– ” أدخلني معه مدخلا أراني الخلق كلهم بين الاصبعين ” . (1)
**************
لا نجد تعليقا لدى المحقق الفاضل على هذه الشطحات التي وثقها المحقق لهذا الصوفي الكبير . نجد في هذه العبارة شعورا بالمعية مع الذات الالهية . بمعنى ان البسطامي يعد واحدا من خاصة تلك الذات ، إن لم يك الخاصة الوحيدة لها . هنا اقرار بلاهوتية البسطامي !! . انها لحظة اختطاف الى عوالم غير العوالم التي نعرفها او نعيها . وهذه الصفة هي خاصية يمتلكها البسطامي او من يرى في ذاته مثله ولا يمتلكها غيره من البشر . البسطامي هنا ، في هذه الشطحة ، تجاوز كل ما يمكن تخيله او تصوره ، على الاقل ، انطلاقا من تاريخ التصور الديني بشكله العام عن الرجال ؛ الانبياء … الرسل .. الملائكة .. وحتى الشياطين .. صحيح ان ابليس او الشيطان كان حاضرا يوم خلق الانسان وشاهدا على ماذا سيؤول اليه العالم بهذا الخلق لكنه كان خارج الصورة . صار البسطامي ، وفقا لهذه العبارة ، فوق الجميع هو ومن ادخله معه الى ذلك المدخل حيث رأى ما رأى .
– الخلق كلهم بين الاصبعين
***************
ما الذي رآه البسطامي ؟ رأى الخلق كلهم من انس وجن وملائكة وافلاك وسموات ! . انه كان مستويا على العرش !! . اذا شئنا الدقة . ألم يكن معه حين ادخله ذلك المدخل ؟ هذا يعني بالضرورة انهما كان على العرش . انه ” رمز القدرة ، في القرآن ، يشير الى الله الخالق ، غير المخلوق ، خالق العالم الذي يبسط عليه سلطانه . .. ” (2) . البسطامي ، هنا ، يستعرض قدراته الإطلاقية . من هنا نرجسيته التي تجعله يشعر بل يؤمن بالتمايز عن الخلق اجمعين . انه رآهم ” بين الاصبعين ” ما معنى هذه العبارة ؟ معناها في تقديرنا ان جميع الخلائق هم مقيدين ؛ بأي قيد شئت ان تسميه . يبقى البسطامي هو الحر الاوحد لأنه مع الاوحد اساسا . إن لم يلغي البسطامي الله ويحل محله ويضع الخلق كله بين اصبعيه !! ؟ نميل الى الظن ان هكذا فكرة هي التي كانت وراء عبارة البسطامي هذه . يقول استاذنا الدكتور علي زيعور ان الصوفي يعاني من ما يمكن تسميته ب ” عقدة حسد النبوة واجتياف الالوهية ” وقد اخذ ” زيعور ” من عبارات الصوفي المصري الدسوقي نموذجا لتلك العقدة مع ذكر دعوة البسطامي لاجتيافه الاسراء والمعراج … فإيهما اصعب الاسراء والمعراج ام رؤية الخلق بين اصبعين . لا نريد القول ان رؤية العالم بهذه الصيغة التي ذكرها البسطامي قائمة اساسا على فكرة ازدراء الخلق ورفع من شأن الذات الى مصافي الربوبية والالوهية ذات الخصائص الإطلاقية . صحيح ان البسطامي قد وقع في زلة لسان الا وهي قوله او عبارته ” ادخلني معه مدخلا .. ” هنا لاشعور البسطامي كان في هيئة صراع مع تصورات البسطامي في ما يخص صورة الله . كان البسطامي ، وفقا لهذه العبارة خارج مجال الله إن صح التعبير ، فرأى الله البسطامي وحيدا في مجاله الصوفي الآخر فأشفق عليه فأدخله ذلك المدخل العجيب . لقد نسي البسطامي انه الله قد من عليه بتلك الرؤية في ذلك المدخل . وركز على ما يمكن ان نسميه بجاذبية الذات لديه . بمعنى ادق .. ان اعجب بشخصية البسطامي فأدخله معه ذلك المدخل . النبي المختار او الرسول المختار من قبل العناية الالهية ليست غريبة على الوعي الديني . البسطامي اجتاف هذه الفكرة لكي يكون الانا المختارة اختيارا مطلقا من قبل الله . لدينا اذن ثلاثة شخصيات يمكن ان تبرز في هذه العبارة :-
الله ــــــــــــــــــــــــــــــــ البسطامي ـــــــــــــــــــــــ الخلق كلهم
******************
النتيجة ذاتها هي التي يرغب ان يصل اليها البسطامي من خلال لا وعي عبارته هذه . ان يكون مركز العالم ونقطة استقطاب الالوهية . الله معجب به ايما اعجاب . لن نقول ان غيور منه !! . والخلق لم يصل الى ما وصل اليه البسطامي من احوال ومقامات . المحصل واحدة في الحالتين . البسطامي اذن كائن عجيب . لا مثيل له وليس كمثله شيء !! . البسطامي عند الله نموذجا للكمال وعند الخلق غاية ينبغي الوصول اليها او اللحاق بها . عندما يرى البسطامي الخلق بين الاصبعين سيشعر بالرضا عندها وهذا هو الهدف الرئيسي والاساسي لرغبته في مشاهدة الخلق بهذه الهيئة . كل الخلق .. كل التاريخ .. كل الزمان .. كل المكان .. كل من كان ومن يكون ومن سيكون .. كلهم بين اصبعين . سؤالنا للبسطامي هل بين اصبعي الله ام بين اصبيعك يا صوفينا الكبير ؟؟ !! .
الهوامش :-
1- عباس ، قاسم محمد ، تحقيق ، 2006 ، ابو يزيد البسطامي : المجموعة الصوفية الكاملة ، دار المدى ، بغداد ، العراق ، ط2 ، ص45 .
2- شبل ، مالك ، 2000 ، معجم الرموز الاسلامية ، ترجمة : أنطوان أ . الهاشم ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص 204 -205 .
3- د. زيعور ، علي ، 1979 ، العقلية الصوفية ونفسانية التصوف ، دار الطليعة ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، ص 187- 195 ، و ص 189 بخصوص البسطامي .
شوقي يوسف بهنام : البسطامي (1)
تعليقات الفيسبوك