أبكي على الشعر أم أبكي على وطنٍ
أزرى بفقدكَ فيه الفنُ والأدبُ
وصارَ نعيُكَ عنواناً يذكرنا ً
بقامةِ لعراق المجد تنتسبُ
فشمس ميسان ما غابت بلا سبب
وما اختفى البدر حتى راعه السببُ
الا لكي تذرف الزوراء دمعتها
فالنخل تحزنه الأضواء والشهبُ
فقد هوى نجم من غنى لدجلتها
يوماً لكي يزهر البردي والقصبُ
وغاب عن عين بغداد وقد دمعت
من كان يسكب دمعاً وهي تغتصبُ
ومن على ساحة الفردوس ساهرة
عيناه ترقب من بالليل يحتطبُ
ليزرع الموت في السعدون منتقما
من ساحة النصر لمّا خانها الغضبُ
وصارت النار تَصلي كل واقفةٍ
خضراء لم يجدها خوف ولا هربُ
كي تعصب الجرح بالكفين عاتبةً
وكيف ينفع جرح الميت العتبُ؟
وكيف يرجع حق المعدمينَ بلا
صوت من العدل لا تنتابه الريبُ؟
وكيف يرجع جيش النازحين الى
خضر الديار التي أستشرى بها الغلبُ؟
يا راحلاً عن عراقٍ لن يٌضعضعهُ
رغم الشدائد لا حرب ولا نوبُ
وغائباً عن ديارٍ ما يفارقها
حتى يحن إليها وهي تغتربُ
فلم يشاغله في هجرانه ترفٌ
ولم يباعده عن أوجاعها نصبُ
يا لهف نفسي على الأحلام ذابلةً
والهّم يودع في أجفانكَ التعبُ
موكلٌ بهواها لن يخون به
قطٌ وكم خانها أولادها النجبُ
وراغباً عن مقامٍ كان شاغله
يسطو على الطهر في صمتٍ ويستلبُ
ويستهين بطيب الناس يدفعهم
الى فسادٍ به الآثام تُرتكبُ
حتى تنازعت الأطماع وامتلأت
مسُحتها كل بطنٍ مالها حسبُ
فصرتَ تشهدُ جمع الناس يسحرهم
ذاك المغني ولم تعلو به الرتبُ
لكنه جزع مما يراد بها ظلماً
ومن رملها يستخرَج الذهبُ
وأنت توصيه بالصبر الجميل ومَن
يدركه أيوب يسمو حين يغتربُ
* * *
يا ألف قبّرة في عشّها خجلت
من غفلة الجند في الحدباء ينسحبُ
وألف زنبقة حمراء ذابلةً
يدوس فوق أساها الكُرد والعربُ
وألــــــف ساجعة تشدو على فننٍ
ودمعها من لهيب القلب ينسكبُ
وألف نازحة لا شيء تطعمه
أطفالها والدجى بالمزنِ يحتجبُ
لله درّك يا هذا الذي ذهبت
به الديار ولم تذهب به الحقبُ
ودرّ درّك من مستبعدٍ فطنٍ
ومستفزٌ له لا يوجب العتبُ
يا حزن زينبَ في الزوراء ناظرةً
للنازحين ومنهم تسخر السحبُ
وعين مريم في الأنبار راضيةً
بصبر أيوب والأضداد تحتربُ
بغداد أيّ زمان ما فجعت به
فلم تخونك لا مصر ولا حلبُ
ولم يروعك بالإرهاب طاغية
ولم يطالكُ لا بؤسٌ ولا شغَبُ
ها أنتِ في ساحة التحرير صامدةً
على مطالب لم يُسعَف بها طلبُ
والغول من خلف بغداد يحاصرها
والنار من حولها بالعزم تلتهبُ
كيما تضيء لمن وافى وما برحت
كفاه نحوك موصول بها العتبُ
يا أنتِ يا سرّةً للأرض واهبةً
ومن عطائك فينا تكشف الحجبُ
يا أم كل بناة المجد عالية
راياتهم فهم الأعلام والنخبُ
هذا ابنُ أرضك قومي كي نشيّعهُ
فيها لتشكرك الأقلام والكتبُ
قومي نبارك في توديعه رجلاً
ربيّاً عاشقاه الشعر والأدبُ
*عن صحيفة الزمان