خضر عواد الخزاعي : بين القصة والنثر والشعر.. مجموعة “قشرة الملح” نص مفتوح لقاريء متذوق

????????كتب الشاعر والقاص واثق الجلبي على غلاف مجموعته الجديدة “قشرة الملح” الصادرة عن دار ميزوبوتاميا2015 عنوان”قصص” محاولا فض الالتباس الذي ربما سينتاب مخيلة القاريء وهو يطالع نصوصها الثمان والعشرون، والتي تزاوجت بين النص النثري والقصصي والشعري، “قشرة الملح” نصوص أراد لها الكاتب أن تكون بذائقة الملح، حيث سهولتها الممتنعة والممتعة، لن تتحقق إلا بإزالة القشرة الافتراضية والوهمية لتلك النصوص وتجريدها وجعلها تصطدم وتتفاعل بطريقة عفوية مع ذائقة المتلقي، يكتب الشاعر أدونيس في “الهوية غير المكتملة”:إن ما يضفي أهمية فريدة على الكتابة هو أنها تهدم وتعيد البناء، وتنزع أقنعة الزيف، علينا أن نكتب من أجل تدمير كل كذب بغية تجاوزه، فمن دون ذلك، لن يعود للكلام والكتابة أي أهميّة”. وفي نصوص”قشرة الملح” نكتشف هذا الهاجس الذي يهيمن على شاعرية الكاتب وعقله، أن يجعل من اللغة، ليس أداة لانتاج المعرفة، بل مثابات دلالية”سيميائية” لانتاج منظومات تحرك مُخيلة القاريء وتجعله ليس قارئاً للنص، بقدر مايكون منُتجاً واعيا لمدركاته الحسية والرمزية، فلقد حفل النص بالمراوغات اللغوية بما تضمنته من توريات متعددة، تناوبت على متون النص،”كانت الصورة تستنشقه وهيّ بالكاد تبصر طريق الحلاج بين عيونه وعقلها.ص9″.بينما نقرأ في مكان آخر نهاية النص بما يجعله مفتوحاً على بدايات جديدة مُلغزة حين ترك سطوره بلا توقفات، وبدون علامات التدوين “هكذا كانت خاتمته وهو يستبعد من الدنيا أشياءه الباكرات الثياب ليرحل بها معها ومعها بها…ص10″.وفي نص آخر اختار الكاتب المشاكسة مفتتحا للنص، مع تغييب لملامح البطل الذي اكتفى بأن يكون أبحدي الايقاع،”اختار أن ينهق بعد أن غرد سنيناً.ص11″.
كذلك نلاحظ في نصوص المجموعة هذه الهيمنة البالغة للغة الشعرية. سواءاً في شاعرية النص، أو تناول الموضوعات” Theme” “. بصياغات شعرية، مستثمرا القيمة الحقيقية للكتابة الشعرية في صياغة النصوص، وما توفره هذه الصياغات من تقنيات تساعد في تفسيرها وتقريبها أكثر من فهم القاريء، فالكتابة الشعرية كما يصفها رولان بارت:”أما الشعرية، فإنها لاتؤول الاعمال ولكنها تحاول أن تصف بنى وأعراف القراءة التي تجعلها قابلة للفهم، وتمكنها من تحمل نطاق المعاني بالنسبة لقراء من حقب وطوائف مختلفة”.
ففي نص “قبلة واحدة”.هناك مزاوجة بين الشعري والنثري، فهناك مفتتح نثري يليه نص شعري، واذا كانت اللغة النثرية، تحاول إعادة تشكيل المعاني من خلال تحريك المفردات، فإن الشعر في صياغاته المختزلة يحاول استدراج تلك المعاني بحصرها ضمن دائرة الجنس الواحد. فيما كتب نص “إبريق الكلمات” كوحدة نثرية، جعل من مفردة” في بعض من اللقطات” مرتكزاً لغوياً، يتمحور حوله النص الشعري الذي كتب بطريقة نثرية.
wathek alchalabikh wathek alchalabiيمكن تقسيم النص حسب نصوصه الشعرية والنثرية والقصصية، الى ثلاث مستويات نصية تضمنتها المجموعة وهي:
المستوى الأول : نصوص نثرية أبرزها:”أبر وقرون- ثكنة إبرهة- أسلحة التوكؤ- كوابيس الانبياء- شفاه الوسائد- طائر الشيخ- ثقوب”.
المستوى الثاني: نصوص قصصية أبرزها:”حثالة الابتهاج- قشرة الملح- أحاسيس السكائر- دفاع الفرات- قيعان الرؤوس-شجرة موسى- لا أذكر- الرحيل- اللقاء- تعارف- منضدة- وصولا الى عالم الأبيض- الفأر والبنصر السمين”
المستوى الثالث: نصوص شعرية وأبرزها:”قبلة واحدة” ولقد جمع النص بين الشعري والنثري، – إبريق الكلمات- مفاتح.
ولم تخلو نصوص المجموعة، من صورها الجمالية، بالاضافة الى بلاغتها اللغوية، كما في نص” الفأر والبنصر السمين” الذي جعل فيه الفعل العادي في محاولة خلع الخاتم الفضي في مقابل الفعل العسير، الذي كانت تقوم به سرايا النمل، في محاولتها سحب جثة الفأر بعيداً عن الجدار.”أمسك بنصره الأيمن فلم يجد إلا شعيرات ناشئة متدفئة ناشرة طرفها بحضن إصبعه الوثير.. دقق النظر وإذا بذيل الفأر يدخل من حلقة السيرك الفضي ويعلق.ص67″.
فيما يتحول الزمن في نص”وصولاً الى عالم الأبيض” الى نتوءات على جبهة محتضر، والذاكرة الى موائد ثرية نابضة بالحياة.
في مجموعة”قشرة الملح” التي حاول فيها الكاتب واثق الجلبي، أن يجعل منها مجموعة قصصية، نتلمس مخيلة خصبة لكاتب كان يتنقل بين موضوعاته المتنوعة بكل سلاسة متجاوزاً الواقعي والسحري، الماضي والحاضر، التاريخي والمستقبلي، بتقنية هيمنت عليها لغة أقل ما يقال عنها، أنها لغة شاعرية جمعت بين أجناس متقاربة من الشعر والنثر والقصة. تعمد الكاتب فيها تغييب هوية شخوصها، وتمويه جغرافيتها، وارتكز في بنائها المعماري على البلاغة، وترك للقاريء ومخيلته الفذة، استلهام ثيماتها، وإعادة صياغة النص بالطريقة التي يراها مناسبة لذائقة المتلقي. فلقد كان الاشتغال الأهم للكاتب الجلبي في هذه النصوص، إنه جعلها نصوص مفتوحة، سواءاً بنهاياتها، أو تنضيدها الذي تركه في الكثير من نصوصها، ممتداً، بلا اعتراضات علاماتية، تمليها شروط النصوص السردية، ليترك للآخر القاريء/المتلقي، إعادة قراءة النص، والامتثال لمزاج الكاتب، أو تأويل النصوص بما يراه مناسباً لمخيلته وثقافته الشخصية، وتلك ميزة تحسب للكاتب الجلبي، في تحريك الذائقة الجمالية والفكرية عند القاريء.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *