اليوم .. ذو نهار مذهل تلاحقت فيه المفاجأت.. ولفرط غرابتها, ارتعش بأهتياج وسرور.
نهضت كما افعل عادة منذ سنوات القرون الخشبية. كانت السماء ما تزال غارقة في ظلام شفيف.لمحت من خلف الستائر مجاهدات الخيوط الشمسية للانطلاق. اشعلت عود ثقاب للمدفأةوأعددت الشاي, ثم, حسنا, أأتابع ام انه مضجر لكم ان اعيد تفاصيل كل ما فعلته في صباحي الباكر؟ ليس هناك احد لاخاطبه, لكني اعتدت أن أخلق مني صديقة أحدثها, وبما أنه نهار فذ, فأنه سيحتاج الى ألف صديق ليسمعني .
بوسعنا ان نتحدث ما شئنا عن صباح مختلف جدا..أنه صباحي بالتأكيد..سيلذ لي أن أستمع الى شيء من صباحات الاصدقاء وثرثراتهم, أعتدت أن أستعير بحذر وحرص شديدين أناسا لاصاحبهم ,وبما أني لم أسمع شكوى من أحد, وأن أي مخلوق لم ينتبه لغياب شيء منه أو فقدانه, فأنه من المناسب أن أستمر بعملي, وسأعيد كل ما أستعرته ” كما افعل دوما” بأمانة الى مكانه القديم . لقد أحترفت لعبتي وأتقنتها , لكم أن تثقوا بهذا فهو ليس وليد اللحظة , بل له تأريخ طويل معي.
بعد أن غابت أمي قالت جدتي لابي: أنها ذهبت لشأنها مع عابر سبيل!
فشقيت بعدها, لسوء حظي أني أشبه أمي كثيرا, قيل أن لي عينيها ولون بشرتها, فحملني هذا عذابا مروعا من جدتي,كانت تصرخ بي:”انت كأمك”.. الحق أقول لكم أني لم أفهم خظيئة ان أشبه امي لكني كرهت ألامهات ولم اصبح اماً.. أنا أعرف كيف!. اسمحوا لي أن احتفظ بسري هذا فهو خطير جدا ,ً كما أنه لن يؤثر بأي حال من الاحوال في صداقتنا , لكنني أعتنيت بأخي الصغير الذي لم يعد موجوداً الان.
عدت من مدرستي في ظهيرة مريرة, كانت جدتي تولول وتضرب رأسها, وأبي يسعل ويمسح دموعاً تجري فوق صفحة خده المليء بشعرٍ خشن. كان فراش الصغير خاليا, ناضلت كثيرا كي استعير فراشه, لكنهم منعوني , كنت أريد ان اتشمم فيه رائحة لعبتي اللطيفة بشعرها الناعم وطلباتها التي لا تنتهي. كنت كلما مددت يدي الى وسادته الصغيرة , تسربت الى كفي تلك الحمى, قيل انها حمى الاشتياق لثدي الام. لن افرض عليكم ان لاتلدوا اطفالا , لكني انصحكم ان لا تدعوهم يشبهونكم , كانت جدتي من خلف اسناهنا المهدمة المحروقة تصرخ بي
:هيه .. انت يا شبيهة امك اتركي الطفل بسلام!
ليس هذا ما اردت ان احدثكم به, انه لسبب لا ادركه كثيرا ما يؤلمني.. لنتحدث عن صباحنا المختلف..يا له من برد لذيذ.. أحب البرد, ليس البرد تماما هو ما احب.. بل تلك القشعريرة التي تدفعك للبحث عن الدفء, حين أبرد هكذا يبدو لي كأني أحتمي بحنان النار, فهي تحمل حرقة حانية, فتمضي خيول الحلم تحمل توقي الى غابة وموقد حجري وجمر يهسهس, وحكايات تشوي الزمن القاتل, تلدغ فراغه, تكوي غياب البشر والكلمات.
رن الهاتف وقال صوت : صباح الخير
انه هو .. يا اله الرحمة انه هو.. لا استطيع ان اجزم تماما, لكنه يشبه صوت الرجل الذي استعرته من التلفاز لاهواه .. لقد احببته كثيرا , اتظنون انها سذاجة , لا بأس لكنه كان يسليني اسمعه يقرأ لي نشرة الاخبار, وأنا أقرأ تقاطيع وجهه, وأبدأ بحل تفاصيل نهاراته وأخمن ان كان متعبا او سعيداً. أصنع له قهوته واجلس وأياه نتحدث طويلا عن كل العالم بقطبيه , فهو غني بالاخبار , لكنني كففت عن استعارته, فقد نظر اليّ زوجي < هكذا يطلقون عليه اللقب , واسميه الرجل الذي استعارني>, ذات مرة نظرة صارمة, ومرعبة قائلا:
: سمعتك تتحدثين ..مع من يا ترى ؟
انخسف قلبي المتوجع, اعتصرته قبضات الخوف..لا شيء من الكلمات انساب على لساني .وشفتاي ترتعشان , كيف تسنى له ان يعرف اني استعرت رجل الاخبار؟حرضني ذكائي على الصمت.. ولا اظنه يملك يقينا قاطعا , والا لكان الامر مختلفاً.. وتحسبا لما قد يطرأ من مجازفات غير محسوبة توقفت . لم أعد اجلس امام الشاشة اتابع الرجل الذي منحني العالم, ولا ابتسم له حينما يتمنى ليلة سعيدة . كانت خسارتي مؤلمة.
كيف حصل على رقم هاتفنا؟.. مرة اخرى اعاد الصوت: صباح الخير.
اقفلت الخط بجنون همجي كلفني سعادتي الطاغية في ان اسمع صوته طازجاً ينساب اليّ وحدي, لم أقوّعلى الاجابة.. لا أملك الشجاعة .. قد افكر ان أستعيرها من أحدكم وسأعيدها بلا شك..بأمكانكم ان تثقوا بهذا.
اسمحوا لي ان اتغيب قليلا فقد حان وقت اعداد الرز. العصافير على السياج تلتقط الفتات الذي نثرته لها. منظر اجنحتها مثير للدهشة والفرح, انها تلتقط الفتات وعيونها تدور بحذر.لن اغيب طويلا سأضع القدر على النار واعود , فليس هناك امتع من حديث مع الاصدقاء.. عندي لكم خبر مذهل . اكتشفت رسالة حب. وجدتها مصادفة .حدث هذا حين كنت ارتب مكتبة ابنة زوجي. انها في مرحلتها المتوسطة. في عمري نفسه عندما استعارني ابوها ليستعملني زوجة, وتخيلت كم من المرات مسحت عيناها الكلمات .. وتذكرت الفتى الوردي الذي كان يُسقط رسائله الصغيرة قرب قدمي المتيبسة.
كنت اراه اول الشارع ينتظر بغير ملل كل يوم في الموعد نفسه.اعتقد انه كان يكبرني ببضع سنوات, في الليل حين ينام ابي ويرتفع شخير جدتي, كنت اراه مختبئاً تحت وسادتي. بصوت هامس متشوق اسمعه يخاطبني, الا اني لا انبس بصوت لئلا يسمعني احد.
اعذروني لحظة عليّ ان اتفقد الرز . اخشى ان يحترق فيغضب زوجي الذي استعارني انه يلقبني ب”المعتوهة”. وانتم تعرفون أني لست كذلك , ولا آبه كثيراً لما ينعتمي به. حمقاء. نفاية. بليدة. لا شيء من هذا يؤلمني. اترك كلماته تنساب بعيداً عني, سمحت لنفسي ان تخترع قناة خارجية أدفع عبرها كل ما يؤلمني.
الرسالة التي كتبها فتاها لم تك معطرة كرسائلي “استطيع ان اخمن هذا : انها كانت معطرة.” رسائلها مكتوبة بخط رديء لكنه حنون قال لها: يا ملاكي.. زهرة عيوني وحياتي. ترى… ما كان مكتوباً في رسائل الفتى الوردي.؟
قرأت رسالتها مرات عدة . لم أشعر برغبة في استعارتها. لمّ؟ وما أدراني, بأمكاني ان أشعر لا ان افسر. اعدتها الى مكانها. لها ان تطمئن فأنا لن ابوح بسر فتى الناصية والرسائل الوردية.
لم يتبقّ الكثير من الاعمال, سأضع الغسيل على الحبال وأعود. سأعد شايا , عندي في الحديقة شجرة توت لا تٌثمر, لكنها مليئة بفوضى العصافير, وضعت تحتها مقعدا لي. انه ملكي صنعته بيدي واحبه كثيراً. سأدعوكم الى جلسة مريحة تحت ظل الخضراء العملاقة .. غابتي السحرية.
لا بأس ما تزال الشمس لذيذة , بامكانكم ان تستمتعوا بضجيج دفئها. سأعلق الملابس على الحبال واحدثكم عن نهاري. انه نهار مذهل ألم أخبركم بذلك.
عزيزتي ذكرى ،،،،، اين انت الان …..؟ افتقدك كثيرا ، حقا انها اياما صعبة ، ولكنها يجب ان لاتقف يوما ما او في لحظة ما ازاء تواشجنا الفكري الكبير ، اصدقاء فكر ، اصدقاء محبة ،،، رغما عما يجري حولنا ، هل ان اخر ماكتبتبه و
صباح بروح الورد لصديقي المبدع محمد علوان جبر: ما قيمة الحياة بدون اصقاء يشبهونك. تقديري ومودي