إشارة :
يسر أسرة موقع الناقد العراقي، أن تبدأ بنشر هذا الملف عن الشاعر الكبير محمد حسين آل ياسين ، ويهمها أن تدعو الأحبة من كتّاب وقرّاء إلى المساهمة في هذا الملف بما يتوفّر لديهم من دراسات ومقالات وصور ووثائق لإغنائه بما يليق بقامة هذا المبدع الكبير.
المقالة :
فمن الناجع جداً ” وأنت الشاعر” ان تكتب عن شاعرٍ محبَّبٍ اليك ذي شفافية عالية وخلق أعلى.. وسلوك نادر.. وتواضع مطبوع، ذلك هو الشاعر محمد حسين آل ياسين، واجزم أنَّ أمثاله قليلون جداً سواءً من هذهِ الناحية أو الناحية الأدبية. فقد ظلَّ متمسكاً بكتابة القصيدة العمودية (الرصينة)، فهو يفيض بالشاعرية الرقيقة والحس اللغوي العالي والتمسك ببحور الشعر، فتأتي قصائده شامخةً مثله لا تنالها شائبة وهذا الأمر يتوزع على دواوينه ابتداءاً من نبضات قلب والأمل الظمآن الى العهد الثالث الذي صدر في 2010، والذي نحن بصددهِ الآن، ولعل مرَّد ذلك كله يرجع الى البيئة التي أحاطت بالشاعر سواء كانت العائلية أو الاجتماعية، اضافة الى التخصص في المنهجية الدراسية في إكمال ثقافتهِ واجتزأ هذهِ المقدمة التي اعتقد أنها لم تمنح الشاعر شيئاً قياساً الى ترجمة الاشياء التي يحققها الشاعر على أرض الواقع في كثير من المناسبات ونيله الكثير من الجوائز الأدبية والشهادات التقديرية التي تعبر عن استحقاق الشاعر لها.
ولا اكتم الناس سّراً فقد زاملته أكثر من خمسين عاماً حيث كنّا طالبين في كلية الآداب – قسم اللغة العربية – أنا في المرحلة الثانية وهو في المرحلة الأولى. وصحيح أنني نشرتُ أول مقال عن الشعر في الملحق الأدبي لجريدة الجمهورية بتاريخ 6/4/1966. إلا انه كان سباقاً بمشاركتهِ الشعرية الواسعة في المهرجانات. إذ كان يمتلك الجرأة والقوة والثقة بالنفس التي تؤهله في اقتحام هكذا مهرجانات شعرية، بصوتهِ العذب والقائهِ الجميل واسلوبه الرصين واللغة الصافية. وهذا كما قلت سابقاً نتيجة رائعة وثمرة يافعة للبيئة الأدبية التي كان يعيشها الشاعر كما اشارت اليها بعض قصائدهِ في دواوينهِ الأولى. إذ القيت بعضها في المهرجانات التي كانت تقام هناك في سوق عكاظ في الكاظمية.
من الملاحظ على قصائد المجموعة أنها تتجه الى العمودي رافضة الأشكال الأخرى التي عرفت بقصائد التفعيلة وقصيدة النثر، وما ذلك إلا تأكيد على أَنَّ من يتمكن من العمودي بشكل رائع لا يلجأ الى الأشكال الأخرى كقصيدة النثر التي تعيش على فنتازية الجملة و((قداس الحداثة)).
كل قصيدة طالت أو قصرت من قصائد المجموعة تقرأها.. تجد نفسك ازاء شاعر ينقلك بشكل جميل وبكل مقومات القصيدة الى أجواء الشعر العربي الأصيل وخاصة إذا كنت ممن يعتنون باختيار الشعر الجيد الذي لا تناله شائبة ما، فالقصيدة لديه صورة شعرية شفافة موحية ومؤثرة تعيش معها بكل خواصها السحرية.
فالمعاني كما قالوا قديماً ” شائعة لكن أين تكمن براعة الشاعر في اصطياد المعنى وتقديمها بصورة شعرية مؤثرة تثير فيك المشاعر والاهتزاز، وهذا ما نجدهُ عند شاعرنا صاحب الشأن. فهو لا يألو جهداً في الاهتمام الكبير ليقدم صوراً رقيقة وشفافة تشعرك بأنَّك امام شاعر يتعمد ذلك تعمداً اجبارياً لا متكلفاً ادراكاً منه أنَّه شاعرٌ يتمتع بمكانة عالية ينظر اليه اصحاب الشأن سواء كانوا من المهتمين بالشعر أو البعيدين عنه وحسبك هذا النقاء والصفاء في اكثر صورهِ الشعرية الممتدة على حجم قصائده أو قصائد المجموعة بالذات قال الشاعر في قصيدة (القصيدة) …
فأحدث الظلَّ شمسٌ والقرى سحبٌ
والرشد افق وضوءَ الشمعة القمرُ
فهل هناك أجمل من هذهِ الصورة وتقديمها بموسيقية عالية يتموج فيها الشاعر في البحر البسيط وكذلك في القصيدة نفسها ص59.
ماذا تقول فتغدو الاذن ناظرة
فيه ويصغي الى الحانه البصرُ
أليس هذا ما أراده بشار بن برد في بيته المشهور
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقةٌ
والأذن تعشق قبل العين أحياناً
أليس لنا الحق في ان نقول إِنَّ الشاعر يصل بهذا الاختيار الى ما وصل اليه الشعراء القدامى.
وها هو في البحر الخفيف يشقّ أمواجه في قصيدة (خيمة المربد)، فيقول:
كلّما لحت في خيالي طيفاً
عنقي لهفةً إِليك استدارا
لقد كانت الصورة حسّية رائعة أمام عينك رشيقة ليس فيها تكَّلف يذكر .. وليس هذا فحسب بل لقد وافق الشاعر بين المعنى الدلالي الحسّي والبحر الذي لائم هذهِ الصورة .. لا بل والقصيدة كلّها.
وفي قصيدة (الشهيد والشاعر) تزداد حركة الشاعر في تحطيم أمواج هذا البحر (الكامل) بصورة رائعة جداً ومثيرة حدَّ الاهتزاز يقول:
خذني اليك فلم تزل بي هاتفاً
يا نازفاً خلَّفتَ بعدك نازفا
ويستمر الشاعر في شق عباب هذهِ البحور التي يصعب على الكثير من الشعراء اليوم ، فيدخل البر الوافر بسهولة ويسر، فنراه في قصيدة (مسجد آل ياسين) يقول:-
تحجُّ له الملائك والبرايا
وتُحرمُ عندهُ السبع المثاني
ويظّل الشاعر ينتقل بين هذهِ البحور بحرية واسعه يحمله ذوقه الرفيع على اختيار ما يراه مناسباً وملائماً للمعاني التي يريدها … فنراه في قصيدة – العراق – يختار لها البحر السريع …. فيقول:
يكفيك أن لو صمتت كلمةٌ
فأنتَ في إِيداعها سابقُ
فقد انحنى المعنى له وطاوع موسيقاه بصورة جميلة.
ويحلو للشاعر ان يخرج من بحر الى بحر بانسياب جميل. فهو يعشق التنوع فنراه في بحر الرمل يقول:
فإِذا أنت عراقٌ شمسُه
وجهك الحلو وقد شعّ هنا
أمّا تقاربت موسيقى الرمل بتفعيلاته المتشابهة الى المعنى المتوافق مع الشمس واشعاع الوجه في المكان المقصود.
ويبقى الشاعر في نشوتهِ باختياره لهذهِ البحور عاشقاً لها لا يكل ولا يمل فها هو في قصيدة (الى ولدي) وهي من البحر الطويل، يقول:
فعلَّ هزار الشوق في بلج الضحى
يبشرني أَنْ قد أَطلَّ بكَّ الركبُ
إِنها لهفت الشوق ولهفت المعنى لهذا ابحر الطويل الذي بث فيه أكثر الشعراء لوعاتهم.
ويشاء الشاعر أن يساير الكثير في البحرين التاليين المتقارب والمتدارك الذي أكثر منهما شعراء العصر الحديث وخاصة اولئك الذين يكتبون قصيدة التفعيلة. ففي قصيدة (سموت ملاكاً) وهي من المتقارب، يقول:
رحلت وخلّفتني سائلاً
لياليَّ والدّرب أنّى وأين
فلقد جاء هذا التزاوج بين البحر – المتقارب – والحيرة والضياع بورود الاستفهام – بأنى وأين – الزمان والمكان .. بشكل ملائم جداً يحقق ما يرمي اليه الشاعر. أما البحر الثاني – المتدارك – فيسبح فيه الشاعر بطلاقة واسعة وسهولة عذبة، وربما يرجع ذلك الى النغمة التي يحملها هذا البحر فنراه في قصيدة (هلّت كالبدر)، يقول:-
طيرٌ يشدو الحان الح
ربّ وروض الاضلع ملعبه
إِنَّ تساير هذهِ الموسيقى لهذا البحر تكمن في جوازاتهِ المتعددة لهذا السبب أكثر الشعراء المعاصرين وخاصة أصحاب التفعيلة الواحدة ادراكاً منهم بأنه يصلح لأكثر مواضيعهم المختلفة.
خلاصة القول إِننا نجد الشاعر يميل الى السباحة في البحور الطويلة وهذا الترتيب يبنين صحة ما نقول:-
(1) الخفيف … قصيدة ( حديثة .. البردوني … خيمة المربد
الفداء … المرأة .. بابل .. القادسية …
كردستان … شرف السفر … علي .. شكر
كريمة .. انتِ أحلى .. يا أحباي .. ليلى …
(2) البسيط – قصيدة (روضة الشعر … دمشق الحبيبة …
يا واحة الدهر .. الواحة .. القصيدة..
يهنيك عيدان … علي أيضاً .. وفاء ..
البعد … غنيت بغداد … ربيع حزيران .. )
(3) الكامل … قصيدة (دانية..الشهيد والشاعر ” أزحف لقدسك مجزوء الكامل”
بوركت عزاً مجزوء الكامل “استلهمي التاريخ ..
حتى فزعنا بشرى الفرات مجزوء الكامل.
(4) المتقارب … قصيدة (بعد الوصل … فسقت الحياة …
سموت ملاكاً .. أنا فائدة )
(5) السريع .. قصيدة ( النشيد العراقي … العراق … واثق
الشيد الوطني … مجزوء السريع)
(6) الطويل …. قصيدة (الحر .. الطيب .. الى ولدي .. )
(7) الرمل … قصيدة ( ذي قار)
(8) الوافر … قصيدة (مسجد آل ياسين)
(9) المتدارك .. قصيدة (هلت كالبدر….)
مما تقدم نستطيع القول إنَّ الشاعر كان ميالاً الى استعمال البحور ذات التفعيلة السباعية كالخفيف الذي شكل عنده أكثر قصائد المجموعة ثم البسيط ثم الكامل ثم السريع ثم تأتي بقية البحور الأخرى .. وغياب بعض البحور لا يعني شيئاً سوى المسألة الذوقية … ويكفي الشاعر حين ينزل الى هذهِ البحور أنك تستمتع بهذهِ السباحة الجميلة الطليقة حتى ليخيل اليك أَنَّ هذهِ البحور اصبحت تخشاه وتركن الى السكينة والهدوء لا بل أصبحت تخشى حتى اسمه فلا موج ولا عائق يعترض سبيله.
وأخيراً لا أبالي إذا قلت إِنَّ الشاعر بهذهِ الإمكانية العالية جدير بأن يتبوأ منزلة عالية بين كبار الشعراء الممتدين على الساحة العربية.
فهل رأيتم بحوراً تخشى الإِنسان؟ لقد خَشيتْ الشاعر محمد حسين آل ياسين ومنحته نفسها واستسلمت له … مثله في ذلك مثل الشعراء الكبار القدامى والمحدثين.
تحيه طيبه استاذي العزيز أنا احد تلاميذك في إعدادية قتيبه في دوره ١٩٧٣ /١٩٧٤ اتذكر أعطيتني ما تكتبه من نسرده كتاب ( شرح وأعراب المعلقات ) لاقراه في حينها أنا من جماعه حميد ثاني محمد عبد الرحمن جليل شعيبث صاحب قصيده السفينه الذي تمزقت النشره المدرسيه على حاءط الاتحاد الوطني بسبب قصيدتي تلك تحياتي لك كثيرا. اما الموضوع اعلى راءع جدا وأبدعت في حق الشاعر ال ياسين شكرًا لك اطلت عليك اتمنا عرفتني تحياتي د زهير لازم السراج