لطالما وجود ألأنسان متحقق في هذا العالم فهو سيده بلا ادنى شك …لكن هنالك مشكال يفرض نفسه على هذا الوجود المتعين والمترابط بأواصر وادوات تفتح له العالم بكل سعته ..فهي خمس حواس ينفتح من خلالها على الوجود ويتفاعل معه. ويؤسس لعلاقات جديدة ويديمها من خلال هذه الحواس التي تتفاوت في مقدرتها على ألأيصال والتواصل و من ثم ألأنسجام والتناغم معه لكن لنتوقف قليلا عند حاسة لها تأثير كبير وفعالية اخطر على مزاجية وحركة ألأنسان وهو السماع والمرتبط جدليا بالصوت الذي هو اعظم قوة واجهت ألأنسان وقرأت ردود افعاله وسيرت حركة مزاجيته مابين يبوسة ونداوة وكان لهالرأي القاطع في اكثر وسائل حياته حميميةفي العالم وكتبت له اساطيره وخرافاته واحلامه , منذ بدء الخليقة..كان الصوت حاضرا في اذن البشرحيث كانت الحناجر هي مصدر الأصوات كلها ..فألأشجار والمياه وهسيس النسيم اوان الصباحعلى ألأشجار وجرس ألأوراق الصفراء وسقوطها ..وخرير مياه الجداول وامواجها الصغيرة التي تدفع بالحصى …وطنين الحشرات على الورد وألأزاهير.وشدو البلبل وفحيح ألأفعى ونعيق البومة وعواء الذئب ونباح الكلب وهديل الحمام وغقغقة الصقرونعيب الغراب وثغاء الماعز…ثم عويل الريحوهدير الرعد ونثيث المطر…في كل منها كانت ثمة حنجرة تشارك سيمفونية الطبيعة بمقطوعاتها عن ألأستمرار والتناغم مع الوجود الصمداني للكون وهي لغة يفهمها من يسمعها ..لولاها لفقدت هذه الكائنات هيبتها واحترامها لنفسها ومن ثم تموت …هذه الحناجر اللينة الميساء هي من كانت تشكل خيوط التواصل والتوازن مع محيط انسان ذلك العصر لذلك كانت ألأشياء عنده تعرف بمسمياتها وكان مشاركا معهم في كل شيء وهناك احترام متبادل بينه وبينهم..لكن بتحرك عجلة التطور ودخول آلآلة الى حياة ألأنسان بدات كثير من تلك ألأصوات تنحسر منسحبة الى اماكن ضيقة اسمها الغابات فيما حلت مكانها اصوات ألألات الضخمة واصوات السيارات والقطارات والطائرات والسفن والدبابات وألأنفجارات …الخ وكلها تحمل اسما واحدا …الضجيج والصخب…وفقد الصوت احترامه وهيبته ..بعد ان كان لغة واشارات الهية يفهمها الجميع وصنع لها الهة كما اله الرعد (ادد) عند ألأشوريين ..حيث كان الصوت عند آلآلهة احد وسائل ارهاب البشر واظهار جبروت وقوة آلآلهة …
لذلك ان قوة الصوت وشدته وتلونه وتناغمه ورقته وغلظته وحلاوته بدرجات السلم الموسيقي مابين الدو والسي ..له فعل السم الزعاف في البدن او هفيف جنح فراشة على وجه ملاك لننظر الى فعل الغناء في النفس البشرية وتلك ألأصوات الجميلة في تراثنا القديم ..اسحاق
الموصلي/ زرياب /طويس …صعودا الى مطربي العصر الحديث وكيف استطاعوا ان يشكلو حضورا قويا في الذائقةمنذ بواكير الحضارة وحتى ألأن …إن الصوت فعل قد يؤدي الى القتل وقد يؤدي الى الحب …اما الغناء فهو غالبا مايكون مؤونة دائمة للعشاق بما يمتلكه من شحنات عاطفية تؤجج المشاعر بأتجاه الحبيب في البعاد والقرب والهجر والوصال.من ذلك الحديث ..هسيس الكلام وهو يدخل ألأذن صوت لين كانسكاب العسل ..دافيء كشمس الشتاء…بارد كماء جدول… سيال من كلمات تبث نجوى الحبيب وشكواه وغزله…اي مقاومة او ممانعة تقف بوجه هذا الكلام… ومن جهة اخرى نجد ان صرخة بوجه طفل تخلق فيه خوفا يبقى معه بقية عمره ..في الوقت نفسه نجد ان هناك من امتهن لغة الكلام كالخطباء والمحامون والسياسيون …وبرعوا فيه وحققوا نتائج ومكاسب في ذلك … وقد قدم القرآن الكريم السمع على البصر (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا…الاية)….مما يؤكد تأثير الصوت في عقول وقلوب الناس …وما اهتمام الناس على مدى اشهر ببرنامج احلى صوت(voice)وتشجيهم لهذا دون ذاك ..واضعين خلف ظهورهم كل مشاكلهم ومعاناتهم اليومية وارهاصات الربيع العربي خلف ظهورهم الا لأن يدخل اسماعهم ذلك الصوت الذي يفضلونه على غيره .. هذا هو الصوت..هذه الهبة ألألهية التي لولاها ماكنا عرفنا طعم العالم ومذاقه .
*********************************