سنواتٌ مرت ونحن نغرق في هذا الفحيح الطائفيّ والعرقيّ، سنواتٌ ونداءات الانتقام والكراهية تملأ عظامنا ليل نهار. و كنا نظن، واهمين، أن اتحاد الأدباء في العراق، وهو منظم الحراك الأدبيّ وحاضنته كما يفترض، سيكون الجهةَ التي يُـقبل منها الصحو وفعل التهدئة ولأم النسيج الاجتماعيّ . كنا نحتاج، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى تنقية الضمير والتعالي على الضغائن وهتافات الثأر. والتي لا يبررها إلاّ ضعة النفس, وتلوث الضمير الأدبيّ، وغياب المروءة .
أنْ يبخلَ اتحاد الأدباء على الراحل الكبير عبد الرزاق عبد الواحد بنعيٍ رسميّ أمر يدعو إلى السخرية والإشفاق، ذلك أن الاتحاد، إن كان ممثلاً للأدباء العراقيين حقاً، أحوج إلى شاعر كبير كعبد الرزاق عبد الواحد، أكثر من حاجة عبد الرزاق إلى اتحادٍ هزيلٍ كهذا.
هل هناك أكثر خسة من فعل التشفي بموت مبدع كبير مثل عبد الرزاق عبد الواحد؟ أين كبرً النفس الأدبية الحساسة، وعصفُ المخيلة الرحبة أمام هذا الحدث المهيب ؟ وأين انصياعُ الذاكرة للنسيان الشريف أمام تجربة الموت ورهبته التي لا تحد؟
لم يبقَ لا ثأرٌ ولا خصومةْ
بيني وبين حارسِ الأيامْ
كلٌ مضى، سـيّجَ بالغمامْ
تاريخـَهُ، كلٌ رأى تخومـَهْ ..
أي عقل أدبي هذ؟ أية ذاكرة فجة تلك التي لم تدخر شيئاً من أحداث الماضي الأدبيّ، وتحولات المواهب الكبرى في فلتاتها أو انسجامها، في رقتها أو تجبرها الرهيب، من المتنبي إلى سعيد عقل. ومن جون شتاينبك إلى إزرا باوند ؟
أما آن لمطحنة الحقد والانتقام والثارات أن تهدأ؟
من أكثر منا، نحن الأدباء، إدراكاً إلى أن الشعر كان وسيظل سجلاً للروح البشرية، لا في لحظات سموها فقط بل في لحظات ضعفها المهلك أيضاً؟ ما أحوجنا إلى لمسة من الصفح الجميل نلطف بها بعضاً من صلفنا المقيت،أن نقر بآدميتنا القابلة للكسر، أن نغفر للمواهب الكبرى بعض زلاتها أو عثراتها الحتمية أو المشتهاة.
متى نعطي للموهبة الكبرى حقها في الاختلاف أو الخطأ طالما أن بعضكم أعطى الحق لنفسه، لا في الخطأ بل في الخطيئة كذلك. أوليست مناصرة المحتل خطيئة؟ أليست سرقة المال العام خطيئة ؟ اليس الانحياز إلى الطائفة أو العرق خطيئة؟
لقد وقف عبد الرزاق عبد الواحد ويوسف الصائغ، كلاهما، مع الوطن بحكمته وتهوره بنهوضه وإنحداره . وشتان بينهما وبين من يقف مع المحتلين والجهلة واللصوص في سعيهم لتدمير الوطن والهيمنة عليه.
ربما أفلح القتلة وأنصاف الشعراء في حرمان عيد الرزاق عبد الواحد ويوسف الصائغ من وطنهما العراق فترة من الزمن، لكنهم فشلوا في حرمان العراق منهما، فسيظل هذان الشاعران الكبيران خالدين في سجل الشعرية العراقية الباهر، وفي ذاكرة العراقيين جميعاً .
وأمام هذا الموقف المشين، أعلن استقالتي من اتحاد الأدباء في العراق داعياً الشرفاء والموهوبين الحقيقيين من أعضائه إلى اتخاذ ما تمليه عليهم ضمائرهم انتصاراً لكرامة المبدع
وعظمة موهبته حياً وميتاً ..
شاعر وناقد عراقي
علي جعفر العـلاق
*صحيفة القدس العربي
علي جعفر العـلاق : عبد الرزاق عبد الواحد: أما آن لمطحنة الكراهية أن تهدأ ؟ (ملف/ 3)
تعليقات الفيسبوك