كفاح الالوسي : صداقة لها طعم التبرزل (ملف/4)

kefah  alalosi

إشارة :
رحل المبدع الكبير محمود جنداري وهو في ذروة عطائه الإبداعي وطُوي – للأسف وكالعادة – ملفه الإبداعي الثر والمتفرّد . يسرّ أسرة موقع الناقد العراقي أن تفتتح هذا الملف عن المبدع الراحل، وتدعو الكتّاب والقرّاء إلى المساهمة فيه بما يتوفّر لديهم من دراسات ومقالات وصور ووثائق عن المبدع الراحل محمود جنداري.

المقالة :

منذ وقت طويل وانا أمني النفس بان السنة القادمة ستكون افضل لاكتب عن محمود جنداري تلك الكتابة التي تليق به اديبا ومثقفا وانسانا لكن وياللاسف ماطاب الزمان ابدا وبقيت المياه عكرة ، حتى باغتني الاصدقاء بطلبهم :- ان لابد من الكتابة فقد مضت عشر سنوات على ليلة (خسوف القمر) !!

حاولت ياصاحبي ان اعتذر ، والتزم بوصيتك ((ان تريث في الكتابة)) لكنهم ماعذروني هذه المرة وطالبوني ان اكون وفيا لذكراك واتعجل في البوح واقول كل ما اعرفه واتذكره عنك .
هم يظنون اننا قضينا يوما او بعض يوم هم لايدرون اٍنا قضينا عاما كاملا بحلوه ومره خلف تلك الأبواب المقفلة .
لو كانوا يعرفون كل ما أعرف لما طلبوا مني ان اتعجل ولقالوا مثلما قلت : (تريث دائما ، واياك ان تتعجل في النشر ، ليس مهما ان تثرثر بل قل كلمتك المتفردة او فاٍصمت )
اليوم وأنا أستل قلمي للكتابة عنك ، اتذكر كلماتك باٍجلال، نعم فقد فرطت في اشياء كثير لكني ابدا لم افرط بوصياك ، وما تعجلي في الكتابه الا بعد ان جدت ضرورة ما للكاتبة عنك . عرفانا بجميلك واعتزازا بصداقتنا التي لها طعم التبرزل ..
ولان ذكرياتي معك كثيرة ، ولايتسع مقال واحد للبوح بها لذا ساقصر حديثي هذه المرة على قصة (العصور الاخيرة) المنشورة في مجلة الاقلام انذاك .

اذ وقتها وحسب ما أتذكر نصتحني : ان تأن في قرائتها . يومها لم اسألك : لم التأني اليست هي قصة كبقية القصص !؟ وشرعت في القراءة ، وبخاطري تلك النصيحة الذهبية ، التي والله ما نسيتها لكني ضيعتها في زحمة الاحداث المتلاطمة داخل النص ، وحال الاٍنتهاء من القراءة خجلت من نفسي ، لاني بصراحة شديدة تهت في اشياء كثيرة ولم افلح في فهم النص وخلجت كثرا عندما سألتني : عن رايي فيها0 يومها اتذكر جيدا اني تلعثمت ، وحاولت ان ابرر لك عدم فهمي : لكنك ما أقتنعت وطلبت مني ان اعيد قراءتها مرة ثانية لافتا انتباهي الى نقطة مهمة قائلا لي : حاول ان تمسك بذلك الخيط السري الذي يجمع كل عناصر القص .
فعدت وقراتها اخذا بنصحك هذه المرة على محمل الجد ، لذا امسكت باشياء مهمة دون ان يعني هذا اني امسكت (بجمرة النص) على حد تعبيرك لي فيما بعد .mahmod jendari 2
فنص (العصور الاخيرة) لم يكتب ليقول شيئا محددا بل كتب بمزاج الكهان العارفين ليقول جملة اشياء هامه وخطرة في آن ، لذا لا غرابة ان ياتي السرد فيه مفعما بالسرية التامة ، رغم تورطه في التفاصيل وانشغاله في البوح .
اتذكر اني قلت لك شيئا من هذا القبيل ، واٍن لم تخني الذاكرة شكوت لك : من كثرة الاماكن وتعدد الشخصيات وتشظي الزمن وتهشم الحدث ، كوني لم اعتد عليها في قراءتي السابقة ، وبالتالي اصابتني بالدوار ، وجعلتني اتوه ، وختمت مزاجي القرائي بعدم الفهم !! هذا بالضبط فحوى ما قلته لك بعد قراتي الثانية 0 فما كان منك في حينها الا ان أبتسمت طالبا مني ان اشرع في قراءة ثالثة ،دون ان ترشدني هذه المرة باي شيء تاركا لخيالي الحر ان يتفاعل مع النص ويتذوقه بطريقته الخاصة 0 وطفقت أقرا القصة متكئا على ذاتي وثقتي باني سافهم ذلك الشيء الذي فاتني وما استطعت القبض عليه في المرتين السابقتين 0 وحال الانتهاء سجلت انطباعاتي عن (العصور الاخيرة) ومازلت اذكر ما اثارته تلك الانطباعات من جلبة في اذهان محبي الادب داخل السجن حتى ان مجلة الاقلام قد اهترأت من كثرة مالاكتها الايدي قبل العقول .. وكان الفخر لي هذه المرة اما انت فقد ظللت في كل الاماسي التي تحدثنا فيها عن القصة تؤكد لي : ( ان لابد من التريث والتاني في القراءة، وعلى القارىء ان يكون ذكيا ويعي من البداية انه ازاء نمط جديد من الكتابة القصصية لذا عليه ان يشغل ويستنفر مرجعياته الثفافية لتعينه على رؤية ما خلف السطور، ولاضير بل من الضروري قراءة مثل هكذا نصوص اكثر من مرة خاصة وان القصة الحديثة ماعادت سالوفة تحكى للاٍمتاع والمؤانسة بل عملا فنيا فيه الكثير من الجهد المثابر والكدح المضني على صعيد اللغة والرؤيا ) واستطردت في اوقات اخرى قائلا: ( لاتستغرب ان قلت لك باني لا اكتب الا قصة واحدة في السنة واكثر من هذا لا أدفع بها للنشر الا بعد ان اعيد كتابتها احد عشر مرة !! فانا لا اكتب للطارئين بل لعشاق الادب والحاذقين من القراءة) .
اعترافات خطرة وفي غاية الاهمية مع ذلك لم يمنعي فضولي من معرفة المزيد وطرح ذلك السؤال التقليدي : هل تظن هنالك قارىء في العالم يمكن ان يكون مثابرا مثلك ويقرأك ثلاث مرات ؟
فكانت اجابتك جاهزة وعلى الفور قلت : كلي ثقة بوجود ذلك القارىء واني عليه أعول والا ما كتبت ودليلي : هو انت
فخجلت يومها وسكت .

*عن موقع الناس

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *