*كتب عبدالجبار العتابي
من بغداد: توفي الكاتب والروائي والفيلسوف العراقي خضير ميري في مستشفى مدينة الطب ببغداد بعد معاناة طويلة مع المرض والوحدة والاهمال عن عمر 53 عاما .
نعى ادباء العراق الناقد والأديب والفيلسوف خضير ميري الذي لفظ انفاسه الاخيرة مسجى على سرير المرض المزمن في مدينة الطب متأثرا بسقمه الذي رافقه لعدة سنوات وقد اشتكى منه كثيرا والتمس الدولة والحكومة ان تلتفتا له ، وشكا معه العديد من الادباء ولكن من دون جدوى، من دون ان تنتبه له المؤسسة الثقافية ولا السياسية ، فظل متروكا مهملا في شقته بالطابق الثالث من عمارة في شارع غير معبد ، فكان يذوي وحيدا الى ان آن الأوان لراحته الأبدية، رحل (المجنون) الذي كان يشكو من عقله الكبير الذي يزن الكثير من عقول الذين يسمون بالعقلاء،… خضير ميري .. توارى بصمت وأهمال كبيرين. فقال له احبته واصدقاؤه :وداعاً ابا سقراط .. اظنك ارتحت الآن
والراحل من مواليد العمارة 1962 ، واسمه الكامل خضير عباس ميري، لكنه اشتهر بميري ، ورحلته مع العذاب امتدت منذ طفولته حين كان يشكو الارق وهو ابن 14 عاما ، فتم زجه في مصحة نفسية (مستشفى ابن رشد) لكن الموقف الذي اربك حياته حينما تعرض للاعتقال عام 1985 وقام بتمثيل دور المجنون التي استمر لثلاث سنوات في الامن العامة قبل ان يتم نقله الى مستشفى المجانين في (الشماعية) الذي هرب منه في فوضى عام 1991 وحرب الكويت فاختبأ لمدة سنتين قبل ان يعود الى الوسط الثقافي عام 1993 الذي بدأ معه بحذر وقد كان الكثير ينظر اليه على انه (مجنون) ، لكنه كان يؤكد حضوره الفلسفي ويطرح افكاره التي تدهش الاخرين لكنه بسبب الاحداث العراقية المضطربة غادر الى القاهرة ليعيش هناك ويقيم علاقات مع الادباء المصريين وراح يكتب في الصحافة المصرية ويقيم احتفالات للعراقيين المبدعين هناك واصبح اسمه ذا مكانة في مصر قبل ان يعود الى بغداد مريضا.
الراحل منذ اشهر طويلة .. وهو يعاني من وضع صحي سيء للغاية تأثرت به حالته النفسية وقد بدأت مشكلته عندما تعرض في مدينة القاهرة المصرية لحادث دهس مع زوجته وابنه ولكن الضربة الاقسى كانت عليه ،جاءت بالحبل الشوكي الذي عطل القدمين واجريت له عملية جراحية وتم زرع (البلاتين) في ساقيه ، ومن نتائجها انه اصبح لايستطيع ان يمشي بل انه يعاني من الم مبرح ينوء تحته بعذاب لا قدرة له على تحمله ، حتى اصبح قليل الكلام ولا يردد الا كلمات البحث عن السكينة وزوال الالم الذي لاينقطع
مؤلفاته روايات وشعر وفلسفة
اصدر ونشر وكتب العديد من الكتب منها : (الاشكالوية والمعنى في السؤال الفلسفي عن دار الامد عام 1993، في عمان و(الفكر المشتت، تعقيب على فوكو) عن دار الصخرة في عمان ايضا ، و(الجنون في نيتشه) عن دار الغد الاردنية ، و( ايام الجنون والعسل) عام 2000، و (صحراء بوذا) وحكايات من الشماعية عام 2003 و( سيرة ذاتية لجمجمة ) عام 2003 و (جن وجنون وجريمة) و (سارق الحدائق) و(الذبابة على الوردة) التي كتبها في مصر، قبل سنة من عودته الى بغداد بعد خمس سنوات فيها بسبب تعرضه لحادث في مصر ، كما له كتاب (تعديل ذيل الكلب)، و (كتاب الجيب للمحكومين بالاعدام)،و (مباهج حياة موتاي)، وكتاب ( دفاتر المصحة) و كتيب صغير عنوانه ( دفاعاً عن الجنون).و كتاب (احلام عازف الخشب ) عن الموسيقار نصير شمه .
تاريخ الجنون
يقول ميري عن تجربته بمستشفي للأمراض العقلية “تجربتي الخاصة التي ادعيتها في زمن النظام السابق دفاعا عن حياتي ووجدتها بعد ذلك تجربة مثيرة كتبت عنها وساعدتني على الانتشار والترويج (وما زلت اعتاش عليها) فانا اعمل على اصدار المجلد الاول ” تاريخ الجنون في العقل العربي ” الذي اثبت من خلاله ان العقل العربي كان اقرب الى الجنون بدءا من جنون الاشياء وانتهاء بالحكام العرب الذين كانوا يملكون خمسة الاف جارية ويسفكون الدماء في الليل مع شرب النبيذ”.
ويقول خضير عن مشاعر المجنون في تلك اللحظات “إنه لا يعرف للموت معنى، إلا أن هذا لا يعني بأن المجنون لا يستشعر الخطر أو لا يؤدي رد فعل إزاءه ، وهكذا يأتي الموت معبأً في صاروخ، موت لا مزحة فيه، موت لا معقول، إذ ماذا بإمكان مجنون ذهب عقله أن يفعل إزاء عقل طيار أميركي يعرف ماذا يفعل؟” ”
ادباء ودعوه بكلماتهم
الشاعر حسن النواب : هو : لفيلسوف ، الشاعر ، المجنون ، الناقد ، الروائي ، الصحفي ، الصعلوك ، المعذّب ، المدمّر ، السعيد ، المحزون ، القارىء ، المفلس ، الثري ، الخمّار ، المشّاء ، المداهن ، الحويط ، التاجر ، الفقير ، الأنيق ، المتقتر ، الكريم ، المُصغي ، المتحدّث ، المتكلّم ، المجادل ، العاقل ، الإشكالوي ، الممزق ، العنيد ، المتسامح ، القوي ، الضعيف ، الصديق خضير ميرى .. حلّقت روحه حاملة على جنحيها صحراء بوذا والجنون والعسل ، ترى من سيكون بإستقبالك هذه الليلة عند بوابة السماء .. ؟خضير .. ثروتك الأدبية تجمعت بكيس نايلون أسود ؟ ورحيلك فاقم وحشتي بهذه الغربة القاتلة ؟ لماذا ياصديقي ؟ تترك اصدقاءك ينحبون ؟ لماذا ؟
عبد الرضا الحميد : قال لي مرة: انت مجنون ككل العراقيين وانا العاقل الاوحد بينكم.وقال: انا العراقي الاوحد الذي يمتلك شهادة رسمية من وزارة الصحة بانه (عاقل) بينما لا يمتلك كل العراقيين مثل هذه الشهادة.رحل ( المجنون بسبب) وبقينا نحن ( العقلاء بلا سبب)، ابا سقراط الصديق الحبيب والمفكر والروائي المختلف: وداعا
شوقي كريم حسن : وداعا خضير ميري، وداعا ايها الولد الشقي العارف بسر الحكاية ومكونها، وداعا صبي الثورة وطينها الذي اختار الفلسفة تحديا وجادل اعقل بحدة السيف.،وداعا سارق الجمال الميساني.. المثير للجدل والهلع معا، وداعا صاحبي الذي جاب كل طرق الفنون والاداب محاولا الامساك بضوء حقيقته .. لكنه نسي حكمة الصبر تحمل الخيانة.وداعا.. يامن تخاف الوحدة الى حد البكاء.. وتخاف البكاء الى حد الجنون.، صاحبي .. بماذا كنت تفكر وانت ترى الموت يطرق بوابات الاسئلة التي افنيت عمرك من اجل البحث عن اجاباتها..ابا سقراط.. نم مرتاحا الان..، نم دون فوكو ودريدا.. بل الادهى صاحبي دون احبة يواسون وحداك الموحشة.نم خضير ميري.. نم ولا فثمة خيانات كثيرة ستجدها واقفة عند باب شقتك المهملة والخالية من الابتهاج.
علي عبيد: الفيلسوف .. الروائي.. الشاعر.. الناقد.. المجنون.. (خضير ميري).. يغادر أرضنا الى السماء..،أول مرة رأيته سنة (1984)، فاجأني بجماله، عن بعد، وبعد أن حاورته، وهو المحاور البارع، تأكدت أنني أمام موهبة صاخبة..،له الرحمة.. لم يكمل هذه السنة، وقد كان يتمنى عبورها.. سلاما أيتها الروح الوديعة…، خضير ميري وداعا
الفنان راسم منصور : خضير ميري ..فليطف بك الله ويكون أكثر رأفه عليك من مجتمع أسرع في موتك.أنا أشعر بحزن يحزُ أوردتي بصم
توفيق التميمي : وأخيرا مات الطفل الفيلسوف على فراش عزلته مات بعد ان قضى حياته في مصحات الجنون والمغامرة والخيبات
سعد محمد رحيم : وداعا خضير ميري. تعجز الكلمات أمام واقعة الموت. فماذا أقول؟ في آخر لقاء في اتحاد الأدباء كان هو نفسه، بلماحيته، وآرائه الحادة، وسخريته. فعلى الرغم من المرض الذي سلب الشيء الكثير من طاقته أضحكنا بنكاته الواقعية التي كان يضفي عليها نكهة من مخيلته المبدعة. كان ساردا متهكما بالفطرة. ستترك فراغا لا يعوض صديقي. نم بسلام .
حسين رشيد : فدوة … اتركوه يرحل بسلام وبهدوء مثلما كان .حين يتحول الأديب الى قطعة نعي سوداء تعلق على جدران بناية لازال صدى كلماته ، ضحكاته، حكايته، وكل شيء اخر يتردد بصداها.
*عن موقع إيلاف