فاخر الداغري : شاعر وقصيدة … حسب الشيخ جعفر إنموذجاً (ملف/26)

fakher aldagheriإشارة :
في عيد ميلاده الثالث والسبعين ، يسرّ أسرة موقع الناقد العراقي أن تقدّم هذا الملف احتفاء بالمنجز الإبداعي الفذّ للشاعر الكبير “حسب الشيخ جعفر” وإجلالاً لمسيرته الإبداعية الرائعة . وتدعو أسرة الموقع جميع الكتّاب والقرّاء إلى المساهمة في هذا الملف بما لديهم من دراسات ومقالات وصور ووثائق تتعلق بمسيرة مبدعنا الكبير . وسيكون الملف مفتوحاً من الناحية الزمنية انطلاقاُ من حقيقة أن لا زمان يحدّ الإبداع . تحية لشاعرنا الكبير حسب الشيخ جعفر .

المقالة : 
الشاعرية فيض من الحنان المطلق في بعض من ابوابها يغترفه الشاعر من عمق الحسي الضارب على مخيلته وبعيد يغدقه في معين ذاته تم يرسمه على الورق حروفاً وكلمات وجملاً وفق تسمية اتفق على ان تجمل مفردة بيت اي عقبى ان الشاعر بنى بيت ولكن شعراً كان موزوناً بمعايير البحور ومقفى بموسيقى اللغة ذات الجرس العذب ثم صار شعر تفعيله وصار نثراً قيل على استحياء انه شعر ولعله من باب القصور في عدم القدرة على الصعود الى قمم المعلقات والمعري والمتنبي والجواهري وقد تكون التسمية جاءت تقليداً للشعر الاوربي ولا سيما الفرنسي منه وهو بكل الحالات شعر متدفق من سواقي الذات الشاعرة ومن هنا اكتسب التسمية شعراً
أريدُ أن أضمَّ مرة ً يديك
فألمحُ إرتعاشة الصباح خلف مقلتيك
والأفق الشرقي في اخضراره النحيل
وزرقة النخيل

ليس المقصود بالعنوان الكتابة عند احد شعراء الحوليات من ذوي القصيدة الثمينة بل المعنى هو تفرد الشاعر عددياً بقصيدة واحدة
تشكل نوعية في ديباجة نظمه وقد طغت العفوية على شاعريته بحيث فرزت قصيدته هذه بأنها قمة أدبية تتيح له التربع على عرشها متى شاء مع احتفاظه بنتاجاته ومجامعيه الشعرية المتعددة الاخرى .hasab 4
“ورب صدفة خيرٌ من الف موعد ” توفرت حين غاب قمر الكهرباء الوطنية حيث ودعنا بغمزة عين وتوارى خلف متاريس الشوارع في وقت نفد فيه صبر مولدة” الحي التي لا تطرب” معلنة ان وراء الشيخوخة موت محتم ثم انقطع حبل الود العشق الى حد الهيام مع مولدة البيت وخلال هذا الزمن المنافق كهربائياً كنت مستغرقاً في تقليب صفحات الماضي مع مجلد يحوي بضعة اعداد من مجلة الاداب البيروتية لم يشمله بيع كتبي في ظرف الحصار اللعين وقد مسحت التراب عن خديه ورحت اقرا اسماء كنت قد قرات لها في غير الشباب فاسرحت مصباحاً (تورج)يتوكا على ثلاث عكازات بطارية القلم لقد استهوتني اثارة الشجون هذه وتذكرت اغان شجية للراحل داخل حسن وعدت الى ايام الهوى والشباب في حلم لذيذ واذا بي وجهاً لوجه عنوان قصيدة ابهرني الحس المرهف في الكلمات التالية له وحصلت عندي مقارنات وانعطافات واستكانات مستذكراً قصيدة رثاء للشاعر الراحل محمد حيدر وهو يؤبن والده الشيخ جعفر ال حيدر المرجع الديني سوق الشيوخ عام 1953 في اربعينيته :
يا له من توافق بين شاعرين بينهما فارق زمني طوله(12 سنة) بحرها وبردها في تاريخ النشر وقد التقيا تحت سقف واحد كانت ظلال الابوة فيه وارفة .
قصيدة الشاعر حسب الشيخ جعفر نشرت على عمودين على ص 55 من العدد الثالث-اذار 1965 بحجم الفول سكاب وهي من الشعر الحر ذي التفعيلة المنتمي الى مدرسة الملائكة والسياب والبياتي وقد تميزت بتسلسل فكري متسارع .. متلاحق بتواصل كشاب فاز بالاولوية في سباق المئة متر وهذا يعني ان الشاعر حسب الشيخ جعفر كان شاباً ..جريئاً..متفائلاً..متفاعلاً مع الحدث الادبي ..متحمساً يفيض حيوية ويندفع نشاطاً لا تتسع قريته الحالمة لاستيعاب نهجه..وشراهة عواطفه وتفجر مشاعره..وشجاعة منطقه..يبحث عن وجوده بين ركام معوقات السير الى امام في قصيدته -أبي كان حنينه طافحاً..ومشاعره الوجدانية ريانة..جذلى..وتساؤلاته مشروعة ..ومحاولاته في اغتنام فرص النجاح لها ما يبررها المشفوع بأيمانه في صحتها.
في قصيدته أبي تخفق على خاطره تطلعات الشباب في صور عديدة حيث يبني القصيدة علاقات وطيدة جداً مع صرح الأبوة التي انسحبت كل مأثرها الادبية ومواقفها الاخلاقية ومقوماتها الرجولية التي كان يتمتع بها الوالد على الابن الذي يعلن وفاءه ووقوفه بين يدي والده موقف الشاكر الممتن المغترف من نبع الابوة .
ان ذات الشاعر تتسامى صعوداً..وتأتلق توهجاً بقيم الخلق الرفيع حيث التهجد في صومعة الولاء للابوة رغبة منه في الارتواء من منبع كفيه والنوم على يديه ساعة بعد ان يشبعهما لثماً وتقبيلاً.
إنه يتبرك بروحانية القرآن الكريم الذي كان يتهجد فيه صوت والده وقد امتلأ سمعه بصوت التوحد الالهي في اعلان روحاني يزيد النقاوة نقاء فهو لا يريد للابوة ان تشيخ وتمتلئ وجنتيها بالشعيرات البيضاء على الرغم من انها حبيبات طلع وازاهير نخل راغباً في ان يكون عر والده سرمدياً كالنخيل عميقة جذوره وهذا قول في الانتماء الوطني عند الشاعر والانتساب مباشرة الى الارض التي رأى فوقها النور..
في هذا المقطع من القصيدة تتجلى الشاعرية عند الشاعر حسب الشيخ جعفر بكل أبعادها فحيف تتتتضمخ اليدين بالطلع كناية في العطاء والنماء والخصب والثوب الابيض كناية عن الطهارة والنقاوة وطيبة السريرة وصفاء حياة القرية ووجود النخيل والكروم واللوبياء هي قطوف دانية بالنعم والنعيم الذي اغدقه الوالد على اولاده .
أبي
أريد أن أضمَّ مرً يديك
فألمح ُ إرتعاشة الصباح خلف مقلتيك
والأفق الشرقي في اخضراره النحيل
وزرقة النخيل
أريد أن أنامَ ساعة على يديك
وأرتوي مننهرنا النمير من كفيك
أريد أن أمسحَ عن جبينك المطر
أريد أن أسمع حينَ تقرأ القرآنا
وتنشد الاذان
أريدُ أن القط عن لحيتك الطلع اذ تفتح لزهر
كالثلج يا أزاهر النخيل
يا غيمة بيضاء في الأصيل
أبي أبي المضمخ اليدين
بالطلع أو بالطل..صوتك إخضرار
وثوبك الابيضَ مثل قطعة من النهار
قريتنا من قبل أن تأتي اليها قصب وماء فجئت بالنخيل والكروم واللوبياء
دانية القطوف كالنعيم
*عن جريدة الجريدة

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *