طلال حسن : قصص للأطفال من الزمن الفلسطيني

 

talal hasanرسالة مفتوحة
من طفل فلسطيني
إلى أطفال العالم

أصدقائي الأعزاء
اسمي .. علي حسين ..
عمري .. إحدى عشرة سنة ..
قتلني الصهاينة الفاشست في بلدتي الصغيرة ” أبو ديس ” ، في ضواحي القدس المحتلة .
لم يقتلوني لأني سرقت ..
لم يقتلوني لأن قتلت .. قتلوني لأني أحببت .
نعم .. يا أصدقائي .. كلّ ” جريمتي ” أنني أحببت وطني .. أحببتُ فلسطين ، فمن منكم لا يحب وطنه ؟
أعزائي ..
في وطني ، غابة الزيتون والبرتقال ، يناضل الجميع ضد الصهاينة المحتلين ، ومن أجل التحرر والتقدم والسلام . وكما ينمو الزيتون ، ويكبر البرتقال ، وتنضج السنابل تحت الشمس ، يكبر الأطفال في ساحة النضال ، ويصبحون رجالاً مناضلين . ولأن الليل يخاف الفجر ، فإن المحتلين يخافون حتى الأطفال ، ولهذا فإن رصاصهم الجبان يحصد الجميع ، ولا يوفر أحداً .
أحبائي ، تذكروني دائماً ..
تذكروا صديقكم .. علي حسين ..
لا تنسوني ، يا ، أصدقائي الأعزاء ..
لا تنسوني وأنتم تكبرون ، وتصبحون رجالاً ..
لا تنسوني ، وأنتم تبنون العالم ..
لا تنسوني ، وأنتم تناضلون ضد الحروب العدوانية في كلّ مكان من العالم ..
لا تنسوا صديقكم الطفل ، والذي سيبقى إلى الأبد طفلاً ..
لا تنسوا علي حسين.. لأنه مات وهو يدافع عن حبه لوطنه .. وحبه لكم وللعالم .
الحياة لوطني الحبيب .. فلسطين ..
الحياة لشعبي الفلسطيني ..
الحياة والسعادة لكل الشعوب في العالم .. والنصر لقضيتنا العادلة.
حجرة أخرى

احتشدنا في الشارع ، وكعهدنا كلّ يوم ، رحنا نرجم الأعداء بالحجارة ، يبدو أنّ أمي على حق ، إنني لم أشفَ بعد ، طلبت مني أمي أن لا أذهب اليوم إلى المدرسة . لم اصغ ِ إليها ، وحملتُ حقيبتي ، وخرجتُ مسرعاً من البيت . وبدل أن أذهب إلى المدرسة ، ذهبتُ إلى الأطفال ، ورحنا نرجم الأعداء بالحجارة . تقدمتُ الأطفال قليلاً ، رغم الدخان الخانق ، وبكلّ ما أملك من قوة ، أطلقتُ حجرة أخرى نحو الأعداء ، إنها حجرتي السابعة ، بل ربما الثامنة ، ورحت ُ أراقبها ، وهي تنطلق مع حجارة رفاقي الأطفال ، لكنها تباطأت مثل حجاراتي السابقة ، وتهاوت على الأرض . وقبل أن تصل إلى الهدف ، تراخت يداي، وتراجعتُ قليلاً إلى الوراء ، لا فائدة ، إنني لم أستعد قواي بعد .
التفتت صبية نحوي ، وراحت تنظر إليّ كأنها أدركت ما يخامرني ، لكنها لم تتكلم ، ولماذا تتكلم ؟ لقد نطقت عيناها بما يكفي ، فانحنت على الأرض ، والتقطتُ حجرة ، وتقدمتُ الأطفال ثانية ، وبكلّ ما أملك من قوة ، أطلقتُ الحجرة نحو الأعداء ، لم أتابع الحجرة هذه المرة ، فلا يهم أين تقع ، المهم أن تبقى حجارتي مع حجارة رفاقي في مواجهة الأعداء .

نظافة ليست من الإيمان

على غير عادته ، عاد حسام مبكراً ، وحقيبة كتبه مرمية على كتفه ، وفي عينيه ، قرأ جده الحزن والغضب . لابد أنّ في الأمر شيئاً . وتطلع إلى يديه ، وقال : عجباً يا بنيّ ، أرى يديك اليوم نظيفتين .
ألقى حسام الحقيبة جانباً ، وقال : وستبقيان نظيفتين .
ابتسم الجد ، وقال : هذه النظافة ليست من الإيمان .
قال حسم منفعلاً : لقد شتمني أحمد .
تساءل الجد : شتمك !
تابع حسام ، وهو يغالب دموعه : قال .. أنّ أبي قد هاجر .. وأنه .. على العكس من أبيه .. فرّ من ..
نظر الجد إلى حسام ، وقال : لا عليك ، يا بنيّ ، إنه لا يعرف الحقيقة ، وحين يعرفها سيغير موقفه .
لاذ حسام بالصمت ، فتابع الجد قائلاً : لكن مهما كان الأمر ، لن تقول لأحمد أو لغيره ، أين أبوك الآن ، وماذا يفعل ، هذا سرّ يا بنيّ ، وعلينا أن نكتم مثل هذا السرّ ، حتى عن أصدقائنا .
مسح حسام عينيه ، وتطلع إلى جده ، ثم قال : اسمح لي يا جدي ، لابد أن أذهب الآن ، لا أريد أن يعرف أبي ، حيثما يكون ، أنّ يديّ لا تحملان آثار الحجارة .
ماذا تقول ماما ؟

كلما قمتُ بما يغضب ماما ، قالت لي : متى تعقل ؟ حتى أنني بدأتُ أتساءل ، حقاً متى أقل ؟ وقد خيل إليّ اليوم ، وربما للمرة الأولى ، أني عقلتُ . فقد فاجأنا عدد من جند الاحتلال ، ونحن كالعادة نرجم زمرة منهم بالحجارة ، واجتاحونا مثل العاصفة ، بأسلحتهم وسياراتهم المصفحة .
ووسط العاصفة ، وقفتُ حائراً ، مذهولاً ، لقد أفلت معظم الأطفال ، ولاذوا بالفرار، وأمسك جند الأعداء بمن وقع في أيديهم ، وأخذوهم إلى سياراتهم المصفحة ، وأسلحتهم مشرعة في أيديهم .
وتملكني الغيظ والغضب ، إذ لم يلتفت أحد من الجند إليّ ، وكأن لا شيء ، ماذا يظنني هؤلاء الحمقى ؟ صغيراً ؟ غرّاً ؟ عاجزاً ؟ إنني طفل مثل بقية الأطفال ، وقد أطلقتُ الحجارة معهم ، ومعهم هتفتُ .. بالروح .. بالدم .. نفديك يا فلسطين .
وانحنيتُ على الأرض منفعلاً ، وأمسكتُ بحجرة ، ورفعتُ يدي، لابد أن يعرفوا أنني مثل الآخرين ، وأني لستُ صغيراً لا يؤبه له و .. لم أطلق الحجرة ، أرخيتُ يدي ، لو رجمتهم فربما أحاطوا بي ، وأخذوني معهم ، وهذا سيحرمني من الاشتراك في المعركة غداً . تلفتُ حولي ، وانسللتُ مع حقيبة كتبي المليئة بالحجارة إلى البيت ، ترى لو علمت ماما بما فعلته اليوم ، فماذا ستقول ؟

بيت فلسطيني

palestineعندما دقوا عليها الباب ، عرفتهم على الفور، إنّ جيرانها ، أو رفاق ابنها، أو أقاربها ، لا يطرقون الباب هكذا ، ما الذي يريدونه هذه المرة ؟
لقد جاءوها قبل أيام ، يتقدمهم وجه أصم ، وقلبوا البيت ، وحاصروها بأسئلتهم عن ابنها . لم تجبهم إنها لا تعرف ، وحتى لو تعرف ، فهل تدلهم عليه ؟
فتحت الباب ، جابهها الوجه الأصم نفسه ، يحيط به جند مدججون بالسلاح ، تساءلت بحدة : نعم ، ماذا تريدون ؟
قال الوجه الأصم : اخرجي .
ارتج قلبها العجوز ، لقد أدركت ما يريده ، وصاحت كأنها تستغيث : لا .
صاح الوجه الأصم : أخرجوها .
امتد نحوها أيد كالصخر ، فتراجعت قليلاً ، وقالت : لا تلمسوني ، سأخرج بنفسي .
خرجت من البيت ، والدموع تقاوم الخروج من عينيها ، وسرعان ما التف حولها الرجال والنساء والفتيان والأطفال ، دوى انفجار ، وتهاوى البيت كومة من الحجارة ، ثم مدّت يدها ، والتقطت حجرة ، ومن غير أن تنبس بكلمة ، رفعت يدها ، وأطلقت الحجرة نحو الوجه الأصم ، وفي الحال ، امتدت أيدي الرجال والنساء والفتيان والفتيات والأطفال إلى الحجارة ، وراحوا يطاردون بها جند الاحتلال .

الأمطار

لا فائدة ، يبدو أن بروقنا ورعودنا ودخاننا ، لن توقف زخات الحجارة . إنهم يمرغوننا ، أطفال الحجارة هؤلاء ، أهم حقاً أطفال ؟ توقفتُ وسط الشارع ، لعلي أرتاح قليلاً ، وانطلق رفاقي المدججون بالسلاح ، في أثر الأطفال . رنّت حصاة فوق خوذتي، فالتفتّ ببندقيتي على الفور ، وإذا بي وجهاً لوجه مع طفل يحمل مصيادة ، إنه بعمر صغيري يوشع ، اقتربتُ منه ، لم يهرب مني ، فانحنيتُ عليه ، وسألته : ما اسمك ، يا صغيري ؟
أجاب الطفل : داؤد .
داؤد ! يبدو أنه يحسبني من العمالقة ، لن نسمح للتاريخ أن يعيد نفسه بصيغة أخرى ، نحن داؤد . قلتُ وأنا أحاول أن أكبح غضبي : اذهب بمصيادتك واصطد العصافير في مكان آخر .
قال الطفل : أنا لن أصطاد العصافير بمصيادتي ، بل سأصطاد بها أنت .
انفجر غضبي ، فأخذت المصيادة من الطفل ، ومزقها إرباً ، ثم صحتُ به : امض ِ إلى أمك ، وإلا ..
ظلّ الطفل في مكانه ، كأنه لم يسمعني ، وتناهت إليّ أصوات غاضبة ، فتلفتُ حولي ، ثم أسرعتُ لألحق برفاقي ، ولم أكد أبتعد حتى رنّت حجرة فوق خوذتي ، فالتفتُ إلى الوراء ، وإذا بالطفل داؤد نفسه ، يمل هذه المرة مقلاعاً ، ويضرب به حجرة ثانية نحوي .
شاحنة يوسف

مرة أخرى جاء ، إنه هو نفسه ، لم أنسه ، وكيف أنساه وقد كان وراء ما حدث للعزيز .. يوسف .
طرق الباب ، مثلما طرقه من قبل ، وبل العزيز يوسف ، أطلّ هذه المرة أبوه ، بوجهه العجوز ، وعينيه الطفلتين ، وكأنهما عينا يوسف نفسه .
سالت ابتسامة لزجة فوق شفتيه ، ثمّ أشار إليّ ، وقال : هذه الشاحنة نريدها ، وسنعطيك ما تحدده لها من ثمن .
ومثلما قال يوسف : لا .
وأضاف : لن أصارع باسمكم ، إنني فلسطيني .
قال أبوه : لا .
ثمّ أضاف : لن أبيعها ، إنها شاحنة يوسف .
قال الرجل ، وابتسامته مازالت تسيل لزجة فوق شفتيه ، لن يوسف ..
قاطعه أبو يوسف : يوسف لم يُصرع ، لقد غدرتم به ، نعم ، لكنه لم يُصرع .
قال الرجل ، وابتسامته تتراجع مصفرّة : مهما كان الأمر ، فلم يعد لوجود هذه الشاحنة هنا من معنى .
عندئذ صفق أبو يوسف الباب في وجه الرجل ، وهو يقول : هنا مكان الشاحنة ، وأنتم تعرفون ما تعنيه .
رمقني الرجل بحنق ، وقد جفّت ابتسامته ، ثم مضى لا يلوي على شيء . يا للحقارة ، إنهم يريدون أن يتخلصوا مني ، لأني أذكّرهم بكلمة ” لا ” التي قالها في وجوههم ، العزيز يوسف ، كأنه لم يكفهم ما فعلوه بنا ، حين تصدّوا لنا ذات ليلة ، وأمطرونا بالرصاص ، إنني هنا ، شاهداً من شهود مخيم البريج ، إنّ الجميع هنا يعرفونني ، ولن يفرطوا بي ، وكيف يفرطون بي ، وأنا شاحنة بطلهم .. يوسف ؟

تعالوا يا أطفال

هذا ليس عدلاً ، إنني مثل الأخريات ، فما معنى هذا التمييز ؟ قد أكون أكبر حجماً ، وقد أكون أكثر ثقلاً ، لكني مع ذلك حجرة مثل بقية الأحجار .
قبل أسابيع ، لم أكن هنا ، كنتُ جزءاً من بيت صغير ، تتوسطه شجرة زيتون ، وشجيرات ورد بلن الشفق ، لقد شهدتُ فيه ولادة أطفال كثيرون ، لن أنسى منهم أحداً ، لكن سيبقى من بينهم ل ” نبيل ” مكانة خاصة ، الأنه أشجعهم ؟ أم لأنه أجملهم ؟ لا أدري، لكنني أحبه ، رغم أن الجنود ، الذين نسفوا البيت ، ورموني هنا، قالوا أنه ” مخرب ” .
لم أعد أرى نبيل ، قيل أنه حمل بارودة جده ، والتحق بالثوار ، مخرب ، يا للأوباش ، وكأنه هو من خرّب البيت ، ونسف شجرة الزيتون ، وشجيرات الورد .
ارتفع صوت صبية : حذار ، عجلة صهيونية .
هتف صبيّ : لنسدّ الطريق بالحجارة .
امتدت الأيدي إلى الأحجار ، وراحت ترصها بسرعة على عرض الطريق ، فصحتُ بالصبية : أيها الصبيان ، أرجوكم ، تعالوا إليّ ، لا أريد أن أبقى هذا بلا دور .
ولابد أنّ أحدهم قد سمعني ، فهاهي يدان طفلتان تحتضناني ، يا إلهي ، إنني كبيرة ، وثقيلة ، على مثل هاتين اليدين . وارتفع صوت صبية وسط ضجيج الصبيان : صفاء ، اتركي هذه الحجرة ، إنها ثقيلة .
لم تتركني صفاء ، بل هتفت بالصبية : تعالي ، وساعديني سنضعها في منتصف الطريق .
أقبلت الصبية مسرعة ، وتعانقت يداها مع يدي صفاء ، وحملتاني ، ووضعتاني في منتصف الطريق ، ثم لحقتا بالصبيان ، وقنابل الغاز تطاردهما ، وتنفجر حولهما .
ومن بداية الشارع ، أقبلت عجلة مسرعة ، تحمل مجموعة من الجنود المدججين بالسلاح ، لكنني ورفيقاتي الحجارة سددنا عليها الطريق ، ووقفنا حاجزاً بينها وبين الأطفال ، ترى هل سيقول الأعداء عني ، إنني مثل نبيل ” مخربة ” ؟

ستمر العاصفة

palestineعلى غير عادته ، لم يخرج الرجل العجوز من كوخه اليوم ، ليتجول في البستان ، بل لم يطلّ عليّ ليحييني ، ويناغي صغيري، ماذا جرى ؟ لا أعتقد أنه مريض ، لقد رأيته مساء البارحة ، نضراً مثل شجرة الزيتون التي تضم عشي بين أغصانها .
أخشى أن للأمر علاقة بالجنود الذين جاءوا بمصفحاتهم ، وأسلحتهم ، وأفزعوا صغيري بطرقهم الجنوني على باب الكوخ في منتصف الليل . إنهم يبحثون عن عامر ، ابن الرجل العجوز.
الحقراء ، لا يمكن أن أصدق ما قالوه ، إنه ليس مخرباً ، إنني أعرفه ، وأعرف طيبته ووداعته ، لابد أنهم اقترفوا من الجرائم ما جعله يرمي إحدى دورياتهم بزجاجة حارقة .
ارتفعت ضجة مخيفة ، يا إلهي ! أهي العاصفة ثانية ؟ وأطلّ صغيراي فزعين من تحت جناحي ، وقلت : لا تخافا يا عزيزيّ، لعلها عاصفة عابرة .
لم تكن الضجة عاصفة عابرة ، بل ثلاثة بلدوزرات ضخمة ، تدعمها ثلة من الجنود المدججين بالسلاح ، وبدون إنذار عصفت البلدوزرات الثلاثة بالكوخ وأشجار البستان .
تقدم بلدوزر من شجرة الزيتون ، ورفع شفرته الحادة الملطخة بنزيف الأشجار ، لكنه توقف متردداً ، حين لمحني قائده أرفرف حول صغيري ، فصاح به عسكري غضوب يقف بين جثث الأشجار : لا تتوقف ، اقطع هذه الشجرة .
ردّ قائد البلدوزر : أرى فوقها فاختة و …
فقاطعه العسكري الغضوب مرعداً : أيها الأحمق ، اقطعها .
ارتجت شجرة الزيتون ، وتصارخت أغصانها المثقلة بالأزهار ، ثم هوت بكل ما فيها على الأرض ، وسرعان ما غامت عيناي ، وغامت الشمس ، والتلال ، والأشجار ، والعش .
وأفقت على كفين حنونين ترفعانني من بين الأغصان ، إنه الرجل العجوز ، فَرَدَ جناحي الدامي ، وتأمله على ضوء القمر ، وقال : اطمئني ، إنه جرح بسيط .
وضعتُ رأسي على راحة كفه ، وأغمضتُ عيني فتنهد ، وقال بصوت تبلله الدموع : إنني أفهمك يا عزيزتي ، فلا أعز من الصغار ، لكن ما العمل ؟ لا خيار .
جلس الرجل العجوز ، واتكأ على أنقاض كوخه ، وقال وهو يضمني إلى صدره : لنرتح الآن قليلاً ، لابّد أن أبدأ غداً بإعادة بناء الكوخ ، وتنظيف البستان . إنها عاصفة ، وستمرّ كما مرّت كثير من العواصف .

أمنية

اعتادت معلمة اللغة العربية أن تفاجئنا في درس التعبير بمواضيع طريفة ، وقد كانت مفاجئتنا هذا اليوم هي : ماذا تتمنى أن تكون ؟ سارع أحمد على عادته ، وصاح : أتمنى أن أكون أسداً .
ونهضت ليلى وقالت : أتمنى أن أكون غزالة .
زأر أحمد ، وصاح : آآآ .. سأفترسكِ .
فغطت ليلى وجهها بكفيها ، وصاحت : ماما .
ضحكنا جميعاً ، وابتسمت المعلمة ، ثم أشارت إلى غيث ، نهض غيث بتثاقل ، فقد مفرط البدانة ، وقبل أن ينطق بكلمة ، قلت : غيث يحب العسل .
ضجّ التلاميذ بالضحك ، وراح غيث نفسه يغالب ابتسامته ، ضحكت المعلمة ، وقالت : لكنه ليس كسولاً كالدب .
فنظرتُ إلى غيث وقلت : زنبوراً .
ضحكت ليلى ، وقالت : لن يتفقا أبداً .
تجّولت عينا المعلمة بين أذرع ِ التلاميذِ المرفوعةِ ، لكنهما توقفتا عند حسام ، رغم أنه لم يرفع ذراعه ، وقالت المعلمة : هيا يا حسام .
نهض حسام ، وهو تلميذ جديد ، كنا نسميه الفلسطيني ، فابتسمتِ المعلمة له ، وقالت : ماذا تتمنى أن تكون ؟
تمتم حسام : عصفوراً .
لم يضحك أحد ، وساد الصف صمت حزين ، فتابع حسام : أتمنى أن أكون عصفوراً لأزور أبي في طرابلس ، وأمي في سجن للعدو بالقدس ، وجدّي في رام الله وقطتي ..
سكت حسام لحظة ، ثم قال : لا أدري أين قطتي الآن ، فقد غادرتُ بيروت مع جدتي ، وظلّت هي تحت القصف مع صغارها .
غالبت المعلمة دموعها ، لكنها قالت ، وهي تحاول أن تبتسم : أتمنى أن لا تراك قطتك وأنت عصفور .
فتطلع حسام إلى المعلمة ، وقالت : إن قطتي تحبني ، ولن تؤذيني حتى لو كنت عصفوراً .

القصيدة

فلسطين في القلب ، يا لله ، إنه عنوان رائع ، لابد أنه سيعجب أبي ، ومن يدري ، فقد يعجب صديقتي ” الناقدة ” أيضاً ، التي قلما يعجبها شيء ، لقد فرح أبي ، حين قرأ أولى قصائدي ، وتنبأ بأني سأكون شاعرة مثل جدي ، الذي شارك في ثورة ” 1936″
لكنه لم يستطع أن يخفي شعوره بالمرارة ، لأني لستُ رجلاً كجدي ، بل مجرد ” بنت ” .
إنّ قصيدتي تبدأ ب ” فلسطين ” ، وأبي يحبّ هذه ال ” فلسطين”
بقدر حبه لبيارته ، التي اغتصبها منه المحتلون ، وسيفرح حين يعلم أنني سأقرؤها أمام الطلاب في حفل المدرسة ، ولعله سيقول : ابنتي شاعرة ومناضلة مثل جدها .
ترامت إليّ ضجة من بعيد ، لابدّ أنها مظاهرة أخرى ، إنّ المظاهرات لا تنتهي هذه الأيام ، فلأسرع إلى المدرسة ، وإلا بقيتُ ” فلسطين في القلب ” طيّ جيبي ، ترى ماذا ستقول الناقدة هذه المرة ؟ وهل الأمر يحتاج إلى تفكير ؟ ستثبّت نظارتها الشبيهة بقعر الزجاجة فوق أنفها ، وتقول كالعادة : لا بأس ، لكن أعتقد أنني قرأتُ هذا العنوان من قبل .
آه ما أقبح نظارتها ، إنها مجرد ناقدة ، ولن تكون ، رغم نظارتها الشبيهة بقعر الزجاجة أكثر من ناقدة ، أما أنا فشاعرة مبد .. عه
.. آه دخان ، من أين جاء هذا الدخان ؟ إنني أكاد أختنق ، وأفقتُ على أحدهم يصيح بي : بلقيس .
تلفتّ ُ حولي ، وإذا بي وسط فتيان وفتيات مدرستي ، يا إلهي ، إنهم جمهوري ، لقد ضاعت ” فلسطين في القلب ” ، ولن أسمع رأي ” الناقدة ” فيها و .. اتسعت عيناي ، يا لله ، إنها هنا صديقتي ” الناقدة ” ، بنظارتها الشبيهة بقعر الزجاجة ، لكنها لا تتحدث كعادتها عن الشعر والقصة والمسرح ، بل ترجم الأعداء بالحجارة ، آه ما أجمل نظارتها .
وحانت من الناقدة التفاتة ، وما إن رأتني ، حتى أسرعت إليّ ، وقالت وهي تلهث : بلقيس ، لقد بحثتُ عنك طويلاً ، هذا يومك ، هيا ألقي قصيدة حماسية .تملكني الحماس ، وقلتُ : سأقرأ قصيدة من شعر محمود درويش .
ردّت صديقتي : لا يا عزيزتي ، اقرأي قصيدة من شعرك .
أشرق وجهي ، وقلتُ : كتبتُ قصيدة لألقيها في حفل المدرسة .
هتفت صديقتي ، وهي توسع لي الطريق : القيها هنا ، هيا ، هيا .
تقدمتُ الصفوف ، ورفعتُ يدي ، وصحتُ بأعلى صوتي : فلسطين في القلب .توقف الفتيان والفتيات ، والتفتوا إليّ ، فصاحت بهم صديقتي : لا تتوقفوا ، ستقرأ بلقيس قصيدتها ، استمروا أنتم في رجم الأعداء .
تعالت قصيدتي وسط الحجارة والدخان والهتافات ، وما إن انتهى البيت الأخير فيها ، حتى ارتفع تصفيق الفتيان والفتيات والأطفال والنساء والرجال و .. يا لله ، أهو أبي من يقف وسط الناس ، ويتطلع إليّ بعينين طافحتين بدموع الفرح ؟ نعم ، إنه هو، هو .. بنفسه و .. وانفجرت بيننا قنبلة غاز ، ولفّتنا جميعاً بالدخان ، مددتُ يديّ ، ورحتُ أتلمس طريقي إلى الهواء الطلق، وأنا أكاد أختنق ، لكني شعرتُ بيدين محبتين تطوقاني ، إنها صديقتي الناقدة ، والتمعت عيناها من وراء نظارتها ، وقالت بنبرة لن أنساها أبداً : أحسنتِ يا بلقيس ، إنها قصيدة رائعة ، أنت شاعرة بحق .

يوم الأرض

palestineاحتدّت جدتي ، حين سمعت جدي ، يترنم بأغنية عن الأرض ، وقالت : كفى ، ستوقظ الصبي .
لم توقظني أغنية جدي ، فقد كنتُ مستيقظاً ، وكيف لا أستيقظ ، وقد أخبرني جدي البارحة ، بأنه سيحتفل غداً ، وأنه يريد أن أحتفل معه ، شريطة أن توافق جدتي ، آه من هذه ” الشريطة ” ، ويبدو أنّ جدتي خمنت ما أتمناه ، فنظرت إليّ ، وقالت : ابقَ في فراشك .
انتابت جدي نوبة من السعال ، فغمز لي ، ثم رمق جدتي، وقال : آه السجائر .
فردت جدتي : بل العمر ، أنت عجوز .
رفع جدي الرفش ، وقال : أنت عجوز ، إنني ..
هزّه السعال ثانية ، فقالت جدتي : لا تخرج الآن ، إنّ الجو بارد .
ابتسم جدي ، وقال بصوت منغّم : يوم الأرض .
ثمّ انحنى عليّ ، وقبلني ، وقال : ستعرف يوماً معنى الأرض .
وقهقه ، وقال وهو بخرج : الحقا بي إذا أردتما أن تحتفلا.
أغلقت جدتي الباب ،ـ وقالت : سيقتل هذا العجوز نفسه .
ثمّ التفتت إليّ ، وقالت : نم يا بنيّ ، نم .
أغمضتُ عينيّ ، لكني لم أنم ، وسمعتها تدور في الكوخ، وتغمغم بانزعاج ، لم أدر كم مرّ من الوقت ، حين كفت جدتي عن الغمغمة ، وسمعتها تشهق ، وتصيح : الحقراء المحتلون ، لقد جاءوا .
فتحت جدتي الباب ، ومضت تدبّ نحو البستان ، فنهضتُ من الفراش ، ورحتُ أعدوا في أثرها ، ومن بعيد سمعتها تولول : يا ويلي .
لمحتُ جدي يقف أمام ضابط ، والجند يحيطون به ، صاح الضابط بجدي : اقلع هذه الأشجار .
هزّ جدي رأسه ، وقال : إنها أرضي ، ولن أقلع شجرة منها .
قال الضابط : سنقلعها نحن .
تقدمت جدتي إلى الضابط ، وقالت : أرجوك ، إنها مجرد أشجار صغيرة .
احتدّ الضابط ، وصاح : كلا ، ليست هذه مجرد أشجار ، إنها جزء من مظاهرة .
وأشار إلى الأشجار، وصاح بالجند: اقلعوها .
اشتعلت عينا جدي بالغضب ، حين رأى الأشجار تقلع ، وصاح : قتلة .
فصاح الضابط ، وهو يتجه نحو السيارة : خذوه ، هيا .
دفع الجند جدي إلى السيارة ، وصعدوا في أثره ، وسرعان ما انطلقت . خيم الصمتُ فوقنا ، وظلت جدتي جامدة ، ارتفعت زقزقة عصفور ، رفعت جدتي رأسها ، ونظرت إلى الأشجار المقلوعة ، ثمّ التفتت إليّ ، وقالت بحزم : فلنحتفل ، يا بنيّ .
رفعت جدتي الرفش ، فابتسمتُ بفرح ، وناولتها شجرة ، إنه يوم الأرض ، وقبيل المساء ، انتظمت عدة صفوف من أشجار الزيتون ، وراحت تتمايل مع الريح ، فوق أرضنا .
بابا نويل

أغمض ليث عينيه ، واستغرق في نوم عميق ، لم أضعه اليوم في سريره ، سأبقيه في حضني حتى الصباح ، آه بنيّ صباح ، منذ أن ذهبت إلى الأغوار ، ولم تعد ، غاب عنيّ الصباح .
التمعت نجمة في السماء ، إنه العام الجديد ، وتناهت إليّ أصوات أجراس ، أجراس ؟ لابد أني أحلم ، لقد مضت الأجراس ، منذ أن مضى صباح ، كان صباح يسأل أباه، كلما جاءه بهدية بمناسبة العام الجديد : أهي من بابا نويل.
فيضم صباح أباه ، ويقبله وهو يقول : يا له من رجل طيب ، ليتني أراه .
فيغرق أبو صباح في الضحك ، ويقول : لا يمكن أن تراه يا بنيّ ، لكني سآتيك بصورته .
وها هي صورة بابا نويل فوق الرف ، لقد حال لونها ، لكن صباح احتفظ بها ، وكان كلما يأتي لصغيره ليث بهدية بمناسبة العام الجديد ، يشير إلى الصورة ، ويقول : إنها من بابا نويل .
سمعتُ دبيباً في الخارج ، فوضعت ” ليث ” في سريره، وفتحتُ الباب ، وإذا شاب ملتح ينسل إلى الداخل ، فتساءلتُ بصوت خافت : من أنت ؟
فأجاب الشاب ، وهو يلهث : إنهم في أثري ، أرجوك ..
ارتفعت ضجة في الزقاق ، وتعالت أصوات لاهثة : لقد اختفى .
ـ لعله دخل أحد البيوت .
ـ كلا ، لابد أنه مضى من هذا الزقاق ، فلنتبعه .
تلاشى وقع الأقدام ، فتنهد الشاب بارتياح ، وقال : لقد مضوا .
استيقظ ليث ، وتطلع إلى الشاب بدهشة ، وقال : من أنت؟
ابتسم الشاب بحرج ، وهمّ أن يتكلم ، لكني سارعتُ إلى ليث ، وأخذته بين ذراعيّ ، وقلتُ : إنه بابا نويل .
وتساءل ليث مندهشاً : بابا نويل ! فقلتُ ، وأنا أقبله : نعم، بابا نويل المخيمات .
نزع الشاب ساعته خفية ، واقترب من ليث ، وقال وهو يقدم له الساعة : هذه هديتك ، يا بنيّ .
تندت عيناي بالدموع ، وقلتُ : لا ، أرجوك .
فابتسم الشاب ، وقال وهو يشدّ الساعة حول معصم ليث : لا تنسَ ، إنني بابا نويل .
فرح ليث بهديته ، لكني فرحتُ أكثر ، فها هو بابا نويل ، بلحيته الشابة ، يزورنا مع العام الجديد ، ويحمل لنا الأمل في العودة .
ليلى والذئاب

حين فتحتُ النافذة هذا الصباح ، تذكرتُ جدتي ، فقد كانت الشقائق تتمايل مع الريح ، فلأفاجيء جدتي ، وأفرحها ، فبقدر ما أحبّ الحلوى ، تحبّ جدتي الشقائق .حملتُ سلتي ، فبادرتني أمي : لا داعي للخروج اليوم ، يا ليلى .
قلتُ وأنا أمضي : لن أتأخر ، سآخذ بعض الشقائق إلى جدتي .
هتفت بي أمي : حذار من الذئاب .
لوحتُ لأمي ، وقلتُ : لا تخافي يا ماما ، لم أعد صغيرة.
ملأتُ السلة بالشقائق ، واتجهتُ إلى بيت جدتي ، ستفرح جدتي بالشقائق ، وستقدم لي قطعة من الحلوى ، سأتمنع طبعاً ، صحيح إنّ الحلوى طيبة ، لكني لم آخذ الشقائق لجدتي من أجل الحلوى ، ستقول جدتي كعادتها : خذيها وإلا زعلت .
لن أرضى أن تزعل جدتي ، سآخذ الحلوى طبعاً ، وسأقول لها : أشكرك ، يا جدتي .
أفقتُ على أصوات تضجّ حولي ، وإذا بالأحجار تتطاير في كلّ مكان ، وثلة من الجنود المدججين بالسلاح تعدو في أثر الأطفال .
هتفت بي امرأة عجوز : ابتعدي يا بنية وإلا داسك الجنود.
قبل أن أبتعد ، وجدتني وسط الأطفال والفتيان والفتيات ، وانفجرت قربنا قنبلة غاز ، كدتُ أختنق ، ولم أستطع أن أتبين طريقي ، وما إن انجلى الغاز ، حتى وجدتني وحيدة بين الجنود المدججين بالسلاح ، وصاح بي وجه عابس : تعالي .
بقيتُ في مكاني ، فتقدم الوجه العابس مني ، وصاح ثانية : ماذا تحملين في سلتك ؟
أجبته : شقائق لجدت .
أبرقت عينا الوجه العابس ، وأرعد : شقائق فقط ؟
ورفس السلة بقدمه ، ثمّ صاح : لن تنطلي عليّ حيلتك ، أنت تحملين حجارة .
طارت السلة من يدي ، وتناثرت الشقائق على امتداد الشارع ، تلفت الوجه العابس محرجاً ، ثمّ صاح بالجنود : طاردوهم ، لا أريد أحجاراً بعد اليوم .
أسرع الجنود في أثر الأطفال والفتيان والفتيات ، وهم يطلقون نحوهم قنابل الغاز ، وبقيتُ وحدي وسط الشارع المزروع بالشقائق والأحجار ، مددتُ يدي إلى سلتي ووجدتني أملأها بالأحجار ، إنّ جدتي لن تحتاج الشقائق اليوم ، سآخذ هذه الهدية إلى الأطفال والفتيان والفتيات .
هدايا العام الجديد

وضعتني جدتي في فراشها ، وقالت لي بابتسامتها الطيبة : لقد حان وقت النوم .
ونظرتُ إلى جدتي ، وقلتُ : لا أستطيع أن أنام وحدي ، إنّ ماما تنام دوماً إلى جانبي .
وتمددت جدتي إلى جانبي ، وقالت : أنا إلى جانبك ، والآن نم ، يا بنيّ ، ستعود ماما غداً .
دمعت عيناي ، فقالت جدتي بصوت دامع ، وهي تغمض عينيها : أغمض عينيك مثلي .. مثلي .. هكذا .. وستنام .
أغمضتُ عينيّ ، متمنياً أن أرى ، ولو في الحلم ، ماما وباب .. وهدية العام الجديد .. و .. وسرعان ما سمعتُ جدتي تغط في نوم عميق .
وانبثق من بعيد رنين أجراس ، فأسرعتُ إلى الخارج ، ووقفتُ عند الباب ، ومن الليل ، أقبلت عربة ، يقودها رجل ذو لحية بيضاء كالثلج ، وما إن رآني حتى أوقف عربته ، وهتف بصوت مرح : غيد سعيد .
فغمغمت ُمذهولاً : بابا نويل !
وقهقه الرجل ذو اللحية البيضاء ، ثم قال : ها أنت عرفتني .
وقدم لي دمية جميلة ، وقال : تفضل ، يا بنيّ ، إنها هديتك .
ورغم جمال الدمية ، لم أمدّ يدي إليها ، فتساءل الرجل ذو اللحية البيضاء : ما الأمر ، يا بنيّ ؟
فأجبته : لقد نسفوا بيتنا .
هزّ الرجل ذو اللحية البيضاء رأسه ، وقال : يا للأسف .
وتابعتُ كلامي قائلاً : وزجوا بابا بالسجن ، وقد ذهبت ماما لزيارته .
وحملق الرجل ذو اللحية البيضاء فيّ حائراً ، ثم قال : أنت ترى .. يا بنيّ .. إنني .. بابا نويل .وصفقتُ الباب صارخاً : امض ِ .
ومدت جدتي يديها ، واحتضنتني ، وهي تغمغم : نم ، يا بنيّ ، ستعود ماما غداً .
وتعالى رنين الأجراس ، وتداخل مع أزيز الرصاص ، ودويّ الإنفجارات و ..
ووجدتني وسط الدخان .. والأطفال .. والحجارة .. .. وفجأة رأيته ، رأيتُ الرجل ذا اللحية البيضاء ، بين الجموع ، يحمل حفنة من الحجارة .. فتقدمتُ منه مذهولاً .. وهتفتُ : بابا نويل !
وابتسم الرجل ذو اللحية البيضاء ، ويده ترتفع بإحدى الأحجار ، وقال : هيا الآن ، يا بنيّ ، نقم هدايانا بمناسبة العام الجديد .
ومع مئات الأطفال والفتيان والفتيات ، رحنا ، أنا والرجل ذو اللحية البيضاء ، نطلق الحجارة نحو الأعداء.
المقلاع

منذ يومين ، وأنا أذرع شوارع مخيم البريج في غزة، والمقلاع في جيبي . وعبثاً بحثتُ عنه وسط أمطار الحجارة ، وقنابل الملتوف ، والغازات الخانقة .
قبل أن أتعرف عليه ، رأيته أكثر من مرة ، بين أطفال الحجارة ، وإلى جانبه طفلة في عمره . وبدون أن يدريا، صورتهما مرات كثيرة . لقد جئتُ في مهمة ، لأكتب عن الانتفاضة ، وقد أسرني هذا الطفل ، وأصبح مهمتي، ترى أين مضى ؟ لقد وعدني أن يأخذني لنصور بيتهم ، أو ما تبقى منه ، فقد نسفه الجنود الإسرائيليون ، لأن أباه حمل السلاح ، وانضم إلى الفدائيين .
وذات مرة ، سألته عن تلك الطفلة ، وهو يتجول بي في أزقة البريج ، فقد ظننتُ أنها أخته التوأم ، فضحك ، وقال: إنها ليست أختي ، بل تلميذة معي في المدرسة .
ابتسمتُ وقلتُ : كم هي جميلة ، ما اسمها ؟
أجابني : فاطمة .
ثم رمقني بنظرة خاطفة ، وقال : إنها قوية ، وشجاعة ، وهي ترمي الحجارة أفضل من بعض الصبيان .
وبين الأطفال ، لمحتُ فاطمة وحدها ، ترمي الحجارة بعنف ، فأسرعت أشق الطريق إليها ، وأمسكتُ بذراعها، وهتفتُ : فاطمة .
استدارت فاطمة إليُ ، وصاحت بغضب : دعني .
لم أدعها ، بل سألتها : أين علي ؟
سحبت ذراعها بانفعال ، وأجابت : أنت تعرف أين هو ، أيها الصهيوني .
قلتُ لها : لستُ صهيونياً ، إنني صحفي ، وعي صديقي.
صاحت فاطمة : أنت تكذب .
أخرجتُ المقلاع من جيبي ، وقلتُ : أنظري ، قبل أيام ، أهداني هذا المقلاع .
صاحت فاطمة ، والدموع تتفجر من عينيها : إنه مقلاعه، أيها اللعين ، لابد أنك سرقته منه ، بعد أن قتل .
شهقتُ مرتعباً : ماذا ؟ علي .. ؟
قاطعتني فاطمة بصوت باك : لقد قتله جنودكم البارحة .
غام كلّ ما حولي ، ولم أعد أرى سوى علي ، وهو يحارب بمقلاعه ، وسط رفاقه الأطفال ، وفاطمة تحارب إلى جانبه ، ووجدتني آخذ حجرة ، وأضعها في المقلاع، ومثلما علمني علي ، رحتُ ألف المقلاع بسرعة ، وأطلقتُ الحجرة نحو الجنود الإسرائيليين .
وارتفعت ضجة ، وتفجر المزيد من قنابل الغاز ، فتطاير الأطفال من حولي ، ولاذوا بالأزقة القريبة ، ومن بين سحب الغاز ، رأيتُ الجنود الإسرائيليين ، يندفعون نحوي ، وأسلحتهم مشرعة في أيديهم ، فأمسكت فاطمة بيدي ، وراحت تركض بي نحو أحد الأزقة ، وهي تقول لي : هيا معي ، سأخبئك في بيتنا ، حتى يمضي الجنود الصهاينة .

ملاحظة : استفدتُ في هذه القصة من تقرير الصحفي
الأمريكي جون لي أندرسن عن مخيم البريج
في غزة عام ” 1988″ .
الكرة
” 1 ”
خرجنا سوية ً ، أنا وأحمد ، من المدرسةِ ، بعدَ انتهاءِ الدوام ِ.وسرنا جنباً إلى جنب، وسط َ مجموعة متزاحمة ضاجّة ، من التلاميذِ .
كانَ أحمدُ يسيرُ صامتاً ، متوجساً ، وقد احتضنَ كُرتهُ ، التي أهدتها لهُ اليومَ معلمةُ اللغةِ الغربيةِ .
آه يا لها من إنسانة رقيقة ، طيبة ، هذهِ المعلمةُ ، لقد كتبَ أحمدُ ، قبلَ أيام ، في دفتر الإنشاء : لو لمَ يكن أبي في الأسر ، لاشترى لي كرة .
وهاهو يحصلُ على كرة جديدة ، وكأنّ َ أباهُ ليسَ في الأسر .
وارتفعت من الشارع ِالرئيسيّ أصواتُ معركة ، إنهم طلابُ وطالباتُ المدرسةِ المتوسطةِ ، يشتبكون كالعادةِ مع جندِ الاحتلال ِ ، في معركة جديدة من المعاركِ المستمرةِ .. بالحجارةِ .
وانطلق َ خالدُ ، الذي غالباً ما يتقدمُ تلاميذ مدرستنا ، في معاركِ الحجارةِ ، وصاح بنا : هيا ، الحقاني ، فأنتما لم تعودا صغيرين .
وهممتُ أن ألحقَ بهِ ، لكني توقفتُ ، حينَ رأيتُ أحمدَ يتسمرُ في مكانهِ ، وقد احتضنَ كرتهُ الجديدة َ ، وخاطبتهُ قائلاً : أحمد ، لنلحق بخالد ورفاقِنا هذهِ المرة َ .فردّ َ أحمدُ ، دونَ أن يتزحزحَ من مكانِهِ : كلا ، أخافُ أن يهاجمني جنديّ صهيونيّ، ويطعنَ كرتي بحربتهِ .
وانطلقَ أحمدُ نحو بيتهِ ، فأسرعتُ في إثرهِ قائلاً : فلأمض ِ أنا أيضاً إلى البيتِ .

” 2 ”
في منامي ، تلكَ الليلة ، رأيتُ كرة َأحمد الجديدة َ ، تنطّ ُ وحدَها في الشارع ،أردتُ أن ألحقَ بها ، وأعيدها إلى أحمد ، لكني جمدتُ في مكاني ، حينَ برزَ من الظلام ِ، جنديّ صهيونيّ مدجج بالسلاح .
وتقدمَ الجنديّ ُ من الكرةِ ، شاهراً حربتهُ ، وطعنها بقوة طعنة ً قاتلة ً .

” 3 ”
خرجتُ وحيداً ، هذهِ المرة َ ، من المدرسةِ ، بعدَ انتهاءِ الدوام ِ . وسرتُ قلقاً ، مفكراً ، وسط َ مجموعات متزاحمة ، ضاجة ، من التلاميذِ .
لم يأتِ أحمدُ اليومَ إلى المدرسةِ ، لابدّ َ أنّ َ في الأمر شيئاً ، فهو لم يتغيب من قبلُ عن الدوام ِ، ترى ماذا حدث َ ؟ لعلهُ مريض ، أو لعلَ واحداً من جندِ الاحتلال ِ قد تصدى لهُ ، و .. وسمعتُ خالداً ، يصيحُ بي : انتبه .
وانتبهتُ ، وإذا بي أتقدمُ عدداً كبيراً من التلاميذِ والطلابِ والطالباتِ ، وفي مواجهتنا جدار من جندِ الاحتلال ِ، مدججين بالسلاح ِ .
وتراءى لي ، أنني أرى بين جندِ الاحتلالِ ِ ، الجنديّ الذي أمسكَ بكرةِ أحمد ، وطعنها بحربتهِ طعنةً قاتلةً .
وعلى الفور ، مددتُ يديَ ، وانتزعتُ حجرة ً من يد خالد، وأمام نظراتهِ المذهولةِ ، تقدمتُ إلى أمام ، وأطلقتُ تلكَ الحجرة َ، نحو جدارِ جندِ الاحتلال ِ ، المدججين بالسلاح ِ .
النظارة ُ القاتمة ُ

انتهى الدوامُ ، عندَ منتصفِ النهار ، في مدرسةِ المخيم ِ . فأسرعتُ كالعادةِ ، ووقفتُ على مقربة من بابِ المدرسةِ ، أنتظرُ رنا ، فقد طلبت مني أمها ، منذ ُ فترة ، أن أصحبها إلى بيتهم ، الذي يقع على مقربة من بيتنا .
وأفرحني أن أصحبَ رنا ، كلّ يوم ، من المدرسةِ إلى البيتِ ، ليس فقط لأنّ َ شعرها كالذهبِ ، وعيناها في خضرةِ الزيتونِ ، وإنما أيضاً لأنّ أباها ، كان بطلاً من أبطال المخيم ِ ، ويكفي أنهُ الآن في سجن من سجون المحتلين الصهاينةِ .
ورغم خجلي ، وتحرجي من الحديثِ أمامَ الآخرين ، إلا أني كنتُ أحدثها ، ونحنُ في الطريقِ عن بطولاتي الكثيرةِ ، مع بعض ِ التلاميذِ ، في مقارعةِ جندِ الاحتلال ِ بالحجارةِ ، وكم كانت تفرحُ ، حين أقولُ لها : إنني أريدُ أن أكونَ مثلُ أبيك ِ، فدائياً بطلاً .
وأقبلت رنا ، حاملة ً حقيبتها ، وشعرها الذهبي يتطايرُ في الهواء ِ ، فتقدمتها ماشيا ًببطء ، وقلتُ : تأخرتِ .
وسارت إلى جانبي ، وقالت : استوقفتني المعاونة ُ، وسألتني عن سببِ تغيبي البارحةَ ، فقلتُ لها ، إنني كنتُ مريضة ً .
وتطلعتُ إلى عينيها الخضراوين ، وقلتُ : تبدين بخير اليوم .
فهزت رأسها قائلة : نعم ، إنني أفضل من البارحة .
وكعادتي كلّ يوم ، تدفقتُ في الحديثِ إليها ، فقلتُ : ليتكِ كنتِ معنا يوم أمس ، فقد تصدينا لعدد من جندِ الاحتلال ِ ، بعدَ خروجنا من المدرسةِ ظهراً، ورجمناهم بالحجارةِ .
ولسبب لا أدريهِ ، تورطتُ في حديث ، ندمتُ عليهِ فيما بعد ، فقد واصلتُ قائلاً : كان أحدُ الجنودِ ، يضعُ على عينيهِ نظارة ً قاتمة ً ، فسددتُ حجرة ً إلى نظارتهِ ، وحطمتها .تماماً .
ولذتُ بالصمتِ ، فقد تذكرتُ أنّ رنا ، أخبرتني مرة ً ، أنّ أحدَ الجنودِ ، الذين اقتحموا بيتهم ، واخذوا أباها ، كان يضعُ على عينيهِ .. نظارة ً قاتمة ً.
وهنا توقفتُ ، وتوقفت معي رنا ، فقد رأيتُ جندياً مدججاً بالسلاح ِ ، يقفُ على بعد خطوات منّا ، وعلى عينيهِ نظارة قاتمة . وفكرت ، لعلَ هذا هو الجندي ، الذي تصديتُ له البارحة َ ، هل حقاً تصديتُ البارحة َ لأحدِ الجنودِ ؟
وتمنيت لو ألتقطَ حجرة ً ، وأطلقها نحوهُ ، فربما أحطم نظارتهُ القاتمة َ .
وتراجعتُ إلى الوراء ِ ، وهمستُ لرنا بصوت مختنق : رنا ، إنهُ جنديّ صهيونيّ ، فلنهرب .وظلت رنا في مكانها ، وعيناها مسمرتان في الجندي ، فهمستُ لها ثانية ً : رنا ..
وقاطعتني رنا بصوت عميق : أنظر ، هذا الجنديّ ، بضع على عينيهِ نظارة ً قاتمة ً.
وتقدمَ الجنديُ ، ونظارته القاتمةُ تلمع تحتَ أشعةِ الشمس ِ ، وبدلَ أن أهربَ ، مددتُ يدي ، والتقطتُ حجرة ً ، وأطلقتها نحو الجندي ، وإذا بها تصيبُ نظارتهُ القاتمة َ ، وتحطمها تماماً .
وتوقفَ الجنديّ الصهيونيّ ، وقد جنّ غضباً ، ورفعَ سلاحه ، كأنه يتأهب لإطلاق النار علينا ، لكنه سرعان ما تراجعَ ، ولاذ َ بالفرار .
وهللت رنا قائلة ً : حقاً أ أنتَ بطل ، مثل أبي .
لم أخبر رنا ، حتى في ما بعد ، أنني لمحتُ قناصاً ، ملثماً بكوفية حمراء ، خطفَ فوق أحدِ السطوح ِ ، ولابدّ أنّ الجنديّ الصهيونيّ قد لمحهُ مثلي ، عندما همّ بمهاجمتنا ، فترجعَ خائفاً ، ولاذ بالفرار ، لا يلوي على شيء .
اليمامة البيضاء

الشهيدة راشيل كوري
الشهيدة راشيل كوري

لم يشفع لها اسمها
لم تشفع لها جنسيتها
وحتى زيها البرتقالي ، لم يشفع لها .
اسمها راشيل ، هذا الاسم أعطته لها جدتها ، ثم رحلت ، وفي قلبها بغداد .
هاجرت الجدة من العراق ، بل ـ كما تقول أمها ـ أجبرت على الهجرة ، وبدل أن تذهب إلى إسرائيل ، جاءت إلى امريكا ، حاملة معها العراق ، وظل العراق معها حتى رحلت .
ويبدو أن في راشيل ـ كما تقول أمها ـ شيء من جدتها الراحلة ، فهي تثور وتغضب للحق ، وتدافع عنه ، مهما كان الثمن .
وهذا ما كانت أمها تحاول التخفيف منه ، كلما قرأت مقالة في جريدة أو مجلة ، عما يعانيه الفلسطينيون ، أو حين ترى على شاشات التلفاز ما يجري على الأرض الفلسطينية ، من هدم للمنازل ، وقلع للأشجار ، وطرد الأسر من بيوتها ، لكي تبني إسرائيل المزيد من المستوطنات .
وفقدت راشيل السيطرة على أعصابها مرة بحضور أمها فصاحت : ماما ، كيف نسمح للعالم أن يكون بتلك البشاعة ؟
وعلقت أمها قائلة : من يسمعك ، يا راشيل ، يظن أنك تدافعين عن الفلسطينيين .
فقالت راشيل منفعلة : نعم ، أنا أدافع عنهم .
وقال الأم : لكنك يهودية .
فغادرت راشي الغرفة ، وهي تقول : أنا إنسانة .
وطالما تمنت راشيل ، أن تزور الفلسطينيين ، في قراهم ومخيماتهم ، وتقول لهم ، أنا راشيل ، يهودية من أمريكا ، لكني معكم ، وسأبقى معكم ، ما دمتم على حق .
وجاءت الفرصة ، عندما تم اختيارها لتكون عضواً في وفد ” التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ” الذي سيزور رفح الفلسطينية .
وجاءت راشيل إلى رفح ، وتجولت في الشوارع والأزقة ، وعاشت في بيوت الفلسطينيين البسطاء ، وتقاسمت معهم الخبز والماء ، وصحبت الأطفال ، بنين وبنات ، وصورتهم وهم يرجمون بالحجارة جند الاحتلال ، فكتبت إلى أمها :
” لا أدري كم من الأطفال هنا عاشوا في بيوت لا تمزق جدرانها شظايا القنابل ، ومن غير أبراج مراقبة على مرمى البصر ، يراقبهم من خلالها جيش احتلال ” .
واستمرت راشيل ، في معايشة الفلسطينيين ، وخاصة الأطفال ، وبدأت أوضاعهم تنعكس على نفسيتها ، فكتبت إلى أمها تقول : ” أرى في كوابيسي دبابات وبلدوزرات حول منزلنا ، وأنا وأنت في الداخل ” .
وفي حديثها مع الأطفال ، همست لها فتاة صغيرة ، وهي تشير إلى صورة طفل في حدود الثامنة من عمره ، ملصقة على الجدار : علي .
وسألتها راشيل بكلماتها العربية المضطربة : علي ، إنه طفل صغير جميل ، ما به .
فقالت الفتاة بصوت حزين : قتلته دبابة إسرائيلية قبل عدة أيام .
وبدا الانفعال والغضب على راشيل ، وقالت للفتاة الصغيرة : خذيني إلى بيتهم .
وذهبت راشيل ، مرتدية الزي البرتقالي ، زي وفد التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ، بصحبة الفتاة الصغيرة إلى بيت علي ، وعلى مقربة من البيت ، رأت راشيل امرأة شابة ، متشحة بالسواد والغضب ، وتوقفت الفتاة الصغيرة ، وأشارت إلى المرأة ، وقالت : تلك هي أم علي .
وتقدمت راشيل منها ، وقالت بلكنتها الامريكية : مرحباً أم علي .
وحدقت أم علي فيها ، وقالت بجفاء : انكليزية ؟
أجابت راشيل : أمريكية ..
وتراجعت أم علي خطوة ، فأضافت راشيل قائلة : يهودية .
وفوجئت راشيل بأم علي تصيح بها : أنتم قتلتم .. ابني الصغير .. علي .
وقالت راشيل ، وكأنها تفسر موقفا : أنا عضو في وفد التضامن مع الشعب الفلسطيني .
وتوقفت أم علي ، وقد جحظت عيناها ، وتمتمت بغضب وانفعال : الجرافة .
والتفتت راشيل ، وإذا جرافة ضخمة تقبل نحوهم ، كأنها وحش كاسر ، وأسرعت راشيل ، منفعلة غاضبة ، تعترض الجرافة ، وصاحت أم علي ، وكأنها تحذرها : راشيل .
وحملق سائق الجرافة فيها ، دون أن يتوقف ، وصاح : أيتها الحمقاء ، ابتعدي .
لكن راشيل لم تبتعد ، فالسائق يعرف أنها يهودية ، أمريكية ، وزيها البرتقالي يقول ، إنها عضو في وفد التضامن مع الشعب الفلسطيني ، لم يلتفت السائق إلى كلّ هذا ، وداست الجرافة فوقها ، فصاحت راشيل : إن عظامي تتكسر .
وقبل أن تنهي راشيل كلامها ، رجع السائق بالجرافة قليلاً ، ثم داسها مرة أخرى .
لم يشفع لها اسمها
لم تشفع لها جنسيتها .
وحتى زيها البرتقالي ، لم يشفع لها .
فسحقتها تماماً جرافة صهيونية ، على أرض رفح الفلسطينية .

تنويه :
راشيل كوري
شاعرة ورسامة يهودية أمريكية ، قتلتها جرافة صهيونية في رفح الفلسطينية ، عام ” 2003 ” ، وماتت عن عمر يناهز الثالثة والعشرين ، سماها الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد .. اليمامة البيضاء .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصـــرياً بـمـوقـعـنـــا
| مها عادل العزي : قبل ان تبرد القهوة .

-الخامسة فجرا بتوقيت مكان قصي خلف البحار والمحيطات- اشعر بانهاك شديد.. او انها الحمى تداهمني …

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| د. زهير ياسين شليبه : المهاجر .

كان علىَّ اليوم أن أرى فيلم المهاجر! اتصلتْ بي شريكة حياتي، أو “نصفي الأفضل” كما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *