الشاعر خالد جابر يوسف لـ (المستشار): ظلمتني الدنيا وأنصفني الله. أول قصيــدة عموديـــة كتبتهـــا خلال الابتدائيـــة أتغــزل فيها ببنــت الــجيـــران (ملف/2)

khaled jaber 3حاورته: شدوان مهدي يوسف
خالد جابر يوسف صوت شعري عده كثير من النقاد متميزاً وذا خصوصية بين أقرانه من الجيل الثمانيني، ذلك الجيل الذي كثر الحديث والجدل بشأنه لما أنتجه شعراؤه من تجارب شعرية اتسمت بالتجريب والخروج على السائد والمألوف وما رآه البعض غموضاً وتعمية. سماه بعض زملائه صياد الجوائز لفوزه بجائزتين شعريتين إحداهما عربية والأخرى محلية عن مجموعتين شعريتين: الأولى (بحثاً عن المهب) التي فازت بجائزة يوسف الخال للشعر العربي وصدرت عن دار رياض الريس في لندن عام 1988، والثانية (الجهات التي هي من شأني) التي فازت بجائزة الشؤون الثقافية للشعراء الشباب في العراق عام 1992 وصدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 1993. ولديه حالياً مجموعة شعرية ثالثة على وشك الصدور عن دار الشؤون الثقافية العامة عنوانها (بلاغات). وهو ناقد متميز وجاد، وعلى الرغم من قلة دراساته النقدية المنشورة كانت لافتة للإنتباه ومثير للاهتمام، كما أنه مترجم ينشر الترجمات منذ عام 1990. عن بداياته وتجربته الشعرية وجيله وبعض جوانب حياته أجريت معه هذا الحوار.
•متى بدأت تكتب الشعر؟
-منذ كنت طالباً في المرحلة الإبتدائية. كانت هناك مكتبة عامرة في بيت خالتي وكنت أتصفح ما فيها من كتب بفضول وشغف. لا أدري لماذا الشعر لفت نظري وأثار اهتمامي أكثر من المجالات الأخرى. ربما هو سحر جمال التعبير الذي أدهشني بتعبيرات لم آلفها من قبل فرحت أمعن النظر وأقلبه فيها وأعيد قراءة الجملة والنص مراراً وتكراراً. قرأت السياب والبياتي ونزار قباني. وانحزت تلقائياً وعلى الفور إلى السياب. كان انحيازي له قائماً على التذوق، ثم بدأت أفهم نقدياً لماذا كان ذلك الإعجاب والانحياز إلى السياب بشكل خاص. ومما حفزني إلى كتابة الشعر وليس التمتع بقراءته فقط حلقة الشعراء الشعبيين الشباب الذين كانوا يلتقون في بيت خالتي مع ابن خالتي يحيى عبد الحسين وهو شقيق الشاعر المعروف أحمد عبد الحسين، وكان شاعراً شعبياً مبدعاً ولكن السلطات آنذاك منعت نشر الشعر الشعبي ثم أخذته مشاغل الحياة بعيداً عن الكتابة. بل إن مقدمات اهتمامي بالشعر بدأت حتى قبل دخولي المدرسة الابتدائية حيث كنت أنشد أبيات أبوذية من تأليفي تأثراً بما كنت أسمعه من غناء ريفي وخصوصاً أغاني المرحوم داخل حسن ومن الأهل والأقارب وكان هذا النوع من الشعر الشعبي هو المهيمن بقوة آنذاك، وكتبت بعدها أولى قصائدي العمودية (غير منضبطة وزنياً طبعاً) في الرابع الابتدائي كنت أتغزل فيها ببنت الجيران. كانت هناك فتاة جميلة من بنات الجيران اسمها سهام وكنت أقول أن الذي سماها سهاماً كان محقاً لأن عينيها كانتا تطلقان السهام نحوي فتصيب قلبي. وما زلت أتفاعل مع ذكراها كلما سمعت أغنية فيروز (كان الزمان).وألقيت أول قصيدة حرة لي في اصطفاف رفعة العلم يوم الخميس في السادس الابتدائي، وكانت طويلة نسبياً، واصطحبني معاون المدرسة الأستاذ محمد إلى المدير المرحوم مظهر ماجد الشمري وصفقا لي بحرارة وأثنيا على قصيدتي وشجعاني كثيراً. البداية الحقيقية كانت في الثالث المتوسط حين عكفت خلال العطلة المدرسية بعد نجاحي من الثالث المتوسط على دراسة النحو والإملاء وبحور الشعر العربي وأنهيتها جميعها وأتقنتها خلال ستة أشهر: في النحو كتاب (النحو الواضح والنحو الوافي) وفي الإملاء كتاب (الإملاء الفريد) وفي عروض الشعر كتاب المرحوم مصطفى جمال الدين (بحور الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة)، وفي الفترة نفسها قرأت المعلقات العشر للزوزني ونقد الشعر لقدامة بن جعفر وضرائر الشعر لابن عصفور. في هذه الفترة بدأت بكتابة قصائد عمودية مضبوطة وزناً وقافية. ونشرت وأنا في الأول معهد السكك أولى قصائدي في مجلة صوت الطلبة عام 1980 وكان عمري 17 سنة. ولكن ما إن نشرت قصيدتين عموديتين حتى انتقلت إلى كتابة قصائد حرة في المجلة نفسها ثم نضجت قصائدي وبدأت أنشر عام 1981 في مجلة فنون ثم 1982 في مجلة حراس الوطن وجريدة اليرموك وجريدة القادسية ثم في جريدة الجمهورية ومجلة الطليعة الأدبية.
•بمن تأثرت من الشعراء؟
-الغريب أنني على الرغم من إعجابي بعدد من الشعراء وفي مقدمتهم السياب والمتنبي لم أتأثر بشاعر معين وكان لي صوتي الخاص منذ البداية. من الصعب أن تحيلي أياً من قصائدي إلى أي قصيدة أخرى أو شاعر آخر. أنا نفسي لا أكرر نفسي، لا عن قصد وتخطيط وبشكل مدروس بل لأنني أنتمي إلى تجربتي الشخصية بإخلاص وأصغي إلى مكوناتي الشخصية فلا أحفل كثيراً بالخارج على صعيد التعبير عن التجربة وإن كنت أتذوق تجارب الشعراء الآخرين وأعجب بها. لهذا تجدين كل مجموعة من قصائدي تختلف فنياً شكلاً وأسلوباً عن مجموعة من القصائد الأخرى والتباين واضح بين ديوان وآخر. قصيدة (بحثاً عن المهب) لم تتكرر و(سرية فورية) و(الحرب سيرة ذاتية) على سبيل المثال.
•ما الذي يميز شعراء الثمانينيات عن الأجيال التي سبقتهم والتي تلتهم؟
-الثمانينيات كانت مرحلة شعرية خصيبة، انعتاق من سلطة الآخر أو سطوته على الشاعر سواء كان الآخر قارئاً أو ناقداً. بمعنى أن الشاعر أطلق العنان لمكوناته للتعبير عن نفسها من دون إخضاعها إلى حسابات تتعلق بالطلب والسوق والثوابت. الحرية التي لا تحدها حدود أصبحت هي المعيار الفاعل في عملية الإبداع الشعري آنذاك. ففتحت الكتابة الشعرية ابوابها على جميع الاحتمالات. أي استخدام غير مألوف كان يمكن أن يجد طريقه إلى القصيدة. فكتب شعراء هذا الجيل قصائد بأشكال وأساليب وتجارب جديدة مبتكرة غير مسبوقة وظهر ما سمي النص المفتوح. كما تميرت القصائد بقوة الترميز تعويضاً عن الكبت والقمع الذي كان يطبع الحياة من حولهم في ظل نظام سياسي دكتاتوري قمعي وصلت به الهمجية إلى حد اصدار تعميم على المؤسسات الثقافية يحظر فيه استعمال بعض الكلمات مثل أمير وملك خشية من تستعمل رموزاً ضد النظام.
•لقد كتبت الأنواع الشعرية كلها: القصيدة العمودية والقصيدة الحرة وقصيدة النثر. إلى أي نوع شعري تميل أكثر؟
-أنا أرى أن الشكل الشعري والتجربة وجهان لعملة واحدة، كل منهما يدل على الآخر ويؤدي إليه ويرتبط به بعرى لا تنفصم، ولهذا تعددت الأشكال، بمعنى أن الحاجة إلى التعبير عن تجربة معينة هي التي أنتجت هذا التعدد في الأشكال، وبالتالي لكل شكل ضرورته ودواعي وجوده. فهناك تجربة لا تستوعبها إلا قصيدة النثر وأخرى لا تستوعبها إلا القصيدة العمودية وأخرى تجد في القصيدة الحرة الشكل الأنسب للتعبير عنها. وأنا أستغرب من مواقف البعض المضادة أو الرافضة لهذا الشكل أو ذاك، فمنهم من يرفض القصيدة العمودية ومنهم من يرفض قصيدة النثر، وأرجع ذلك التطرف في المواقف إلى قصور في الفهم والرؤية. كل نوع أو شكل شعري هناك ضرورة أو حاجة تعبيرية استدعت وجوده وسينقرض حين تنتفي هذه الحاجة أو الضرورة ولن ينقرض بقرار أو إرادة تفرض من الخارج من لدن هذا الطرف أو ذاك.
•هل نلت الشهرة التي تستحقها؟
-بريق الشهرة الذي نلته من منتصف الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات بدأ يضعف مع ابتعادي عن الحياة الأدبية بعد عام 1997، ذلك الابتعاد القسري الذي فرضته ظروف العراق الاقتصادية لاسيما بعد أن اشتد تأثير الحصار الشامل بعد منتصف التسعينيات، فضحيت بأجمل ممارسات وانشغالات حياتي- وهي القراءة والكتابة والترجمة- من أجل توفير متطلبات المعيشة لأسرتي. ثم قادني هذا السبب نفسه إلى الهجرة عام 2001 ثم عدت إلى العراق عام 2004 ولكن بعد أن كانت هذه الضغوط المتراكمة قد وصلت إلى حد الانفجار وفاقت قدرتي على الصبر والاحتمال فتعرضت إلى تعب نفسي شديد. كنت عصامياً طوال حياتي، اضطررت إلى التعويض عن التحصيل الأكاديمي بالتحصيل الشخصي. لقد كافحت من أجل الحياة وأسرتي بمرارة. ولكن الحياة ظلمتني كثيراً، لم تتح لي إشباع أبسط متعة كنت أتوق إليها طوال سنين عديدة وهي القراءة، القراءة فقط. كنت أتعذب لأنني محروم منها، وما زلت محروماً منها إلى حد كبير لأنني ما زلت مضطراً إلى العمل المنهك الشاق الطويل من أجل توفير متطلبات الحياة لأسرتي. ولكن ما يخفف عني أهوال الحياة ومصائبها وحرمانها أن الله تعالى أنصفني إذ عوضني عن هذا الحرمان الظاهر بنعيم باطن، إذ أسبغ علي محبته واختصني بكلامه ومناجاته وأسراره ورفع كثيراً من الحجب بيني وبينه لما رأى صدقي في محبته وإخلاصي في طلبه وأبقى سبحانه منها حيث أكون بين الناس ما هو ضروري لطبيعتي البشرية ومناسب لها ولو رفع مزيداً منها لكنت في حال يصعب تكيفه مع متطلبات الحياة البشرية الاجتماعية، ولكن في الخلوات ترفع الأستار (بيني وبين حبيبي لستُ أبديها/ أسرارُ حبٍّ عزّ راويها). لقد ظلمتني الدنيا وأنصفني الله.
خالد جابر يوسف صوت شعري عده كثير من النقاد متميزاً وذا خصوصية بين أقرانه من الجيل الثمانيني، ذلك الجيل الذي كثر الحديث والجدل بشأنه لما أنتجه شعراؤه من تجارب شعرية اتسمت بالتجريب والخروج على السائد والمألوف وما رآه البعض غموضاً وتعمية. سماه بعض زملائه صياد الجوائز لفوزه بجائزتين شعريتين إحداهما عربية والأخرى محلية عن مجموعتين شعريتين: الأولى (بحثاً عن المهب) التي فازت بجائزة يوسف الخال للشعر العربي وصدرت عن دار رياض الريس في لندن عام 1988، والثانية (الجهات التي هي من شأني) التي فازت بجائزة الشؤون الثقافية للشعراء الشباب في العراق عام 1992 وصدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 1993. ولديه حالياً مجموعة شعرية ثالثة على وشك الصدور عن دار الشؤون الثقافية العامة عنوانها (بلاغات). وهو ناقد متميز وجاد، وعلى الرغم من قلة دراساته النقدية المنشورة كانت لافتة للإنتباه ومثير للاهتمام، كما أنه مترجم ينشر الترجمات منذ عام 1990. عن بداياته وتجربته الشعرية وجيله وبعض جوانب حياته أجريت معه هذا الحوار.
•متى بدأت تكتب الشعر؟
-منذ كنت طالباً في المرحلة الإبتدائية. كانت هناك مكتبة عامرة في بيت خالتي وكنت أتصفح ما فيها من كتب بفضول وشغف. لا أدري لماذا الشعر لفت نظري وأثار اهتمامي أكثر من المجالات الأخرى. ربما هو سحر جمال التعبير الذي أدهشني بتعبيرات لم آلفها من قبل فرحت أمعن النظر وأقلبه فيها وأعيد قراءة الجملة والنص مراراً وتكراراً. قرأت السياب والبياتي ونزار قباني. وانحزت تلقائياً وعلى الفور إلى السياب. كان انحيازي له قائماً على التذوق، ثم بدأت أفهم نقدياً لماذا كان ذلك الإعجاب والانحياز إلى السياب بشكل خاص. ومما حفزني إلى كتابة الشعر وليس التمتع بقراءته فقط حلقة الشعراء الشعبيين الشباب الذين كانوا يلتقون في بيت خالتي مع ابن خالتي يحيى عبد الحسين وهو شقيق الشاعر المعروف أحمد عبد الحسين، وكان شاعراً شعبياً مبدعاً ولكن السلطات آنذاك منعت نشر الشعر الشعبي ثم أخذته مشاغل الحياة بعيداً عن الكتابة. بل إن مقدمات اهتمامي بالشعر بدأت حتى قبل دخولي المدرسة الابتدائية حيث كنت أنشد أبيات أبوذية من تأليفي تأثراً بما كنت أسمعه من غناء ريفي وخصوصاً أغاني المرحوم داخل حسن ومن الأهل والأقارب وكان هذا النوع من الشعر الشعبي هو المهيمن بقوة آنذاك، وكتبت بعدها أولى قصائدي العمودية (غير منضبطة وزنياً طبعاً) في الرابع الابتدائي كنت أتغزل فيها ببنت الجيران. كانت هناك فتاة جميلة من بنات الجيران اسمها سهام وكنت أقول أن الذي سماها سهاماً كان محقاً لأن عينيها كانتا تطلقان السهام نحوي فتصيب قلبي. وما زلت أتفاعل مع ذكراها كلما سمعت أغنية فيروز (كان الزمان).وألقيت أول قصيدة حرة لي في اصطفاف رفعة العلم يوم الخميس في السادس الابتدائي، وكانت طويلة نسبياً، واصطحبني معاون المدرسة الأستاذ محمد إلى المدير المرحوم مظهر ماجد الشمري وصفقا لي بحرارة وأثنيا على قصيدتي وشجعاني كثيراً. البداية الحقيقية كانت في الثالث المتوسط حين عكفت خلال العطلة المدرسية بعد نجاحي من الثالث المتوسط على دراسة النحو والإملاء وبحور الشعر العربي وأنهيتها جميعها وأتقنتها خلال ستة أشهر: في النحو كتاب (النحو الواضح والنحو الوافي) وفي الإملاء كتاب (الإملاء الفريد) وفي عروض الشعر كتاب المرحوم مصطفى جمال الدين (بحور الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة)، وفي الفترة نفسها قرأت المعلقات العشر للزوزني ونقد الشعر لقدامة بن جعفر وضرائر الشعر لابن عصفور. في هذه الفترة بدأت بكتابة قصائد عمودية مضبوطة وزناً وقافية. ونشرت وأنا في الأول معهد السكك أولى قصائدي في مجلة صوت الطلبة عام 1980 وكان عمري 17 سنة. ولكن ما إن نشرت قصيدتين عموديتين حتى انتقلت إلى كتابة قصائد حرة في المجلة نفسها ثم نضجت قصائدي وبدأت أنشر عام 1981 في مجلة فنون ثم 1982 في مجلة حراس الوطن وجريدة اليرموك وجريدة القادسية ثم في جريدة الجمهورية ومجلة الطليعة الأدبية.
•بمن تأثرت من الشعراء؟
-الغريب أنني على الرغم من إعجابي بعدد من الشعراء وفي مقدمتهم السياب والمتنبي لم أتأثر بشاعر معين وكان لي صوتي الخاص منذ البداية. من الصعب أن تحيلي أياً من قصائدي إلى أي قصيدة أخرى أو شاعر آخر. أنا نفسي لا أكرر نفسي، لا عن قصد وتخطيط وبشكل مدروس بل لأنني أنتمي إلى تجربتي الشخصية بإخلاص وأصغي إلى مكوناتي الشخصية فلا أحفل كثيراً بالخارج على صعيد التعبير عن التجربة وإن كنت أتذوق تجارب الشعراء الآخرين وأعجب بها. لهذا تجدين كل مجموعة من قصائدي تختلف فنياً شكلاً وأسلوباً عن مجموعة من القصائد الأخرى والتباين واضح بين ديوان وآخر. قصيدة (بحثاً عن المهب) لم تتكرر و(سرية فورية) و(الحرب سيرة ذاتية) على سبيل المثال.
•ما الذي يميز شعراء الثمانينيات عن الأجيال التي سبقتهم والتي تلتهم؟
-الثمانينيات كانت مرحلة شعرية خصيبة، انعتاق من سلطة الآخر أو سطوته على الشاعر سواء كان الآخر قارئاً أو ناقداً. بمعنى أن الشاعر أطلق العنان لمكوناته للتعبير عن نفسها من دون إخضاعها إلى حسابات تتعلق بالطلب والسوق والثوابت. الحرية التي لا تحدها حدود أصبحت هي المعيار الفاعل في عملية الإبداع الشعري آنذاك. ففتحت الكتابة الشعرية ابوابها على جميع الاحتمالات. أي استخدام غير مألوف كان يمكن أن يجد طريقه إلى القصيدة. فكتب شعراء هذا الجيل قصائد بأشكال وأساليب وتجارب جديدة مبتكرة غير مسبوقة وظهر ما سمي النص المفتوح. كما تميرت القصائد بقوة الترميز تعويضاً عن الكبت والقمع الذي كان يطبع الحياة من حولهم في ظل نظام سياسي دكتاتوري قمعي وصلت به الهمجية إلى حد اصدار تعميم على المؤسسات الثقافية يحظر فيه استعمال بعض الكلمات مثل أمير وملك خشية من تستعمل رموزاً ضد النظام.
•لقد كتبت الأنواع الشعرية كلها: القصيدة العمودية والقصيدة الحرة وقصيدة النثر. إلى أي نوع شعري تميل أكثر؟
-أنا أرى أن الشكل الشعري والتجربة وجهان لعملة واحدة، كل منهما يدل على الآخر ويؤدي إليه ويرتبط به بعرى لا تنفصم، ولهذا تعددت الأشكال، بمعنى أن الحاجة إلى التعبير عن تجربة معينة هي التي أنتجت هذا التعدد في الأشكال، وبالتالي لكل شكل ضرورته ودواعي وجوده. فهناك تجربة لا تستوعبها إلا قصيدة النثر وأخرى لا تستوعبها إلا القصيدة العمودية وأخرى تجد في القصيدة الحرة الشكل الأنسب للتعبير عنها. وأنا أستغرب من مواقف البعض المضادة أو الرافضة لهذا الشكل أو ذاك، فمنهم من يرفض القصيدة العمودية ومنهم من يرفض قصيدة النثر، وأرجع ذلك التطرف في المواقف إلى قصور في الفهم والرؤية. كل نوع أو شكل شعري هناك ضرورة أو حاجة تعبيرية استدعت وجوده وسينقرض حين تنتفي هذه الحاجة أو الضرورة ولن ينقرض بقرار أو إرادة تفرض من الخارج من لدن هذا الطرف أو ذاك.
•هل نلت الشهرة التي تستحقها؟
-بريق الشهرة الذي نلته من منتصف الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات بدأ يضعف مع ابتعادي عن الحياة الأدبية بعد عام 1997، ذلك الابتعاد القسري الذي فرضته ظروف العراق الاقتصادية لاسيما بعد أن اشتد تأثير الحصار الشامل بعد منتصف التسعينيات، فضحيت بأجمل ممارسات وانشغالات حياتي- وهي القراءة والكتابة والترجمة- من أجل توفير متطلبات المعيشة لأسرتي. ثم قادني هذا السبب نفسه إلى الهجرة عام 2001 ثم عدت إلى العراق عام 2004 ولكن بعد أن كانت هذه الضغوط المتراكمة قد وصلت إلى حد الانفجار وفاقت قدرتي على الصبر والاحتمال فتعرضت إلى تعب نفسي شديد. كنت عصامياً طوال حياتي، اضطررت إلى التعويض عن التحصيل الأكاديمي بالتحصيل الشخصي. لقد كافحت من أجل الحياة وأسرتي بمرارة. ولكن الحياة ظلمتني كثيراً، لم تتح لي إشباع أبسط متعة كنت أتوق إليها طوال سنين عديدة وهي القراءة، القراءة فقط. كنت أتعذب لأنني محروم منها، وما زلت محروماً منها إلى حد كبير لأنني ما زلت مضطراً إلى العمل المنهك الشاق الطويل من أجل توفير متطلبات الحياة لأسرتي. ولكن ما يخفف عني أهوال الحياة ومصائبها وحرمانها أن الله تعالى أنصفني إذ عوضني عن هذا الحرمان الظاهر بنعيم باطن، إذ أسبغ علي محبته واختصني بكلامه ومناجاته وأسراره ورفع كثيراً من الحجب بيني وبينه لما رأى صدقي في محبته وإخلاصي في طلبه وأبقى سبحانه منها حيث أكون بين الناس ما هو ضروري لطبيعتي البشرية ومناسب لها ولو رفع مزيداً منها لكنت في حال يصعب تكيفه مع متطلبات الحياة البشرية الاجتماعية، ولكن في الخلوات ترفع الأستار (بيني وبين حبيبي لستُ أبديها/ أسرارُ حبٍّ عزّ راويها). لقد ظلمتني الدنيا وأنصفني الله.

*عن صحيفة “المستشار”

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *