شوقي يوسف بهنام : البسطامي واحتراقات الانا (9)

shawki yuosef 5*مدرّس مادة علم النفس/ كلّية التربية/ جامعة الحمدانية

قال البسطامي ” إلهي أُتُعذبَّ أقواما في النار غدا ً من الأجنبية لا يعرفون من معذِّبهم ؟ فهلا تعذَّبني فأعرف من معذَّبي ” (1) .
*******************
سنأخذ بعض السطور التي تكرسها صاحبة الموسوعة المصورة للرموز التقليدية للتعرف على رمزيات النارFire ، حيث تقول ” التحول ، والتطهر ، وهبة الحياة ، والقوة المولدة للشمس ، وتجدد الحياة ، والتلقيح ، والنفوذ ، والقوة ، والطاقة ، والطاقة غير المرئية في الوجود ، والقوة الجنسية ، والدفاع ، والحماية ، والجلاء ، والفناء ، والانصهار ، والولع ، والقربان ، والتغير او المرور من حالة إلى أخرى ، والوسيط لنقل الرسائل والقرابين نحو السماء … ” . وفي بعض الوجه من هذه الرموز يتفق التصور الاسلامي مع تلك الرمزية العالمية للنار (3) . يضعنا البسطامي في شطحته هذه في المجال المحدد للنار . انها نار جهنم على وجه التحديد . والبسطامي هنا يقارن بينه ؛ أعني بين ذاته وبين المنتمين من غير خطابه او خارج دائرة انتمائه . ينعتهم ب ” بأولاد الاجنبية ” . من هذا النعت نشم رائحة التمايز بينه وبين المنحدرين من الاجنبية. ويعود هذا الشعور بالتمايز ، في تقديرنا على الاقل ، الى قناعته بأرجحية خطابه على خطاب اولئك الاجانب . من هذه النقطة ينطلق البسطامي ليصل الى حقيقة او مسلمة سوف يرتكز عليها لمعرفة معذبه . ان الله يعذب اولئك الذين لا يعرفونه . هنا نجد اقتران بين المعرفة والعذاب إن صح التعبير . في الوقت نفسه يمكن ان نتلمس وجود لذة ماسوشية (مازوخية )masochism في هذا النص او في لا وعيه على اقل تقدير . انها يمكن ان تكون رمزا الى عقاب الذات او شكلا من اشكال توبيخها لشعورها بالتقصير او العجز مثلا من الوصول الى اقصى مراتب المعرفة. انه يسعى للعذاب من اجل المعرفة . حتى اعرفك ينبغي ان اتعذب . فالعذاب هنا صار شرطا ضروريا لا محيص عنه من اجل المعرفة . في الوقت نفسه نجد ان ثمة رغبة في العتاب يوجهها البسطامي الى المعذب الاكبر . انه يعذب اولاد الاجنبية الذين لا يعرفون من معذبهم . بينما بقي هو دون هذا الاحساس المؤلم بالعذاب . وبالتالي يمكن القول ، ووفقا لسياق هذه الشطحة ، ان البسطامي لا يعرف الله على وجه الدقة . من هنا هذا الرجاء وبالتالي هذا الدعاء التي ترجمتها شطحته هذه .
– فهلا تعذبني فأعرف من معذبي .
**************
لا ندري هل عذبه هذا الذي رغب في ان يعرفه ؟. هل استجاب لدعائه ذاك ؟ . أم ابقاه دونما عذاب وبالتالي دونما معرفة بهوية معذبه . نميل الى الظن ان البسطامي بقي في تلك المنطقة المظلمة من الحيرة واللامعرفة وابقاه كذلك دونما عذاب لأنه لو كان قد فعل ذلك ما كان البسطامي قد وقع اسر التذلل والرجاء ..

الهوامش :-
1- عباس ، قاسم محمد ، 2006 ، ابو يزيد البسطامي : المجموعة الصوفية الكاملة ، دار المدى للطباعة والنشر ، بغداد ، العراق ، ط1 ، ص 46 .
2- كوبر ، جى ، سى ، 2014 ، الموسوعة المختصرة للرموز التقليدية ، ترجمة : مصطفى محمود ، المركز القومي للترجمة ، القاهرة ، جمهورية مصر العربية ، ط1 ، ص 221 – 225 .
3- شبل ، مالك ، 2000 ، معجم الرموز الاسلامية ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| جمعة الجباري : قراءة الدلالات الشعرية عند الشاعر صلاح حمه امين في ديوانه “عقارب الساعة التاسعة”.

* صلاح الدين محمد أمين علي البرزنجي المعروف بالاسم الحركي صلاح حمه أمين،  شاعر وفنان …

| اسماعيل ابراهيم عبد : على هامش ذاكرة جمال جاسم امين في الحرب والثقافة – تحايثاً بموازاة عرضه .

الكاتب جمال جاسم أمين معروف بين المثقفين العراقيين باتساع نتاجه وتنوعه كمّاً وجودة , فضلاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *