* ناقدة وأكاديمية من العراق
شكل المنجز الروائي النسوي في العراق ملمحا من ملامح الأدبية السردية العربية على مدى العقود المنصرمة وقد مرَّ بمراحل الإبداع الثلاثة مرحلة التكون ( التأسيس ) ومرحلة التمكن ( التبلور) ومرحلة التمكين (التفرد)
وقد استطاعت الروائيات العراقيات عبر المراحل الثلاث من تأسيس أدب روائي نسوي له مواضعاته وأسسه وخواصه فمن حربية محمد التي كتبت أول قصة قصيرة طويلة بعنوان( من الجاني) عام 1954 مرورا بليلى عبد القادر صاحبة روائية نادية 1957 ومائدة الربيعي وروايتها جنة الحب وسميرة المانع وروايتها السابقون واللاحقون 1972 التي مثلت بداية الريادة الفنية في الرواية النسوية وبنت الهدى وصبيحة شبر..
وصولا إلى القاصات الثمانينيات اللائي أرسين الهوية الادبية النسوية في عالم الرواية كلطفية الدليمي برواياتها (عالم النساء الوحيدات ومن يرث الفردوس وبذور النار وسيدات زحل) وميسلون هادي برواياتها ومنها (العالم ناقصا واحد ويواقيت الأرض والعيون السود ونبوءة فرعون) وعالية ممدوح(محبوبات) وابتسام عبد الله( الآخر في المرآة) وبتول الخضيري وهدية حسين وارادة الجبوري وعالية طالب والقاصات التسعينيات وقاصات ما بعد التغيير كانعام كجه جي وهيفاء زنكنة وابتسام الطاهر وحوراء النداوي وكليزار
انور ودنى غالي ونضال القاضي وفاتن الجابري وغيرهن.
وقد توحدت رؤى هؤلاء الروائيات باتجاه رفض القمع والإقبال نحو البوح اذ اثبتن أن للرواية النسوية داخل العراق وخارجه حضورها الفاعل عبر تاريخها الممتد على مدى سبعة عقود ونيف سواء أكان ذلك في طبيعة الأفكار والموضوعات التي تتناولها أم في التجريب الفني والجمالي الذي وظفنه في كتاباتهن.
فأما على الصعيد الموضوعات والأفكار فان الرواية النسوية طرحت قضايا اجتماعية مختلفة كقضية الهوية وتشظيها والعنف وآثاره والحرب والحصار وغيرها من قضايا الخطاب النسائي ما بعد الاستعماري.
واما على الصعيد الفني فانهن تفاوتن في توظيف تقانات السرد المختلفة من قبيل المفارقة والتغريب والتناص وغيرها مع تجريب مختلف طرائق البناء لاسيما الكتابة بأسلوب الرسائل او المذكرات..
وعلى الرغم من أن هذا المنجز الإبداعي ثر وكبير إلا إن ما كُتب عنه بقصدية نقدية خالصة كان قليلا بما لا يتناسب والمساحة الأدبية التي يشغلها عراقيا وعربيا
ولا يعني هذا الغنى في المنجز الروائي عدم وجود محاولات شبه روائية نسوية لا ترتقي الى المستوى الفني اذ اننا قد نجد كتابات وقد طبع على غلافها رواية لكنها مجرد خواطر او مقالات او سير والسبب ان الطرح الموضوعي فيها مباشر وسطحي او لان الكاتبة لم تكتسب بعد ادوات الكتابة الروائية لغة وفنا فتكثر الاخطاء اللغوية وتتشظى الحبكة وتتعرى الشخصيات ويغيب المكان وتتشتت الرؤية الفنية.
ولو اخذت هؤلاء الكاتبات نصيبا مناسبا من القراءة المتواصلة والمكثفة في عالم الرواية الغربية والعربية والعراقية لكان بإمكانهن تطوير قدراتهن قبلن ان يقررن الانتشار والذيوع.
ولا شك ان ما كتب عن روائياتنا العراقيات هو قليل نسبيا بالقياس الى ما كتب عن الروائيين العراقيين المرموقين واذكر من هؤلاء الروائيات ارادة الجبوري وابتسام عبد الله وانعام كجه جي ودنى غالي
وهذا مؤشر انحسار حضور الوعي بالرواية النسوية كجنس أدبي له ميدانه وأعلامه الأمر الذي يستدعي تحاورا فكريا وانفتاحا ثقافيا يضاهي الحوارية والتعددية في النقد الحداثي مما بشر به باختين وطورته من بعده جوليا كرستيفيا وميشيل فوكو وبول دي مان الذين أسهموا في اجتراح مفاهيم حداثية للخطاب النقدي ما بعد الاستعماري من قبيل الانفتاح النصي والتداخل الاجناسي.. .
ومن هنا بات أمرا محتما الاهتمام بهذا المنجز عبر إيجاد تمأسس ثقافي يدعم الأديبات الكاتبات ويكون خاصا بهن فضلا عن تشجيع الترجمة للأدب النسوي الى لغات حية لاسيما الانجليزية والفرنسية لإيجاد نوع من الوعي بالذات وتحقيقا للتواصل المعرفي
ومن تلك الأسماء التي لها وزنها المميز في الأدب النسوي العراقي الهام عبد الكريم التي كتبت اول رواية لها هي الماء والنار 2001 ثم رواية الصمت 2006 والمجموعة القصصية منحنى خطر عام 2009
ويميل أسلوبها السردي إلى اعتماد لغة إيحائية موشاة بفصاحة تعبيرية شفافة ذات حمولات دلالية عالية تجعل القصة عندها تسير بمحاذاة خط استعاري يشق طريقه عبر تكوين كنائي..
وهذه هي إحدى أهم السمات التي تدخل الكتابة الى عالم السردية يضاف الى هذا انها تتناوب على الاستعانة بالسرد الموضوعي والسرد الذاتي بما يعكس نوع الشراكة الإبداعية التي تحملها إزاء الآخر فتارة نجدها تقص بضمير الغائب وتارة أخرى نراها تسرد بضمير المتكلم وبمخيلة لا تؤمن بالمصادرة ولا تؤثر الانزواء أو التواري
واستعمالها الحوار الخارجي عادة ما يكون محددا أما توظيفها للحوار الصامت أو الداخلي المونولوج فيأتي منسابا ومناسبا لتعضيد الحبكة والدفع بالأحداث نحو التأزم أو الانفراج
ولا تخلو شخصيات قصصها من وجود المرأة ساردة ومسرودة فاعلة ومنفعلة لكي تؤدي دور البطولة بمحورية حية ومتعاضدة مع شخصية الآخر أبا وزوجا وندا
ولعل أهم لمحة فنية في كتاباتها السردية هي أنها تمتلك روحا تجريبية في رسم الواقع الخارجي ضمن مذهب الواقعية النقدية او الواقعية السحرية
وتوظيفها للتغريب القصصي هو إبداع يتجدد بتجدد الحياة كنوع من التعبير عن تمرد فكري ورؤيوي وجمالي شامل للسرد والحوار والوصف تقول في نهاية قصتها المهفة” المهفة مركونة وهبات الهواء تواصل انبعاثها الاعجازي دون جهد وما لبثت الفتاة أن ارتفعت على مبعدة كافية من منام أبيها وبعد أن استقر تحليقها واصل جناحاها خفقانهما الهادئ دافعين بدفقات من هواء عذب بكل تأكيد” منحنى خطر / ص16.
ولابد من ان تظل الكتابة الروائية النسائية في العراق ساعية دوما إلى أن تبتدع نسقا سرديا خاصا بها عبر الحفر في أساسات الامتداد العميق لقاعدة القيم الروائية.