اسماعيل ابراهيم عبد : لسيرورة الماء تتمة (1)

ismaeil ibrahim 3بمجموعته الجديدة ” سيرورة الماء ” يحاول الشاعر وليد حسين ان يجد له طريقاً غير قصيدة النثر حلاً وسطاً بين الشعر والنثر .. وهو بمحاولة هذه يستعير بعض الأدوات الشعرية للعمود الشعري , كالقافية والأوزان التي تؤدى عفو الخاطر ملائمة لصوته ومشاعره المتعاطفة مع فيض الوقائع الدينية , القرآنية والإمامية , وفيها يساوي بين إشكالات التأريخ الكبرى والصغرى , الكبرى المتعلقة بالخلافات العقائدية التقليدية , والصغرى , مشاكل العراق الآنية .. بصورة عامة تنتمي قصائدالمجموعة الى مرحلة التجديد الشعري السيابية , المرتكزة على تجربة رباعية الأبعاد , ” الذات , والمعتقد , العالم , التراث ” وقد إستثمر أكثر طاقات القصيدة العمودية الحديثة , وبعض تقنيات قصيدة النثر , خاصة في مسألتي التناص والتماهي , كونهما إسلوبان حديثان مؤديات للتثوير الشعري قديمه وجديده , لإنماء سردية الشعر على وفق التنغيم الطربي المتعلق بعلو الموسيقى وغلو التواتر الصوتي .. المحاولة الجادة في المجموعة , التي نتوقع لها التطور السريع هي قصائد ((الهايكو)) التي تقابلها في القصة منتجات ” الكبسولة ” .. أنها قصيدة الومضة المكثفة حد أن تكون القصيدة جملة دلالة بلاغية واحدة .. سأركز على هايكو الطبيعة لننظر :
هـايـكـو الطبيعة
1ـ لمّا هبَّ النسيم فتحَ نافذةً يستقبل بها زفير الشجر
2ـ الرعد يسبق آذان الفجر ليلة ممطرة يغشاهم الزجل
3ـ العناقيد مثمرة .. تتدلى تبعث البهجة شجرة معطاء
4ـ قوارب تمخر في اليم , الأسماك الصغيرة تتقاذف النوارس جائعة
5ـ للزهرة وجه .. منبلج ترتل آيات الصبح تبعث الطمأنينة سنابل القمح .
6ـ مصفرّة برؤوس منحنية موسم الحصاد
7ـ في الوردة الحمراء .. رحيق دم يعانق الشهادة عيد الحب
walid husseinالصور السبع المتقدمة هي عصارة تجربة مزدوجة , جئتُ عليها قبل قليل , لكن هذه الصور المقاطع , الهايكو ـ المشهد الشديد القصر ـ هي بمثابة النقلة الشعرية الرائدة في مجالها , أي أن الشعراء حين غادروا القصيدة الصورة ” الهايكو” فأنهم واجهوا صعوبة كبيرة في الحفاظ على تصاعد التكثيف المشابه للتقاطع الدرامي في المشهد المسرحي الشعري , وواجهوا كذلك صعوبة الإستمرار في تطوير النمط هذا الذي يبرع فيه الشعراء اللبنانيون والسوريون المجيدون , ويأتي الشاعر وليد حسين الى هذا النمط ليُحدِث , لعمله الشعري , نقلة نوعية جادة , يجاهد أن يطوعها لمزاجه ومكنوناته الفكرية , وبالتأكيد أنه لو أطلق لهذه التجرية حريتها خارج سياق الإشتراطات لتوصل الى آفاق جيدة مليئة بالمفاجأة واللامتوقع … وعودة الى الصور المنوّه عنها , نجدها الصورة كأنها فعلاً , كبسولة محشوة بالمعاني المسبرة لعمق الدلالات العديدة المضمرة , فهي محملة بالدلالات من مثل/ الصورة رقم (1) فيها /
أ ـ حركة هبوب الريح المعادلة لحركة تجدد النشاط الحيوي للبشر . ب ـ إنفتاح النافذة مضمر عن الإنفتاح العقلي والإجتماعي الممهد للتقابل المعرفي المتبادل . ج ـ زفير الشجر هو الآخر يقابل كينونة حب الحياة وجمالها متمثلاً بالبيئة الطبيعة للمخلوقات من نعم الله الموهوبة للرفاه الإنساني . وفي الصورة رقم (2) / الرعد دليل الضوء , والضوء دليل العلم والمعرفة والعقل , والآذان , هو العبادة ومفاتيح الرزق , ونهوض التبكير المقارب لسكون الكائنات في طمأنينة الرب . يمر من ذلك الصوت الرباني مطر الخير والبركة وحَمام السلام المحمول على أجنحة زاجل الجمال والبركة . في الصورة رقم (3) / تركيب جمالي ونفعي يبهر ويبهج ويغني , فالبصر يرى العناقيد , ثم ينزاح البصر نحو شهوة ورغبة وأندهاش , ثم يعود الى المسبب لهما , ذلك أن الدهشة والرؤية ينجذبان الى عجبِ أن يكون ذلك كله من صنع شجرة ! الصورة رقم (4) إنها / تسمو بنا جهة تصور أخّاذ , يخص التكامل البيئي , فلكي تصير الأسماك لابد من ماء ممتع وجميل ومناسب لعيشها , لكنها ستكون ممتعة وطرية ومبعث حركة الصيادين راكبي القوارب , والصيادين (النوارس ) راكبي الهواء , وبذي تصير الصورة مطاردة بين الماء والأسماك والقوارب وهواء النوارس .. الصورة رقم (5) فيها / زهرة بوجه واحد , تحفّز الصباح ليعلن مجيئه , والصبح في هذا يرتل لنور الله أن يُنَمِّي ويديم الطمأنينة , وبدورها تُطَمْئِن السنابلَ على أنها بحماية النور والحرارة والماء والضوء والهواء والتراب حتى تُتِمُّم المصالح فيئها على الجميع . الصورة رقم (6) بها / تتأكد فعائل الهَمِّ المعيشي فالكل في إنتظار الحصاد , الفلاح والعامل , والمنتج الفنان , والمبدع الدارس , والنوارس , والاشجار , والدوارس ما زحف منها وما نهض , بل جميع الخلائق في إنتظارحاصل زرعها كالمؤمن المتسامي بخير زهده ! الصورة رقم (7) / تلك صورة لاسطورة ” عيد الحب ” الذي جاء على أثر تقديم الورد من الحبيب الذي مات فوق وروده ليقولَ في موت : أنه يكتفي بالموت حباً وبالحياة الخالدة سمواً , كما يتضمن المقطع نوعاً من المشاكسة الدرامية في الجمع بين الموت والحياة , والشهادة وميلاد عيد جديد , وأما الرحيق والإحمرار فهما رديفا كل نفس قلقة موسومة ومجبولة على الرضا والسعادة بالتضحية حتى آخر نزف في عرق البدن!! * المجموعة الشعرية صيرورة الماء هي خلاصة مثمرة لتجارب مركبة لكنها بحاجة الى الأخذ بجدية المنافذ الشعرية المنفتحة برحابة على الاسطورة والقصة والمرويات التأريخية ذات التصادم المربك المحير .. * القصائد يمكنها أن تتبلور في معاقد من مصوغات الراوي المُقَنَّع الذي تتطور مدركاته وملكاته اللغوية بتطور التصارع بين بنيات الكلام والحكي والسرد والمأثور الفلسفي .. * يمكن للشاعر أن ينحت له مسربا خاصاً جداً بقائده القصار ” الهايكو ” بالعمل على إخراجها مجموعة منفردة تعلو على هذه المقطوعات ـ على جمال وإستثنائية موجود منها ـ بأن يلجأ الى الشيئيات من ممسكات القول , المادية والمعنوية , والكائنات البيئية المالئة للمساحة الشعرية في القصائد , بمحتوى فلسفي من وضع الشاعر ورؤيته .. * القصائد رحلة قرائية ونقدية مفعمة بالمتعة والتوجس !! * نعتقد جازمين بأن لسيرورة الماء تتمة متفوقة , مستقبلاً .

اسماعيل ابراهيم عبد
esmaee2000@yahoo.co
07711584225

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *