مدرس علم النفس
كلية التربية – جامعة الحمدانية
e-mail:-shawqi.yusif@yahoo.com
سوف ابدأ من تعريف مفهوم التماهي أو التقمص او التوحد identificationوهي من المفاهيم التي طرحتها مدرسة التحليل النفسي وهي من اليات الدفاع النفسي التي يستخدمها الانا لخفض التوتر على وجه العموم . ” يعبر هذا المصطلح عن آلية دفاعية لاشعورية يدمج الفرد نفسه مع آخر في ارتباط عاطفي وثيق كما ورد في تراث فرويد ، ولقد ادخلت ” آنا فرويد ” مصطلح التقمص مع المعتدي Identification with aggressor كإحدى الحيل الدفاعية (1)” ويقدم صاحب المقدمة ا.د . عبد الرضا علي تعريفا لها وهو ” اتحاد العاشقين فكرا وجسدا على نحو ذوبان احدهما بالآخر من شدة الوجد ، وهو قريب من فكرة الحلول الصوفية ” (2) . ونرى ان هناك اختلافا في التعريفين مما يدل على سوء فهم (في تقديرنا) من قبل استاذنا الفاضل صاحب المقدمة لهذا المفهوم . فالتوحد في ضوء التحليل النفسي ذوبان الانا المتماهي بانا المتماهى ، مما يدل ان الذوبان هو من طرف واحد وليس ذوبانا متبادلا كما يرى صاحب المقدمة الاستاذ الفاضل . هذا يعني ان الذات تعيش حالة من الشعور بالدونية .. هذه الدونية لن تكتمل او لن ترمم الا باختيار ذات نموذجية لتصب مياهها في مجراها . فالذات النموذجية لا تذوب في تلك الذات بل العكس هو الصحيح . وسنقف عند نماذج من نصوص الشاعرة حياة الشمري للوقوف على هذه الاشكالية . ولنبدأ بالقصيدة التي جعلت من عنوانها عنوان مجموعتها موضوع هذه السطور . تقول حياة :-
دفء لفراش العاشق
هي صدر ناهد يتحسر لوعة
دفء لضحكة أينعت أزاهير السما
خجلى تطوّقُ خصرها أحلام اللقا
أيها الموج القادم في المسا
سأذوب في صدر حبيبي
كعطر الصبا
لا تتعجب ، فأنا واحدة ٌ من سرب القطا
(المجموعة ، ص 49)
*********************
سوف افترض ان مضمون هذه القصيدة هو نموذج لقصائد المجموعة كلها . ويمكن القول ان الذوبان في الاخر وليس الذوبان المتبادل كما هو لدى صاحب المقدمة .هو المتجلي في عالم حياة الشعري . اذن الحبيب او لنقل بلغة اصطلاحية النموذج المتماهى هو في الطرف الاخر من العالم . القصيدة كلها عبارة عن توق وشوق ورغبة متخيلة وغير متحققة ، هذا يعني ان الشاعرة تعيش ما يمكن تسميته بخبرة حلم يقظة مستمر تجتر فيه كل ذكرياتها المفتعلة مع هذا الحبيب . انه بالنسبة اليها ولغيرها ” دون جوان ” وهي مجرد ” قطا ” نكرة في سرب القطا . تمثل البطلة ، بطلة القصيدة امرأة من عالم مغلول ومكبل ومقيد . انها تنتمي الى مجتمع لا يسمح لها بالتعبير عن جوارحها وحاجاتها . التحسر لوعة .. خجلى تطوق خصرها احلام اللقا … هذه مفردات تعبر عن ذلك الطوق النفسي الذي يحيط بحياة ” حياة ” . ف ” حياة ” إذن ينتابها شعور بالدونية والانسحاق وانها تمضي وراء سرب طويل من القطاوات !! . انها آخر السرب لا غير . هذا الشعور يتجلى بشكل اقوى في قصديتها المعنونة ” حبيبي ” ، حيث تقول حياة :-
شعري أعتقه بين الشفتين ، و أعتمر الكلمات
أنا مرفوعة بك حبيبي
لكنى أخاف أن أكون من المنصوبات المتأوّهات
وعذري أنني أعشقك ،
ولا أرضى لدهري أن يجعلني من المجرورات !
(المجموعة ، ص 41)
**********************
في النص فوبيا او رهاب (خوف مرضي) من كل شيء . موقفها يذكرنا بعبارة نزار :-
قولي احبك لكي تزداد وسامتي
فمن غير حبك لا اكون وسيما …
**********************
هنا ليس فقط شعور بالدونية بل بالأمعية إن صح التعبير . انها لا تذوب به بل تتلاشى امامه . يصير هو الوجود وتستحيل هي العدم . تخاف ان تكون من المنصوبات و المتأوهات . يا له من شعور عميق بالدونية امام هذا المارد الذي اسمه الحبيب . ولكن على الرغم من هذه الامعية الا ان شعورا عميقا ودفينا من الشعور بما يمكن تسميته بالتمرد النفسي نجده لديها . لذلك هي تعتق شعرها بين شفتيها وتعتمر الكلمات دالة من دالات الفشل في مواجهة حقيقة ذاتها المريرة . انها مجرد مجرورة لا غير . هذا الاخفاق الوجودي العام جعل من ” حياة ” ان تدور حول الذات للبحث عن الذات ، وهذا يتجلى بشكل جلي في هذا النص المعنون ” الذات في الانا ” ، حيث تقول :-
الصوت القادم ذات .. همس نبع
أصهر الذات في الانا على موجات ريح
ضفافها ألق ، وضفائرها أفق
لا أريد زمنا يتخثر .. لا أريد معاني تدور وتدور كقوس
عدم
لا أريد تأويلا ، ولا نفيا
سأقفز في كينونتي ، وأصهر الذات في الانا
فتراتيل نوارسي على ساحلي الازلي ملاحم
(المجموعة ، ص 18)
********************
لا ادري مدى دراية الشاعرة حياة بالفروق بين الذات والانا self and ego والتعبيران هما لمفهوم واحد او بالمعنى المتداول وجهان لعملة واحدة . ولكن في تقديري ان الشاعرة تقيم بينهما تفرقة سايكولوجية على اساس ان الذات هو جانب سلبي للانا او للشخصية بينما الانا هو المظهر او الوجه الايجابي لها . الصوت القادم هو ذات وليس انا . هذا يعني ، بحسابات الشاعرة على اقل تقدير ، ان ذاتها هو ذلك الموروث الذي ورثته من حضارتها الرثة . الا انه وفي نفس الوقت همس نبع ، للدلالة على براعم الانا التي تحملها تلك الذات التي ستنتفض وتثور وتخرج على المقاييس والمعايير . انها تقوم بعملية صهر . الشاعرة ، وبهذا المعنى بودقة للانصهار او قل عذراء في شرنقة . ليس في قاموسها الا الرفض والتمرد . لا تريد نفيا او اقصاءا او تأويلا . بل ترغب في ان تعرف كما هي . ” حياة ” كإنسانة وانسانة فحسب . من الطبيعي اذن ان تقفز . القفز هنا دالة على الثورة . سوف تقفز لتصل الى كينونتها . ستدخل مفردة الكينونة الى عالم القصيدة كدالة على الوجود الاصيل ، بحسب التعبير الوجودي وهو عكس الوجود الزائف . انها تفخر بتراتيل نوارسها لأنها ملاحم على سواحلها . ان تراتيلها هي مفاخر انتصارها وقفزها ورسوها على فنارات سواحلها التي واجهت امواج البحر الهائجة . والشاعرة تعيش حالة التشاؤم الكوني وهذا يتجلى في نصها المعنون ” حلم ” ، حيث تقول :-
رغم نهاراتي التي سقطت في اكف ليل بهيم
رغم لهفتي التي بيعت على أرصفة الحزن
رغم ان الارض آثمة تزهر المجرمين
رغم ان الذكرى سم يجري في عروقي
فالقادمون حلم آت
لزمن الانفجار .
(المجموعة ، ص 15)
*******************
تلك هي ملامح التمرد النفسي التي صورتها الشاعرة في هذا النص المقتضب . نتفق مع صاحب المقدمة الفاضل في طبيعة نصوص حياة . انها تمتاز بالاقتضاب والتركيز . وطالما اننا لسنا من ذوي الاهتمامات النقدية التي تعنى بالأسلوبيات فإننا لن نركز على هذا الجانب الفني في خصائص النص تاركين هذه المهمة لذوي الاهتمام والاختصاص . ان الشاعرة استطاعت ، وبمهارة ، ان تكثف الصورة وان تضغط الدلالات النفسية في تلك الصورة . مهمتنا إذن ، وبقدر الامكان ، ان نقف على تلك الدلالات ما استطعنا الى ذلك سبيلا . وما دمنا في جانب الأسلوبيات ، فإننا نميل الى ان تأثير الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة على الشاعرة حياة كبير وواضح بحيث لا يحتاج الى تقصي او تفحص طويل للنصوص خصوصا فلسفتها او تمحورها على هاجس مخاطبة الرجل الحاضر الغائب (3) . لاسيما في مجموعتها الراهنة هذه . وسوف نشير الى ذلك التأثير الذي مارسته لميعة ؛ سواء اكانت حياة مدركة له أم لا في النصوص اللاحقة التي سنقف عليها . في هذا النص ازمة كبت وازمة تعبير وازمة سوء فهم وتأويل من الجانب الاخر .. اعني المجتمع الذي تعيش تحت انقاضه حياة . ولا يهمني كثيرا ما يدعوه المقدم الفاضل بالنصوص الايروتيكية (الايروسية) او التي تعالج موضوع الرغبة وبأي دالة كانت . فالدالة واضحة لا تحتاج الى لوي عنق النص وللشاعرة ملء الحرية في التعبير عن حاجاتها ورغباتها بالصورة التي ترتأيها . نحن فقط نضع الاصابع على النص ولن ننعت تلك الاصابع بأصابع الاتهام (في جانبه السلبي مثلا) .
فالقادمون حلم آتي
لزمن الانفجار
*************
بمعنى انه ليس هناك من قادمون اصلا ولا يمكنهم المجيء لانهم ليسوا غير حلم وحلم فقط . هنا مظاهر اليأس والقنوط من الحاضر ومن المستقبل ايضا . نجد في النص المعنون ” قبل وبعد ” صورة اخرى على هذا التمرد النفسي والرمزي الذي لا يستطيع ان يحرك ساكنا . ها هي تقول :-
قبل ُ .. كان ركني العدم
ألوذ ُ تحت أجفانه
أغرق في دوامته
بعد ُ أنا أسرار التكوين في لوحِه
معتقة ٌ في كأسه
والحلم يستنشق روحي
(المجموعة ، ص 19)
*********************
الشاعرة تقسم وجودها الى نصفين .. قسمين .. الماضي الذي كان يهمين عليها ، فهي تلوذ وتركن في العدم وتغرق في دوامته . وبعد الذي يشير الى الحاضر التي تصور نفسها على انها اسرار لوحه ! توظيف جميل للفكرة الدينية حول خلق حواء من ضلع آدم . لقد ادركت في ” بعد ” انها سر تكوينه وليست طارئة عليه بل معتقة في كينونته . في ” القبل ” كانت مركونة في عدمه وتحت اجفانه وغارقة في دوامته . شتان إذن بين الماقبل والمابعد . اذن هي في حالة ثورة وتمرد وانسلاخ وانقلاب . الحلم ، هنا ، بعد ايجابي وليس بعدا سلبيا انهزاميا او نكوصيا مثلا .ان روحها تستنشق حلم الحرية ورغبة الانطلاق من اساره . قلنا ان الشاعرة حياة الشمري متأثرة ، سواء ارفضت ام وافقت او ادركت أم لم تدرك ، وبعمق بالشاعرة الكبيرة لميعة . في هذا النص والمعنون ” دلع ” خبرة اجترار طالما نشاهدها عند لميعة او عند بطلات شاعرنا الكبير نزار . انها تقول :-
على قسمات الثلج البلوري
يتمايل فستاني الاسود
يحاصرني عطرك
يشتعل ، فيذوب الثلج
أكلما لثمتَ قرطي
أشرأب عنقي
وانفرطت حبات السندس في صحنك !
(المجموعة ، ص 20)
*********************
على الرغم من الاستعراض النرجسي التي يتجلى في سلوكها ؛ فهي اولا تتمايل او يتمايل فستانها الاسود والرغبة الدفينة هي انها هي التي ترغب في ذلك التمايل او الرقص . ما قيمة فستان يرقص بمفرده !! . جمالية الفستان من الجسد الذي يلفه ويغطيه . الفستان هنا هو اداة للاستعراض والغواية ليس الا . واين حصل هذا الاستعراض ؟ حصل على ثلج بلوري . من يا ترى ذلك الذي يرقص ويتمايل على حبات ثلج بلورية ؟ اي امرأة هذه تستطيع فعل ذلك لاستقطاب عطر رجل استطاع ان يذوب الثلج كله ؟ ليس غير حياة الشمري من استطاعت باستعراضها النرجسي وغواية فستانها الاسود بتمايله وبرقصاته . ولكن يا لخيبة امل حياة في ذلك الاستعراض الذي بدد احلامها وامالها . عطره حاصرها من كل جانب .. دوخها .. اصابها بدوار .. صار الفستان الاسود مكور نحو ذاته ، منشغل بسواده … بل غارق في ليله البهيم ونسي انه في بحر ثلجي . عاد الجسد الى ذاته لينشغل به . هذا الانشغال بالجسد تجسده العبارة :-
أكلما لثمت قرطي
أشرأب عنقي
وانفرطت حبات السندس في صحنك
****************
كل ذلك الاستعراض وكل ذلك التبختر والتباهي والتمايل وهي دلات الاعتزاز بالذات ، خارت امام عطره . هنا شعور فيتيشي واضح المعالم . حياة تخاف من الاقتراب من عطره فكيف الاقتراب والمثول امامه . لا تستطيع الاقتراب منه ، كما قلنا ، ولكن القرط هنا ، قرطها صار الوسيط بينهما . لثمه للقرط كان سببا لاشرأباب عنقها والحبات التي كانت تلفه انفرطت امامه .. وضاعت بل وذابت في صحنه الكبير !! . هنا نجد تجربة مثول امام الاخر تمتاز بالفشل والخسارة والتخاذل . وتعيش حياة في نص ” الليلة ” مأساة الوحدة النفسية واغوار الغربة ومتاهات الضياع . ها هي تقول :-
أراقص جسدي
أخط ملامحك
فتهتز أم الروح
دغدغة تدندن في الوريد
وملامحك ما بين الجفون قداس ذهبي
يتماوج في غبشي ، وفي فجري
فتعال ، فهيام المحطات نشوى
وعناقي يذيب الروح
(المجموعة ، ص 50)
*******************
صورة جلية للانشغال بالجسد . عندما رأى ” نرسيس ” في الاسطورة اليونانية صورته في البحر هام بها وعشق تلك الصورة . من هنا اشتق مفهوم النرجسية للدلالة على الحب المرضي للذات . كل ذلك الحوار المتخيل الذي رافق مراقصة الجسد ، لم ينتهي الى ماكنت ترمي اليه او تحلم به . نحن امام حالة من التعلق حتى ما يمكن تسميته بنسيان الذات . حبات القرط المنفرطة إشارة جلية على ذوبان الشاعرة بهذا الذي تفصلها عنه الف مسافة ومسافة !! . انها تناديه ولكن هيهات ان يلبي الطلب ويسعف الرجاء . فتبقى اسيرة وهمها وسراج ظلها المعتم . ها هو نص اخر يمكن ان يعد صورة لهذا الرجاء المحتبس والذي لم يرى النور قط . تقول حياة :-
أنت المختبئ في قامتي
فألبِسها شوقك َ
الضحى يتنهد لقطاف الثمر
لا تكسر صوتي في صدري
وكن وقتي
ليسجد الغبش بأناملكَ على خصري
دعنا ندفئ الثلج
دعنا للهفة نتدفق
فالتماع العيون بانتظارنا .
(المجموعة ، ص14)
******************
هنا صورة اخرى من صور الرجاء الخائب .. اليائس .. القانط . انها لمفارقة واضحة ان يكون للرجاء هكذا موصفات . لن ندخل ” حياة ” في اطار اضطرابات السلوك ؛ المعرفية منها على وجه الخصوص ، اعني ما يسمى بالخطل او الوهم او الهذاء . ويندرج تحت عقدة ” في انتظار غودو ” او ” الذي يأتي والذي لا يأتي” . انها تعرف انه لن يأتي وعلى الرغم من ذلك فأنها تعيش حسرات الانتظار . انها تشعر بالهجر والانكسار لأنهما لم يلتقيا في طريق واحد . هذه الفكرة نرى صداها في قصيدة ” الى الرجل ” لشاعرنا القدير نزار . فالبطلة كذلك تعيش اجترارات الانتظار وعذابات التوسل وخرائب التذلل . هنا تعيش حياة ايضا خبرة اضطهاد الاخر وملاحقته وترصده لها بعيونه المتطفلة . وفي نص ” لك انت ” قمة هذا الخور امامه ومع ذلك فالخور ممتزج بالكبرياء . لنرى كيف صورت لنا حياة هذا الانفعال الذي غلف كينونتها . تقول في النص :-
مزهوة شمسي تستحم بعينيك
وفي كوثر الصدور ينهمر الطل
والعطر سؤال يثمل بضوعك
يأتيني حنينك مدى يلامس عفة الازرار
فيرتجف المساء على قميصي
أراقصك الها
فلك السماء ، ولك الطريق
(المجموعة ، ص 21)
*********************
لازالت ” حياة ” مشغولة بالجسد كما اشرنا قبل قليل . هذا الانشغال نتيجة الفراغ النفسي ونتيجة غياب حضوره المطلق . انها تبحث عن آدم من بين الرجال . الا انها لم تعثر عليه بعد . هي في اقاصي الارض وهو في اعالي السماء .. له السماء كلها وله طريقها وسلالمها كلها . تبقى حياة اسيرة الوقت ومغلفة بالزمن وتنظر من خلال كوة ضيقة فلا ترى غير الامل الغائب اللا موجود الا في قاموسها . تقول حياة :-
يأتيني ضوؤك
كالفجر يتدلى من لجة الكون
لقداس أبجديتي
فتندن السماء موسيقى تغسل المطر
وعلى راحة الامل
يتوقف الزمن لأطيل النظر اليك .
(المجموعة ، ص 17)
********************
اذن هي في ملء العتمة وتمام الظلمة . بل هي العتمة ذاتها . الصورة التي رسمنا معالمها جسدتها الشاعرة في هذا النص الجميل والمكثف والدال . هل نقول ان حياة تعيش ذهول كتاتوني او هجاج هستيري او تعيش سرنمة ابدية لم تفق منها الا بدندنة السماء وانينها … الزمان متوقف عند حياة . انها مشلولة الذات ان صح التعبير . تقول في نصها المعنون ” صوتك ” :-
كلما حدثتني ارتج صوت الأثير
استنجدت’ بنبضاته كي تلتصق بزجاج صدري
كي تبتكر لي عالما احتل فيه وعيك
فبين أصابع الليل ضمني اليك
ودع أصابعك تشتم مملكتي
(المجموعة ، ص 36)
**********************
إذن لدى حياة مملكة عذراء .. قصية .. بعيدة .. بل في اطراف الدنيا وعلى الحدود الاخرى للعالم . هي كيان من زجاج . دلالة على قاروريتها !! . الم يقال ” رفقا بالقوارير ” . انها اميرة القوارير وليست قطا عابرة تسير في سرب القطاوات . هي المملكة بحد ذاتها . من يقدر على خرق حدودها والعبور نحو عتباتها . لا احد . الا انه صوته يزعزع اركان تلك المملكة ليفتح بواباتها ويتسلل نحوها بأصابع الليل المتلصصة ويخرجها من صمتها وكوة ذاتها ومحو مملكتها .
وهكذا يستطيع الدارس التقاط كل تلك الصور والاشارات النفسانية التي تطرحها نصوص حياة الشمري الاخرى التي يمكن ان تكون علامة مشرقة في الشعر النسوي العراقي بل العربي بعد كل اللواتي بدأن بترسيخ اتجاهه ومعالمه امثال الملائكة ولميعة عباس عمارة واخريات غيرهن ……
* الشمري ، حياة ، 2015 ، أنا وسرب القطا ، تقديم الاستاذ الدكتور عبد الرضا على ، دار العارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان .
1- د. الشربيني ، لطفي ، معجم مصطلحات الطب النفسي ، د.ت ، مركز تحرير العلوم النفسية ، الكويت ، ص 80 .
2- الشمري ، المصدر السابق ، ص 9
3- بهنام ، شوقي يوسف ، 2013 ، لميعة عباس عمارة وهموم الضياع : رؤية نفسية في المنجز الشعري ، دار امل الجديدة ، دمشق ، سورية ، ط1 .
شوقي يوسف بهنام* : حياة الشمري وهموم التماهي؛ قراءة نفسية لعيّنة من قصائد مجموعة “أنا وسرب القطا”*
تعليقات الفيسبوك