لا يُخفى أبداً ! إن عنونة المجموعة القصصية” خليلة خضرا”الصّادرة عن دار الوطن –الرباط \ المغرب عام 2015 تختزن في غرابة تسميتها –– ا\ الأدبي المغربي تسميتها رمزاً فاعلاً في المشهدِ الأدبي المغربي من حيث –لمعة المسمى وغيرها من مرصعات القاصة , حقيقةً أن بقية النماذج الأخرى من – القصص – لم أطلعْ عليها سوى قصة – سعدية والبقرة – والتي لمحتها في صفحات التّواصل الإجتماعي ولفتّت نظري وحسيّ بها ، أعتقد أن المجموعة زاخرة بعملية صراع طبقي مرير .
إن التّمعن والغوص بمتّنها يدُلكَ على خيطٍ نفسي يُرافقكَ حتى النهاية ، فتّجبرك القراءة أن تستمر بها وتستشفَ من إستدراجاتها الشيء ذاتهِ ، من حيث عمق المضمون والإنغماس في أغوار الآخر والطبيعة معاً كونهما ورقتا عمل باذّخة في طرح الأبعاد السيكلوجية والوصفية للمقارنة على روية – تناظراً \ تماهياً –بين جنسين مختلفين من الأمومة – سعدية \ البقرة وثالثهما الأمومة الشّاملة – الأرض – ذلك الصراع القائم والمحتدم بين الذات المقموعة والآخر المستغل \الإنسان .
فـ خليلة خضرا أتحسس بها رسماً رمزاً \لوناً \ لفظاً ، إنها تتماها أولاً بحرفي ” الخاء ” القاسم المشترك بينهما ، بإستذكار لوني للطبيعة الريفية الخلابة الممتددة على طول الرؤية ، ثانياً – تسميتها يشّكل موروثاً بحتاً ، ربما بدلالتهِ في المجتمع المغربي ، إمرأة \شابة \ \مقموعة \بطلة قصة تعيسة رغم إسمها المعني بمفارقة عجيبة ! وغيرها من تأصيل جمعي متعارف ، إنها مغلوبة على أمرها من واقع مرير لصراع طبقي متواصل بسطوة ، فـ سعدية – البطلة ذات المحورية بمتن القصة والتي وقع عليها كاهل المعيشة \ أصناف الحيف بشرعية مألوفة يأخذ بها المجتمع بكل مدلولات الإعتبار كدرجة أدنى ، فكانت بمثابة إنطلقت منها القاصة كسرد متواصل عن دراية فائقة ، وببعد رمزي تارة ومباشر عيني أُخرى ، توظيف قصة من التراث ومعالجة قضية راسخة في عمق المجتمع شيءٌ مبهر ، فلغتها بسيطة لكنها قوية في التبئير ،إستخدمت فيها الرمزية وكثفتها بإستعارات بديعة ، كي لا تشرحها وتكون كريمة مع المتلقي ، فبقيت على التمويه فغدت جمالية مرصعة بتعبيرها الرمزي ، فكان توظيفها بتدرج صارخ ببداية ونهاية مكملة للأحداث مثل – العصافير – الناس – الأشجار – الأبقار السمان – العجول الملونة –عشق المال – المزرعة – صرخة الجنين- سطل الحليب ،أدوات مستعملة بتقنية متمكنة في الطرح وحسن الإختيار بنضوج ، واقع الحال فرض ذاك التماهي بتعايش ملموس ، لكن كحالة إنعكاس حتمي مبرر ، فإستهلالها بواقع حالة فلاحة مضظهدة تصحو للكداحة باكراً تقول :
” في وقتٍ مبكرٍ مع بزوغ الشمس التي ترسل أشعتها على الكون ، لتوقظني من فراشي ….”.
هذا رصد الصراع الأول مع الأشياء على طبيعتها / الإنسان / الأرض ، لكن الطبيعة تتحكم في بؤرة الصراع :
” ليتنعم بها الإقطاعيون ويجني ثمنها الأثرياءُ
فجهوزية التعب المضني من قبلها ، تتناظر كلياً مع حالها مع زوجها المستغل /الأول – جهدها / جسدها –كما هي البقرة في الحقل :” لتسجد إجلالاً لعذاب سرق أنوثتها لزوج يعرفها على الفراش ويركبها كالبقرة ليلاً ”
هذا الطرح التناظري والمتماهي مع واقع حال في الريف العربي ، التعامل الخشن مع الجسد ودونما مقدمات تذكر ، رغم الحصول على لّذة مغتصبة بحلال مشرعن أصلاً ،سردّتها القاصة بجرأة ومرارة باذخة في التأوه – الطرح اليومي لواقع مفروض ومعاصر ،غير أن لها في الإستبطان والإنغماس شيء آخر بل لا يذكرلمداراة الوضع النفسي ، به لوعة محرقة لعذاب جلّها قصدية المعنى والتوظيف لمغامرات زوجها خارج فراش الزوجية :
“إنها حكاياتنا التي بدأت سعدية تتحدّث بها عن مغامرات زوجها في إسبانيا ”
لكن قمة الصراع القائم في التناظر والتماهي لمسناهُ في تطابق الصورة بالصورة ، سعدية النفساء \ بقرة حلوب – درّ الحليب – الضرع \ الثدي – اختلاطهما معاً – انتـفاخهما بامتلاء ، كلاهما كداحة – حرث الأرض – سعدية ملحقة بالأرض كذلك البقرة ،أن توظيف مساير للواقع بتألم مع الذات لكن معالجة قضية ومواكبة ذاتية للحدث – تناصاً – تناظراً – تماهياً – الفكرة واضحة – الواقع حتمي – التغيير حتمي / ربما بصرخة متأخرة في وجه الظالم – الفلاح – الإقطاعي – الزوج المستبد.
وفي مقطعٍ أخير تتجه الواقعة نحو النضوج في قضية لابد منها – حتمية الوقوع لكبت لايحتمل بعدُ
” حتى ثارت البقرة وضربت برجلها وعاء الحليب لينسكبَ أرضاً ”
هذا التحسس الوجداني والتحشدّ الذاتي ماعاد يطيق البتة فالتسلط – القهر – الإستسلاب – السطوة وما إلى ذلك من منغصات الحياة الحرة الكريمة التي ينشدها الإنسان في حياتهِ – فهذا الكم الهائل من المرارات من قهر وحرمان واضطهاد وظّفتهُ في هذه الصورة من الاحتجاج الدفين لسنين خلت كانت تبدو راضية بتذمر ، لكنّ لحظة رفس البقرة سطل الحليب تنهار سعدية وتسب قدرها اللعين ، فكانت الحُرقة شعلة في أكداس القهر المتوارث كي تمانع من الإستغلال وهدّر الكرامة ، فمشاعرها تستوفي حقّ الفكرة الأكيدة ، حيث ختمت قصتها وفق معلوماتها الوافرة من واقع محسوس وملموس معاً ، لهذا سردّت تفاصيلها بدقة متناهية في التصوير .
عدنان أبو أندلس : القاصة المغربية فاتحة سعيد في مجموعتها “خليلة خضرا” ؛ قصة سعدية والبقرة في التّناظر والصِراع بين الذات والآخر
تعليقات الفيسبوك