د. نادية هناوي سعدون : أكاديمية الترجمة وريادتها عند كاظم جهاد درسا وحوارا

nadia hanawyإشارة :
ببالغ الاعتزاز، تنشر أسرة موقع الناقد العراقي مقالة الدكتورة نادية هناوي سعدون التي تُعتبر، بحق، الآن، من بين ابرز الأصوات النقدية النسوية العراقية والعربية . تأتي المقالة من سلسلة مقالات أرسلتها الدكتورة نادية هناوي سوف ننشرها بالتعاقب .. فشكرا لها .

المقالة : 
طالما عرف الناقد والمترجم كاظم جهاد في الاوساط الثقافية العربية باهتماماته الترجمية والنقدية الحداثية ، وعلى الرغم من منجزه الترجمي واسلوبه المتميز في الترجمة الا اننا نجده كان متميزا في الترجمة للنقد الحداثي تنظيرا واجراءا ومنه النقد التقويضي الذي لم يكن قد وجد له صدى بعد عربيا كون التفكيك وبحسب الدكتور علي حرب” لا ترمز فقط الى مبدأ التحلل او الازاحة في أي سؤال يثار عن النظام بل هي اسلوب لاضفاء الموضوع على هذه الاحتمالية ”
ولعل السبب في اشكالية التفكيكية هو صعوبة فهم مؤسسها جاك دريدا الذي استثمر قراءات البنوييين وما قبلهم للغة والكلام والكتابة كثالوث معرفي وفكري يدور في ميدان الادب او الابداع المكتوب عما يقوله الادب عن معنى يند عن الحصر باستمرار..
وقد انشغل المترجمون العرب بترجمة بعض مناقشات جاك دريدا للسانيات الكتابة ناقلين عن دريدا قوله:” ان ما حاولت القيام به منذ زمن طويل هو التأكيد على استحالة غلق شفرة ما او نظام لغوي ما ضمن حدوده الداخلية الصارمة ولم افعل ذلك بصورة نظريات او نماذج نظرية حسب تحصى مثلا امكانية التطعيم والطفليلات والملاحق وما لا يمكن تقريره بل عن طريق كتاباتي الخاصة بهذه الموضوعات .. ان كتابي في علم النحو انما هو في الوقت نفسه منهج في لسانيات الكتابة”
وقد نقل المترجم محمد درويش عن دريدا ـ حين سئل عن كون مؤلفاته توصف بانها اعمال خطيرة ـ قوله:” اشعر ان بعض الناس لا بد ان يشعروا بالخطر لا من اعمالي وحدها بل من كل هذه الاشياء واعتقد ان هذا يعود الى ان هذه الاشياء الجديدة تظهر للعيان حقائق او افتراضات كانت خفية واعتمدت عليها هذه المؤسسات والقوى وعندما تحلل الافتراضات التي قامت عليها هذه القوى الاكاديمية وهي قوى ثقافية وسياسية ايضا فانها تشعر بالخطر والتهديد .. وفي الجامعة عندما يدرك هؤلاء الاساتذة .. ان الطلبة بدأوا يكتبون ويقراون بطريقة مختلفة ولا اقصد انهم يمتلكون مواقع محورية بالمعنى السياسي بل يتمتعون بفصاحة جديدة يكتبون فيها ابحاثهم كتابة مغايرة تتصف بابعاد ثقافية ثرية بعض الاحيان عندئذ فقط يدرك هؤلاء الاساتذة انهم لا يملكون قوانين او معايير جديدة لتقويمها لهذا السبب فان ما يعد خطرا حقيقيا في الكثير من اقسام الجامعات لا يتمثل بوضع سياسي ثوري بالمعنى التقليدي بل يتمثل بشيء لا يبدو انه سياسي ولكنه على الرغم من ذلك يربك الاساليب التقليدية كالقراءة والفهم والمناقشة والكتابة واستخدام البلاغة وغير ذلك لان هذا الامر يقوض او لا يقوض بالضرورة بل يكتشف في الاقل” اتجاهات في النقد الادبي الحديث/ 522kadum jehad
اما الناقد والمترجم العراقي كاظم جهاد فانه كان قد اجرى عام 1985 حوارا مع دريدا شخصيا عن الاستنطاق والتفكيك وقد نشر في مجلة الكرمل العدد السابع عشر محققا بذلك سبقا نقديا ..
وقد اشار جهاد الى حقيقة مهمة وهي ان دريدا كان قد ترجم كتاب هوسرل (اصل الهندسة) الى الفرنسية عام 1962 مع تعليق طويل له تضمن افكاره الاولى .. وان له كتاب (الكتابة والاختلاف) 1967 وكتاب (هوامش الفلسفة) 1972 و(الغراماتولوجيا) 1967 و(اوتو بيوغرافيات) 1984
واكد جهاد ان هذه المحاورات هي” مراجعة للتاريخ .. من جهة وبالمسار الحالي للافكار والاداب والفنون من جهة ثانية من جهة التاريخ السياسي انسحاب الاستعمار وظهور شعوب ودول الاطراف والهوامش التي لا تهدد المركز الاستعماري وحده وانما مفهوم المركز بعامة ”
ومما تضمنه هذا الحوار المطول مع دريدا المقتطفات الترجمية الاتية عن دريدا التي أسوقها هنا لتبيان التاصيل المعرفي الذي اسهم فيه كاظم جهاد وهو يروج لمفاهيم التفكيك والياته عربيا :
اولا: “اقترح دريدا فعالية قائمة على التفكيك وموضوعة تحت رمز (الاختلاف) الذي يعدل من اجله المفردة الفرنسية التي تدل عليه .. بمعنيه الاثنين : الاختلاف والمغايرة ولكن ايضا الارجاء او الاحالة الى زمان اخر ومكان اخر انه فكر احالي لا يريد ان يغلق حركته باي جد او شبكة من الاعلاقات او سلسلة تكرر كل واحدة من حلقاتها الحلقات الاخرى وتدخلها في سلاسل اخرى تخترق الجسم الميتافيزيائي كله وتعمل على تفكيكه من طرف الى اخر ويقابل الازواج المفهومية التي يرى دريدا انها تعكس كل منهجية الفكر الميتافيزيقي الواقع / الحلم الخير /الشر الداخل /الخارج الكلام المباشر / الكتابة المثال /المادة .. الدال /المدلول يقدم هو كلمات مفدة تتمتع في ذاتها بثنائية فعالة غير قابلة للتذويب كلمات كالاثر الذي يشير الى المحو والاشارة في الوقت نفسه ”
ثانيا: “ان المسألة مسألة انتقالات موضعية ينتقل السؤال فيها من طبقة معرفية الى اخرى ومن معلم الى معلم حتى يتصدع الكل وهذه العملية هي ما دعوته بالتفكيك ”
ثالثا: “ليس هناك من نص متجانس هناك في كل نص حتى في النصوص الميتافيزيقية الاكثر تقليدية قوى عمل هي في الوقت قوي تفكيك للنص هناك دائما امكانية لان تجد في النص المدروس نفسه ما يساعد على استنطاقه وجعله يتفكك بنفسه ”
رابعا: “ما يهمني في القراءات التي احاول اقامتها هو ليس النقد في الخارج وانما الاستقرار او التموضع في البنية غير المتجاسة للنص والعثور على تواترات او تناقضات داخلية يقرا النص من خلالها نفسه ويفكك نفسه … ان بفكك النص نفسه فهذا لا يعني انه يتبع حركة مرجعية ذاتية حركة نص لا يرجع الا الى نفسه ولكن هناك في النص قوى متنافرة تاتي لتقويضه وتجزئيته وهذا ما نلحظه لدى فرويد بخاصة ”
خامسا: “اننا لا نستطيع ان نبقى داخل النص ولكن هذا لا يعني ان علينا ان نمارس بسذاجة سيوسولوجية النص او دراسته السيكولوجية او السياسية او سيرة المؤلف اعتقد ان هناك بين خارج النص وداخله توزيعا اخر للمجال او الحيز اعتقد انه سواء في القراءة الباطنةام في القراءة التفسيرية للنص من خلال مسيرة الكاتب او تاريخ الحقبة يظل هناك شيء ما ناقص دائما ”
سادسا:” ان البنيوية .. تحرص بالخصوص على صياغة تماسك كل كلية وتكاملها في مستواها الخاص وهي تنتقض نفسها عندما تعتبر .. الجانب غير المكتمل فيه .. الا بمثابة استباق اعمى للعمل ”
سابعا:” ان يكون المرء بنيويا هو ان يعكف في البداية على تفحص منظومة المعنى والاستقلال والتوازن الخاص والتركيب الناضج لكل لحظة وكل شكل ”
ثامنا:” ان تكون البنيوية الحديثة قد نمت وترعرعت في التبعية المباشرة المعترف بها على نحو يكبر او يصغر الى الفينومونواوجيا الظاهراتية فهذا مما يكفي لجعلها تابعة الى اصفى تراث يمثل الفلسفة الغربية التراث الذي ما وراء عدائه لافلاطون يقوم بارجاع هوسرل نفسه الى افلاطون ”
وما اقتطعته هنا من مقاطع من الحوار انما هو من باب ريادة جهاد ترجميا ومعرفيا على المستويين النقدي والحداثي.
وقد تكون تلك الريادة الترجمية درسا معرفيا واكاديميا على النطاق العربي والعالمي ومن ثم يغدو الحديث عن كون الترجمة خيانة للنص منتفية مع كاظم جهاد ونصوصه الترجمية الذكية التي تاتي عن فهم ودراية قبل ان تتولد من مقابلة لفظة من لغة ما بالذي يقابلها من لغة اخرى .
واذا كانت هذه الريادة مغامرة في عالم المعرفة الشائك الا انها كانت مغامرة محظوظة لان صاحبها كاظم جهاد ناقد واع لما يفعل، ومترجم هاو ومحترف عمقا واتساعا اشهارا وتواريا مؤكدا شغفه باكتناه عوالم المعرفة وولعه بما هو مخبأ او مكنون وهذا هو ديدن الناقد التقويضي عربيا كان او غربيا اصلا وفرعا.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

| د. شعبان عبد الحكيم محمد : النص الطازج والقصة القصيرة الشعر قراءة فى مجموعة ” حواس زهرة نائمة ” لسامية غشير.

صدر للدكتورة سامية غشير أول مجموعاتها القصصية ” حواس زهرة نائمة ” عن دار النشر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *