سنضيء مكتوبنا الليلة بحكايةٍ ظريفةٍ لطيفةٍ أنتجها مخرجٌ وممثلٌ عراقيّ مشهور، أحبُّ جداً أداءه في التلفزيون والمسرح والسينما. سأله مذيعٌ بغداديٌّ مشاكسٌ يجلدُ ضيوفه بسوط السؤال الثقيل، عن العلة التي جعلتْهُ يتبرّع بإخراج رواية الرئيس صدام حسين “زبيبة والملك” مسرحياً، فأجاب بابتسامة ميتةٍ بأنه فعل هذا لأنَّ الرئيس كان تنبّأ بسقوطه على صفحات تلك القصة الطويلة.
بهذه الطعنة غير الموفقة، نزل الممثل المحبوب من عيني وحلَّ محلّهُ جبلٌ من انتهازية فجّة ورخيصة. شاعرٌ كبير دعبَلَه حظهُ المعطوب بدسَم الموائد وملعقة الزفر، صوب شاشة نفس المذيع فصار إلى هذرٍ وهرفٍ مما لم يكن عليه بزمان الرئيس، وانتهى إلى نكتةِ أنه ليلة كان يكتبُ قصيدةً ببغداد، فإنه يضع كفّه على نحره ليتيقن من أنّ رقبتهُ ما زالت قائمة ومنتصبة فوق جسده الثقيل، وهو والناس تدري بأنه لم يكتب بحياتهِ حرفاً مضادّاً واحداً حتى زمن الوحوش الغزاة، حيث بدأت تمثيلية تصنيع البطولات من فوائض المزابل ومزادات النطيحة والجائفة.
أقرأ لبعض صحبي أنّ الشتائم الثقيلة التي كان يطشها المسالم جان دمّو على أسيجة موائدنا الشحيحة السكرانة بقدرة قادر، إنما كانت تستهدف صدام حسين وفرقة بنات الريف.
واحدٌ حيّالٌ آخر تذكّر بغتةً الحسين وأهله فلبس السواد وبكى ولطمَ وأنتج ملهاةً تشيّب الرأس لكن لا صلة لها بعالي الفنّ وقوة المسرح، وعندما يسأله سائلٌ أين كنت عن الحسين في ذاك الزمان، سيضحك حتى يصير وجهه كومة أسنان ويجيبك بأنه لو صنع يومها حسينية للنظارة لتمَّ فصل رأسه عن جسمه كما وقع للحسين. تذكّره مجادلاً شرساً بأنّ محمد مهدي الجواهري وعبدالرزاق عبدالواحد والعشرات من الكتّاب والمغنين والملحنين والممثلين قد فعلوا الأمر، فيردّ عليك بطريقة المنادي على مزاد حرام، بأن هذه الأعمال كانت فقط من أجل التنفيس والامتصاص الجمعي.
في كلّ حكايات الخزي هذه، كان المال أو التملّق والتزلّف أو حتى الإيمان هي السبب ولم يكن أحدٌ مجبراً عليها، حيث بقيتْ عصبة كبيرة من العاملين ببيبان الفنون الجميلة، خارج هذه المخاضة حمّالة الأوجه والمعاني.
سنختمُ كلام اليوم بمقترحٍ سهلٍ يسوّد وجه الكذابين الانتهازيين، ويثلم من مشهد الخيانة والعيب في خارطة النتاج الفكريّ السامي، وذلك بقيام ثلة من العارفين البئر وغطاءه، بتأليف كتابٍ ضخمٍ فخمٍ، عن حشد أدباء وفنانين كانوا نشروا بضاعتهم ونادوا للبيع فوق دكة ذاك الزمان، ثم أعادوا إنتاج تلك السلع على صورةٍ شوهاء في هذا الزمن.
هدف ومبتغى هذا المجلّد، ليس من أجل تصنيع وتضخيم الكراهية وتوزيع صكوك الغفران، بل من أجل تنظيف الأرواح والأقلام من هذا العفن الكبير وتلك التجارة الحرام.