شوقي يوسف بهنام : البسطامي متشيئا (12)

shawki  5مدرّس مادة علم النفس/ كلّية التربية/ جامعة الحمدانية

قال البسطامي ” إلهي لا تجعلني عالما ولا زاهدا ولا متقربا ، إن أهَّلتني فأهَّلني لشويء ٍ من أشيائك ” (1) .
يمكن القول ، وانطلاقا من خصائص التجربة الصوفية ، ان الشطحات ، هي رغبات مكبوتة تنطلق من إسارها تحت ما يسمونه بحالة الوجد والسكر وبلغة الطب النفسي حالة الانتشاء ecstasy . وهي احدى درجات التغير الوجداني مع لمسة من الانتشاء الروحاني في حالات اضطرابات المزاج وتحت تأثير بعض العقاقير (2) . في هذه الشطحة ، نرى صورة عن الذات ، تختلف نوعا عن الصور التي وجدناها في الشطحات التي تناولناها . وهي صورة تمتاز بالشعور بالدونية والتقليل من شأن الذات . وسنقف عن تلك الشطحات التي تقترب في مضمونها من الشطحة الراهنة . البسطامي هنا يحاول تحديد مسافته من الله . ويبدو انه يتمنى ان لا يكون كما وجدناه في الشطحات السابقة . البسطامي ، هنا ، مدرك ان العلاقة التي سوف تنتج لو كان زاهدا او عالما ام ومتقربا من الله ، فسوف ينظر الى ذاته وفق المستويات التي تفرزها تلك المراتب . فرؤية العالم الى ذاته غير نظرة اللا عالم وقس على ذلك بقية المراتب . البسطامي يريد ان يتحرر من تلك المراتب حتى يصل الى درجة ما يسمونه الصوفية ” العبودية ” وخرج وهي لخواص المؤمنين ” (3) . نلمس هنا اعتقادا يتبناه البسطامي هو الشعور بوحدة الوجود . ان يكون الانسان شيئا من اشياء الله فأن هذا يعني انه ضمن ادرجه في حساباته . لا نجد في هذه العبارة اثرا للشطحة بمعناها المتداول لدي الصوفية . على العكس نرى فيها صورة للشعور بحقيقة الذات مقارنة بالذات الالهية . ناهيك ، سايكولوجيا ، الموقف السلبي تجاه الذات والمتمثل بتصغير الذات والتقليل من شأنها او تحقيرها مثلا !! . ويبدو ان البسطامي سعيد بمثل هذا التصور . انه يتمناه ويسأل الله لكي يحقق له هكذا امل !! . هنا معرفة بحدود الذات . هذه الشطحة هي بخلاف الشطحات السابقة التي وقفنا عندها والتي كان يفوح منها رائحة النرجسية المفرطة . هنا تقلص لتلك الذات وتخلص لحدودها . ويبدو ان البسطامي ، من المنظور النفسي استعاد استبصاره النفسي ان صحت العبارة أو ما يسمونه وفق الاصطلاح الصوفي حالة الصحو . وهو تعبير سليم وموفق جدا للتعبير عن التصورات والخيالات fantasy حول الذات . البسطامي هنا لا يهمه ، هنا ، تصورات الناس ، ولا تصورات الانا ، اعني أناه حول اناها ، بل كل ما يهمه هو تصور الله عنه . وبالتالي موقفه بناءا على تلك التصورات .
الهوامش :-
1- عباس ، قاسم محمد ، 2006 ، ابو يزيد البسطامي : المجموعة الصوفية الكاملة ، دار المدى للثقافة والنشر ، بغداد ، العراق ، ط2 ، ص 46.
2- د. الشربيني ، لطفي ، 2001 ، موسوعة شرح المصطلحات النفسية ، دار النهضة العربية ، بيروت، لبنان ، ط 1 ، ص 107 .
3- الزوبي ، ممدوح ، 2004 ، معجم الصوفية ، اعداد ، دار الجيل للنشر ، بيروت ، لبنان ، ط 1 ، ص 285 .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *