الوسام
ترفع الستارة ، المسرح مظلم ، يضاء
المسرح بالتدريج ، شاب في ملابس
الفدائيين ، يتقدم من عمق المسرح ،
يقف لحظة ، يخاطب الجمهور
الشاب : أيتها السيدات ، أيها السادة ، من أجل أن يبقى صوت قضيتنا ، فوق كل صوت ، من أجل أن يبقى الشعب الفلسطيني .. شعبنا الذي يرفض أن يموت .. ويرفض أن يحيا بعيداً عن الوطن الأم .. من أجل أن تبقى فلسطين .. ومن أجل أن تبقى لشعبها .. نحاكم اليوم مقاتلاً .. نحاكم فدائياً .
صوت : هل خان المقاتل وطنه ؟
الفدائي : أن لا أستطيع أن أقول نعم .
صوت : هل خان المقاتل شعبه ؟
الفدائي : إنه يقاتل من أجله .. يقاتل من أجل أن
يبقى .. ومن أجل أن يعود .
صوت : هل خان إذن قضيته ؟
الفدائي : إنه يقاتل ، فهل يخون المقاتل ؟
أيها السيدات ..
أيها السادة ..
لنترك الأمر لمحكمة الثورة ، ولننتظر
جميعاً حكمها العادل ، وبد قليل سيمثل
المتهم .. المقاتل .. بين أيديهم .
يدخل أعضاء المحكمة ، وهم في
ثياب الفدائيين ، ينسحب الفدائي
الشاب ، ويقف بباب الغرفة
الرئيس : آمل أن يغير المتهم علي الزيبق موقفه
اليوم .
الأول : إنني في الحقيقة لا أفهم صمته .
الثاني : أفناء التحقيق ، لم يغير موقفه ، رغم
جميع المحاولات .
الأول : إنني مذنب ، هذا هو كل ما قاله .
الرئيس : نعم ، اعترف بأنه مذنب ، ولكن بالنسبة
لتا ، هل هذا يكفي ؟
الثاني : لا يهمنا في الحقيقة ، أن يعترف أو لا
يعترف بأنه مذنب ، ولكن يهمنا قبل كل
شيء أن نعرف ، لماذا لم ينفذ مهمته ؟
ولماذا أصبح مذنباً ، حتى في نظره ؟
الأول : لقد سمعت الكثير عن على الزيبق ،
سمعت الكثير عن وعيه ، وشجاعته ،
وتضحياته ، لقد ساهم في عمليات كثيرة ،
وكان باعتراف جميع زملائه مثالاً للفدائي
في انضباطه وكفاءته في تنفيذ جميع
مهماته .
الرئيس : وموقفه في عملية نابلس ؟
الأول : لم أفهمه ، لم أفهمه مطلقاً .
الرئيس : لماذا لم ينفذ مهمته ؟
الأول : هذا ما حيرني ، لماذا لم ينفذ علي
الزيبق مهمته في هذه العملية .. لماذا ؟
الرئيس يجلس ، ويجلس الأول
عن يمينه ، والثاني عن يساره
الرئيس : ما اسمك ؟
علي : علي إبراهيم الزيبق .
الرئيس : متى التحقت بالعمل الفدائي ؟
علي : في تموز عام 1967 .
الرئيس : بعد حزيران .
علي : نعم ، بشهر واحد .
الرئيس : ماذا كنت تعمل قبل حزيران ؟
علي : معلم .
الرئيس : أين ؟
علي : في المخيم .
الرئيس : وتركت التعليم ، بعد التحاقك بالعمل الفدائي ؟
علي : نعم ، تركت كل شيء .
الرئيس : أنت متهم بإفشال عملية نابلس ، فهل
أنت مذنب ؟
علي : نعم .
الرئيس : مذنب ؟
علي : نعم ، مذنب .
الرئيس ينظر إليه ، ثم يقول
بصوت يشي بالخطورة
الرئيس : يبدو أنك لا تقدر جيداً تبعة اعترافك .
علي : ” يبقى صامتاً ” ….
الرئيس : إن اعترافك خطير جداً .
علي : أعرف ، يا سيدي .
الرئيس : وقد تتعرض للإعدام .
علي : ” يبقى صامتاً ” ….
الرئيس : نحن لا نريد أن نفرط بمقاتل مثلك ،
ولكنك إذا أصررت على موقفك ،
ورفضت تبرير إحجامك عن تنفيذ مهمتك
في عملية نابلس ، فسوف نحكم عليك
بالموت .
يسود المسرح صمت متوتر ،
يطرق علي برأسه أمام نظرات
الرئيس ، دون أن يتكلم
الرئيس : الشاهد الأول ، خليل أحمد النابلسي .
يدخل الشاهد ، وهو في ثياب
الفدائيين ، ويؤدي اليمين
الرئيس : ما اسمك ؟
خليل : خليل أحمد النابلسي .
الرئيس : يبتسم ” يبدو أنك من نابلس .
خليل : نعم ، يا سيدي .
الرئيس : إنني أفهم الآن ، لماذا كنت متحمساً لهذه
العملية .
خليل : الصهاينة الغاصبون في مدينتي ، إنهم
في احتلالهم وعنجهيتهم لم يدوسوا عليها
فقط ، ولم يخنقوا هويتها فقط ، بل
يدوسون عليّ ، ويخنقون هويتي أيضاً ،
وإنني في تحريرها أحرر نفسي ، وأؤكد
هويتي .
الرئيس : متى التحقت بالعمل الفدائي ؟
خليل : التحقت بالعمل الفدائي في عام 1965 .
الرئيس : أي منذ بداية العمل الفدائي .
خليل : نعم .
الرئيس : ماذا كنت تعمل ، قبل التحاقك بالعمل
الفدائي ؟
خليل : كنت أعمل كاتباً على الآلة الكاتبة في
الكويت ، وعندما بدأ العمل الفدائي تركت
عملي ، والتحقت بالفدائيين .
الرئيس : ومذ ذلك الوقت وأنت تقاتل .
خليل : وسأبقى أقاتل حتى النصر .
يبتسم الرئيس بارتياح ،
وهو يلتفت إلى الأول والثاني
الرئيس : هل أنت رئيس الجماعة ، التي أنيط بها
مهمة تنفيذ عملية نابلس ؟
خليل : نعم ، يا سيدي .
الرئيس : ماذا كانت مهمتكم ؟
خليل : كانت مهمتنا نسف منزل الحاكم
العسكري في نابلس .
الرئيس : ما هي مهمة المتهم على الزيبق ، في
هذه العملية ؟
خليل : لقد أنيط بعلي الزيبق أهم مهمة قي
العملية ، وكان نجاحها بأكمله يتوقف على
نجاحه في مهمته ، كان عليه أن يضع
العبوة في منزل الحاكم العسكري
الصهيوني ، ويفجره .
الرئيس : ولكن علي الزيبق لم ينفذ مهمته .
خليل : للأسف ، وقد أدى ذلك ، ليس فقط إلى
فشل العملية بأكملها ، بل وتعرض أحد
الفدائيين ، وهو سالم عبد الرحمن ؟
للموت .
الرئيس : شكراً .
ينظر خليل إلى علي في ثبات
علي ينظر إليه بتفهم مشوباً بالمرارة
الرئيس : هل لديك ما تضيفه ؟
خليل : كلا ، يا سيدي .
الرئيس : شكراً مرة أخرى ، تفضل .
خليل : ” يخرج ” ….
الرئيس : الشاهد الثاني ، سالم عبد الرحمن .
يدخل سالم بثياب الفدائيين ، متوكئاً
على عكاز ، يؤدي اليمين ، ويواجه
الرئيس
الرئيس : ما اسمك .
سالم : سالم عبد الرحمن .
الرئيس : يبدو أن ساقك مازالت تؤلمك .
سالم : ليس كثيراً ، يا سيدي ، ولكن جرحي
يلتئم بسرعة .
الرئيس : هذا ما نرجوه .
سالم : لقد أكد لي الطبيب ، أن في وسعي
العودة إلى رفاقي بعد فترة قصيرة .
الرئيس : ” يبتسم ” وأنت تحمل وسام الوطن .
سالم : نعم ، أحمل جرحي .
الرئيس : إن شعبنا لن ينسى مطلقاً ما قدمتموه من أجله .
سال : ولكن .. ماذا قدمنا بعد ؟
الرئيس : لقد قدمتم الكثير .
سالم : إننا لم نقدم شيئاً بالنسب لما قدمه بعض
رفاقنا ، لقد قدم الكثير كل ما يملكون من
أجل فلسطين ، قدموا حياتهم ، فيجب
علينا أن نكون في مستوى رفاقنا ، إننا
مازلنا نملك حياتنا .
الثاني : هذه الروح العالية ، وهذا الإصرار
العنيد على متابعة النضال ، هو طريق
عودتنا الظافرة إلى الوطن ” صمت ”
الرئيس : متى التحقت بالعمل الفدائي ؟
سالم : التحقت بالعمل الفدائي مع رفيقي علي
الزيبق ، في تموز عام 1967 ، وقد
عملنا معاً في خلية واحدة .
الرئيس : نحن نعلم أن علي الزيبق رفيقك ، وأنك
تجله ، وتحترمه كثيراً ، فنرجو أن لا تجد
حرجاً في الإدلاء بشهادتك في قضيته .
سالم : علي الزيبق ، يا سيدي ، رفيقي منذ الطفولة ، لقد نشأنا معاً وقرأنا الكتب الوطنية معاً ، وناضلنا من أجل وطننا وشعبنا معاً ، ولكني أعتقد أن من واجبي أن تجاه الأهداف ، التي قاتلنا من اجلها معاً ، أن أدلي بما أعرفه في قضيته ، وإنني واثق أن علي الزيبق ، وهو رفيقي وأستاذي ، لن يلومني إذا تكلمت ، وأنه لن يغفر لي صمتي ، وإن كنت في الحقيقة لا أفهم صمته .
الرئيس : ماذا كانت مهمتك في عملية نابلس ؟
سالم : كانت مهمتي أن أتسلل مع علي الزيبق ، إلى منزل الحاكم العسكري ، وأحميه عن كثب أثناء وضعه العبوة ، ونسفه للمنزل .
الرئيس : إذن أنت وعلي الزيبق تسللتما معاً إلى منزل الحاكم العسكري الصهيوني .
سالم : نعم ، وكان رفاقنا الآخرون يحمون ظهرنا .
الرئيس : وكان علي يحمل العبوة .
سالم : نعم ، يا سيدي .
الرئيس : وكان عليه أن يضع العبوة في المنزل ، ثم ينسفه .
سالم : نعم .
الرئيس : ينسفه بكل ما فيه ، وبدون تردد .
سالم : هذه كانت مهمتنا .
الرئيس : ولكن علي الزيبق لم يضع العبوة .
سالم : نعم .
الرئيس : ولم ينسف المنزل .
سالم : نعم .
الرئيس : لماذا ؟
سالم : ” يبقى صامتاً ” ….
الرئيس : لماذا لم ينسف علي الزيبق المنزل ؟
سالم : لا أدري .
الرئيس : هل كان خائفاً ؟
سالم : كلا ، يا سيدي .
الرئيس : هل كان متردداً ؟
سالم : أبداً .
الرئيس : إذن لماذا ؟
سالم : لا أدري .
الرئيس : لا تدري .. لا تدري .. وعلي الزيبق ..
وهو الوحيد الذي يري .. يرفض أن يتكلم.
الرئيس يرفع نظره إلى علي ، في نفاد
صبر ، علي يطرف متألماً ، سالم يفكر
سالم : سيدي .
الرئيس : نعم .
سالم : إنني أتذكر حادثة عرضت لنا ، قبل
فشل العملية .
الرئيس : أية حادثة ؟
سالم : عندما تسللنا أنا وعلي ، إلى منزل
الحاكم العسكري ، رأينا في الطابق
الأرضي نافذة مضاءة .
الرئيس : نعم .
سالم : هذه النافذة ، ربما كان السر كله يكمن
فيها .
الرئيس : ماذا تعني ؟
سالم : لا أدري ما الذي دفع علي الزيبق إلى
الاقتراب منها ، وألقى نظرة إلى داخل
الغرفة ، فاتسعت عيناه ، وارتعشت العبوة
في يده ، همست له في صوت خافت ،
ضع العبوة يا علي ، لكنه لم يجب ،
وظلت عيناه متعلقتين في الغرفة ،
فهمست له بصوت أعلى ، الوقت يمر يا
علي ، انسف المنزل .. وفجأة برز جنديان
.. وفتح أحدهما النار عليً.. وعندئذ فقط
التفت علي عن النافذة .. وفتح نار
رشاشته على الجنديين .. ثم حملني على
كتفه بعيداً عن المنزل .
الرئيس : ماذا رأى في الغرفة ؟
سالم : لا أدري ، يا سيدي ؟
الرئيس يلتفت إلى علي ،
ويواجهه بصوت هادىء وحازم
الرئيس : ماذا رأيت في الغرفة ، يا علي ؟
علي : ” ينظر إليه ، لكنه لا يتكلم ” ….
الرئيس : تكلم ، ماذا رأيت ؟
علي : ” يبقى صامتا ” ….
الرئيس : اسمع يا علي ، نحن حريصون عليك ،
ولا نريد أن نفرط بك ، ولذلك فإننا
نعطيك فرصة أخيرة لتبرر موقفك ، وإلا
فإننا مضطرون للحكم عليك بالموت .
سالم : علي ، أرجوك قل شيئاً .
علي : يبقى صامتاً ” ….
سالم : إنني أخوك يا علي ، قل شيئاً من أجلي ،
لا تبق صامتاً هكذا بحق الله .
علي : ” يبق صامتاً ” ….
سالم : تكلم يا علي ، تكلم ، ماذا رأيت ؟
علي : ” ينظر إلى سالم ” طفلة .
سالم : ” في ذهول ” ماذا !
علي : نعم ، رأيت طفلة صغيرة ، تلهو
بدميتها.
سالم : لا تقل ، إن هذه الطفلة منعتك من .. ؟
علي : نعم ، يا سالم .
سالم : لكن الصهاينة قتلوا طفلتك وأمها .
علي : نعم .
سالم : ولم يترددوا حين قتلوهما .
علي : ولهذا ترددت ، كانت الطفلة في عمر
ابنتي ، وكان يجب أن أكون صهيونياً
حتى أفجر المنزل ، وفيه طفلة صغيرة
تلهو بدميتها .
الرئيس : أيها السادة ، انتهت الجلسة ” يلتفت إلى
علي ” عد يا علي إلى رفاقك ، وتابع
طريقك حتى النصر ،
يقف الرئيس ، ويقف الأول
والثاني ، ثم يواجهون الجمهور
الرئيس : أيتها السيدات ، أيها السادة ، إن محكمتنا
، محكمة الثورة الفلسطينية ، لن تدين
فدائياً لأنه لم يقتل طفلة ، إننا نحمل
السلاح من أجل تحرير الوطن ، ومن
أجل تحرير الشعب ، إننا نناضل ، أيتها
السيدات ، وأيها السادة ، من أجل الإنسان
، من أجل تحريره وإسعاده .
إظلام تدريجي
ستار