محمد علوان جبر: قداس متأخر….. الى يوسف شاهين

حقا انه قداس متأخر ،  اقيم الى سيد القداسات الجميلة، واكثرها رسوخا في الذاكرة الشعبية العربية والعالمية ،  قداس عله استطاع ان يوثق مسيرة رجل  عبر اطول رحلة من رحلات العلامات المهمة ………
–    ربما هو قداس متأخر….. او
–    ربما هو العكس…………!
لكنه اقيم اخيرا وسط دموع الاحبة الين تحلقوا حول نعش رجل لم يختلف احد على عبقريته السينمائية وتفرده بنمط واسلوب اخراجي خاص  والذي يمكن عد افلامه علامة مهمة من علامات السينما العربية ،  حيث تنوعت موضوعات هذه الافلام وكذلك سبل تناولها ،  فيوسف شاهين الذي درس الفن السينمائي في امريكا اهتم كثيرا في ان يشكل له مدرسة سينمائية جديدة خلقت منه شخصية متفردة في كل شيء حيث بدأت الرحلة منذ فيلم – باب الحديد – وتلاها في فيلم – الارض- او – المصير  ….. وفيما بعد اكتنزت و تنوعت مضامين افلامه…… فمنها تناول موضوعة الصراع الطبقي كما في فيلم – صراع في الوادي – الارض –  عودة الابن الضال –  ….. وموضوعة الصراع الوطني والاجتماعي كما في فيلم – جميلة بوحيرد – و فيلم – وداعا بونابرت – وكذلك موضوعة سينما التحليل النفسي المرتبط بالابعاد الاجتماعية كما في افلام – باب الحديد – الاختيار – فجر يوم خاص  – والتي اعتبرها النقاد من اهم تجارب شاهين السينمائية .
اما المحطة المهمة في رحلة شاهين السينمائية فكانت كما يمكن تسميتها – بسينما الذات – او سينما السيرة الذاتية التي كانت تتحدث عن سيرته الذاتية والتي كان اولها فيلم –  اسكندرية ليه – انتاج عام – 1978-     الذي مثل بداية تحقيق الشخصية المنفردة والمزج بين العام والخاص وكذلك المزج بين التاريخ الفردي وتاريخ قضايا  ومحطات الوطن المهمة ،  مثل هذا الفيلم برأي اغلب نقاد السينما اهم وافضل ماانتجته السينما العربية .   حيث تناول السيرة الذاتية لشاهين ووصوله الى امريكا طالبا في قسم السينما على خلفية احداث الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ، عبر اربعينات القرن الماضي ،  تلك الفترة الضاجة بالاحداث التي غيرت وجه وخارطة الوطن .

اما الفيلم الثاني من افلام محطة شاهين  الذاتية التي اعتبرها مدخلا للعام العاصف، فهو فيلم – حدوته مصرية –  انتاج عام 1982  –  الذي تناول الطفولة العاصفة  –  يوسف الطفل –   الذي مثل تزاوجا غريبا وانصهارا بين عوالم غرائبية –  تكاد ان تصل الى حدود الفنتازيا القصوى –  وواقعية صارخة من خلال ثلاث شخصيات انثوية مهمة  في حياة البطل وهي امه واخته وزوجته وكذلك مثل صراعا كبيرا بين الهروب الكبير من الذات – الطفل –  والذات الاخرى – الرجل –  والضربة الفنية الكبيرة ان  شاهين ادى  فيه دور البطولة .  ولااعتقد ان هناك مبدعا تحدث عن سيرته الذاتية اكثر مما فعله – شاهين – او – جو – كما كان يحب ان يسمى وهو يسرد الموروث الكبير الذي عاشه  انسانا وفنانا وسياسيا ومغتربا  .

لقد ادركت –  وانا اكتب هذه المقدمة  – انه كان قداسا فنتازيا كما هي افلامه ونبرته الخاصة ،  وتخيلت او ربما خيل لي ان مخرج هذا القداس لم يكن غير يوسف شاهين ذاته ،  لقد تناول هذا القداس  كل شيء امام تابوت كان ينام فيه – يوسف شاهين – وسط كنيسة ،  تابوت مغطى بعلم مصر والكثير من الورود الملونة وضعت على التابوت  المرصوف على دكة عالية ،  وفوق التابوت كان اربعة رهبان  ذوي وجوه غليظة يرتدون النظارات ويضعون اغطية الرأس السوداء ويرتدون الاردية الحمر وهم يحملون الكتب المقدسة ويرددون التراتيل التي كان الحشد يرددها بعدهم  ، وثمة شموعا صفراء كثيرة توزعت وسط مشهد الجنازة وقد تخيلتك ياسيدي ايها المبدع وانت وسط التابوت تراقب ذؤابات تلك الشمعة الكبيرة وهي تتساقط على صفيح و قماش التابوت وكنت اتصورك وانت تململ وتطلبت من القساوسة الكبار ان يبعدو انصهار الشمع في النار الصفراء عن جسدك لالشيء سوى انها كانت تتقاطع مع القداسات التي  كنت تصغي الى نشيدها المتأخر جدا والتي اعتبرتها قداسا اخيرا  اقيم على جنازة رجل تحدثت عنه كثيرا في افلامك . وصاح الجميع وسط الكنيسة – وداعا …… وداعا ياجو…كما قالها الراهب الذي تحدث عن رقيم  سيرتك الفنية … انا موقن ياشاهين انك كنت وسط التابوت تحدق في هؤلاء  وتسمع ما يقولونه وهم فوق منصة كانت اعلى قليلا من تابوتك الذي دفن في الاسكندرية تلك المدينة التي عشت فيها وعاشت فيك طوال اكثر من ثامنين عاما و تغنيت بها مذ ولدت وحتى هذه اللحظة الوجدانية المهمة …. قلنا انه متأخر هذا القداس ،  لكنك صرخت فينا ،  انه مبكر جدا .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *