*مدرّس مادة علم النفس/ كلّية التربية / جامعة الحمدانية
قال البسطامي ” أشرف الحق على أسرار العالم فشاهدها خالية منه غير سري فإنه رأى منه ملاءً فخاطبني معظما لي بأن قال : كل العالم عبيدي غيرك ” (1) .
***************
يمكن القول ان نص هذه الشطحة تقوم على فكرة الاصطفاء او الاختيار . ولا نريد ، مثلا الاشارة ، الى ان احد مظاهر هذه الفكرة يمكن ان يكون ذو اساس باثولوجي ، غالبا ما نجده عند اصحاب الذهان الهذائي المزمن مثلا ؟ . هذا الاعتبار نضعه في بداية دخولنا الى النص حتى نبرر وجوده ، هو ومن على شاكلته من النصوص الاخرى ، ضمن الشطحات ؛ سواءا عند البسطامي او غيره من اصحاب هذا النمط من العبارات او الافكار. ليس في نيتنا ، البتة ، من ان نضع البسطامي او غيره ضمن هذا الاطار قدر ما نريد القول ان العامل الباثولوجي (المرضي) وارد ومحتمل بهذه الدرجة او تلك . فالتصريحات او العبارات المعلنة (الموثقة والمحققة) يمكن ان تكون مفتاحا للحكم على السلوك او الشخصية . وكلما كانت العبارة محققة كلما كان الحكم اقرب الى الصواب . في هذا تتجلى نرجسية البسطامي في صورة عالية جدا. العالم وفق هذه العبارة يمكن تخيله بانه كتاب او سفر مفتوح امام الحق . هذا طبيعي لأنه هو الذي اوجده من العدم . لكن المفاجأة التي تترأى لنا هي ان هذا الحق لم يجد في اسرار هذا العالم شيئا . كان هذا العالم ، وبهذا المعنى خلوا تاما . ويمكن القول انه خلو من الذوات . واي ذوات ؟ انها الذوات النقية .. الصالحة .. والتي تعرف الحق حق معرفة . العالم برمته ؛ منذ ضهوره وحتى لحظة معاينة الحق للبسطامي .. كل تلك الحقبة وجدها خالية مما كان الحق يتوقعه!! . وجاء البسطامي حاملا معه سره الخفي فتجلى كل الامتلاء منه . هذه اللحظة حركت الحق من سكونيته وليسيته فكان ذلك الاعلان الكوني البهيج :-
– .. فخاطبني معظما لي بأن قال : كل العالم عبيدي غيرك .
**************
هنا يتجلى الجانب المرضي في النص . فالخطاب الموجه الى البسطامي معلنا تعظيمه هو ، في تقديرنا ، مؤشر لذلك الجانب . لم يصف لنا البسطامي ، للاسف ، كيف تناهى الى سمعه ذلك الخطاب ؟؟ . وبأي وسيلة وصل اليه ؟ ان البسطامي يرغب في ان يكون اخر واحد في التاريخ يمكن للحق ان يخاطبه كما انه الغى كل الخبرات التي سبقته في هذا المجال . كل من في التاريخ هو عبد للحق . الا البسطامي الذي اعلن الحق انه ليس من عباده . ترى من يكون اذن ؟ هذا ما نتركه للتاريخ للبت به !! .
الهوامش :-
1 – عباس ، المصدر نفسه ، ص 45 .