اسماعيل ابراهيم عبد : أُناث ميسوبوتاميا الجليلات

ibrahim ismaeil 3يبدو أن المرأة في العراق من أكثر الكائنات التأريخية إلتصاقاً بجسدانية الحقائق لكونها الفرد الأثري الوحيد الذي إحتك بمساويء الأحداث حد السلخ والتقطيع والحرق .. عليهن يقع البلاء من القريب والبعيد , المواطن والأجنبي . . في ذلك تكمن الأسرار الخاصة بدأب ومسؤولية الفعل الانثوي المُحاط بقدر كبير من الأوهام , خاصة موضوعتي الحب ومستلزمات العيش . وإذ نقرأ رواية ميسوبوتاميا للروائية إبتسام عبد الله فلنستشف مقدار الأسرار ونوعية الإصرار في تقديم الولاء لجلالة الإنسانية .. سأُحاول القيام بتقصي جزئيات ضئيلة من المسهمات الحضارية للمرأة الممتزجة بطينة وجلال ميسوبوتاميا , عبر ثلاثة محاور : هي التلوث السردي , والبولوفنية وفواعل المهجسات الدلالاية . في أولى محاولتنا سنضع مقترباً للصدق والكذب الفني من خلال مبدأ يقترحه عبد الغفار العطوي تحت مسمى ” التلوث السردي “( 1). لتوضيح الفكرة لنا أن ننقاد الى تمثل الآتي / سأضع تفسيري الخاص للتلوث السردي .. لسوف أجد له منافذ إشتغال تختلف عن طموح قائله , فالعطوي قصد فيه , أن أي مشتغل في السرد متورط في العمل كأنه متلوث , ما أن يغتسل (ينتهي من الكتابة) حتى يغادر الفعل السردي ونتائجه . سأوجد من لفظة ” التلوث ” مساحة مبهمة أريدها ان تصير متجه أولي لدراستي ” إناث ميسوبوتاميا الجليلات ” الخاصة برواية ميسوبوتاميا للروائية ابتسام عبد الله . اولا : التلوث السردي أ ـ ماقبل التلوث السردي نفهم أنه الظروف التي سبقت أحداث الرواية كأنساق وقيم جمالية واجتماعية , أثرت على إتجاه الرواية جمالياً وثقافياً . [ أعود بذاكرتي الى تلك الايام , قبل سبعة أعوام , مضت … أواصل التحديق في تلك الوجوه المتفاوتة الجمال والذكاء والطباع . أتوقف عند وجه معين بالذات … قالت لي صديقتي داليا في ذلك اليوم , بعد أن توهجت عدسة آلة التصوير لحظة ” صورة ستزداد قيمتها مع الأيام , أعني بعد أن نفترق ويذهب كل واحد منا في سبيله , مًنْ يدري قد نلتقي في المستقبل أو لا نلتقي مطلقاً ” ] (2 ). التلوث السردي نتيجة عمل السرد لكن السرد منتسب لفعائل تسبقه هي ثقافة السارد المنتمية الى ثقافة الكاتب , المنتمي الى ثقافة بيئة واقليم وعالم وعصر . وإذ تتحدد الرواية بزمن الحصار عام 1991وحتى عام 2000 فيعني أنها رواية تعبوية أي ما كانت رؤية كاتبتها , بهذا سيسقط أول ركن من أركان أهداف الرواية , الحرية الفنية والفكرية … فقدان الحرية في العمل يعفي الكاتبة من الصدق الفني . ثم أن الاحداث المنحازة الى مبدأ وطنية رأس المال , هي الاخرى غير واقعية وغير صادقة , ولذا لن نطالب الكاتبة بموقف واضح من أيدلوجيا رأس المال عموماً .. وللتخلص من ذلك وضعت الكاتبة نموذجين لرأس المال , المتسلط الفاسد , والمحاذي الوطني المنجذب للعمل الخلاق . إما الفعل الروائي كلغة وصناعة فالمشهد المتقدم يغني المتجه لما قبل التلوث السردي , أقصد يغني القول بأن السرد يَعِدُ بالكثير الذي سيأتي , أنه محمل بنوعين من محمولات التأويل هما , غلبة حدية الزمن , وجدية أحداث المصائر المجهولة , مثلما تحفل به المشاهد المتتالية للرواية . لأُخصص الآن متجهات ما قبل التلوث , وأراها في / 1ـ العودة الى الذاكرة , الكذب التدويني المكرر في جميع الروايات في العالم , فهو إذاُ مصدر ما قبل التلوث لكونه وُجِدَ قبل وجود رواية ميسوبوتاميا . 2ـ التوقف عند وجه معين , هو فعل من افعال الذاكرة المتخيلة وهو يشبه ما سبقه . فعل التدوين ومشاهدة ebtisam abdullah 4الصورة هو فعل سبق الرواية بسبعة أعوام كما تقول الراوية , فليس فيه صدق , لا حقيقي ولافني كونه متسرب من الذاكرة الى زمن الكتابة دونما مقاصد سردية . 3ـ الصديقة داليا لها حضور فني وواقعي لذا فهي الممهد الحقيقي للسرد وباب السارد نحو التلوث السردي . ب ـ طبيعة التلوث السردي التلوث بكتابة السرد , بالنسبة لنا , مساو للوله بالكتابة السردية أو الإنشغال بنشر رؤى السرد وقضاياه … هذا الرأي , يخالف كلياً ما وصفه العطوي .. لنحدد طبيعته بنموذجين من المتجهات السردية هما التأقلم والإنتشار .. 1ـ التأقلم : ” النظام الثقافي يولد أنماط الشخصية ” ( 3) . والشخصية بالتأكيد مولودة من الإقليم أولاً الذي بموجبه تمت أقلمة اللغة والحضارة والوقائع المادية والمثيولوجية , وهو ما نريد وضعه حيز الفهم . [ أقترب من المكتبة , أسير على مهل , على الرغم من رذاذ المطر الربيعي , أجنحة شفافة رقيقة تحملني وليس قدمين , أرى سيارته واقفة عند الرصيف المحاذي للمبنى , لقد سبقني . يشتد المطر , أسرع في السير , بعد أن يبتل شعري وتتبعثر خصلاته , ( أتذكر عدد المرات التي غيرت فيها تسريحتي) , أدخل المبنى الكبير , أراه واقفاً , يداه معقودتان على صدره , عيناه على الباب , وأقترب منه ” أنتِ مبتلة ” . ” لا يهم ” , نحتار فيما نقوله بعد ذلك مثل طالبين في مدرسة إعدادية ] (4 ). الإقليم بمعناه الوجودي مجتمع شرقي تتحكم به علائق أخلاقية ولغوية وسلوكية ليس من الطبيعي تجاوزها , فالحياء والخلوة والتردد هي مظاهر هذا السلوك , أي هي سمات الأقلمة الاجتماعية والروائية . ان الاقلمة هذه ” ولوج , تلوث , إنشغال كامل بالسرد ” بوجود حادث التواعد واللقاء , ثم التوقيت الربيعي ومن ثم أجواء اللقاء ـ المطر والمكتبة , إضافة الى الأثر والتأثير بين الحبيبين, ومن ثم عنايتهما بظرفهما كونها يتصرفان بحذر مثل طلبة الاعدادية .. هذا كله يعني التورط الكلي بالواقعة الروائية , ومن ثم الواقعة الإنسانية فكراً وزمناً وأحداثاً . ما الذي تفرزه هذه الورطة السردية ؟ انها تحيل الى مبدأين هما , تكون شخصيتين من نمط خاص للبيئة المنتجة للمجتمع , وثانيهما , أن الشخصيتين نتاجان لِمُثل ثقافية متأقلمة مع المُثل الإجتماعية , وهذه المثل لم تخل بالسرد بقدر كونها تحد من حرية التطلع نحو التغيير الأفضل . 2ـ الانتشار هو التصادم والتعاون والإحتكاك وامتزاج العادات سلوكاً وذوقاً وتسويقاً .. فهل تصلح الروية , موضع الدراسة , لمثل هذه الفرائض ؟ تقول الدكتورة نادية هنادي سعدون ” ( الادب نتاج إبداعي مثل أي إنتاج إنساني يتعاون كل من الرجل والمرأة على إيجاده مادامت النسوية ثقافة ” لا جسد ” والخطوة الاولى الى هذا الهدف هي في تخليص القراءة من سلطة الرجل وذلك بتحويل القارئة الى فاعلة واعية تعي المقروء وتقاوم نوازعه الإستلابية ) ” (5 ). * إنتشار التلوث السردي له مرحلة اولية هي التصادم , وخطاب المرأة تصادم درامي بين موقفين للرجل والمرأة يتمثل ذلك في / [ أنا منبهرة به الآن , أنتبه لكل كلمة يقولها , أحس إهتمامه بي , بتلك التحف المعروضة للبيع أيضاً ] (6 ). القول يوضح التصادم بين الموقفين , المرأة تفكر بالرجل كحبيب مستقبل والرجل يفكر كونها خبيرة بالتحف وعليها تقع مسؤولية تحقيق الربح ببيع تلك التحف . * انتشار التلوث السردي يتصاعد بعلائقه ليصير تعاوناُ , مثلما القص المروي في / [ أتذكر , داليا , إنها لم تعد تتصل بي منذ ذلك المساء , لا بد وأن أتصل بتلك الحمقاء , وأبين لها بعض الامور المتعلقة بالعمل … أجل أنها حمقاء وجميلة , وهي أيضاً تدير ” سومر ” بأمانة ونشاط ] (7 ). المقطع يبيح لقائله أن يتحدث مع نفسه بروية عن العمل والتعاون وبلغة الاصدقاء , فلم يقصد بالقول (الحمقاء) سوى تدليلها على الطريقة الشعبية , أي استعمال كلمات الاطراء بما يعاكسها . والتعاون هنا هو عمل مهني تجاري يتوافق مع الفعل الروائي الخاص ببث الأحداث التي تنوي الكاتبة تزجيتها للتداول فيما بعد . * إنتشار التلوث السردي يقتضي أحياناً الإحتكاك المتناسق المتوافق مع المعطيات الحضارية للعصر مثلما هو في المقطع الآتي / [خُيل لي وأنا منصرف الى متابعة فيلم , أنك معي , وأنني من خلال أفكاري , تمكنت من إستحضارك , عبر المسافات الى غرفتي , هل تؤمنين بما يطلق عليه ” تيلي ـ باثي” , أن يتم إتصال فكري وروحي بين شخصين بعيدين , عبر تركيز الفكر والتأمل الروحي العميق ! أنا بدأت أؤمن به ] ( 8). تتعمد الكاتبة بمزج قيم الحضارة الاوربية بالحضارة العراقية كونهما نتاج عصر واحد , عبر علم الباراسكلوجيا الذي برع به العراقيون القدامى بالتوازي مع علم kh ibtisamوالباراسيكلوجيا الجديد الذي وضعها ” تيلي ـ باثي ” موضع التطبيق الفعّال .. هذا النمط هو الآصرة الخاصة بالإحتكاك الحضاري فكراً وثقافة , تلك العناصر التي يتوسّم العصر بها , كونها حواضر الإتصال والتواصل وخلق المنفعة المتبادلة .. ثانياً : بولوفينية شعيرات النسج تتمثل البولوفينية هنا في كون الشعيرات المتعددة المسهمة في أنتاج النسيج هي تنظيم لـ / أ ـ بناءات الحوادث المتعددة الأصوات . للحوادث هنا تعدد خاص من الناحية الزمنية بالدرجة الاولى فعلى الرغم من كون الراوي واحدا لا غير فأن نمط التعبير والتركيب ونوع الهيئات تتعدد بشكل بائن .. لنراقب الآتي : [ 1 ـ ” ماذا .. عمَّ تتحدث ” ” ذلك الثور العجيب , هل نسيت ؟ ” ينكمش في كرسيه , يبذل جهداً في السيطرة على حركة لسانه وشفتيه المخدّرتين , يفتعل ضحكة قصيرة , ليست تلك القهقهة الصاخبة المعروفة عنه … 2ـ تسري قشعريرة حادة في جسدي , وأنا أوغل في التفكير , تبدأ من أطراف أصابع القدمين , صاعدة الى قمة الرأس , تصاحبها موجات من إلتواءات شديدة في الأحشاء ,مسببة ألماً مبرحاً , مع دوار في الرأس …. أتذكر ذلك الذي غادرني قبل قليل قائلاً ” قد تساعدنا , ولك حصة ” . تبا له , تبا لها وتبا لي … 3ـ صور لا ترابط بينها تبدأ تتشكل في ذهني … ولد في الثامنة من عمري … واقفون نحن بين بعض آثار تل قوينجق , في نينوى .. أتحرك … راكضاً .. زهور بيض وصفر وبنفسجية… تتفوق عليها شقائق النعمان … ملكة متوّجة عليها … يقترب والدي , يقول , مهلاً يا أحمد … أن هذه التلال … تحوي تحتها مدنا قديمة ] ( 9). في العبارة (1) نجد الروي يحتوي : على حدث خبري عن طبيعة صفقة تجارية تكاد تنعقد بين المتحدثين .. الروي يتميز بكون زمنه هو المضارع الحاضر ومن طبيعته أن يصير ( سجالياً , جدالياً , ترصدياً , ليس فيه حدث كبير) . الوصف , لفظي مباشر . في العبارة (2) يتطور الروي نحو إحتواء : حادثة مهمة , بالنسبة للراوي البطل , تلك هي تمرّض البطل بسبب العرض المُقَدّم من قِبل ضيفه الذي هو صديق ووكيل التاجرة الأنيقة صديقة البطل . والروي يتصف بكون زمنه الحاضر والماضي القريب , ومن طبيعته أن يكون : ( حدثياً , تأثرياً , نفسياً , له نتائج مهمة على المشاهد اللاحقة في الرواية ) . الوصف , هنا , مركّب من , التعبير المُلغَّز بالهيئات المتخالفة , والوظائف المتعددة) . العبارة (3) تتضمن : روياً معقداً ذا رؤية خاصة تشمل : (رؤية للتطور العمري , وأُخرى للتغير المكاني , ورؤية للوعي الفكري) كما أنه يحوي وقائع مُزْحَمَة بالجمال التعبيري كالجمل الواصفة للزهور , والتلال , والمُؤَكِدة لوجود المدن المدفونة , والجمل المُرَتِّبَة لعلاقة الطفولة بالابوّة . + لنا أن نؤكد منطلقنا السابق في كون هذا التنوع السياقي والصياغي هو المظهر الأساس الذي يحدد تعدد الأحداث بمتعدد الأصوات , لأن كل شخصية إرتبطت بثقافة ولغة وحدث خصها دون غيرها , ساعدها في ذلك : ( الإختلاف الهيئي , والتغاير النفسي , والسلوك المظهري والحركي ) . ب ـ دافعية وجود عدة رواة بسبب من الحاجة الى تجديد طاقة السرد وتطوير عناصر البنى الصائغة للروي فيعمد الروائيون الى تنويع الرواة المتمم لتعدد الشخوص والوقائع لعدة غايات , لعل أهمها , تحرير السرد من الشروط النمطية التقليدية .. لنتابع تسلسل الرواة اولاً .. إذ أن ” ميّا ” تقوم بالروي من صفحة 9 الى صفحة 28 , ومن صفحة 59 حتى الصفحة 78 ثم من صفحة 113 حتى صفحة 130 , ومن صفحة 177 حتى الصفحة 182 .. كما أن داليا تتولى الروي من صفحة 29 الى صفحة 44 ومن صفحة 99 الى صفحة 112 , ومن صفحة 165 الى صفحة 176 .. بينما يقوم أحمد نور الدين بالروي من الصفحة 79 الى الصفحة 98 , ثم من الصفحة 133 حتى الصفحة 156 , ثم من الصفحة 185 حتى الصفحة 198 الأخيرة .. يتبقى جزء يسير لكل من هانيء أخو ميّا المعوّق , وأقل منه فسحة للروي بوسيط رامي بدران حبيب ميّا , عن طريق الرسائل . هذا التنويع حيوي وضروري لتجاوز الرتابة والتكرار على الرغم من قلة الرواة نتيجة لقلة الشخوص , فالشخوص هم الرواة وهم الأبطال أيضاً … في هذه الرواية يقوم التعدد بدافعية سببين لقوامين هما , التنويع المكاني , والتراتب الفلسفي . التنوع المكاني : يتقلص الى ” مدينة ( بغداد ـ الموصل , العراق / عمان ـ الأردن ) . هذه الأماكن لا تتخذ لنفسها بنية حكائية وليس لها فعل روائي أساسي فتبقى إطاراً عاماً للأحداث , لكنها , وبسبب زمنية الرواية , فأن لها , من الناحية الرمزية , أهمية كبيرة فعمّان كانت تزود العراق بكل أنواع الفساد في الأدوية والأغذية , والموصل موطن تهريب الآثار , وبغداد محطة الحصار والطغيان , وعليه فأن الوظيفة الأولى للتنوع المكاني هي وظيفة رمزية (حصراً) . أما الوظيفة الرديفة فهي ” الدافعية ” المحفّزة لوجود التعدد الروائي فلا فعل دون أرض ولا رواية دون تخيلٍ مكاني , ذهني أو حقيقي . ولا تخيل دونما تعدد لعناصر تتشابك لخلقة , والأماكن أعلاه هي أرضية الحركة والفعل للرواة قاطبة , بحسب منطق الرواية . التراتب الفلسفي : التراتب أو التراكم الفكري الذي يتكامل بالتقدم نحو الهدف الكلي والنمو المتساوق للسرد يُشْعِرُنا به النظام الفكري العام لما يشبه آيدلوجيا الفهم الخاص بتأريخ ميسوبوتاميا العراق .. لقد قمنا بتحديد قدر من ذلك مراعين رتبة وأهمية كل عامل منها فالأهم يحتل رتبة الرقم (1) وتليه السلسلة التنازلية على الوجه الآتي / 1ـ سيطرة فلسفة حافة الهاوية على معظم فصول رواية ميسوبوتاميا , وأحداثها المهمة . 2ـ تأكيد إنوثة وأنثوية الأمومة المعتدلة دونما جندرية ( ص170 من الرواية ) مثالاً. 3ـ تكامل الرؤية للتراث كما يحصل في ص191من الرواية . 4ـ تضخم أثر البؤرة الفكرية للسرد والفعل الحدثي مثلما يحصل على (ص147 من الرواية) . 5ـ تقنين تقانة الغربة مثاله ص135من الرواية . 6ـ الغور في فهم الميتاسرد مثلما هو التدوين على ص137من الرواية . 7ـ نماء الغرض الفني لهدف وغائية الفراغ كما هو الحال في (ص40من الرواية) . ثالثا : فواعل المهجسات الدلالة . المهجسات , أو الدلالات المُخَمِّنَة للفعل الروائي تتأتى بعد الفهم بمستوييه السابقين , التلوث والبولوفينية ـ مثلما تفهمه القراءة المنتجة . ولدينا فهم يقترب من بدهيات الأحكام يقول : كلما تعددت تأويلات المشهد كلما مال الى التهجيس الدلالي لا الدلالات النهائية .. فلنتابع , لنتأكد / [ أنا كلكامش … عدتُ الى أوروك … رفعتُ عن نفسي قشور صلف وغرور … ومني على أوروك وأهلها السلام .
** اسمع دمدمة تبدأ خافتة ثم تشتد . أهو المطر ؟ حبات بَرَد تضرب الأشجار والأرض وزجاج النوافذ والأسقف . أدير وجهي في أرجاء الغرفة , أستمطرُ الرحمةَ من الرحيم , أبحثُ عمن يؤنس وحدتي ويرفعني من الجبّ . إحساس بالعزلة يطبق عليّ . لقد تأخروا . ما بالهم تأخروا؟ لا شك أن المطر والبَرَد أعاقهم , أنهم لم يتخلوا عني . لن يفعلوا ذلك , وهم بلا ريب في طريقهم إليّ , لابد من الإنتظار . أجل سأنتظر . أصيخُ السمعَ , هذه أصواتُ أقدامٍ , أميّزُها , تجتازُ ممراً في الحديقة , ألم أقل إنهم آتون . إنها تقترب , وأنا أعرف وقع خطاهم , أتطلع عَبْرَ النافذة الى الخارج , ثمة ضباب في الجو , يجثم على الأشجار , يكاد يستقر على الأرض , يجعل الرؤية غير واضحة , لكنني أتبينهم , سأقوم لأفتح الباب لهم قبل أن يطرقوه ] (10 ) المشهد أعلاه يبدأ بنشيد كلكامش موجهاً الى اوروك , ومن ثم مناجاة للنفس من قِبَل أحمد نور الدين , يتشبه بنشيد أوروك .. في المقاربة بين جزئي المشهد نتوصل الى تهجيسين من الدلالات , هما :ـ + كلكامش وأحمد نور الدين زعيمان للشغيلة المخلصة في أرض ما بين النهرين ” العراق ” . + أحمد وكلكامش تعرضا لنكبة حياتية حضارية جعلتهما ينزعان غرور الصلف الناتج عن الـقـوّة . لكن تداعي المعاني للمشهد الخاص بأحمد نور الدين يَعبرُ هذه الحدود الى تهجيسات أخرى , منها / 1ـ أن العلاقة الإنسانية الأخوية أقوى من علاقات المصالح النفعية . 2ـ مهما بلغ الفرد من القدرات فهو بحاجة ماسة الى الآخرين . 3ـ جُلّ النشاط الإقتصادي غير النظيف هو خسارة للفرد والمجتمع . 4ـ لا يمكن إيجاد الحب والحنان الحقيقي إلّا مع جماعة الإسرة أو الذين يشبهون ـ بعلاقتهم ـ حميمية الإسرة . 5 ـ التقارب المكاني يولّد تقارباً للنفوس والأعمال والذوق والمواطنة المتقاربة المصائر . 6ـ المرأة أكثر الكائنات قدرة على الحب والتسامح والحب الخالي من النوازع غير السوية . 7ـ يستحق المشهد أن يكون نبوءة مستقبلية متفائلة تخص الرفاه والصحة لأبناء البلد جميعاً . 8 ـ على المخلصين أن يستقبل بعضم بعضاً بثقة وفرح .

اسماعيل ابراهيم عبد

هوامش :

[1] العطوي , عبد الغفار , القاريء في السرد , 2014, ص12, اتحاد الادباء في البصرة , دار الروسم للصحافة والطباعة والنشر , العراق .

[2] عبد الله , ابتسام , رواية ميسوبوتاميا , 2001 , ص16 , الشؤون الثقافية العامة , بغداد

3] أنغليز , ديفيد , جون هيوستن , مدخل الى سوسيولوجيا الثقافة , ترجمة لما نصير , 20113, ص59, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات , بيروت

[4] عبدالله , ابتسام , رواية ميسوبوتاميا , مصدر سابق ,ص66

[5] هنادي , نادية هنادي سعدون , السرد النسائي القصير في العراق , 2012, ص29,الفراهيدي , بغداد

[6] عبد الله , ابتسام , رواية ميسوبوتاميا , مصدر سابق , ص 33 .

[7] عبد الله , ابتسام , رواية ميسوبوتاميا , مصدر سابق , ص80

[8] عبد الله , ابتسام , رواية مسوبوتاميا , مصدر سابق , ص118

[9] عبد الله , إبتسام , رواية ميسوبوتاميا و مصدر سابق , 147, ص148

[10] عبد الله , إبتسام , رواية ميسوبوتاميا , مصدر سابق , ص198

 

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

3 تعليقات

  1. قصي صبحي القيسي

    دراسة مميزة ونقد احترافي بعيد عن التعقيد ، تحياتي واحترامي.

  2. اسماعيل ابراهيم عبد

    شرفتني ملاحظة الاستاذقصي صبحب القيسي ..اسماعيل

  3. قصي صبحي القيسي

    استاذي العزيز أرجو تفضلك مشكوراً بتزويدي ببريدك الألكتروني لغرض التواصل ، مع خالص الاعتزاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *