علي السوداني : مكاتيب عراقية ـ إنهم يقتلون المعنى أليسَ كذلك ؟

ali alsodani 8سأقصُّ عليكم الليلة قصةً قصيرةً جداً قد يرى البعض من العالمين أنها تفتقر إلى المصطلح النقدي الفني الذي يسندها ، وهذا أمرٌ ربما سيثلم من مصداقيتها . ألحقّ هو أنني أرى ما لا يرى الهؤلاء . عند كسلة الأسبوع البائد تمّتْ واقعة بيع لوحة الخرابيش التي سمّاها صانعها الرسام الأمريكي الحديث سي تومبلي لوحة بلا عنوان بسعر عبر حاجز السبعين مليون دولار . هي ليست قديمة كي يبرر ثمنها الصادم هذا ، بل كانت ولدت سنة ألف وتسعمائة وثمانية وستون من تحت يمين ويسار الرسام الأمريكي الراحل .
لو أنَّ سي تومبلي ، قد أتمّ نعمته علينا وشخبطَ عشرين واحدةً من أمثالها ، لساهمَ بهذا الجهد السهل وأعانَ نصف لاجئي الأرض على مقاومة شحة الطعام والدواء والتعليم والكرامة والخيمة . إنها كما يبدو مافيا الفن والترويج ، وهي تشبه مافيا السياسة والاقتصاد والرياضة والأدب والجوائز الكبرى ومهرجانات الحفلة التنكرية .
ربّاط الحكاية هو أنه تحت غطاء الحداثة وما بعد الحداثة والسوريالية المفرطة وملهاة اللامعقول ، إنولدتْ آلاف الأعمال المخادعة المراوغة السخيفة في الشعر ، خاصة في باب قصيدة النثر صاحبة هذا التوصيف الملتبس ، وأيضاً في القصة وأجناس الكتابة الأخرى وكل ما يقع بباب الفنون الجميلة . طلاسم وألغاز وخرائط لا تؤدي إلى معنى بحجة الفن والأدب العالي الذي لا يقدر على فهمهِ وهضمهِ واستلامهِ سوى من امتلك وعياً خاصاً وثقافة ضخمة وبعسكهِ فإنّ من لم يعجبه هذا العمل الذي قد يكون إبداعياً ، فهو من الأغبياء والساذجين .
هذا الصنف من الأدب والفن كان استعملتْهُ كثرة من أدباء وفناني بلاد ما بين القهرين العظيمين ، فساعة تعيّرهم وتخزّيهم بسكوتهم عن الغزاة ومنغلتهم ، يرمي واحدهم بوجهك كتابةً يسميها قصيدة نثر ويقول لك هذه ضد الغزاة والفاسدين والخائنين ، وحيث تقرأ ما كتب صاحبك تجد مطلع الكلام يقول ، إنّ نواة التمرة صارتْ نخلة . النخلة نائمةٌ بظلّها امرأة من ثاني أوكسيد البهجة . ثمة تنّين في الجوار ينفخُ ناراً . عبوة ناسفة في مؤخرة حرف الياء .
ألزبّالون يستعيدون زوربا من فم الحاوية . جدّتي تنتفُ ريش الوقت لتصنع مخدّات الدفاع . مات النادل الجميل ، فهرب السكارى من بطن الحان . تجمعوا بخاصرة المدينة ، وزرعوا بحلق الدبابة وردةً حمراء . شاعرٌ واحدٌ فقط كان ينبش أسنانه بقضيبٍ من نحاس

*عن صحيفة الزمان

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصـــرياً بـمـوقـعـنـــا
| رنا يتيم : إشكاليّة المثقّف والحداثة .

بطيئة كانت عجلة التاريخ فيما يتّصل بالابتكارات، والتحديثات. ثم كانت الثورة الصناعية، بمآزره فكريّة فلسفيّة، …

| حسن العاصي : قياس جديد لمواقف الأوروبيين تجاه الهجرة واندماج المهاجرين .

أصبحت الهجرة جزءًا من حقيقة الحياة اليومية للأوروبيين في دول الاتحاد الأوروبي. يوجد اليوم ما يقرب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *