(1)
عن رجل يمرُ حاملاً باقة زهور في منتصف الليل،
يتلفتُ
كالغزالة مذعوراً، ندية تولدُ وكأنها جاءت من
بساتين غفوتها الدهشة ورفيقة عمرها ضحكة النسيان
تتفتح ورذاذ المطر عيني طفل، تتسع ضفافها، تلوح من
فوق أغصانها عصافير فردوس مضيعة، يهرول وقد
لامسه صدى الساحل، بحر النكات، قصص الأرمن،
بيانو الكنيسة
وها أن رحاب الكون تتشكل في ظل الأنامل الساهيةِ.
تبدأ طاولة بالتحرك من تلقاء رغبتها، في
رواق تحشرُ في قلبه أوراق خريف يتساقط بغتةً
أو حين يسامرك بائع التذاكر في سيارات العاصمة
الحمراء،
الشاهقة، ثم يروي حكاياته بلغة الوقار والحكمة، عند
منعطف الدوار، من بعيد تظهر قبة القصر
الأبيض، ساحة الميدان، أو كلية اللغات، تعاود ثانية
غامرةً الأرصفة والمقاهي المنتشرة على جوانبها، دهشة
بمحارات حيةً، أخرجتها من جيوبك غفلة، ملونة بمحابر
وأجراس
البحار
العابرة، تصعد جسر الشهداء، ترتقي الأحرار من جانبيه، الكرخ
والرصافة، ماشياً على الأقدام حتى يظهر سناء الفجر والحقيبة
السوداء تُنقل من كفة إلى كفة، ثقيلة وباهظة الأثمان بقصائدها
وأسماكها الملونة، يدق جرس اللقاء، يهطل ماطراً صيف المدينة
نسمع
لغيط مدرسة وحقائب أطفالها
كالعناقيد المتدلية، ضيقة دكاكين ساحة الأمة،
النصب الشامخ يحرسها، يلون عتباتها بهواء الحرية
“أتعرفني الشوارع أكثر مما تعرفني أمي”؟
آه
“سلفي روحي سلفي دمي”
شمعة.
(2)
بغفلة من النادل، جذلاً يقبل نحونا عرق الأمسيات الساخنةِ ،
مسيح ومستكي، تتراقص قناني البيرة، فريدة المجمدة وأمستل
غريب الأطوار
واللذعةِ، ثم تأتي
محملة صينية المعدن بمقبلات تراثها
وشهيتها الملونة،
من حولك
تطوف مغتبطةً ملائكة الجلسة، تتوقد كالفنار
خضرة عينيك،
من العطايا يرتوي
عشب الحدائق، يمد الليل خيامه،
يدع باحة الضيافة
مفتوحة على أركانها الأربعة، تهب نسمة
الأناشيد العليلة،
توزع على الصحبة
باقات وردك وما ظل عالقاً من الشوق
بأصابعك المجرحة،
تبدأ الرحلة : مدينة الوشاش، الثورة، الشواكة، ما وراء السدة،
شوارع بغداد ذات الندوب والحفر الغائرة، تقطعها والبرد يتناغم
ضيفاً على إيقاع خطوك، آه يا معسكرات الفقر، آه الحروب
المنسية، كم طال عمري حتى ألهث
كالصبي خلف
أشباحك ومعاركك الملغية :
“أني أهديك ضريح الآمال والرغبات كلها، لقد أعطاني إياها
جدك لا لكي تقيس بها الزمن ولكن لكي تنساه من حين إلى
آخر، الخ…”
الصخب والعنف
كاليغولا
سوء تفاهم
الأبله
مهيار الدمشقي، كلها أهديتها لي
بأناملك غامرة الود
المرتعشة، ظلاً تحتمي وتنام
فيه ساعاتي المؤرقة.
حسين عجه ، ايها الرب امنحه المزيد من قدحات الذاكرة ليبقى وفيا الى اصدقاءه ، او الى الماضي الجميل المعتق والرقيق والمذهب كانه كأس بيرة فريدة او امستل ، واين في حانة من حانات شارع الرشيد ، عزيزي حسين عجه ، اتعلم اني احمل على ظهري كل الام حسين حسن في مرضه وعزلته اللامتناهية التي تشبه احجية من احاجي الف ليلة وليلة ، لقد اختفى حسين حسن ولكن اين لااحد يعلم الا الله والراسخون في العلم ، لقد اهداك حسين حسن بيد مرتعشة الصخب والعنف وكاليغولا والابله ومهيار ، ولكنه اهداني العمر كله ، وكانت زرقة او خضرة عينيه اعمق من التيه الذي نخوض غماره الان ، اشكرك لانك تذكرت حسين حسن ، واشكرك على تذكري ، واشكر الكون لانه انجب رجلا كحسين عجه، صديقي سنتواصل حتما ، مع عتبي عليك في انطفاء حماسك الرهيب في التواصل ، لقد ادهشني قلمك الحر الجميل والباقي بقاءالكلمة ……..تقبلني
العزيز ابا دنيا
اتمنى من كل روحي أن تكون بخير. لقد كتبت إليك سابقاً ما يمكنني اعتباره كرسالة على كلمة الأخوية والصادقة، وقد أرسل التعليق ثم كانت الإجابة بأن المشرفين أو مدير الموقع سيرى تعليقك، لكني للأسف لم أجده فيما بعد، لا لأن الأشياء التي كنت قد قلتها فيه تمسني عن قرب، ولكن لأني شعرت في حينها بقربي الكبير منك ومن الصديق الحبيب حسين سرمك، أتمنى على الأقل أن يكون قد وسلك ذلك التعليق. كذلك كنت قد تحدثت عن شاعرنا الرقيق، الذي لا يكرر، اقصد حسين حسن وعن علاقتي الصداقية معه. لتسمح لي أن اقول إذا كان حسين حسن قد اهداك عمره كله، فهذا ما اتمناه أنا ايضاً، من ناحية، ومن الناحية الأخرى، لأن حسين حسن كان يعرف، بحسه الشعري والإنساني الذي لا يضارع، من أي معدن وقوة صياغة هو محمد علوان جبر. اكتب إليك الآن والساعة تقارب الخامسة فجراً، لتسمح لي ثانية لتقديم شكري إلى شخصك الكريم ودعوتك المتكررة لي بالميجيء إلى العراق ولو في زيارة قصيرة، أنني أموت شوقاً لمثل هذا الزيارة، وبلا أية مبالغة إذا ما فكررت يوماً بالقيام بهذه الزيارة، فذلك لكي أكون بالقرب منك، لكي اتمشى معك ثانية عبر ذات الشوارع والأزقة التي كنت اتمشى فيها مع حسين حسن، حتى وإن كان كل معالمها قد تغيرت، حتى ولو ستكون هذه النزه بين انقاض ما بقى من ملامحها وصفات التي كانت تمس الروح، بالرغم من كل الخراب. لا أريد أن احدثك ثانية هنا عن جاجتي العظيمة إليك، لرؤيتك للحديث معك أو حتى للبقاء معك صامتاً. أبا دنيا الرائع لا تنسى أن تسلم لي بحرارة على عزيزنا ابا علي، حسين سرمك. سأكتب إليه ولك قريباً
. لتتقبل، أيها المحب الكبير، مشارعي الأخوية والصداقية الاكثر نبلاً