احلام روائي عتيق
دائما ماتكون القراءات ألأولى للكاتب تشكل شخصية نصوصه الى حد ما ..فيما بعد .لأنها اشبه بطعم ألأشياء لأول مرة والتي ستكون مفتاح دخوله الى اعماق نفسه وبالمقابل اكتشاف العالم بطريقة مغايرة حتما عن الناس …انها النظر الى العالم بعين الفرح المقدس …هكذا بدأت قراءاتي وانا صبي في المرحلة ألأبتدائية …كنت اقرأ بشكل مستمر واسمع صبية الزقاق وصراخهم ومرحهم وكلما حاولت ان اخرج اليهم توقفني صفحة جديدة من الرواية بين يدي …..كان عالما ساحرا يحوي عوالم صغيرة بداخله …كرمانة فيها عشرات الحبات وكل حبة هي رمانة صغيرة …كانت ألأسرار .. حقيقية وجميلة وغير مصنوعة … وكان اولئك حقيقيون (يزف .ك… راسكولنيكوف …ميرسول …جان فالجان …بنجي) .. وآخرون غابت اسماؤهم وبقيت ارواحهم تحاورني بأسألتها تلك لحد ألأن . حلمت ان اكون روائيا …ولسوء حظي …تحقق حلمي ..
**************************************************************
في غابة عزلتها الجبال عن اوهام واطماع البشر ,كان هناك عش فارغ حط عليه يوما طائر قرزبيل معتق وفي فمه وردة نرجس وضعها في العش وطار …في اليوم التالي حطت يمامة طرية على العش ووضعت سوسنة في العش وطارت ..بعدها جاء طائر القرزبيل المعتق ووضع ريحانة وطار وجاءت اليمامة ووضعت زنبقة زرقاء في العش وطارت …بعد اسبوع تحول العش الى سلة ورد …ابتسمت طيور الغابة … فتحولت اعشاشها الى سلال ورد وقصة حب بين طائرين في عش معطر بضحك الورد
****************************************************
طفولة ألأشياء …..شيخوخة القلب
..لااتذكر …انني مررت بتلك المرحلة التي تفصل مابين عالم الطفولة وعالم الرجولة ……فجأة وجدت نفسي في منطقة اخرى غير منطقتي التي اعرف …فشجرة التوت في حديقة بيتنا والتي كنت اشكو لها دائما وتسمعني وتحنو علي أصبحت عمودا من خشب يكلل رأسها مجموعة أوراق خضراء… وصديقي ألنهر الذي كان يحدثني كل مساء عن حبيبته التي ابتلعها شوقا عاد نهرا اخرسا ..حافاته مليئة بألأشنات وفضلات الناس…وطائر الكوكوختي الذي كان يخبرني عن ما يحدث في زقاقنا كل صباح …..اصبح طائرا رمادي اللون يقضي معظم وقته بتنظيف ريشه … وغيوم الربيع كنت اشعرها صوفا ابيضا عالي وحين ازعل على العالم تنزل قريبا مني ويغمق لونها …ثم ينهمر الدمع من عينيها …بدلا عني ..هكذا عرفت نفسي اخيرا …هل استطيع خيانة طفولتي…؟؟؟
******************************************************************
عين الروائي …وعري العالم …
حين كان العالم شاسعا وساحرا و…غامضا في عيون البشر… كانت الرواية الناطق الرسمي له.بحكايات انيقة تتحدث عن اناس عاديين لكن فيهم سحر مخيال القاريء النظيف …يختبيء الراوي خلفها بأدب ويمد خيوط استشعاراته. يحرك مشاعر ابطاله بأتجاهات الغضب والحب وألأنتقام والتحدي وتقشير الواقع من كذبه الوسيم ويتلبس شخصياته ..واحيانا يتلبسونه حين يملؤه احساسا باللاجدوى والقاريء هناك في البعيدا يجلس باحترام كبير ولايرغب بطي الغلاف حين يقرأ حفاظا عليه …وكان الكثير من كتبة ظلال الروايات الكبيرة يعيشون تحت كنف العمالقة بأحترام..ولأن الروائي انسان خرافي في احسن اوقاته لذلك هو عابرمحترف للزمكان البشري وكانت الرواية مخيفة وفعلها خطير على الدولة والمجتمع معا كما حدث مع (عناقيد الغضب لجون شتاينبك) و…(مدام بوفاري لفلوبير)…ألأن العالم ضيق وعاري ولامن ثياب تستر عريه ولم يعد هناك عمالقة واقزام …بل مشهورون ومغمورون واخلت الرواية مقعدها الخطير لمن هو اكثر جرأة وصلافة ووقاحة ومكاشفة لغرض المكاشفة فقط دونما مراعاة او خوف من أي شيء لأي شيء ..واعني بها منظومة التواصل ألأجتماعي ..
*******************************************************************
الكذب كالذباب ..لايخلو مكان منه لذلك هناك يتعايش الناس معه بشكل أو بآخر معه …والصدق أغنية يطرب الجميع بها ويتغنى متباهيا ..لكن ليس الجميع بقادر على ألأقتراب منه ذلك إن ألأنسان هو الكائن الوحيد الكذوب من بين مخلوقات الله ……بل ويتفنن به…ويلونه بألوان واشكال عديدة تبعا لقصدية الكاذب ومنه الكذب الصموت …الذي لايسلم منه اي فرد سوي في حياته ربما هناك سؤال يفرز نفسه في هكذا احوال …كم هو حجم الكذب الصموت في حياتي ..؟؟؟؟
****************************************************
وانا اسير …رأيت رجلا بيده باقة نرجس دفعت له نقودا واخذت الباقة …قربتها من انفي وسحبت شهيقا عميقا كالحزن …امتلأ جسدي بعطر الياسمين …نثرت باقة النرجس على المارة وضحكت كطفل لم يضحك منذ خمسين عاما …ثم صحت .
ياعطر النرجس
ياأول عاشق للمطر
هل تذكرتني ..؟؟
هل نسيتني …؟؟
كنا معا نجلس على حافة صخرة في اعلى قمة جبل بيرة مكرون
وأرجلنا مدلاة
كنت تضحك كالقبج
واضحك انا كالسراب
ياعطر النرجس …مازال ابناء بلدي متفقين على انك
اجمل عطور الدنيا
رغم جراحهم
رغم غضبهم
رغم حزنهم العميق