شوقي يوسف بهنام* : رموز عراقية في مجموعة “سيناريو الارجوان” للشاعر الياس لحود

shawki  5*مدرّس مادة علم النفس/ كلّية التربية/ جامعة الحمدانية

1- مظفر النواب
سنبدأ في هذه الحلقة بالرموز العراقية علنا نكمل مشوارنا مع الرموز الأخرى التي تناولها الشاعر في مجموعته هذه . * في حلقات اخرى . وأول رمز يحاول رسم معالمه الشاعر لحود هو للشاعر العراقي ” مظفر النواب ” . الشاعر الذي كتب بالعامية والفصحى . ونحن لسنا هنا في معرض التقديم لهذا الشاعر قدر ما نحن مهتمين بالتعرف على تلك الملامح التي رسمها له الشاعر لحود . يقول لحود عنه ما يلي :-
في عربات حسناوات تسعين
يختال قطار فلسطين …
في عربات مقطورات
(مئة في المئة وأكثر تقريبا )
– الحق الحق أقول لكم بفمي الملآن
في عربات تسعين (فاصل 999) …
(المجموعة ، ص 12)
************************
لنقف قبل كل شيء على رمزية العربة (او المركبة ذات العجلات)؛ حيث تقول كوبر عنها ما يلي ” هي الوسيلة لنقل الجسد البشري ، وتعتبر مع الحصان المركبة الشمسية لحمل الروح . والمركبات التي تجرها الخيول البيضاء أو الذهبية ، وأحيانا الغرفينات [حيوانات خرافية نصفها نسر ونصفها اسد ] ، هي رموز لآلهة السماء الذين يقودون مركبة الشمس ينتقلون بها في شتى ارجائها . والمركبات النارية هي الصعود الى السماء عن طريق الروح او الآلهة أو القديسين ، وتصور المنتصرين والابطال وهم يقودون المركبات التي تكون حينئذ رمزا للمعركة . وترمز نوعية الحيوانات التي تجر المركبة الى منزلة قائدها ومراميه ، فالخيول البيضاء مثلا هي الروحانية والطهر ، فهي شمسية ، بينما تكون القطط التي تجر مركبة فرايا قمرية ترتبط بالسحر . ويصور قائد المعركة العقل والذكاء او الروح التي تقود الجسد . وترمز العجلتان الى السماء والارض . وعند الكلتيين : نجد فليداس ، إلهة اللذات الجنسية والاحاسيس الغريزية ، لديها مركبة يجرها الايل . واحيانا تجر المركبة الشمسية بجعة او بجعات بيضاء اللون . وعند البوذيين : مركبة الشمس هي العربة الجبارة . وعند المسيحيين : ترمز المركبة أو ” الكارو ” او العربة الضخمة أو الفلك ، إلى الكنيسة باعتبارها الوسيلة التي تنقل المؤمنين الى السماء . وعجلتا المركبة ، احدهما الرغبة والهوى ، والاخرى العقل والتدبر ، كما وصفها دانتي . ولدى الاغريق والرومان : هي عربة لكل آلهة الشمس تجرها الخيول البيضاء الشمسية . وهذه العربة سواء شمسية او قمرية ، هي التي تحمل الشمس والقمر ، وتجوب بهما السماء . ومثال ذلك ابوللو باعتباره إلها شمسيا ، وخيول بوزيدون البيضاء باعتبارها عنصر الرطوبة . وتعتبر كذلك المركبة والخيول من السمات الحربية لإله الحرب اريس او مارس . ونجد انelias lahod سيبل تقود مركبة تجرها الاسود ، وان انصاف الالهة من التريتون [ له جسم رجل وذيل سمكة ] ، تنفخ في المحارات الصدفية ، وهي تجر مركبة بوزيدون ، وان سبازيوس يقود مركبة الشمس . وجوبيتير دوليكنوس يقود نير الثيران ، والحمامات تجر مركبة فينوس ، والايائل لمركبة ديانا ، والطواويس ل” جونو ” ، والكلاب تجر هيفاستوس او فولكان ، والنسور زيوس او جوبيتير ، والماعز أو النمور “ديونيسوس او باخوس وايروس او كيوبيد ، والخيول السوداء لمركبة بلوتو . وعند الهندوس : مركبة الكائن الجلي ، تسوقها النفس التي توجه الجياد ، ويرمز اليها ب ” كريشنا ” الذي يتولى القيادة ، ولكن دون ان يشترك في القتال ، أو ينهمك في الحركة الدائرة حوله . وتمثل الجياد قوى الحياة المادية ، ويمثل اللجام او المقود ذكاء القائد وارادته . ومحور العجلتين هو محور العالم ، والعجلتان هما السماء او الارض ، يصل بينهما المحور . ويمثل دورانهما دوائر الافصاح والتبيان . ابضا يقود سافتري مركبة تجرها الخيول المضيئة ، كما ان سوما لديها مركبة قمرية ذات ثلاث عجلات ، ويجرها الظبي الارقط ، او عشرة جياد بيضاء . وكذلك تجر القوتان التوأم اسفنس مركبة ذات ثلاث عجلات . وتقود اوشاش او دون [ ابنة السماء] مركبة تجرها الابقار او الجياد الحمراء . ويركب إندرا في مركبة ذهبية . ويقود شيفا مركبة تجرها الغزلان او الظبيان القمرية . وعند الايرانيين : مركبة المجوس يجرها اربعة افراس ، ترمز الى العناصر والموقوفات المكرسة لآلهتهم الاربعة . وكانت لدى اناهيتا ، إلهة الخصوبة ، مركبة يجرها اربعة جياد بيضاء – تمثل الرياح والمطر والسحاب والبرد – وهي تظهر مع ميثرا . وعند الاسكندنافيين والتيوتونيين : مركبة ثور تجرها الخراف الشمسية او الماعز ، اما مركبة فرايا فتجرها القطط …(1) . تلك اذن عي صورة من صور رمزيات العربة في المخيلة الانسانية في فجر تاريخها . لحود يركز على العربات الحسناوات التسعون . يربط الشاعر لحود بين هذه العربات واختيال قطار فلسطين . نعتقد ان لحود يستلهم قصيدة ” النواب ” ” الريل وحمد ” وقصة القصيدة معروفة وهي ان شاعرنا النواب كان مسافرا في عربات الدرجة الثالثة فصادفته امرأة جميلة جلست معه في ذات العربة وروت له قصتها مع ابن عمها . وعلى اثر هذه الرواية استلهم شاعرنا مضمون قصيدته . نحن اذن امام حالة هجر وغياب للمحبوب وبالتالي لوعة الحرمان وبعد المسافات بينهما . وعلى الرغم من اننا لا نرغب في الدخول في سيكولوجية الهم في قصيدة النواب لكن ما نريد الاقتصار عليه هو رمزية القطار او عرباته التسعون اذا استخدمنا تعبيرات لحود نفسه . صار قطار فلسطين مختالا . لم يبقى للنواب الا عرباته الحزينة وهي تمشي ببطء لكي تتذكر عطر المحبوب الذي يفوح في ارجاء المحطة التي يقف عندها . هنا يعيش مظفر ما يمكن تسميته بلغة علم النفس هموم الاجترار Rumination .. اجترار الماضي بكل حفرياته . المحبوب هنا في نظر لحود لم يعد ” حمد ” الذي لم يحالفه القدر لكي يظفر بهذه المرأة البائسة التي تركت قرية حمد وتركت معها كل ذكرياتهما واتجهت نحو بغداد .. بغداد التي من الممكن ان تكون رمزا لضياع الذوات والهويات في زحمة المكان . انها الاغتراب في تضاعيف المدينة وملابساتها . نست حمد وصارت غفلا لا غير . ها هي فلسطين هي الاخرى اختيلت وصارت غفلا وصار ابنائها مشردين في ازقة العالم وشوارعه . من هنا هموم شاعرنا النواب . صارت فلسطين هي حبيبة حمد التي هجرته وحمد هنا صار النواب الذي عاش محنة الاجترار والانتظار الى اللقاء والعودة . كلاهما في قطار يمضي في اتجاه معاكس لاتجاه القطار الآخر . ويا لحزن النواب انه يرتقب امل العودة واللقاء mothafar 12وهو في عربة من الدرجة الثالثة من قطار يجر خطواته جرا . يقول لحود واصفا قطار النواب :-
يصفر
ينساب كأفعى المنعرجات
مليئا بالغبطة
ممتلئا بجنود شبوا عبر نوافذه الفتاكة
عادوا من حرب ثانية .. ثالثة .. رابعة
في فيلم يخرجه الامريكان
ويحضره عبر فضائيات الدنيا
أهل الامريكان
وأم الامريكان
……. وأخت الامريكان
(الديوان ، 12)
**************
الصفير يرمز ، كما يقول الباحث مالك شبل ، عادة الى ” أقصي الصفير عن حرم الجامع وعن كل ما يعتبر مكان عبادة من أراض ٍ ومنازل وأسوار . وذلك لما يتضمنه من معان سحرية . الصفير هو ظاهرة تمرد وهو عامل سلبي لأنه يبعد الملائكة عن المنازل . ويقول ” يونج ” ان الصفير الذي يطرد ، في العالم العربي الاسلامي ، الملائكة الحارسة لأن منشأه الشيطان ، يعتبر مع اصطفاف اللسان وسيلة لاجتذاب المعبودات الحيوانية الشكل ” (3) . وقفنا عند هذه الرمزية للصفير لا لشيء الا لكي نضع في ذهن القارئ المفهوم الذي يدل عليه الصفير . القطار الذي يرسمه لحود .. اعني القطار الذي يقل النواب وهذه المرأة المنكوبة والتي يمكن ان تكون صورة لفلسطين هو قطار اجترار الذكريات . القطار يسير كأفعى المنعرجات انما يمكن ان يكون اشارة الى الحيرة والتشتت . صفيره هو دال على تلك الحيرة . يمكن ان يكون الصفير بمثابة الولولة والبكاء لأنه يغادر ارض الذكريات التي مر بها . العودة من الحرب يمكن ان تكون رمزا الى اكتشاف الحقيقة المرة التي يعاني مرارتها النواب . وليكن النواب هو الذي غادر ارض ذكرياته ولم تك تلك المرأة التي وقعت في حب حمد . الامر في الحالتين سيان . ثمة تعلق بالارض .. بالأم .. وبكل انفعالات التعلق التي يترتب بها . النواب يعيش اثر هذه المغادرة .. اعني مغادرة الارض محنة الضياع ليس في بغداد فقط بل في كل مدن العالم طالما لا تجعله ان يشم رائحة الهيل !! التي تنبعث من قريته او وفقا لمنطق القصيدة من قرية حمد بالنسبة الى تلك المرأة التي تواجه المجهول الذي ينتظرها . المجهول ينتظر الاثنين ؛ النواب ومسافرته على حد سواء . سوف تتحول عند النواب هموم الارض المغتصبة ؛ فلسطين او اي بقعة وقعت تحت الاغتصاب الاستعماري … عدو النواب وعدو الطبقة العاملة وعدو الشعوب . من هنا تعاطف النواب مع مسافرته الحزينة هذه . لقد كانت بمثابة ملهمة له .. الشيطان الذي حرك ملكته الشعرية فكانت قصيدة ” الريل وحمد ” . النواب هو الآخر ماضي نحو الضياع والغربة . يحمل بين جوانحه قضيته الكبرى كما نوهنا بذلك قبل قليل .. نص لحود هذا يخبرنا او بتعبير ادق ان النواب قد ادرك اخير سرا اللعبة ! . التاريخ لا يحركه الديالكتيك الذي تعلمه النواب في مدرسة الحزب الشيوعي الذي كان منتميا اليه . التاريخ تحركه امريكا على شكل فلم درامي من انتاج احد منتجي مدينة هوليود ومن وراءه !!. اهل الامريكان وام الامريكان واخت الامريكان كلهم رموز لحلفاء امريكا واصدقاءها . هذا ، في تقديرنا ، ما يريد ان يقوله لنا الشاعر اللبناني لحود على لسان النواب او هي القناعة التي توصل اليها النواب ….

الهوامش :-
* لحود ، الياس ، 2003 ، سيناريو الارجوان ، دار كتابات ، بيروت ، لبنان ، ط1 .
2- كوبر ، جي ، سي ، 2014 ، الموسوعة المصورة للرموز التقليدية ، ترجمة : مصطفى محمود ، المركز القومي للترجمة ، القاهرة ، جمهورية مصر العربية ، ط1 ، ص 100 – 102.
3- شبل ، مالك ، 2000 ، معجم الرموز الاسلامية ، ترجمة : انطوان إ. الهاشم ، دار الجيل للنشر ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص 179 .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *