حامد سرمك حسن : ضرورة الفن

hamed sarmak 2وظيفة الفن:

يُدْرَج الفنان العبقري ـ بوصفه عنصراً فعالاً في المجتمع ـ ضمن الصفوة المؤهلة لتوجيه المجتمع وإرشاده إلى طريق التقدم والصلاح. وهو حين يُعمل عقله وبصيرته في الواقع ليصل إلى كشوفاته المعرفية، فانه ينقلها إلى الآخرين عبر الفن، وبذلك يكون الفن وسيلة اتصال وترابط بين الناس عن طريقها تنتقل الخبرة من الفنان إلى الجمهور. فالفنان يصوغ تجربته الانفعالية وفق شروط الشكل الفني في قالب جمالي له قدرة الاستحواذ على وجدان المتلقي وعقليته وتوجيهه الوجهة التي تتناغم مع ماهية تلك التجربة. إن الفن بهذه الصيغة يلتزم بوظيفة أخلاقية تجاه الآخرين، ولا يعني هذا أن التعليم والأخلاق هما غاية الفن ، فهما يوجدان ارتكازيا ضمن الحقيقة الجمالية التي يستهدفها العمل الفني من خلال سعيه للتشكل وفقا لشروط الشكل الجمالي الأصيل . يحقق الفن التزامه الأخلاقي بمقدار ما يكشفه من الحقيقة الجمالية، مادامت الأخلاق والفضيلة ومسألة الحق والخير منضوية جميعاً تحت راية الجمال فمن المؤكد إنها ستتسلل إلى مراكز القيادة في وجداننا وعقولنا بعد أن تخترق دفاعاتنا وتحصيناتنا بكل دهاء .فنحن لا نعدم من العمل الفني أن يحتوي على ما يهذب الإنسان وتنمية ذوقه وإحساسه الجمالي وتزكية روحه، بشكل مؤثر لا تملكه أساليب الوعظ المباشر.
قد تختلف آراء الفلاسفة حول وظيفة الفن ولكنها بالضرورة يجب ان تُؤدى وفق سياق شروط الشكل الجمالي. كان “افلاطون” يرى إن للفن وظيفة تتمثل في التوجيه نحو ما هو صحيح وعادل وشريف، أما تلميذه “أرسطو” فيذهب إلى أن الانسجام والنظام هما المثال الأعلى للفن. ومن منطلق فلسفته في الفن التي تتحدد في محاكاة ماهية الأشياء فقد أكد أن هدف الفن هو إظهار حقائق الأشياء وجواهرها وعدم الاكتفاء بالمظهر الخارجي،لان الداخل هو الذي يمثل حقيقة الفن لا الخارج.
إن أهمية كبيرة قد أنيطت للفن وما يؤديه من وظيفة جوهرية في الحياة. فهذا الشاعر “شيلر” يعطي أهمية عظمى لدور الفن بوصفه تجسيداً شعورياً لأفكار الحقيقة والخير، وفي أشعار فلسفية له بعنوان “الفنانون” يؤكد “شيلر” قدرة الفن على تحرير الإنسانية من البربرية والرق كما انه يطهر الإنسان بسبب تجسيده لمعاني الحقيقة والخير:
وبعد مرور آلاف السنين
فان كل ما تفهمه الآن بعقلك الناضج
كان في يوم من الأيام يعتبره الناس البسطاء
كالأطفال وجهاً من أوجه الجمال…
* * *
تغدو الحياة ضيقة،كئيبة،سمجة، بمظاهرها المحسوسة الغارقة في النقص، وما تؤول أليه من ممات ونهاية ، و لكن الفن الذي يطلعنا على العنصر الأبدي العام وراء المؤقت الفردي، يستطيع أن يلطف ويخفف من أمراض الحياة؛ يقول “سبينوزا” :إن العقل يشترك في الأبدية بمقدار ما يرى الأشياء في مظهرها الخالـد . وشبيه بهذا التأكيد على دور الفن في تلطيف الحياة، هو ما تراه مدرسة “شوبنهور” في ألمانيا التي تعد الفن نوعاً أساسياً من اللعب وظيفته ان يعزينا عن مبائس الوجود بعض لحظات، وان يهيئنا لتحرر اكبر يتم بالأخلاق.
القوة الهائلة التي يمتلكها الفن والنابعة من طبيعته تجعله سلاحا ذا حدين، فهو كما يوظف لخدمة الحقيقة ودعوة الإنسان إلى التحرر والفضيلة فمن الممكن أن توظف قوته لما هو معاكس لاتجاه الخير والمنفعة الإنسانية.
فالموسيقى، مثلاً، قد تخدمنا إلى حد السلبية كما قد ترفعنا وتحركنا إلى العمل، أو كما قال “تولستوي”: حيثما تريد أن تتخذ عبيداً فلتصطنع من الموسيقى بقدر ما تستطيع، لأنها تبلد الفهم. ولا يخفى ما يقصده “تولستوي”، فالموسيقى هنا هي الموسيقى المسببة للميوعة والمثيرة للشهوة؛ وليس كل الموسيقى، ولنفترض إن المقصود هي الموسيقى التي تحاكي الأمور الخسيسة والحسية الهابطة في الحياة وليست الموسيقى التي تحاكي المثل، وهذا هو السبب الأكيد الذي حدا “بأفلاطون” ضمن قوانين مدينته الفاضلة إلى التأكيد على أن أحدا بعد السادسة عشر لا يجب أن يسمع الموسيقى.
يفترض أن تستثمر قوة الفن في الاتجاه الصائب والصحيح ليحقـق النتائج النافعة للإنسانية. فلا يمكن أن يطلق العنان لقوة الخيال كي تفعل ما تشاء بل يجب تحديدها بهدف عقلاني يكون غاية لها وقبلة . وهذا ما يؤكده “بليك”، حين يعد الخيال تمثيلا لما وجد منذ الأزلية، بشكل حقيقي لا يمكن تغييره ، أي البحث عن الحقيقة الخالدة وتجسيدها في شكل جمالي، أن تكون قراءة السر المودع في الكون هي ما يمثل مهمة الفنان . وقد تطرقنا إلى وظيفة الفنان في اكتشاف جوهر الأشياء وتجسيدها في شكل جمالي بما يملكه الفنان من قوة الخيال الخلاق.
إن طلب الإنسان للمعنى ـ بوصفه حيواناً مفكراً، كما يقال ـ جزء من طبيعته البشرية، والأدب هو الأقدر على توفير هذا المطلب، لأنه أوثق الفنون صلة بالملكة العقلية، فبإمكان الإنسان أن يزداد فهماً لواقعه ونفسه والسعي لإغناء تجربته وتنظيمها بممارسة الفنون ليعيش حياة أفضل. هذه بالتحديد هي وظيفة الفن: تجميل الحياة من خلال تنظيم التجربة .
الغرض من الفنون بصورة عامة، وحسب الرأي الشائع والغالب، هو محاكاة الطبيعة،سواء في صورتها الواقعية أم في صورتها المثالية. فان الأدب، بلا شك، ينطبق عليه، بوصفه فناً من الفنون، ذلك الاختلاف، حيث تمثل هذا الأمر في المذهبين الأدبيين: المذهب الواقعي والمذهب المثالي، أي إما تصوير الحقائق الواقعية كما هي أو الاهتمام بما ينبغي أن يكون.
يعد الأدب، بما تهيئه له أداته المتمثلة في اللغة، ميداناً رحباً للأفكار والمعرفة وعرض المبادئ الفلسفية والخلقية بصيغة جمالية ضمن شروط العمل الفني وطبيعته. فالأدب قادر على مساعدة الإنسان كي يعي ذاته حياته والكون المحيط به. وحثه على التحلي بالفضيلة والسعي لاكتساب الكمال ومعرفة الحقيقة، وزرع بذرة الإنسانية وروح التعاون بين البشر. إن الأدب يستطيع بما يملكه من قوة معرفية على تصوير الحياة في أشكال تثير في المرء الخجل من النقص والخلل، والرغبة في الإصلاح. فعلى الأديب أن لا يكتفي،فقط، بنقد الواقع القائم، ما هو كائن، بل يتوجب عليه إماطة اللثام عن المتخيل، المثال، الواقع كما يجب أن يكون، أن يصور النموذج المثالي ويجمله لتحفيز الآخرين على الحذو حذوه وسلوك مدارج الرقي الروحي والفكري .
والشعر، بانتمائه للأدب، فقد تعرض للاختلافات في مجال تحديد مهمته. وبإمكاننا، إن أمعنا النظر، في مجال اختلاف المهمات التي نسبها الدارسون للشعر، أن نلاحظ بعداً جماليا،َ بل مبدءاً من مبادئ الجمال، وهو مبدأ الوحدة في الكثرة. فمهما تعددت مهمة الشعر وكثرت وتشعبت فإنها تبقى ضمن الوظيفة الأم التي ينبغي أن يلتزم بها الشعر بوصفه فناً من الفنون وما يتميز به من ميزات لا تتوفر في سواه.
الوظيفة الأساسية، الأم، للشعر هي خلق عالم حي نابض من خلال تجسيد التجربة جمالياً، وبديهي ان التجربة الحية بوصفها عينة من الحياة فإنها تحفل بما تزخر به الحياة من متع وعبر ومعارف وجواهر وغيرها.
وقديماً اسند “أرسطو “إلى الشعر مهمة التطهير، وليس هذا غريباً عن طبيعة الشعر ووظيفته الأساسية. فكما يوجد في الحياة وسائل وضعتها الطبيعة في متناولنا للتفريج عن همومنا وأحزاننا، فان الأمر ذاته ينطبق علـى الشعر بوصفه عينة من الحياة متمثلة في تجربة نابضة معروضة جمالياً. فالآلام والأحزان والعواطف مـن الممكن تخفيفها أو التخلص من حدة سلطانها بتموضعها في عمل فني، فتصبح خارجة عنا من خلال التعبير عنها في صورة فنية، والأمر ذاته يحدث مع المتلقي، إذ يتمكن من التطهر من العواطف المماثلة حين يعايـش الحدس الأصلي للفنان في الصورة التعبيرية المتولدة عنه. ولكن الخلاف في هذا الأمر هو: هل الشعر وسيلة لتأجيج المشاعر والانفعالات فينا أو يطهرنا منها .
إن الشعر بوصفه تجربة لا يعدم أن نجد فيه البعد المعرفي والمتمثل فيما يقدمه لنا من “حقيقة” طالما إنه يتميز في جوهره، حسب “أرسطو”، في محاكاته لما يجب أن يكون وليس لما هو كائن كما هو الحاصل في التاريخ. وهذا الذي “كما يجب” هو في الواقع محاكاة لماهية الأشياء والحوادث أي بما يعني عرضاً للحقيقة والعلل الكلية وعدم الاكتفاء بذكر الوقائع المفردة وعللها الجزئية. وبديهي إن الحقيقة تعرض هنا بصيغة شعرية (جمالية). ويبقى الخلاف فيما إذا كان الشعر كشفاً عن الحقيقة أم نقلاً إقناعياً أم دعاية لنوع من الحقيقة.
الفن الحق ليس وهماً لا وزن له في عالم الحقيقة، يبتدعه الفنان من عالم الخيال والأحلام بمواد لا تملك حولاً ولا قوة؛ اللون، الصوت، الكلمة، الحجر،الجسم. إن الفن الأصيل يجب أن يكون في قمة الأعمال الإنسانية من حيث الجدة والالتزام وأداة ثورية فاعلة في تأكيد وعي الإنسان بحياته ومصيره وما يكتنف وجوده من صراعات. الفنان ليس عنصراً خاملاً في المجتمع، لا أثر له على الحياة، لكنه يمتلك السطوة الكبيرة ونوعاً من أنواع المرجعية يلجأ إليه الشعب لفهم حياته وحل مشاكله ومعضلاته والتبصر بمصالحه. إن المنتظر من الفنان الصادق مع نفسه والآخرين أن يجسد في فنه عالم المثال والخير والحق، العالم الذي تتحقق فيه إنسانية الإنسان وسعادته، أن يعرف ما يجب أن يكون. هذا التأثير بما يمتلك من بعد معرفي وفكري يتجسد بأجلى صوره في الأدب، لأنه من بين الفنون جميعاً تتشكل مادته من الألفاظ اللغوية، أي على مدلولات معنوية صريحة بينما تمثل الإشعاعات الإيحائية طرق التعبير في الفنون الأخرى لأنها لا تمتلك سبل الإيضاح المعنوي المناسب كما هو في اللغة؛ وسيلة التعبير في الفن الأدبي.

الضرورة الإبداعية:

لقد شغلت قضية الالتزام جانباً كبيراً من فلسفة الفن، والالتزام الفني في معناه العام عبارة عن قرار يتخذه الفنان بالوقوف إلى جانب قضية معينة والتعبير عنها في كل ما ينتجه من آثار، بمعنى انتقال اعتقاده بتلك القضية من صورة التأييد الداخلي إلى شكل التعبير الخارجي. وينبغي ان يكون الالتزام نابعاً من وعي عميق بمشاكل الحياة وإحساس إنساني للمشاركة في جبهة الحق والعدالة فيصدر الفنان عن فهم وانتماء صادق يدفعه لرفع لواء الإنسانية بعيداً عن التعصب أو الفهم الخاطىء أو المقلوب للأشياء والحقائق، فهو ((مطالب من أعماق أعماقه أن يحترق مع الآخرين عندما يراهم يحترقون، أما الوقوف على الضفة الأخرى والاستغراق في الصلاة الكهنوتية فليس هذا من صفات الفنان الحقيقي في أي عصر من العصور)) (1 ). فالفنان، بما يمتلك من وسائل قوة مؤهل للمشاركة بجدية وفعالية في خلق العالم الإنساني الأفضل ودحر الظلم والجهل والموتز فهو القادر على خلق الإنسان من جديد وزرع الوعي في جنباته؛ لانه يرتكز على تقديم تجربة حية نابضة مكتملة معرفياً ومنطقياً ومقدمة بصورة حسية تتجسد فيها المفاهيم الصادقة والحقيقية ليعايشها الإنسان المتلقي ويتشرب بمفاهيمها كما لو انه يحيا حياته وفق الشروط الصحيحة فيبنى أساسه ويصلب عوده بالاتجاه السليم والمطلوب.
ليس ثمة تعارض جوهري بين حرية الأديب والتزامه الحر ولا يوجد حيف كبير على الفنان أو على الفن إن التحقا في جبهة الالتزام، فالواجب التفريق بين الالتزام والإلزام. فالالتزام الحقيقي للفنان هو السعي للكشف عن الحقيقة الجمالية،أن يلتزم جانب الحق والجمال فما ينحاز إليه في حياته هو واجبه الذي عليه الالتزام به وإنجازه في مضمار الفن. فالفنان قد يلتزم قضية ما، وهذا من حقه لأنه إنسان له خياراته، ولكن ما ليس من حقه وما هو ملزم به أن يتم عرضه قضيته وفق شروط الشكل الجمالي، وعلى ضوء هذا وعلى مقدار الحقيقة الجمالية التي يكشفها الفن تتحدد عظمة مبدعه وعبقريته.
يعد التزام الفنان في عرض الحقيقة هو عين ما يتوجب على الفن تأديته لان هدف الفن لا يقوم على تقديـم المظهر الخارجي للأشياء ولكن أهميتها الداخلية، لان الحقيقة تكمن في هذه الأهمية الداخلية لا في التصنـع والتكلف والتفصيل الخارجي. ان الالتزام بإظهار الحقيقة في الفن هو في ذاته من طبيعة الفن لان شكل الفن يسعى إلى تقليد الحقيقة، وهو مرآة للطبيعة، وفي الإنسان لذة و متعة في التقليد، لا نجدها في الحيوانات السفلى على ما يظهر.
والفن بالتزامه منهج التأمل والتحليل ثم إعادة تركيب التجربة بوساطة الحدس أو المحاكاة إنما يسعى إلى حفظ تجارب الإنسان واكتشافاته المعرفية لينتفع بها المعاصرون والأجيال التي تأتي. هنا يؤدي الفن وظيفة الذاكرة الفعالة بالنسبة لبني البشر بوصفها تراكما للخبرات الاجتماعية والتاريخية الواعية ، المتأسسة على فاعلية العقل والوجدان ، ذاكرة الروح الحية وليس ذاكرة الجسد بمعنى أكداس الاستجابات والإشارات التي تثقل الكائن وتعمق سذاجة الفهم وسطحيته .
لا يهدأ الإنسان في سعيه المتواصل إلى تجاوز ذاته وواقعه إلى ما هو أفضل وأكمل، وليس مثل الفن وسطاً مثالياً لتلبية هذا النزوع عند الإنسان نحو التسامي والتكامل، لان جوهر الفن هو التركيز على ما ينبغي أن يكون وعدم الاقتناع والاكتفاء بما هو كائن. وهكذا؛ فان الإنسان بوسعه، بوساطة الفن، ومن خلال شكله الجمالي، أن يستوفي وجوده غير المتحقق بعد، بشروطه التي عجزت أشكال الحياة الأخرى عن استيفائه وتحقيقه .
ويسعى الفنان من خلال تشكيله لعمله الفني إلى استنطاق مادته الخام وجعلها تخبر عن آماله وطموحاته الإنسانية، بل انهـا ستكون بشكل وبصورة يبدعها خيال الفنان الخالق تجسيدا لعالم خاص وحيوي يعرض على نحو تجربة حيـة على الآخرين، بشروطه التي تعينهم على التذوق واكتساب الخبرة التي تعمق فهم الإنسان لعالمه بما يجعله واعيا بتوافق قوانين هذا العالم مع أهداف الإنسان وتطلعاته مما يؤدي إلى إبعاد إشارات اليأس والقنوط وولادة نوع من التعاطف المشحون بالأمل والعمل بين الإنسان وعالمه.
لقد مثل الفن، منذ بداية بزوغه في عالم الحياة، مطلباً جوهرياً عند الإنسان الأول بشكل أو بآخر. والإنسان البدائي، الطفل، والفنان كلاهما مارس الفن. ان الفن تعبير، بوح، تفريج عن الهموم والأحزان، تحقيق لعالم غير متحقق على ارض الواقع، تقليل من حدة النفي والاغتراب، هو العلاج الأمين لجرح يتوقع أن ينزف في كل حين ،يهفو إليه الإنسان أن جَرَحَهُ الزمان أو تكالبت عليه مصائب الحدثان . حين تتضخم روحه بجبال من الأحزان والآمال والأشواق والآهات المكبوتة، وحين لا يجد في طرق الحياة التقليدية حلا لإشكالاته ومشكلاته، ولا توفر له متنفسا للروح وتعجز أشكالها المألوفة عن إسعافه بعينة من عوالمه المأمولة . هناك؛ يقوده حدسه وترشده فطرته الى عالم فعال من السبل مغاير لتلك الأنماط، انه عالم الفن ،عالم الشكل الجمالي ، حيث تجد الرغبات واحتها فتستريح ، فيعبر بوساطته عن أشجانه وما يعتمل في قلبه وعقله من آمال وتطلعات ، ويسعى إلى خلق عالم جديد تتآلف فيه الأضداد مع بعضها وتحيى في ود وسلام .
على كل حال، إن في ممارسة الفن استجابة لمطالب داخلية وخارجية عند الإنسان من خلقه لأشكال فنية جديدة بمفاهيم ومضامين مغايرة للواقع كليا أو جزئيا يتم فيها استشراف المستقبل بنماذج جمالية ذات صور وأبعاد تستجيب لمطالبه في ترويض العالم والسيطرة على بعض جوانبه من جهة ، وفي إشباع بعض حاجاته والنفسية ، وأحيانا العضوية ، من جهة أخرى . وطبيعة الفن، في انبلاجاته الأولى، متحددة بالعوامل النفسية التي تتفاعل في دخيلة الفنان فلا يجد إلا التعبير عنها منفذاً لتوظيفها ايجابياً لمصلحته ومصلحة الآخرين بان يعمد إلى تنظيم تجربته واكتناه بعدها المعرفي. فطبيعة الفن ضرورة سيكولوجية لتنظيم التجربة بإخراجها من ظلمات اللاشعور الغارق في بحر من الفوضى والمتناقضات والاضطراب والغموض الى سماء النور والوضوح والشعور المنظم في عالم جمالي يتأسس على وعي خاص بشروط الشكل الفني.
يؤكد “فرويد” ان الخلق الفني نوع من أنواع التسامي يتولد عنه التخلص من ضغط العواطف والانفعالات والرغبات المكبوتة. فما يرسخ فينا وفي عقولنا هو شيء غير محسوس، شيء معنوي فكري، ولا يستخرج هـذه الضغوطات من الذهن إلا وسيلة تضاهيها ومن صنفها ومجالها. وكإن الفن بسمته التأملية والخلق الخيالي المتأصل فيه، وما نجده من تورية وإيحاء، ليفسح المجال أمام تلك الرغبات المقموعة للخروج إلى النور، وبالتالي تموضعها وتخلص الإنسان من ضغوطها وعوائقها فيتسنى له الاستمرار في حياته بالشكل اللائق وبلا عراقيل داخلية كبيرة من الممكن ان تؤدي إلى إتلاف الحياة بإعاقاتها لنعمة العقل عند الإنسان. وعلى هذا فالفن نوع من التكيف الذي يلجأ إليه الإنسان للمحافظة على كيانه.
ولكن الفنان في تعبيره الفني لا يتوخى التسامي والتفريج عن مكبوتاته وآلامه فقط، وإنما يتوقع استجابة جمالية من الآخرين. فهو، وان كان العمل الفني نتاجاً ذاتياً، لا بد ان يكون قد وضع ضمن استراتيجيته الآخر، المخاطب، المتلقي لإسعاده وإمتاعه.
يرى أحد الباحثين أن للفن وظيفتين ونتيجتين تترتبان على الوظيفتين (2 ): أما الوظيفتان فهما (1) إدخال السرور على النفس (2) إبراز الرغبات والانفعالات المؤلمة المكبوتة. وأما النتيجتان فهما (1) الشعور بالسرور بالفعل، وهذه نتيجة الوظيفة الأولى (2) الراحة النفسية العامة بالتنفيس عن الانفعالات المكبوتة،وهي نتيجة للوظيفة الثانية ؛ والفن بوصفه شكلاً جمالياً لإدراك الواقع وتعريفه، فبالإمكان وعن طريق التأليف بين الوظيفتين المذكورتين أعلاه، تحديد وظيفة الفن أو الغرض منه: على انه: اجتذاب أذهان الناس، لفت أنظارهم إلى ما في الأعمال الفنية من جمال، وان النتيجة المرتبة على تحقيق هذا الغرض هو الاستمتاع سواء كان ذلك الاستمتاع في صورة السرور أو اللذة، أو في صورة الراحة العامة، أو التخفيف من متاعب الحياة النفسية.
إن التذوق الجمالي من قبل الآخرين للأثر الفني يؤكد اشتراكية الفن وكونه واسطة لتوحيد المشاركة الوجدانية بين الناس وتسـاوي خبراتهم المعرفية فيما يخص أنفسهم وحياتهم .فالتجربة الجمالية يعيشها كل من الفنان المبدع والمتلقي،بمعنى أن الناس جميعا قادرون على ممارسة النشاط الفني، إن الذي لا يتمكن من الإبداع لا يعجزه التذوق.
لا نعدم وجود أشكال من الديموقراطية الحقيقية في النشاط الفني، فإذا سلمنا بأنه تعبير عن اللاشعور، وملاذ تجد فيه الرغبات والأحلام المقموعة متنفساً للتعبير عن نفسها، فمن الممكن اعتباره منبراً حراً لكشف الذات والآراء علناً وفي وضح النهار، وان يتوجب الالتزام بالشروط الجمالية في هذا الإفصاح. لذلك فالفن في أصله يجب ان يكون ديمقراطيا،ً لأنه ((يعير صوتاً وسمعاً وبصراً لأشياء هي في العادة مقموعة: أحلام، ذكريات، حنين ملتاع- هذه الخنادق الأخيرة للحساسية)) (3 ). وبوساطة هذه الديمقراطية يعد الفن نفياً لكل تمرد قد تسعى له تلك المكبوتات لما تتعرض له من قمع. كما انه يجعلها منصاعة للضبط والنظام بسبب إخضاعها لشروطه الجمالية من خلال تنظيم التجربة وفقا لقوانين الشكل الجمالي التي تضم المتعامل مع الفن سواء أكان مبدعا أم متلقيا بهالة من الضبط والنظام المتأسس على خلفية الالتزام بتلك القوانين وأجوائها الخاصة.
لا يمكن للفنان الاقتصار في عمله الفني على إثارة العواطف أو كسب الإعجاب بفنه أو التنفيس عن مكبوتاته وتحقيـق أحلامه ورغباته، بل انه يستهدف شيئاً آخر، وهذا لا بأس به، ولكن بشرط اندراج تلك الغايات والأهداف الأخرى ضمن شروط الشكل الجمالي، فالمقصود من الفن ليس التجربة بالذات بل العرض الجمالي للتجربة وفق شروط المنهج الفني من شاعرية وحدس وجمالية، ان يكون التأثير مصوراً بوساطة الإدراك الحسي. فالتأثير الجمالي هو الغرض المباشر من الفن، أما الغرض غير المباشر، فهو توجيه الإنسان نحو أعمال الخير والفضيلة، وإرشاده إلى السلوك القويم، وتنمية حسه الجمالي وذوقه . وطبيعي أن يتوسل الفنان، لتحقيق أغراضه، بوسائل معينة من مثل: محاكاة الطبيعة و تصوير المثل العليا وإدخال السرور على النفس، وقد تنفرد هذه الوسائل والأهداف أو قد تلتحم جميعاً في عمل فني واحد.
إن الفن بزرعه عنصر التضخيم والمبالغة في جوهر الحدث والأشياء وبما يمتلكه من وسائل قادرة على إضافة هالة من السحر والشرف والجلال على ما يعرضه من تجارب وما تتضمنه من قيم وأفكار يتوجب على الإنسان التمسك بها عـن قناعة لما فيه خيره وخير المجتمع، الفن بنهجه هذا اقدر على ترسيخ تلك المفاهيم ـ من مثل مطالب الدين والقانون ونتاج الفكر ـ في ذهن الإنسان وضمان حيويتها ورجحانها على الأرض من خلال دفعه لالتزامها والعمل بها لقدرتها على تنظيم الحياة والسمو بالمعاني الإنسانية إلى آفاق أرحب .
وكما إن للفن وظيفة زرع القيم الأخلاقية الحميدة في نفوس الناس وحثهم على الالتزام بها، فإن له دوراً يتمثل في إزالة الصفات الخلقية السيئة من عند الآخرين. وسبق أن ذكرنا دور الفن في التخفيف من حدة الأهواء والشهوات والغضـب والآلام والحزن عن طريق موضعتها في العمل الفني من خلال التعبير عنها جماليا،ً كذلك لايغيب رأي أرسطو فـي التطهير Catharis من أن الفن يطهر الإنسان. إن الفن بجانب استحضاره للأهواء فانه يطهرها بمعنى التخلص من الضار منها. إن تهذيب الأخلاق احد الأهداف الرئيسة للفن .
إن سمة التجسيد الحسي التي يتميز بها الفن، تؤهله لامتلاك قدرة الأغراء على المشاعر والخيال ومن المكن إن أسيء استخدام تلك السمة في الفن ان تؤدي إلى تأثير معاكس للأخلاق الفاضلة. ولهذا السبب أوجب أفلاطون مراقبة الفن بدقة وصراحة، إذ يرى فيه- لعمق تأثيره في وجدان المتلقي –أداة تربوية. ان المضمون الأخلاقي للفن يتمثل بما يمتلكه من قدرة على تعزيز إرادة الإنسان وتنشيطها للتصدي بفاعلية لكل ما من شانه التسبب في تدهور ما للقيم والأخلاق. ومن هذا المنطلق التربوي لوظيفة الفن يعلن أفلاطون تصوره لما يجب أن يتجه له الشعر، بان يحث الإنسان على فعل الخير، وان يصور المثل والقيم الحميدة بشكل ملائم كي تحتذي به الناس. ويطالب باستبعاد الشعر الذي لا يلتزم بهذا الاتجاه، فلا يجوز أن تنسب إلى الآلهة أفعال خسيسة ونكراء، ووسم الأبطال بتصرفات صبيانية حاقدة مما تقلل من قيمة المثال وغيرها من المساوىء التي تتخذ مواضيع لنسج الأساطير وتزويق القصص، لان الفن له القدرة على التأثير في نفوس السامعين والناشئة. لذلك يتحدث أفلاطون عن تلك الخصال السيئة بانه لا يجوز أن تتلى في مدينتنا، ولا نقولن لسامعنا الفتى انه لم يجن نكرا إذا ارتكب شر الموبقات، أو إذا عاقـب والده على جرائمه بأبلغ صنوف الهوان ـ لأنه لم يفعل إلا ما فعله كبار الآلهة قبله ـ ،لان ذلك عمل غير مقدس، ولا يرتكبه أحد أبناء الآلهة، فتلك هي الصيغة التي يجب ان تتلى على أسماع أولادنا في زمن الحداثة، بألسنة الشيوخ والشيخات (4 ).
والفن بوصفه تعريفاً جمالياً للتجربة يتطلب منه التزام جانب الحياد في النظر إلى الأشياء، سواء أكانت تلك الأشياء ممثلة للفضيلة أم الرذيلة، فيسعى لتجسيدها حسياً وفقا لشروط الشكل الجمالي وقوانينه ليصبح بالامكان أن يعي الإنسان مكنوناته ومواضع قوته وضعفه. لذا فإن مهمة الفنان الأولى هي ان يحترف الإبحار المزمن في مجاهل النفس البشرية ،نفسه هو ، لتجلية حقيقة الإنسان وإظهارها ناصعة للعيان. يتوجب على الفنان توظيف هذا السلاح الفعال “الفن” لما فيه خير البشرية وتنمية سلوكها الخلقي إلى أمام وزرع بذور التعاون والإنسانية في إرجاء المعمورة؛ يقول “ديني ديـدرو”: إن تصوير الفضيلة يعجبنا، كما نرفض الرذيلة، وننزع إلى الضحك. وهذا هو هدف كل إنسان شريف يحمل في يده القلم أو الريشة أو الأزميل، إن على الفنان أن يربي الناس بروح الفضيلة والمواطنة والشجاعة، وعلى الفن ان يصدر حكماً على العيب والشر وان يهاجم الطغاة، وعلى الفنان أن يكون معلماً للجنس البشري( 5).
إن الفن بوصفه نشاطاً إنسانياً يضرب عميقاً في تربة الحضارة البشرية وله الدور المرموق في سعي الإنسان للكشف عن النفس والوجود لأنه من ضمن الوسائل الأكثر فعالية في ميدان المعرفة والوعي. فهو بمعية الدين والفلسفة أحد ثلاث لحظات يمكن للروح أن تعي بها ذاتها. ولأنه تجسيد محسوس للفكرة وفي ذات الوقت انكشافاً للروح، لذا يعد الفن ضرورة كبيرة لأنه منهج للإدراك والتعبير؛ إدراك الحقيقة والتعبير عنها من خلال تجسيدها عيانيا .
والإنسان بوجوده في خضم الحاجة والضرورة والحساسية ولصعوبة تجرده من الحسيات والأهواء والشهوات في نظرته إلى الطبيعة والواقع لاستجلائهما وإظهار الحق من بين طياتهما، لهذا فانه في حاجة ماسة للفن، بوصفه بحثاً عن الحقيقة وتجسيداً لها. فالإنسان لا يستطيع الاستحواذ على الحقيقة بالثقة بالواقع المحسوس المعطى واعتماداً على نظرة سطحية تتيه في تزويقات وزخرفات الواقع الظاهرية. فالحقيقة هي ما رسب في القاع تحت السطح فيجب البحث عنها بالحفر عميقاً في باطن الواقع والطبيعة لان العالم الحسي والمباشر ((يحجب الفكر تحت ركام من الشوائب، كي يبرز نفسه ويقدمها على ما سواه، وكي يدخل في الأذهان انه هو وحده الذي يمثل الواقع والحقيقة. انه لا يدع حيلة الا ويلجأ إليها كي يجعل الداخل عصي المنال بطمره تحت طيات الخارج، أي الشكل)).(6 )
وتأسيساً على ذلك فان الفن بقدرته على إزالة القشور وتجاوز السطح الحسي للعالم والتغلب على سلطان الأهواء والاهتمامات المحدودة في إطار الضرورة، بهذه الصفات تتجلى لنا مهمة الفن وقدرته، حسب شوبنهور، على ((تحرير المعرفة من استعباد الإرادة، ونسيان الذات الفردية ومصالحها المادية، والسمو بالعقل إلى مرتبة تأمل الحقيقة اللاإرادي))(7 ). وفي ظل هذه المواهب والقدرات التي يتمتع بها الفن، لا نجد كبير عجب لما نكتشفه عن الرومانطيقيين من تقديس للفن بجعله المنقذ والمخلص للبشر من كثير من معضلات العالم ومآزقه . فهذا “نوفاليس” الذي يدعـى “إمبراطور الرومانطيقيين” يدعو إلى عالم الفن، قائلا:((فكل من هو تعيس في هذا العالم وكل من لم يجد ضالته فليخرج إلى عالم الكتب والفن. عالم الطبيعة، فهو الوحدة الأبدية بين القديم والحديث. فليعش في هذا العذاب الكنسي للعالم الأفضل فيجد فيه المحبوبة والصديق والوطن والله))( 8). ولا عجب ان نجد الشعور الجمالي عند الرومانطيقيين قد اقترب من شعور التصوف، إلى حد تذوب عندهم الحدود مابين الصلاة والأعمال الفنية الناجحة.
تسعى الفلسفة للكشف عن الجوهر والحقيقة بمنهجها العقلي التأملي ووفق مصطلحات المنطق والفكر لذلك يتم التركيز فيها على المفهوم البارد الخالي من أي حرارة. ولكن الفن فضلاً عن كونه منهجاً للكشف المعرفي فهو أيضاً تجسيد للمفهوم والمعرفة في شكل حسي يتجلى في تجربة حية زاخرة بالعواطف والوجدان فتستثير المتذوقين للعمل الفني بتفاعلهم مع الخبرة المعرفية التي تتجسد فيه. فالمثل والقيم والجوهر لا تبقى مجردة جافة وباردة بل تتحول إلـى حقيقة عن طريق إثباتها على ارض الواقع المحسوس وسط تناقضات الحياة وخطورتها وحصارها تجسد في حقيقة فردية. وبسبب من هذا يتجذر أحد مصادر الإنسانية في الفن واحد أهم الأسباب التي تحول دون استبدال الفن بأي من أشكال النشاط والمعرفة ففي الفن ((يكمن الجوهر بكامله في ظروف فردية في تحليل الشخوص وفي سيكولوجية نموذج خاص بعينه)).(9 )
إن الحكمة أو الفلسفة مهما اتسع نشاطها ليشتمل على اكبر قدر ممكن من القيم والمعارف والحقائق، فإنها تبقى قاصرة في مجال معين إذ تستند الفلسفة إلى التجريد ولا تعرض أفكارها على نحو تجربة حية نابضة، الأمر الذي يتكفل به الفن. فالإنسان ليس فكراً فقط بل هو فكر وعاطفة، وهذا الجانب الذي لا تستطيعه الفلسفة يجد كفايته في الفن . من هنا ينبع جانب كبير من ضرورة الفن وأهميته الخاصة من جهة تأمينه الجانب العاطفي من الحكمة. وهذا البعد الشخصي والعاطفي في الفن هو الذي يميز النشاط الفني بوصفه الإنسان مضافاً إلى الطبيعة. فالإنسان يتوجب أخذه كما هو، في الطبيعة، وعلى تراب الواقع وليس ماهية مجردة تقبع في الذهن بغض النظر عن ظروفها الذاتية والخارجية كجسد وروح لهما ضروراتهما ومتطلباتهما مما يوجب التوفيق بينهمـا. وعلى هذا يعد الفن نوعاً من أنواع الحوار بين الإنسان والطبيعة، تحاور خلاق، للكشف عن أسرار الطبيعة والوجود. والطبيعة بما فيها من تحدي وغموض تدعو الإنسان إلى التساؤل والتوتر والتمعن والتنفيذ والإبداع، فان غموض الطبيعة وما يتصوره الإنسان من عدم كمالها له ضرورته لتحفيز عنصر الإبداع والفن.فالفن، في جوهره، تصوير لما يجب أن يكون ولو كانت الطبيعة في غاية الكمال بلا نواقص لانتفت ولادة الفنون؛ كما ان عنصر النقص في النفس البشرية تبريرا وجيها للبقاء على قيد الحياة لكونها طريق طويل أمام الإنسان يتوجب عليه سلوكه لإدراك حالة الكمال،وفي اللحظة التي يصل بها إنسان ما إلى حالة الكمال المقصودة فسينتفي سبب بقائه حيا ،هنا على هذه الأرض، وسيتوفى لينقل إلى حياة أخرى تتناسب والدرجة التي وصل إليها.
لا يقتصر دور الفن على كشف أسرار الطبيعة الخارجية ودراستها بل له الأهمية ذاتها في دراسة الطبيعة البشرية ومعرفة مواطن القوة والضعف في النفس والتبصر بأسرارها بما يتوافق مع الحقيقة بروحية موضوعية مخلصة. فالشعر ،مثلا، يتيح لنا العيش في حالة من التسامي الرفيع ونحن ننظر إلى أهوائنا ومخاوفنا وقد نظمت في عمل فني بعد أن أخرجها من أعماقنا وعرفها لنا في تجربة ناضجة تمكننا من ملاحظتها بمعزل عن نتائجها . فبإمكان الإنسان ان يحصل على معارفه ومعلوماته عن الطبيعة الخارجية من مصادر عدة، ولكن وعيه بذاته لا يحب بل لا يستطيع أن يستمده إلا من ذاته نفسها، لذلك تصبح ضرورة الفن والشعر خاصة بإغراء الإنسان ومساعدته كي يجرؤ ((على الدخول في حوار مع هذه الذات)) (10 ). والقصيـدة تؤدي هذا الغرض لأنها قادرة على زيادة وعينا بذاتنا بطرحها كما هي أمام إدراكنا . فالارتقاء في سلـم الكمال يتوجب التخلص من عيوب النفس وضعفها لتصبح قادرة وقوية على النهوض في ميدان الكمال وتجاوز ما هو كائن إلى ما يجب ان يكون، وكل هذا يتطلب إجراء مكاشفة حقيقية مع الذات لتنبيهها. إن إيقاظ النفس هو الهدف النهائي للفن .
والفن بوصفه خيالاً خلاقاً فان تذوقه يؤدي إلي تنمية هذه الملكة عند الإنسان، لذا فإن إنضاج حاسة التذوق الفني ضرورية للعالم(بكسر الميم)، لأنه بذلك يرجـع ((إلى الجذور الأصيلة لمصدر الإبداع في الإنسان، وربما كانت رعايته لملكة الخيال في ذهنه سبباً من أسباب إبداعه في العلم)) ( 11)، خاصة وان الخيال ضروري لتنسيق المعلومات في مجال العلم للخروج بالنظريات العلمية الكبرى. ووجود الفن كعنصر من عناصر ثقافة العالم يجعل منـه إنسانا أفضل. فالفن يزرع في الروح الرقة والمشاعر اللطيفة ويجعل الإنسان أكثر إحساسا بإنسانيته، مما يعين العالم على خدمة الإنسانية بصموده أمام المغريات التي تحفزه لان يصنع كشوفاته العلمية في أغراض معادية للإنسانية، وهذه الإغراءات من القوة بحيث لا يستطيع الصمود أمام سيلها إلا أصحاب النفوس الكريمة من العلماء والذين سعوا إلى إبقاء شرايين الشرف والإنسانية نابضة في نفوسهم . فلقد بات مؤكدا انه كلما صغر حجم الأهمية المعطاة للفن كلما كبر حجم التشويه في الإنسان. يحتاج الإنسان باستمرار إلى ما “يؤنسنه” أكثر فأكثر.
نرى أن للفن صلة عميقة بداخل النفس الإنسانية يمكن دعوته بالأساس النفسي الذي يحدد صلة الأثر الفني بالنفس البشرية. ويشير علماء النفس إلـى ضرورة الجمال وتذوق الأعمال الفنية ويؤكدون إمكانية انهيار القوى الجسمية للإنسان بوصفها إمارات وعلامات لأمراض نفسية تنشا عن افتقار البيئة للجمال .
إن علماء السيكولوجيا الحديثة قد تناولوا مسألة وظائف الفن بالدراسة والتحليل وخلصوا، في مجمل أبحاثهم، إلى أن للفن أهمية بالغة عند مبدعه ومتذوقه تتمثل في تشذيب الأهواء والميول من خلال تنظيمه للتجرية وفي التفريغ والترفيه فضلا عن كونه ميدان للإلهام . ولكن يجب التنبيه إلى أن هذه المهام التي يتكفل بها الأثر الفني ليست مقصودة لذاتها وإنما هي نتاج عرضي، من المفترض ـ بحسب طبيعة الفن ـ أن تتجسـد وفقا لشروط الشكل الجمالي. وان لا تؤدى بصيغة تقريرية بل بطريقة إيحائية بعيدة عن المباشرة في التعبير . وبهذا المعنى فقط يمكن أن تعزى للفن وظيفة أخلاقية واجتماعية أو على نطاق المثل والقيم. وعلى الفن أن يكون عوناً للإنسان في سعيه للكشف عن خفايا الكون والنفـس والتعبير عنهما ومواجهة ذاته وفتح حوار معها ورؤيتها على طبيعتها كي يزداد وعياً بهـا، يقول “دالي” إن هدف الفنان السوريالي(12) يتمثل في تحطيم السدود النفسية والطبيعية التي تفصل عالم الإنسان الخفي المستتر عن عالمه الظاهر الصريح، عالمي الشعور واللاشعور، ومزجهما معا والخروج بعالم جديد هو عالم الإنسان الكامل.
وبسبب اعتماد الفنان في رسمه لشخصياته على استبطانه لنفسه وبشكل ناجم عن تأمل يقظ ومباشر، فان هناك قيمة سيكولوجية من تذوق الأعمال الفنية، إذ بإمكان الروائي أن يعلمك عن الطبيعة البشرية أكثر من عالم نفس. ورغم تعدد المهام التي مـن الممكن نسبتها للفن، فان وظيفة التطهير هي المهمة التي لها النصيب الأوفر، فوظيفة الأدب تخليصنا من عناء الانفعالات. إن البوح بالانفعالات والتعبير عنها فنياً يحررنا منها ، وقد قيل أن غوته قد حرر نفسه من آلام العالم بتأليف آلام فرتر؛ ومهما قيل من مهام الفن فإنها يجب أن تكون نتاجاً عرضياً غير مقصود لذاته، لان الكشف عن الحقيقة الجمالية هي المهمة الأولى للفن وكل المهام والأغراض الأخرى ستكون نتاجاً طبيعياً منطوياً ضمن الحقيقة الجمالية، لذلك من الممكن القول إن الوظيفة الأساسية للفن،فضلا عن جميع الوظائف والمهام الأخرى الممكنة، أن يكون وفيا لطبيعته المتحددة وفقا لماهيته الحقة ومفهومه الأصيل.
لقد أتًخذ الفن، بما تكشفه طبيعته، وسيلة لتشخيص بعض الحالات النفسية الشاذة وهذا التطهير الذي يضطلع به الفن يؤهله وضمن شروطه، ليكون سبباً في تحقيق الاتزان النفسي للإنسان وتقويم الصحة النفسية،حين يساعد الإنسان على تخفيف ضغوط الحياة ويكون منفذا لتنفيس مشاعر الخوف والكبت بإخراج ما تعتمل به نفسه بأشكال فنية تحمل نوع من العزاء وشيئا من التحدي لانحرافات الواقع من خلال بناء عوالم جمالية وصور تعبيرية فيها كسر للمألوف وللمتوقع وانحرافا بما هو كائن نحو ما يجب أن يكون عن طريق تشخيص المعرقلات والنواقص المثبطة ، فضلا عما يتوافر من قدرة لطرح المثال .
ثمة وظيفة للفن في فهم مشاكل المجتمع البشري. وهو دور يؤديه الفنان لما يمتلكه من إمكانية ((في تجسيد الحياة الغريزية الخاصة بأعمق مراتب العقل)) ( 13)، وهذه المهمة تؤكد وظيفة الذاتية في الإبداع الفني ودورها في تحقيق الموضوعية الفنية الحقة، فالفن وان كان يصدر عن ذات واحدة إلا أن نتاجه يعني الجميع ويعينهم على معرفة ذواتهم . إن الموضوعية في الفن لا تتحقق إلا إذا سعى الفنان إلـى تعمق ذاته، أن يسبر غور الإنسـان، الإنسان الأول؛ ذلك إن تعمق الإنسان في ذاته إنما هو تعمق في ذات الإنسان الذي يرقد في أعماقنا جميعاً؛ فعلى الرغم من التباين والتضاد الذي يميز إنساناً عن آخر، وعلى الرغم من ان لكل منا مجموعة من الخصائص الفردية المميزة، فإن فينا جميعاً أنسانا واحداً.
والفن بوصفه كشفاً عن ماهية الأشياء ومحاكاة لحقائقها المحجوبة بالمظاهر الحسية التي تمنع الإنسان في كثير من الأحيان من الولوج إلى الأعماق واكتشاف ما يجب أن يكون والذي بالتأكيد يمثل صدمة قوية لما هو كائن، الإنسان بوجوده المعتاد، لهذا السبب، ولخشية الفنان من ان تصدنا الحقيقة العارية، فانه يعمد الى اكساء إبداعه بمفاتن سطحية، وحدة كاملة أو الكمال، التناسب أو التجانـس والوضوح ؛ لذا يتوجب الاعتناء بشيء آخر يقع خارج نطاق المظاهر الخارجية الجمالية للفـن التي طالما حجبتنا معاينتها والانبهار بها عن الانتباه لغرض الفن الأساس : تلك الطاقة المحركة ؛ حيوية القوى التي تتدفق من العقل اللاواعي .( 14)
لم يدخر الإنسان وسعاً في اكتشاف غياهب الذات والطبيعة والوجود عامة، فترسخت لديه وعلى طول تاريخ حضاراته مناهج للمعرفة اختص كل منها بناحية من نواحي الوجود البشري. فكانت الفلسفة وكان العلم، وكان الفن بوصفه منهجاً مستقلاً للمعرفة بإمكانه الخوض فيما لم تستطع المناهج الأخرى ارتياده بالصورة الأكمل . لذا لا يمكننا إدراك اثر الفن على مسيرة الجنس البشري إلا إذا أقررنا بأصالة الفن كمنهج معرفي متفرد وطريقة متميزة للوعي تختص بإنارة مديات قيمة من النفس والطبيعة تعجز عن كشفها طرق الوعي الأخرى.
ضرورة الفن؛ المجتمع، الحياة:

من منطلق كون الفن نهجاً مستقلاً للمعرفة، فقد اعتقد بعض الباحثين إن له دوراً ايجابياً ومهما في ترسيخ القيم الإنسانية في المجتمع بما يضمن تغيره نحو الأفضل. فالفنان قائد اجتماعي، بجانب انه قائد في كل الميادين المتعلقة بالذوق المرهف، ولذلك لا بد له أن يرسم الطريق مع من يرسمونه من القادة الاجتماعيين. ومن منطلق هذا الدور الاجتماعي للفن، فان عليه أن يكون أهلاً لمخاطبة جميع أفراد المجتمع بجموعهم المليونية وليس الاكتفاء فقط بمخاطبة أصحاب الملايين أن يجمع أفراد المجتمع بتوحيد وجدانهم وآفاقهم.
وفي طريقها إلى التحولات الكبرى، يتوجب من الشعوب أن تكون على درجة كافية من الوعي، وهو مما يحتاج إلى صبر وتأني في تكوينه، ولا شك إن التربية هي العامل الحاسم في ذلك، لأنها وسيلة ستراتيجية لزيادة وعي الشعوب. وعن طريقها يتم التكافل بين فئات المجتمع وأفراده ووضوح الاتجاهات السليمة لبلوغ التطور المنشود. لذلك يعد الفن من جهة هذه الوظيفة الاجتماعية وسيلة للتأليف بين أفراد المجتمع واتجاهاتهم وانفعالاتهم وأداة فعاله لتوحيد النفوس وربطها ببعض
إن الفن في سعيه لتوحيد المجتمع وزرع بذور الأمل والتفاؤل بين أفراده، ليس بالضرورة أن يلتزم،في آثاره، تعبيراً مباشراً عن هذه الأمور، لان المسألة لا تتعلق بالموضوع وإنما بطريقة رؤية الفنان لموضوعه، ولذلك فبامكان الفن تحقيق أغراضه تلك حتى وان كان الموضوع حزيناً مؤلماً، كما في رؤية جويا لموضوع المذابح البشرية، التي ((تحمل إلى إدراكنا ضرورة أن نعيش حياة أفضل وأحسن واشرف دون مذابح من هذا النوع. ورغم أن مجموعة صوره هذه تعبر عن مذابح بشرية فهي لا تعطي مطلق الإحساس باليأس أو الاستسلام لأي طغيان)) ( 15).إن الفن ليس إفرازا عرضياً يرافق تكون الحضارة، أو نتاجاً من نتاجات المجتمع، بل انه من الأسباب الرئيسة التي تسهم في بناء المجتمع .
يرى “غوتة”” أن واجب الفن خدمة الإنسان ما دام لا يظهر إلا من خلال الإنسان، وأن يعرفنا بوجود الإنسان وبالكيفية التي ينبغي أن يكون عليها. لذا فخدمة المجتمع، وتعليم الشعب، هو الواجب الأسمى للفنان. إن الفن الأصيل لا يؤدي دوره إلا عندما يعلم الإنسان كيف يتصرف تصرفاً سليماً، وعندما يوقظ فيه الرغبة في العمل الفعال لتوطيد الحقيقة والخير والجمال في الحياة، وفي رأي “غوته” فان الحقيقة والخير والجمال مبدأ واحد فعال، وعلى الفنان السعي من خلال نضاله لتجسيد هذا المبدأ العظيم في الحياة؛ هذا هو الدور الذي يراه “غوته” للفنان الصادق.( 16)
تعد عملية نشر الفنون بين الناس بمثابة تعليم لما هو معقول. وممارسة النشاط الجمالي وتذوقه ليس قفزة في فراغ بل هو في أساسه قوة اجتماعية، ويعمل على شحذ التجربة. فيجعلنا على اتصال بحقيقة الأشياء الكامنة وراء حُجُب التقاليد التي هي نتيجة التبسيط والتبويب خدمـة لأغراض الفكر، وعلى أية حال فما يقدمه الفن من خدمة للمجتمع تتمثل في إنضاج الغريزة الجماليـة لمقاومة الغريزة التملكية، لأن الغريزة الجمالية تمنحنا القوة على التمتع بالأشياء دون النزول إلى مستوى الحاجة إلى تملكها (17 ).
لا تقتصر أهمية التذوق الجمالي على هذا الجانب فقط، بل إن الفن بسبب من استناده إلى حدس خيالي قادر على لم تفرعات الموضوع ودقائقه في وحدة كلية، فإنه يمتلك ما يؤهله لاحتلال مكان الصدارة في أي برنامج تربوي، الذي يتطلب لضمان فاعليته نظرة فلسفية شمولية قادرة على لم تفرعات التجربة الإنسانية وتوحيدها ضمن إطار مفاهيمي عام يشملها جميعا. فالأمور الإنسانية لا تفهم على حقيقتها إلا في موقعها ضمن شبكة علاقاتها مؤثرة ومتأثرة ببعضها، وهذا مما يتطلب تذوقاً جمالياً، بمعنى وجود عنصر الخيال القادر على تصور الأشياء في تداخلها معا كي نعرف قيمتها الحقيقية
إن اعتماد الأدب مادة الألفاظ التي تستبطن المعنى المباشر لهو خلاف الفنون الأخرى، أيسر على الإدراك من جانب أفراد المجتمع، ولهذه الميزة، فانه يبرز بخصوص وظيفة الأدب الاجتماعية، السؤال التالي: هل بإمكان الأدب المساعدة في إنقاذ العالم؟. إن إجابة حقيقية عن هذا السؤال لا بد أن تنطلق من فهم واع لطبيعة الأدب، ومن منطلق القوى التي يتمتع بها وتميزه من باقي ألوان النشاط الفني. فقد عُدَّ من أنبل أغراض الأديـب السمو بالمجتمع من خلال إصلاح مثالبه وشحذ همم أفراده بالإرادة والعزيمة وتوجيههم إلى الصلاح والإصلاح والتسامي بهم في صراط الكمال والمثل العليا. والأدب بوصفه تعبيراً عن المجتمع وبنيته الأساسية، لابد أن يكون فاعلاً في بناء الواقع وان يضطلع بوظيفة اجتماعية هامة. هذه الخاصية الجوهرية للأدب هي ما أدركه “بلزاك”، حين اشترط للعمل الأدبي، من حيث الشكل والبنية، أن يكون عالما مصغرا يوحي برؤية شاملة ومكثفة عن الحياة.
منذ القديم، تراوحت وظيفة الفن بين المتعة والتعليم. فقد كان “بليك” و”كولردج” يعتقدان إن الهدف الأساسي للأدب إزجاء النصائح الأخلاقية، بينما ظل الدكتور “جونسون” يعتقد إن تمكين الناس من الاستمتاع بحياتهم على نحو أفضل وتحمل مشاقها هو الهدف النهائي للكتابة . وقد ارتبطت الوظيفة الأخلاقية بالفن منذ “أفلاطون” و”أرسطو” وتدرجت في مختلف العصور ضمن إطارها المعروف بتسخير الفن لخدمة الأخلاق. حتى أصبح كثير من معتنقيها من نقاد وباحثين يرون أن لا خير في الأدب إن لم ينم عن “فكرة أو عبرة أو عظة سامية”، وان التهذيب هو الهدف الذي يجب أن تنحصر فيه وظيفة الأدب. إن أي عمل فني لا يعدم وجود المتعة والتعليم، فالفن كله عذباً مفيداَ، ولكن يتوجب وحسب طبيعة الفن أن يكون مفيداً ومعلماً من خلال الإمتاع، والعمل الأدبي الناجح هو ما اندمجت فيه صفتا الفائدة والمتعة، فنفع الأدب –جديته وتعليميته- من القيم المؤكدة في فلسفة الإدراك الجمالي.
إن مهمة الشعر على النطاق الاجتماعي، بوصفه أحد الأنواع الأدبية، تنبع من طبيعته الفنية وما يتميز به من سمات تؤهله لتأدية مهامه بفاعلية. ففي رأي الأفلاطونية” فلسفة أفلاطون” إن مهمة الشعر تتمثل في تأصيل القيم السامية في النفوس وتعزيز مكارم الأخلاق لترسيخ الفضيلة بما فيها من تقديس للإله . ويتحدث “أفلاطون” في جمهوريته عن مكامن الخلل والخطأ في كلام الشعراء وفي قلبهم للمعادلات الكونية الحقيقية إلى ما يناقضها ويناقض الطبيعة وما جبلت عليه النفس البشرية، نحو قولهم ((إن الناس سعداء حال كونهم غير عادلين، وان العادلين تعساء، وان فعل الشر يفيد فاعله كثيراً إذا خفي أمره، وان العدالة تفيد الغير وتضر فاعلها))( 18). وعلى هذا فان أفلاطون يعتبر هكذا أقاويل منافية للحقيقة والمثل ولا فائدة أخلاقية لها، ولذلك فهو يطالب بحظرها، وقد نحى مثل هذه الأشعار [التي لا تحاكي المثل] من مدينته الفاضلة.
ويقترح “أفلاطون” على لسان “سقراط”، علاجاً للحالة السابقة أن يراقب الشعراء ويوجب عليهم محاكاة الأخلاق الحميدة في أشعارهم و إلا فلا ينظموا. بل يعلن إن على المراقبة أن تشمل أساتذة كل فن، وان يمنعوا من أن يعكسوا سمات الفساد والسفالة والسماجة والوهن في أعمالهم، ومن لا يستطيع ذلك ينهى عن العمل في المدينة. و”أفلاطون”، إنما ينحو هذا المنحى في التعامل مع الفنون، لدرايته بمقدار تأثيرها على عقول البشر وقلوبهم وبالأخص الناشئة الذين يسعى إلى تربيتهم تربية فاضلة حسب نظام مدينته. ولان الفنون كالغذاء تسهم فـي بناء العقل والنفس فكيف إذا كان القوت فاسداً. لذلك يحرم “أفلاطون” تلك الفنون الفاسدة ولا سيما عن الناشئة الذين يربون ليصبحوا حكاماً في المستقبل، ((لكي لا ينشأ حكامنا في وسط صور الرذيلة نشوء الماشية في مراع رديئة فتتسرب الأضرار إلى نفوسهم، فتفسدها، بما تلتهم يوماً يوماً من الأقوات في مختلف المواقع. فيجتمع في نفوسهم مقدار وافر من الشر وهم لا يشعرون))( 19).
والى جانب المتعة يوضح “ت.س.اليوت” إن الشاعر لا بد أن يكون لديه شيء آخر يهبنا إياه. فيحدد مهمة الشعر، زيادة على المتعة، في عدة أمور، تتمثل في ((إيصال تجربة جديدة ما، أو إلقاء ضوء جديد على شيء مألوف. أو التعبير عن شيء ما مررنا به ولم نستطع أن نصفه في كلمات، ما من شأنه أن يغني وعينا ويرهف حساسيتنا)) ( 20) والفائدة المتوخاة من الشعر سواء على مستوى الأخلاق أو التعليم ليس مبررا صادقا لان تجعل من الفن بوقا أو دعاوة؛ بل يجب أن تصلنا إيحائيا ومنصهرة ضمن الصورة الكلية للعمل الشعري بلا تقريرية أو مباشرة .
والشاعر بتعبيره عن مشاعره ومشاعر الناس الوجدانية فانه يجعلها محسوسة ومكشوفة أمام الآخرين فيزيـد وعيهم بأنفسهم وبحقيقة أحاسيسهم فيسعون إلى تغيير طبيعتها نحو الأفضل، فالشاعر يختلف عن الآخرين بوعيه المتأسس على فرادة المنهج المعرفي الخاص به بركيزتي الإدراك والتوصيل. وهكذا يتضح لنا ما للشعر من وظيفة حيوية علـى مستوى المجتمع، فالشاعر الذي يعتصر من دمه قصيدته لتكون فتحاً للعنصر البشري ونوراً يبصر به الإنسان حقيقة نفسه وحقيقة الوجود، والذي في ضوء هذه المعرفة تبتني الإنسانية أعرافها وقوانينها الخلقية، فليس غريبا،ً بعد هذه الأهمية للشعر والشعراء، أن يطلق “شيللي” عبارته الشهيرة : إن الشعراء هم مشرعو الجنس البشري غير المعترف بهم .
يبدو أن ضرورة الفن للحياة أمر نابع من طبيعة الفن ذاتها، فالفن في طبيعته الجمالية منبع اللذة والسرور، والنفس الإنسانية في فطرتها وطبيعتها أيضا ميّالة إلى ما يمتعها ويريحها، فهي تسعى إلى الفن والى تذوقه. وما دام الفن بهذه الميزات الموافقة للنفس البشرية فإننا سنجد في طلبه ونقبل عليه ونستمتع به ولهذا فانه لابد من أن يؤثر في حياتنا لمخاطبته الخيال والعاطفة وهما من الركائز المهمة في النفس البشرية، وبدون استنهاض هذين العنصرين فقد تتلبد الحياة تدريجيا بغيوم السذاجة والتسطح ولا يكون أمامها إلا الهبوط المباشر إلى الدرك الأسفل.
يعد التراث الفني من المقاييس المهمة الدالة على رقي الحضارات وتحضر شعوبها، والتي تحدد على قدر ما في هذا التراث من إبداع وإنسانية. إن روح الحضارة والثقافة لشعب من الشعوب تتمثل بالدرجة الأساس في لغتيه الأساسيتين؛ الكلامية و الفنية. فالإبداع الفني الخالد ليس وليد المصادفة بل انه لا يتأتى إلا عن جهد مضاعف وتجربة وتضحيات وصبر لامتلاك وعي الحياة ووعي الخبرة الجمالية، فالفن نشاط خلاق يدل على حيوية الأمة كغيره من النشاطات الأساسية في الحياة. إن مجتمعا يتميز أفراده بقصور عقلي وضيق في الأفق سينجم عن بيئة تفتقر إلى الممارسات الأصيلة سواء في الجانب الديني أم الجمالي أم العاطفي .
إن الوصول إلى المعرفة الحقيقية يستوجب إعدادا طويلاً وصبراً على الصعاب وتضحية بكثير من اللذات وإغراءات الراحة، والفن بوصفه نهجاً معرفياً حقيقياً يحتاج إلى استعداد نفسي خاص لإنبات بذرته، (( إن الفن بمثابة زرع يصعب نموه في التربة القلقة أو التربة الخشنة، انه بحاجة إلى رعاية خاصة والى نوع من التدليل والتسامح)). (21 )
يرى “شوبنهور” أن تعرف الصور أو المثال هو هدف الفنون، حيث تجسد في صورة عينية مرئية بالاستعانـة بالصفات العديدة الراسخة في طبيعة النشاط الجمالي . فالإنسان الذي قهره الزمان فجعل منه كائنا ضائعا حائراً لا يعلم أين تكمن الحياة الحقيقية، من الممكن أن يجد خلاصه عن طريق الفن الذي يسعى لتجسيد ما يجب أن يكـون نابذاً الواقع بقصوره وترديه. فالفن بعمله هذا يعرض أمام ذلك الإنسان مثالاً لحياة كاملة وحقيقية، تشعره بان ثمة ضرورة للجمال لا تتخلف من حيث أهميته لبقاء الإنسان عن ضرورة الطعام. على الفن أن يسعى لتجسيد ما يجب أن يكون، المثال، انطلاقاً من الواقع، أن يحور الواقع ويسد نواقصه ويغنيه بما يسمو به إلى المستوى الذي يجعله أهلا لان يحقق فيه الإنسان ذاته الواعية، فعندما ((لا يعود العمل الفني يجسد الوحدة الجدلية بين ما هو كائن وما يمكن أن يكون، يفقد الفن حقيقته ويخسر نفسه)). ( 22)
أما “فيخته” فيرى إن الفن، بوصفه نشاطاً جمالياً نابعاً من الروح، فانه يسمو بنا إلى مستوى الإنسانية الحرة، لأنه بما له من قدرة على تطهير المشاعر وعلى تحفيزنا لفعل الخير بما يجسده لنا من مثال مرغوب ومحبوب يقودنا في طريق المهمة الأخلاقية. ولان الفن باستناده إلى الخيال الخلاق وما يمتلكه من نظرة شمولية قادرة على لم شتات التجربة في صورة تعبيرية واحدة، فإنما يعدنا لفهم الواقع فهماً فلسفياً.
إن السمو الإنساني المتحقق بتعاون الفن والعلم إنما يشكل ضرورة أكيدة للإنسان في سعيه ليخلق من نفسه ذاتاً متحضرة مثقفة، إن الفن ضروري للحياة ضرورة العلم لها.فكما إن العلم قادر على بناء الحضارة بتفرعاتها المعنوية والمادية ،فان الفن يعد ركنا من أركان البناء الثقافي لأي امة بما له من قدرة تعبيرية تنفع في تجسيد القيم وتعزيزها . فالفن بوصفه تعبيراً عن الذات الإنسانية المتأصلة فينا جميعاً وبما يعرضه من هموم إنسانية مشتركة فانه،كما يقول “تولستوي”، وسيلة للتقريب بين مشاعر الناس ،واحد العناصر الفعالة التي يتأسس عليها تقدم البشرية نحو الخير والسعادة . ويحدد الكاتب “لالو” الأدوار التي من الممكن أن يؤديها الفن في الحياة بخمسة أدوار يقسمها على النحو الآتي: (1)الفن الواقعي الذي هو أخلاقي بالضرورة لاهتمامه بإظهار انتصار الفضيلة على الرذيلة والخير على الشر، وعموماً فهو يهتم بتصوير الحياة ويهدف إلى العبرة والمثل، (2) الفن المثالي: الذي يحث الناس على التسامي نحو مثل أعلى قد وضعه لهم مسبقاً ساعياً إلى تزيينه وترغيب الآخرين فيه. (3) الفن المترف: الذي يسعى إلى خلق عالم جمالي خيالي وظيفته التنفيس عن متذوقه وإمتاعه. (4) ما يعرف بالفن الصرف أو الفن للفن والذي ممكن ان تسند له وظيفة التنفيس أيضا (5) وظيفة التطهير، التي أشار إليها أرسطو ؛ ويعلق صاحب كتاب النقد الجمالي تجاه ما ذهب إليه “لالو” من اضطلاع الفن في الحياة بوظائف متعددة ولكنـه يحددها بأربع لا خمس “ذاكراً بأنها” العبرة -المثالية أو عرض المثل الأعلى –التنفيس –التطهير -ولكـن لا يصح أن تنسب كلاً من هذه الوظائف إلى نوع خاص من أنواع الفن. فالفن الواقعي قد يكون أخلاقيا وقد لا يكون( 23).
أما “هيجل” فيرفض أن تفهم مسألة هدف الفن بمعنى وجود شيء خارجي عن الفن هو غاية له وعلى الفن أن يكون وسيلة لتحقيقه مما يجعله ثانوياً بالنسبة لذلك الهدف الذي يتوجب على الفن السعي لبلوغه، ولكن يجب أن تفهـم مسألة الهدف بوصفه شيئاً كامناً في بنية العمل الفني وليس خارجاً عنها، بمعنى انه إذا كان المفروض بالعمل الفني أن يخدم أهدافا أخلاقية فلا بد أن يكون له هو نفسه مضمون أخلاقي. وهذا التأكيد يأتي من جهة النظر إلى الفن كشيء جوهري مؤهل لتجلي المطلق من خلاله، أي أن يكون في ذاته ولذاته. فنحن حين نرى في الهدف النهائي تعيناً محايثاً للموضوع نفسه،أي في صميم أو ضمن الموضوع ، بدلاً مـن أن نعين مكانه في خارجه، نجد أنفسنا منقادين إلى اعتبار العمل الفني في ذاته ولذاته، وفق طبيعته ومفهومه . ويؤكد هيجل انه إذا كنا نريد أن نعزوا إلى الفن هدفاً نهائياً، فانه لا يمكن أن يكون سوى هدف كشف الحقيقة، وتمثيل ما يجيش في النفس البشرية تمثيلاً عينياً ومشخصاً.
ويستمر “هيجل” في حديثه عن هدف الفن فيوضح إن القول بتهذيب الأخلاق هدف للفن تنقصه الدقة فهو تعريف ركيك سطحي مبهم ولكنه في الوقت نفسه غير عار من الصحة، وعند وجهة النظر هذه، يبدو إنها تعبير عن وجهة نظر التناقض غير المحلول، لان الأسباب التي أدت إلى تشوه الأخلاق والتي يتصدى الفن لتهذيبها كهدف له مازالت قائمة ولم يجد الحل الجذري لها، لذلك يتوجب أن تتخلى وجهة النظر تلك عن مكانها لوجهة نظر أعلى والتي يسميها “هيجل” وجهة نظر التعارض المحلول، ومصالحة الأضداد، والتي تمثل عنده الهدف الأسمى، الهـدف المطلق ، وعلى هذا يؤكد إن الهدف المطلق للفن يكمن في التزام وجهة النظر تلك باستلهامها وتحقيق ما يترتب عليها: إن الفن يتقدم في تلك الدائرة التي هي أسمى الدوائر، دائرة فكرة مصالحة الأضداد. (24 )
هذه الدائرة التي يسعى إليها الفن ويشترك بها مع الدين والفلسفة، تمثل مقدار الأهمية التي يمثلها الفن للحياة الحقة بوصفه شرطا ضروريا لها، وهي خاصية تتطلب من الفنان ميزات روحية عالية. وبالنسبة للأشياء التي لا يستطيع إدراكها العقل العادي الذي يتعامل مع الأشياء سطحياً ولا يدرك أسرارها، نجد أن الأديب قادر على إدراك تلك الأشياء بما يمتلكه من روح حساسة تستلم حرارة الكون، وتبصر بواطنه الخفية وتدرك ما بين الأشياء من تشابه وتآلف. فمن بين الفنون جميعها يبدو الأدب بخاصة ((وكأنه يدعي لنفسه “الحقيقة” من خلال نظرة شاملة إلى الحياة يمتلكها كل عمل فني متماسك)). ( 25)ولهذه الأهمية للأدب ولما يمتلكه من صفات ووسائل تؤهله لاكتشافات معرفية حول الإنسان والحياة، فلا عجب أن تتخذ بعض الاتجاهات النقدية من الأدب “وسيلة لفهم مشكلات الوجود الإنساني” كما هو متمثل في الاتجاهين الإنجليزي والأمريكي في النقد مما جعل اتجاه هؤلاء يتسم بنزعته الإنسانية.على عكس اتجاه الشكلانيين والبنيويين الذين حاولوا عزل العنصر الإنساني من مجال الإبداع الأدبي.
تمثل الفنون عامة والأدب خاصة وظيفة فعالة في تكوين صحة الإنسان الوجدانية والروحية، فالأدب بوصفه تفاعلاً وجدانياً بين الفنان والمتلقي، يسبقه تفاعل بين الفنان والمجتمع، لينتج عنه تفاعل بين المتلقي والمجتمع، فهو، أي الأدب، بهذا الوضع يعد ضرورة من ضرورات الحياة يحتاج إليها الإنسان في البناء النفسي كمـا يحتاج إلى الغذاء والماء والهواء في تكوين صحته العضوية والجسدية. لقد كانت مهمة الأدب في الحياة من ضمن اهتمامات الدراسات الحديثة التي أولت هذه المسألة عنايتها وانتهت إلى أن حددت له مجموعة من الوظائف الأساسية منها، على سبيل الإيجاز( 26):
(1) نقل التجارب الوجدانية عبر الأجيال؛ كذلك الفنان يعطي خبراته الوجدانية للناس كي يفيدوا منها.
(2) التعبير عـن مشاعر اللذة “جميع مشاعر السعادة والفرح الناجمة عن النجاح” بهدف استمرارها أو الاستزادة منها، والتعبير عن مشاعر الألم “كل الأحاسيس والانفعالات الناجمة عن إخفاق الفرد في التكيف مع الحياة” بهدف التخفيف منها أو تحويلها.
(3) إذكاء روح التوثب والتقدم ومحاولة الوصول إلى الأحسن في كل من الجانبين المعنوي والمادي على حد سواء،
(4) استعادة الماضي بانفعالاته ومشاعره، لاتخاذ العبرة، ووسيلة من وسائل التعليم واكتساب الخبرة، وعامل من عوامل التربية والتثقيف واكبر دليل على ذلك هو ما اتجهت إليه نظريات التربية الحديثة في استخدام القصة وسيلة أساسية لتعليم الصغار.
(5) الارتفاع بالغرائز الإنسانية وترقيتها وتحويلها بحيث تصبح عوامل سمو وتحضر.
(6) ربط مشاعر الجماعة والعمل على التفافها حول موضوعات وأهداف موحدة.
(7) فتح مجالات حضارية جديدة أمام البشرية وتعميق فهمنا للحياة.
(8) التسلية والترفيه والتخلص من الملل المصاحب للفراغ، وهذه هي اضعف وجوه الاستفادة الفنية.
إن الأدب رغم ضرورته للحياة فانه لا يستطيع الاستغناء عنها وعن العالم الإنساني في تأدية مهامه ووظائفه لان ((مادة الأدب تستمد من البشرية والتجربة الإنسانية، ثم تعود، إذ تعود منتعشة في ثوب جديد من التأويل ليتسلمهـا الناس من جديد فتصبح، مرة أخرى، جزءاً من تجربتهم والفنان في هذه العملية هو الوسيط والوسيلة)).( 27)
ويشكل الشعر، حسب “هيجل”، مرحلة الانتقال إلى الدين حيث تنكشف الفكرة(28) بشكل تصور، ويؤكد على انه يبدو كأن كل الفنون تتجمع من جديد في الشعر، فالشعر الملحمي يتوافق مع الفنون التشكيلية فهو يسرد تاريخ الشعوب بشكل هادئ. والشعر العاطفي مثله مثل الموسيقى يعبر عن حالة الروح الداخلية، وأخيرا يعتبر الشعر الدراماتيكي توحيد لهذين النوعين، وكل ذلك لان الشعر باستطاعته تصوير كل شيء ومادته هنا تتشكل من خلال الترابط اللفظي الذي لا يكون حرا أو عرضيًا بل يخضع لقوانين وزنية وموسيقية ( 29). بعد هذا ليس غريباً أن يصف “وردزورث” الشعر بأنه نفس المعرفة وروحها الأرق.
إن الشعر فضلاً عن انه يمنح المتعة والابتهاج فانه يساعد في المحافظة على الثقافة ورفع مستـواها. انه سمة الأصالة الحضارية للأمم ودليل إليها . وهو بوصفه نهجاً معرفياً يسعى لكشف قصور الواقع وإدانة وقائع الجمود والتقهقر وبيان النقص والخلل في الكائن حين يوضع وجهاً لوجه أمام ما يجب أن يكون، فانه يسهم في رفد مسيرة التقدم بمساعدة الإنسان على أن يعي ذاته وحياته. لذا؛ يمكننا القول( 30): إن الشعر في أعماقه نقد للحياة.

هوامش : 

( 1) الإلتزام والتصوف في شعر عبد الوهاب البياتي – عزيز السيد جاسم – دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد- 1990، د.ط.: ص 60.
( 2)ينظر: دراسات في علم النفس الأدبي: ص- ص 141-143.
( 3)الثورة والثورة المضادة: ص 117.
( 4) ينظر: جمهورية أفلاطون- حنا خباز- مكتبة النهضة، بغداد- ط2، 1986: ص 67.
( 5)ينظر: موجز تاريخ النظريات الجمالية: ص 148.

( 6) المدخل إلى علم الجمال: ص 29 .
( 7) قصة الفلسفة: ص 433.
( 8) موجز تاريخ النظريات الجمالية: ص 273.

( 9) البيلوجي والاجتماعي في الابداع الفني: ص 137
( 10)برتولد بريشت؛ النظرية السياسية والممارسة الأدبية: ص193.
(11) التفكير العلمي- د. فؤاد زكريا – سلسلة “علم المعرفة3” – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت –ط3، 1988.. : ص 321.

(12) السريالية قامت أساساً على كشوفات علم النفس.
( 13)الفن والمجتمع: ص 135.
( 14)ينظر : الفن والمجتمع: ص ص 135 ـ 136.
( 15) كيف تقرأ صورة- حسن سليمان – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر – 1970، د.ط. : ص ص 123-124.
( 16)ينظر: موجز تاريخ النظريات الجمالية: ص 221.
( 17)ينظر: الأديب وصناعته: ص 33.
( 18) جمهورية أفلاطون: ص 81.
( 19)جمهورية افلاطون : ص 94.
( 20) مقالات في النقد الأدبي – ت.س. إليوت – ترجمة: د. لطيفة الزيات – مكتبة الأنجلو المصرية – د.ط، د.ت. : ص 46.
( 21)سيكولوجية الابداع: ص 19.
( 22)الثورة والثورة المضادة: ص 109.

( 23)ينظر: النقد الجمالي: ص 65.
( 24)ينظر: المدخل إلى علم الجمال: ص 100.
( 25) نظرية الأدب: ص 38.
( 26) ينظر: اللاأدب- د. محمود ذهني – مكتبة الأنجلو المصرية – ط1، 1967.: ص ص 4-8.
( 27) الأديب وصناعته: ص 37.
(28) فكرة – معنى Idea: 1- عند أفلاطون تفيد الماهية أو المثال أو الشيء بالذات المفارق للمادة. في المذهب التصوري الفكرة تصور ذهني. ((المعجم الفلسفي: ص163)).
( 29)ينظر: موجز تاريخ النظريات الجمالية: ص 289 ـ 290.
( 30) فائدة الشعر وفائدة النثر : ص 119.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *