أحملُ ثقلَ المراحل الباردة ،
الشاعرة الجزائرية ” خيرة بغاديد “
لا تشتغل على هواجس التمني ، بل تحمل سهامها كي تُصّوب بها كلَ ما تراه غيرَ مُجدٍ ومُمِل وهي بالتالي تشحذ الهمم لدى متابعيها من القراء الذين تستفزهم عبر قصائدها التي تحمل الكثير من الدلالات ” أنثر ُ الوردَ بين الدروبِ القفار ، ربما يزهرُ القلبُ نبضاً جديدا ”
وهي تقص حكايتها التي شبعت منها عبر سنوات العمر التي قضتها ، وهي تبحث عن صياغة فلسفتها الخاصة التي إرتدتها كثوبٍ جميل ، ومن خلاله وأقصد قصيدتها ، تشخص جميع حالتها الإنسانية التي تبحث عنها في زمنها المادي المكهرب .
” وأنا أتكرّر على هامش الوقت بمزيد من الخيبات ، أحملُ ثقل المراحل الباردة ، و” سيزيف ” يحمّلني الصخرة ، وينسحب فرحا وموشحا بالانتصار ” من قصيدة ” كن أنت ”
ولو فتحت أبواب قصائدها تجد كينونة الروح الإنسانية التي تعاني منها في ظل هذه الأزمنة الباردة ، حيث الجو العام المخيم على فضاءاتنا ، ونفسياتنا المضطربة من ما يحطينا من أزمات ومشكلات متعددة ، ولو فتشت أكثر في قصائدها ، تجد وهي تتحدث بصيغة المتكلم ،لأن الأدب في حقيقته ليس انعكاسا للعملية الاجتماعية ، لكنه جوهر التاريخ باكمله ، وخلاصته وموجزه ،
” أن الغياب يقدسهُ المكان ، وتقدسهُ الذاكرة المرتجفة ، الذاكرة التي تغيب في خطى قدر يرتبه القدر ”
هذه الاشكالوية التي تجسدها الشاعرة في نصوصها المليئة بالبحث عن واقعنا المزري الذي خلًق لدينا انتظارات مملة ، جعلتنا ندور بين ثناياها كي نختطفَ منها لحظات من التأمل والتفكير .
” ماذا تبقى من هذا الليل الذي لا يستوفي مواقيته ، غير صدى ذكرى حارقة وشوق موجع لذلك الذي مرَ خلف الأزمنة يرّتل مواويله على شرفة الانتظار ” من قصيدة ” ماذا تبقى ”
وهي بالتالي شاعرتنا ” بغاديد ” تتميز قصائدها التي تكتبها بعد رحلة من الإستنفار في كل هواجسها التي لا تكل ولا تمل كي تدخل عالمها الشعري الذي يمتلك الخصائص حسية وشعورية قادرة على تلمس وتشخيص المألوف وغير المألوف في الحياة التي تعيشها ، وهي تحافظ على مواقفها المبدئية الجريئة ازاء ما يحطها من احداث .” لهم كل ما يريدونه وما يشتهونه ، ولي ما تبقى من أحلام متناثرة بين هذا المكان ، الرصيف والأزمنة المشرعة على مدينة تخنقها الأنفاس والوقت العابر في بهرجة الوجوه ” من قصيدة ” ماذا تبقى ”
وفي ظل هذه الظروف التي يعيشها الشاعر أو الأديب في أي بقعة من بقاع العالم . من عاشق لكينونة الآخر ، ولشدة توزيع ذاتها المكهربة على كينونات الآخرين ، فتراها وأقصد الشاعرة الحالمة ، الرومانسية تجسد روحها المتعبة بالشأن الإنساني باطلالة شفافة .
” العالم لكم وحدكم ،فدعوني أحيا بعيدا عن صخبكم ، عن هذا العالم الذي يحتويكم ، ولا يحتويني ”
وانطلاقاً من مقولة ” بودلير ” الشعر أكثر الأشياء واقعية ، وهو الشيء الذي لا تكتمل حقيقته الا في العالم الآخر ،تؤكد لنا الشاعرة ” بغاديد ” عبر مشوارها الشعري العاج بالقواسم الكثيرة المرهفة وهي كالعاشق الرقيق ،الذي حمل امتعته على ظهره كي يسير بها إلى عالمه الخاص ، وهذه الذاكرة التي تحمل الكثير الكثير من مجسات الواقع اليومي المتراكم ،وهي كالاصلاحي المتبصر بامور الحياة ، ولهذا جاءت جميع قصائدها التي كتبتها وحصلنا عليها مفعمة بالصور والافكار ، مما ولد َلها لغة ً خاصة في التعبير عن مكنونها الذاتي ، عبر تدفق لغتها الشعرية تدفقاً لا يفتعل ولا يتدبر ، ولا يضع الضوابطَ لإسترسالها في التعبير عن حالاتها ومواقفها ، أليس الشعر هو حالات ومواقف وذكريات ، واللغة كما يقال رداء شفيف لها .وهي تاركة لنا في هذا الزمن المكهرب زادا وفيرا من الشعر والحب .
” لا يمكنك أن تجيب ، كل الأوراق اختلطت ، فامضي ِ إلى غيابك إلى حيث لا يقلقك أحد ”
الكاتبة الجزائرية خيرة بغاديد , حاصلة على شهادة ليسانس في الأدب العربي, تعمل على رسالة الماجستير في الأدب الجزائري في ضوء المناهج النقدية المعاصرة , صدر لها مجموعة شعرية “ممرات الغياب” عن اتحاد الكتاب الجزائريين عام 2002 , ونصوص ” كن أنت” الصادر حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن
قاسم ماضي – ديترويت