في روايته طوفان صدفي تلافيف لموضوعات تعلن عن قضايا إجتماعية سلوكية ذات مواضعات ثقافية بدءاً بمساحة العرض الجغرافية وإنتهاءً ببؤرة الحدث الأهم حيث هي نموذج عمل مؤسس على وفق فهومات جديدة لوظائف الرواية , فالفهم الأول يقود الى تبني سوسيولوجيا العلائق الإجتماعية وجعلها مضمون مثيولوجي متصرف به على وفق تآصر فني إجتماعي يضع العقائد والقيم والجماليات الأثرية بمصاف الفعل الروائي المهم الذي يحرّك قوى السرد لتكون مستثمرات عملية مادية ومعنوية في تطريز الثقافة بالثوابت والأثواب الفنية المستخلصة من القيم الإعلامية للأثر الروائي . هي رواية المساحة المفتوحة على قيم التعارض العام والخاص بين إتجاهات الإمحاء والتغيير الحضاري السلبي لمكان كأنه من مخلفات طوفان نوح (ع) , إيغالاً بالدنو من ترميمات الوضع الوطني في إحياء الأرث ولكن بطريقة إماتته الى الأبد ! الرواية تبحث في أصل قضية ذات مضمرين هما , الإنتماء الذي يبطن موضوعة اللاإنتماء , والمقاومة التي هي موضوعة تضليل لنبوءة المستقبل . لنحقق دخولنا الى الرواية , على وفق المنطق أعلاه , بالنظر إليها من عدة متجهات حسب النماذج المشهدية الآتية / [ عند المنخفض الى الجنوب من المدينة القديمة , حيث كانت مدينتنا قبل الحالية .. المنقبون أشاروا في كتبهم الرسمية إشارة واضحة الى أن الموقع المشار إليه لايصلح للتنقيب الآثاري , لذلك إقترحوا على دوائر الري ضرورة الإفادة من هذا المنخفض الهائل وغمره بالمياه , وتسربت الفكرة مثل الشعاع بين أرجاء المدن والقرى البعيدة والقريبة . إذن ستغمر المياه وادينا , هكذا ظل يصيح إبراهيم ــ الإنقطاعي , الشرير إرتقى المرتفع الأوسط وصاح صيحات متعددة :ـ (( إن مدينة الأجداد ستندثر والسيوف الموضوعة على جدران الغرف العديدة سيطمرها الماء .. ) سيوف من مختلف الأصقاع بترت أعناق الفرسان وأغاضت سليمان القانوني , حتى أن مدت باشا حينما أصدر جريدته فكر بطريقة مثلى للإنقضاض على هذه السيوف من خلال تسفيه الإعتقاد بها كونها الميراث الأهم في هذه المدينة , من دون التنويه عن السرقة المنظمة لصمصامة عمرو بن معد يكرب . ــ رواية طوفان صدفي ــ 2008 ــ ص11 ]
في الجانب النظري
يتعلق موضوع المشهد أعلاه بالمعلومات كمعرفة ثقافية, تلك هي, جغرافية المكان. بالإضافة الى (نظرية) وضع الأرث بمكانه ليصير ظاهرة حضارية تضاهي مبدأ , إعادة الآثار الى أماكن نشؤها , وكذا حال قضية الأصول ـ الأجداد ـ والفروسية , والإحتلال والإختلال التأريخي .
في جانب التحليل
للمشهد المدرج أعلاه أكثر من وجه للتحليل , فهو يحاكي خطابا عاما يشمل البث الثقافي , الحضاري , الآثاري , وسرقة الثروات الخالدة / يقابل ذلك / ثورة الشرير إبراهيم الإنقطاعي .. سيصير التحليل الآتي مقنعاً / أن ورث الحضارة ليسا بشرا ضلوا الطريق إليها ,وأن المضمر القولي له دلالتان سلوكيتان هما , التنبوء بوجود سرّاق حقيقين , ووجود مقاومين حقيقيين . من زاوية أخرى يكون النظر بالشكل الآتي : الدفاع عن الأرث ليس بالعودةالى الأصول إنما بالحفاظ على ما موجود وتدويره الى مراحل لاحقة فاعلة منغتقة في المستقبل الباني للقيم الحضارية السليمة للوصول الى أصول الوحدة الحقيقية بين البشر عبر خدمة الإنسان أينما كان وكيف ما كان .
في جانب النقد
* مهادات
إختط الروائي لنفسه أربعة مهادات لتوصيل أهدفه الجمالية والثقافية هي / ـ السرد حيث أن العمل روائي شبه كائي ينمو فيه الحدث بالتراكم الصوري والتشظي الحركي من البدء حتى المنتهى ـ يتحمل المهاد عدة قضايا منها واضحة عن طريق المظهر وأخرى معدة للتحليل , وأخرى معدة للتأويل الإشاري . ـ يمكن للمشهد أن يروى بالمعنى القريب (النظرية) , والأوسط (التحليل) والأبعد (النقد) . ـ التآلف المشهدي يتصير في : + القريب النظري في / تشكل المدينة كمجال نظري للفعل الروائي . تسلم المنقبين قيادة الكشف عن التراث بطريقة الغزو الثقافي . تمثيل سليمان القانوني لسلطة الإضطهاد والإستلاب الحضري . تمكن عمرو بن معد يكرب من بناء تأصيل المصاهرة لعشائر العراق . + المتوسط النظري لتقارب أداء الأفعال في / إغراق الوادي . صعود ابراهيم الإنقطاعي كمحذّر . إصدار جريدة مدحت باشا . + الأبعد النظري , النقد الثقافي : إحتوت (ثقافية) المشهد المتقدم على مهيّئات نسقية أنوال متراكنة على بعضها خاضعة للفكرة الأسساس , الغزو الحضاري .
في سوسيولوجيا النقد والثقافة
* الموجودات
تنتمي ثقافية رواية طوفان صدفي للروائي سعدي الزيدي الى نوع التعالق الإجتماعي بالتأريخي بالسياسي بإعتماد الموجودات الآتية / أ ـ موجودات علوم الجغرافية . ب ـ موجودات علوم الحرب وأدواتها . ج ـ موجودات علوم التنقيب وأدواته . د ـ موجودات تقنيات الكتابة في الجريدة . هـ ـ الموجودات المعنوية كإحتماء بالنموذج التأريخي السلبي , سلسمان القانوني , والإيجابي , عمرو بن معد يكرب .
*الأنوال
ضمن هذا الإتجاه يمكن أن نخلص الى القول : أننا حين نتقدم في قراءة الرواية سيأخذنا إتجاهنا الى مجاهل تفضي الى مناول عدة منها 1ـ نول إبراهيم وإسماعيل وهما من الثوار على مدى التأريخ الإنساني , والحضارة الدينية لبلدان الشرق كالعراق , مهد الإنسان الأول . 2 ـ نول السرد الذي يغيّر الحكاية من مكانها في أوراق التأريخ الى حكاية جديدة بمواجهة الطوفان , ازحف الإستعماري والإهمال الوطني , والتطور اللامنطقي المتراجع للقوى الإجتماعية , مما يؤهل بطل الرواية (اسماعيل) ليستعين بالماء وبالأسماك وأصدافها وإلتفافها حول جسده ليؤلفوا بابا مغلقا أمام القوى الغازية والتي تحاول سرقة آثار البلاد وإضاعة هويتها . * الهويات
الهويات هنا ليس لها صلة الأصلاب إذ هي علائق الإنتماء للوادي وللمدينة ولإصول من وضع الراوي . حتى في قضية الأصلاب يعتقد الراوي بأنه لا توجد نظيفة مطلقا , فالكل إما أبناء زنى أم أبناء زيجات غير حضارية , أم من زنى المحارم . كما أن الغزاة القوميين هم من دمر هذا الإنتماء بجعل أهوائهم وشهواتهم خصائل للأصل المفترض أن ينتمي إليه الجميع .
* السلطوية
تتمثل السلطة بالأُمراء , السلاطين , الأجداد , الآباء , السادة في المجتمع , غزاة الأرث , المندتنفذين . هؤلاء جميعا مارسوا السلطة بهدف واحد , ظاهره البناء والحرص الأبوي وباطنه الإعتداء والأثِرة والعودة الى شريعة الغاب بما فيها من صراع دام وسحق لكل جذوة نور أو أمل أو إصلاح .
ختام الرواية مختزل فني ثقافي للمباديء المعروفة للشائع الإعلامي من أن العراق مركب إثنوغرافي لأقوام الشرق جميعا , وهو منشأ جميع القوميات والحضارات وليس له إمتياز بذلك , سوى حق واحد , أن يُترك دون تدخل من أحد ليعيش بثرواته وأهله بسلام , فيساهم في دوره الإنساني في بناء سلم أهلي وعالمي بعيد عن الإعتداء والإجتياح , يأخذ بالإحترام المتبادل والتبادل المعرفي ليكون مع أهل الأرض جميعا بوئام وتساوٍ فعّال .
اسماعيل ابراهيم عبد
* رواية طوفان صدفي ــ للروائي سعدي عوض الزيدي ــ دار الشؤون الثقافية العامة ــ بغداد ــ 2008 .