شوقي يوسف بهنام : البسطامي (4) ما بين المهم والأهم

*shawki yuosif bahnamمدرّس مادة علم النفس/كلّية التربية/ جامعة الحمدانية

قال البسطامي ” اذا جاء حب الله يغلب كل شيء ، لا حلاوة للدنيا ، لا حلاوة للآخرة ، الحلاوة حلاوة الرحمن ” (1) .
يورد المحقق الفاضل هذه العبارة ضمن شطحات البسطامي . ولا ادري اين هي مظاهر الشطح في هذه العبارة ؟ . وسوف ننطلق من هرم ” ماسلو ” لتنظيم الحاجات للدخول الى عوالم هذه العبارة . يبدأ هرم ” ماسلو” ، كما هو معروف ” بالحاجات الاساسية وينتهي بحاجة تحقيق الذات مرورا بالحاجات المتدرجة في الاهمية . هذا يعني ان الحاجة العليا لا يمكن الوصول اليها من دون اشباع الحاجة التي تسبقها والمندرجة في التسلسل الهرمي الذي اقترحه هذا الباحث . والبسطامي ينطلق من عبارته هذه كصوفي يؤمن بان الحب الالهي هو حب لا يمكن مقارنته بأنماط اخرى من الحب . وبذلك تكون عبارته هذه متسقة منطقيا مع نظرت تلك . ولا نجد اي اثر للغرابة او للشطح فيها . المتصوفة ، ومن ضمنهم البسطامي لا يرى طعن للحب خارج دائرة العلاقة مع الله . الحب الذي يمنحه العالم حب زائف وخادع . حتى الآخرة لا طعم لها من دون الحب الالهي . الآخرة في الحسابات التقليدية قائمة على منطق الحساب والربح والخسارة والطمع الذاتي . لقد اطلقت رابعة العدوية تلك العبارة في احدى مناجاتها للذات الالهية ” (اللهم إني لا أعبدك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكني أعبدك لأنك أهلٌ للعبادة ) . اذن البسطامي كان مثل هؤلاء في النظر الى طبيعة العلاقة مع الله . من هنا هذا الدلال الذي نراه في شطحاته الاخرى . الطفل المدلل ، والصوفي هو الطفل المدلل عند الله ينفذ ما يريد ويطلب ما يشاء . لدى الطفل قناعة تامة بل ايمان مطلق بأن كل رغباته وحاجاته سوف يجدها عند ابيه . فالأب هنا هو بالنسبة للطفل مثل مارد مصباح علاء الدين . ونفس الشيء ينطبق على الصوفي فهو متيقن بانه طفل الله المدلل والكون بأجمعه يمكن ان يخضع لإرادته لا لشيء الا لأنه ابنا لله !! .هذا اليقين هو مصدر كل الاقوال والعبارات التي تتمدد بها الذات وتتضخم عند الصوفي . رأينا البسطامي يطير في الليس . من اين اتته القدرة على الطيران إن لم يكن مختارا من العناية الالهية وهذا ما سوف نجده في شطحة اخرى من شطحات البسطامي ، عندما يرى في ذاته الذات المطلقة الوحيدة في هذا الكون !! لقد غيب البسطامي في تلك الشطحة كل الذوات وبقت ذاته هي الذات الوحيدة . المهم في هذا الجانب اننا لا نرى في هذه العبارة اي رائحة من روائح الشطح الصوفي وبالتالي لا يمكن الحاقها بقائمة شطحاته كما نميل الى الظن .

الهوامش :-
1- عباس ، قاسم محمد ، المصدر السابق ، ص 45 .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

| د. شعبان عبد الحكيم محمد : النص الطازج والقصة القصيرة الشعر قراءة فى مجموعة ” حواس زهرة نائمة ” لسامية غشير.

صدر للدكتورة سامية غشير أول مجموعاتها القصصية ” حواس زهرة نائمة ” عن دار النشر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *