شوقي يوسف بهنام : البسطامي متهكما (13)

shawki  5*مدرّس مادة علم النفس/ كلّية التربية/جامعة الحمدانية

قال البسطامي ” إلهي لو تغفر من رأس آدم إلى يوم القيامة غفرتَ عن قبضة تراب ، ولو تحرق من رأس آدم إلى يوم القيامة أحرقت قبضة تراب ” (1) .
التاريخ بنظر البسطامي ، وفقا لهذه الشطحة ، سجل مفتوح امامه . فهو يرى كل ما هو مكتوب ومسطر عليه . بدء التاريخ ونهايته . نحن امام شخص يعتبر نفسه خارج التاريخ لأنه او يشعر بانه هكذا . لأنه مدرك لما يجرى في ذلك التاريخ . من هنا هذه النبرة التهكمية ، أن صح التعبير ، التي تتسم بها هذه العبارة . ان البسطامي هنا ، هو المتهكم بمسار التاريخ هذا . انه غير راضي عليه . المعادلة التي يطرحها البسطامي مستوية الاطراف ، بمعنى انها ذات نتيجة واحدة . عدم الرضا هذا يمثل احتجاجا وتمردا عليه بل وعدم الاقتناع به . لنلاحظ انه يساوي بين عمليتي الحرق والغفران . والغفران عملية واضحة في حسابات الحق ، بينما الحرق تأتي بمعنى مخالف لتلك العملية … اعني الغفران . إذن في العبارة خطاب موجه نحو الحق نفسه ، على اعتبار انه الند له ، فهذه العبارة بمثابة مساءلة للحق حول عبثية عمله في تعامله مع آدم وذريته منذ بدأه حتى منتهاه . ماذا تغفر وماذا تحرق من هؤلاء !! . اعني من اولاد آدم ؟ . لا شيء تغفر ولا شيء تحرق . وان غفرت فإنما غفرت عن قبضة تراب وان احرقت فإنما تحرق قبضة تراب . وما هي قيمة هذه القبضة من التراب ؟ ليست سوى قبضة تراب لا غير . البسطامي كما قلنا ، يعزل نفسه من جملة مسيرة التاريخ هذه ، ويطرح شكواه والمه من ستراتيجيات الحق في التعامل مع خلقه . انها ستراتيجيات غير مجدية وغير نافعة . الانسان بجملته ليس غير قبضة تراب في كل الاحوال ، ولذلك لا يستحق الغفران او الحرق . الامر في الحالتين سيان . نميل الى الظن ان البسطامي ، هنا ، متشائم جدا من مستقبل الانسان بل من وجود الانسان نفسه ، فهو لا يستحق كل هذا الاهتمام الذي يوليه اياه الحق . انها نظرة ازدراء لتركيب الطبيعة الانسانية بمجملها ، وهو في عبارته هذه ، في موقف تساؤل عما يفعله الحق إزاء الانسان . من هنا نجد للبسطامي نظرة عدمية بحصر المعنى للمفردة فيما نرى ! . اذن فما الفائدة من عملية الحرق او الغفران إذا كانت المحصلة هي مجرد قبضة من تراب ؟؟! . ذلك سؤال نتركه لمن يخالف البسطامي في النظر في ماهية الانسان وغاية مساره عبر التاريخ .
الهوامش :-
1 – عباس ، المصدر السابق ، ص 46 .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

| د. شعبان عبد الحكيم محمد : النص الطازج والقصة القصيرة الشعر قراءة فى مجموعة ” حواس زهرة نائمة ” لسامية غشير.

صدر للدكتورة سامية غشير أول مجموعاتها القصصية ” حواس زهرة نائمة ” عن دار النشر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *