على متن الريح
دون كيشوت:أريد أن أكون شاعراً يا سانشو.ما قولك؟
سانشو: ولمَ لا يا سيدي الدون،فأنت فارسٌ ولا ينقصك رمح.
دون كيشوت:وهل تراني سأنجح فيما لو قمت (بخطخطة) قصائدي بهذا الرمح ،فأصبح شاعراً رومنطيقياً تملأ شهرتهُ الآفاق ؟
سانشو:كل شئ ممكن .عدا أمر واحد لا غير.
دون كيشوت:ويحك يا سانشو..وما هو ذلك الشئ السرّي الذي تقفل عليه صدرك،وتخاف من الإفصاح عنه ؟!
سانشو:أنه أمر الشهرة يا سيدي الدون.
دون كيشوت:وما بها الشهرة يا سانشو،إذا كانت قصائدي بعضلات لغوية قوية ،ومحشوة بالبلاغة والمجاز وتلال الخيال؟
سانشو:ذلك ليس بكافٍ يا سيدي الدون.فالشعرُ يحتاج ملابس داخلية أولاً.
دون كيشوت:وما علاقة الملابس الداخلية بالكتابة ؟هل سيذهب الشعراءُ إلى الحمامات أو إلى بلاجات السباحة قبل كتابة شعرهم ؟أم أن دماغك بات شوربة وجننتْ يا سانشو؟؟
سانشو:أنت تمسح بي الأرض يا سيدي الدون. وسأصبر على ما تقوم به مضطراً.ولكي أكون شفافاً وواضحاً وجريئاً،سأخبرك بالحقيقة.
دون كيشوت:هيا قل.ماذا تنتظر؟
سانشو:ليس قبل أن أراكَ عارياً على الشاشة أو بالبكيني على الأوراق ، أو تتلوى كالراقصة في الديسكو أو تموء كالقطة تحت ملاءات السرير .
دون كيشوت:تريد أن أفعل كل هذا من أجل أن أكون شاعراً معروفاً يا سانشو؟؟!!
سانشو:وأكثر من ذلك يا سيدي الدون ،فهنالك من يريد تلمس لحمك في الكتب التي تطبعها. أو تناول قُبلة مع النص الذي تقوم بشره في الفيسبوك أو على واتس أب أو بين الخطوط الشهوانية للانستقرام.
دون كيشوت:لقد سئمتُ أفكاركَ الجنسية الوقحة يا سانشو.فكل ما قلتهُ هراءٌ بهراء،وإلا فهل يكون على من هو مثلي أن يقوم بتحويل جنسه من ذكر إلى أنثى ،ليكتمل مشهدهُ الشعري؟!!
سانشو:ذلك ما تثبتهُ الوقائع على أرض المواقع يا سيدي الدون.
دون كيشوت:الرجال التي عرفتهم الحروب في الخنادق،لا خوف عليهم من دخول عيادات التجميل وتحمل أعباء الجراحة يا سانشو. هيا.سنتجه نحو عيادة التجميل معاً .
سانشو:وهل تريد أن تتحول جنسياً من أجل رفع نسبة القراء يا سيدي الدون؟؟!!!
دون كيشوت:بل من أجل أن يرفع الجراحون من رأسك الأفكار المعادية للشعر الأنثوي البض المعطر الحار المخبول بفيروس الإيروسات.
آبار النصوص
من يابسة ِ اليأس ِ إلى حاضنةِ
الرحيل .
برزخ ٌ غامض ٌ ،
يختلط ُ بهياكلَ تَقوسَت المياه ُ فوقها .
ونحن من وراء جلودنا ..
بعيون ٍ تكدستِ الثياب ُ عليها
فلا نُرى .
عشبٌ لحداد ٍ غامق ٍ ،
وعتمة ٌ ينتصبُ فيها المسافرون أعمدة ً
تشهقُ كالتلال .
هو منفانا الأفقي :
جرادة ٌ زرقاء ، تمسكُ القاع َبموتها
ولا تطير .
وتلك أعيننا القديمة ..
ولا اكتمال لصورةٍ أو لكاميرا.
كل جسد ٍ زورقٌ للٌطوارئ ،
وعلقتهُ الريحُ على أكتاف ِ سفنٍ
من عظام .
والأرواحُ أدوارٌ للحب وحقائبٌ للمغنى .
لترقص َ بأقدامها الفراشاتُ .
طيور ٌ تتلألأ بصفات النهار ِ .
حيث تمسك ُ الأعينُ الميناءَ
بنظراتها وتدورٌ .
بيرة ٌ وضحكات ٌ ومقامرون بقبعات
الصخب ِ .
تتبخرُ فوق طقوسهم خرائط ُ
الكشافات .
وما من أحد ٍ دخنَ نفسه ُ
أكثر من بلعوم البوقِ الأعظمِ للإقلاع .
غروب من أول العقل ِ لآخر التخوم .
وعلى الدرب ِ الأعمى ،
يتدحرجُ الوداع ُ ثماراً مقطوفة من قامات .
غرفة للغرائز
ليس أفضل من أن تكون الممحاة الكاميرا الأم لتصوير أفعال العقل وتجلياته ،خاصة عندما يقوم بتوزيع المؤن على الحواسّ بشكل عاصف مزاجي غير عادل، وليس فيه من التوازن ما يُذكر.
لا أعرف، كيف يجرؤ العقلُ على إهانة التوازن بتلك الطريقة،لولا ضرورة تأمين الحصص الأكبر من تلك المؤن للعين،باعتبار الرؤية هي المرفأ الوحيد لبقية سفن الحواسّ .
إلا أن الأعظم في الموضوع ،أن يستوظفَ الشعرُ العقلَ من أجل بلوغ نقطة البياض في اللغة.فالوصول إلى تلك المرحلة ،تعني حصول الشاعر على فيزا ، تخولهُ ملء المساحات الفارغة بمدخراته الخاصة من مجوهرات وجنون وبكتريا وأنعام وموسيقى وقنابل روحانية ،تستمد طاقاتها مما في الزجاجات من خمور روحية.
المناطق البيضاء تلك،ليست مُلاءات تخوتٍ أو ملابس داخلية ،بقدر ما تكون أنفس ،بمجرد أن تتفتح،يخترعُ الشعرُ عليها مخلوقاته بالطرق التي تليق بالمخيلة.
بنك الخيال
الأيديولوجية الشعرية القائمة على الانبعاث..
روحٌ وبيدهِ كأسٌ.