1 . محنة الأمير
أيها الأمير البهي ، أراك معلقاً بخيط رفيع الى سقف السماء كأنك ملاك على وشك الهبوط ! ورغم تألق وجهك الحبيب فالحزن يلف كل ما في حولك ، تتناهى الى سمعي حشرجة أطفال يريدون آباءهم الذين لن يلتقوهم ثانية ، وأنين طاعنين في السن سيعيشون قسراً ما بقيت لهم من أعمار دون أبنائهم ، وأشيح بناظري عن أمهات وزوجات يأكل الوجع الكاسر أكبادهن دون رحمة وهن بإنتظار أحبائهن الذين غادروهن الى الأبد ! ودون أن أشعر تتقاطر على خدي دموع حارة تحرق ضعفي ويأسي ، وأدرك بأني مجرد موجوع يقتله الإحساس بالعجز المهين !
آه .. أيها الأمير الفريد ، كم هي عسيرة هذه اللحظات وأنت في سماواتك البهية تختلس النظر إلى رعيتك وهم يتدافعون بغضب مدمر نحو قدميك ، ليستأثر كل منهم بوردتك الحمراء القانية الجميلة التي تزين قبعتك الأنيقة ، أو ربما لينتزعوا القلادة الفائقة الجمال التي تطوق عنقك ، ويا ويلي أنهم لا يدركون مغبة الإمساك بقدميك وجرك ، فالخيط سينقطع لا محال ، وستهوى من سماواتك كتلة من الأشلاء المضرجة بنجيعك القاني .. آنذاك ستتفجر الدماء أنهاراً على الأرض بعدما يحمل كل ٌصاحبه مسؤولية الإستئثار بسحب قدميك ، وستطير اليمام مفزوعة نحو الآفاق البعيدة .
لكن في الأحوال كلها ، يكون الستار قد أسدل على حكاية أمير آسر، أغتيل على أيدي رعية مارقة مع سبق الإصرار والترصد في رابعة النهار ، دون أن تكتمل على شفتي زمان ٍ آت ٍعسير !!
2 . يمامتان
بين آونة ٍ وأخرى .. تلتهب ُ سماواتي بهديل يمامتان بلون الثلج , آتيتان من المدن القصية ، تملأان فضائي المسحور بالجلجلة ، ترتلان ترانيم الهوى الشجية ، وتنثران في دنياي ضوع العشب الأخضر في البراري الموحشة ، وهسهسات الريح في الوديان السحيقة ، وتدخلان في طقس الإشتياق ، ثم تحطان على راحتي الضحى المغسول بالإنتظار الممض !
كيف أحباؤنا السادرون في الأحزان هناك ، المتلفعون بالقيظ واليباب ؟ أيمضهم الشوق الى ضمة صدر ٍ ومسحة يد ٍ حانية ، ولمسة ود ٍ رقيقة ، أم عانق العشق التباريح فأحال زمانهم الى هاجس ٍ مرّ ٍ وسَدَرٍ تائه ؟
رفيقاتي .. عودا الى الديار ، بلغا الأحبة عني ، هنا بدونكم ترملت أغنيتي ، ونما الطحلب القاسي في ضفافي ، وجفَ طلعي … هنا أيقظ الناي غابة أحزاني وقارة وجعي وملأ الحرش حقلي وشهق القداح في عطشي المقدس .. لكن وجدي يشق المسافات كالسيل ، يزلزل الضلوع ، ويُشعل الحرائق في الغابات ، يجرف هامات الجبال ويمزق الأبعاد المنسية ليرتمي على أذرعكم ، ويستغرق في راحة مفتقدة ، ويغفو كطفل موجوع !!