح شهريار يرقص منفردا)
في اوج مسيرته الابداعية, ما يزال الشاعر عيسى حسن الياسري يستحضر بيئته الاولى ومشاهدها الساحرة التي رفدت وما تزال ترفد مخيلته الشعرية بقوة وترسم صورها المدهشة ليواصل سيره في حقول التكوين الخلاب منهمكاً بتأسيس ما يعيدنا الى بؤر الجمال المعرفي منتشلا من فراغ الساحة الابداعية وخوائها في الكثير من الاحيان, بريق ثمار ملفت لنظر القاريءحتى بات محركاً نشطاً في تطوير الفكرة الابداعية العالمية التي طالما تبنتها قصائد الشاعر حيث تراكيب الجمل والتكثيف الرمزي والبناء اللغوي وطزاجة الاسلوب الذي يستدرج القاريء بطريقة ذكية ,بعيدة عن الرتابة .لقد تمرست تلك المهارة الشعرية على اللعب على الأحساس ونقيضه , الثلج والنار ..القلق والسكينة ..الحياة والموت
.ان العبور الى عالم الشاعر يدخل القاريء في تجربة ثرية بالمعايشة المباشرة والتفاعل الشخصي *حيث يرى لونجينس
(Longinus ) ان قيمة العمل الادبي تكمن في اثارته المتلقي والارتفاع به فالاثارة ممتعة وهي لذلك قيمة في ذاتها ان قصائد الشاعر تمكِّن المتلقي من ان يعيش حميمية العلاقة و وملامسة روح الصدق والطيبة وخيرية الحياة التي يتوق لها الانسان
نجح عيسى في الكثير من شِعره ان يعيد الروح البشرية الغائبة والاحاسيس الحيّة الى الآدمية المدَمَرة ويظهر ذلك جليّاً في قصائده بما فيها القصائد التي يرثي الشاعرفيها نفسه او الانسانية الضائعة
=
العالم يركض صوب المنحدرات الصخرية
أنا العشبة
الريح الآتية في آخر ساعات الليل
المبتلة ندى .. ونعاسا
أنّا لي أن أوقفه ..
هذا المجنون الراكض نحو نهايته
قصيدة(من اجل اشياء احبها)
كفي عني
أوغلت بعيدا في أحراشك ِ
ضيعت ُ طريق النهر
ودرب الغابات
ومسرى القمر القروي المحفوف بشعر صبيتنا
قصيدة (كفي عني)
لقد نجح الشاعر عيسى حسن الياسري المقيم في كندا منذ سبعة عشر سنة, في نقل قرى العراق الخضراء بطبيعتها واناسها المفعمة قلوبهم بالطيبة , متغنيا ومفتخرا ومزهواً بها وهو يكتب طفولته وشبابه ويوقظ شيخوخته التي ما زالت غافية في قرى العراق الجميلة النائية ويحق لشاعرنا الفخر بحاضنته الأولى والأخلاص لها لأن كل ما قدمه لنا من ابداع شعري كانت بذرة
ضوءه الاولى هي قريته الجميلة (المحسنة) ونهرها الأثير( ابو بشوت )العظيم
صباحا ً
وإذا ماشاهدن الأكواخ القصبية قائمة ً
والحقل خصيبا ً
و-أبو ابشوت- يعبئ
سواقيه بالماء
يبدأن بإغنية فرحة
قصيدة(القبرات)
7
كنت تعلمنا أن نبكي
أن نأكل خبزا ً مغموسا ً بالعرق اليومي
ألا نكسر قلب امرأة أو نسرق
حلوى الطفل
أن نعطي خرقتنا الصوفية
لعراة الأرض
ألا نؤلم عصفورا ً
قصيدة (نوقضك الليلة بالورد)
ان المتابع لقصائد الشاعر عيسى حسن الياسري, يرى فيها تدويناً شعرياً مدججاً بالجمال
, يستحضر الذاكرة الفردية والجمعية و يمثل شاهداً لتاريخ ربما كان البعض منا لم يعش اي منه ولم يتعرف به الا من خلال قصائد الشاعر الزاخرة بالحياة.
وقد برع الشاعر في نقلنا الى عوالمه النقية اولا ً والى الروح الأنسانية ثانياً
وأخيراً ظل الشاعر عيسى حسن الياسري ممسكاً بروح المغامرة والكشف المستمر في قصائده التي تحمل في ثناياها الكثير من الفلسفة والحكم الجميلة وهو ما لا نستغربه اذا ما عرفنا بأن الكثير من الشعراء هم فلاسفة بالولادة
خلود المطلبي
*كتاب الشعراء نقاداً /الناقد الدكتور عبد الجبار المطلبي
الطبعة الثانية سنة1999
