د. حسين سرمك حسن : في “خطبة العربي الأحمر” عدنان حسين عبد الله يعيد الشعر إلى دائرة الإنسان

adnan husseinعن دار الجواهري للطباعة والنشر ببغداد صدرت المجموعة الشعرية الأولى للشاعر “عدنان حسين عبد الله” بعنوان : “خطبة العربي الأحمر” . وقد حمل العنوان الثانوي تفسيراً للعنوان الرئيسي يقول : “تناص مع خطبة الزعيم الهندي الأحمر سياتل زعيم قبائل دواميش واسكواميش الهندية التي أبادها الرجل الأبيض” .
وبهذا التوجّه يعيد عدنان حسين عبد الله الشعر إلى دائرة الإنسان مدافعاً عن طموحاته ومجسداً لآلامه وأميناً على الإخلاص لعذاباته بعد أن صارت القصيدة قصيدةً “مجرّدةً” بلا وجه أو يد أو لسان .. بشكل ومضمون يصلح للإنسان العالمي – العولمي بتعبير أدق – “المُجرّد” الذي تبغيه العولمة ؛ العولمة التي صارت من النتاجات النهائية المدمّرة للرجل الأبيض ، وتحديداً الأمريكي الأبيض المجرم الذي قام بذبح 112 مليون إنسان برىء في أمريكا ليؤسّس دولة الشيطان التي خرّبت حياة الإنسان على سطح هذا الكوكب الجميل الذي جعله الله أجمل الكواكب برغم صغره . ومن بين الشهادات على وحشية هذا الأمريكي السفّاح هي شهادة هذا الزعيم الهندي الذي ذبح الأمريكان أبناء شعبه المسالم (كان في أمريكا قبل وصول الغزاة الإنكليز 400 شعب وأمّة) وقاموا بجزّ فروات رؤوسهم واستلام المكافآت عنها، وقطع ذكور الرجال وعمل أكياس التبغ منها، وفروج النساء وتعليقها على السروج للتفاخر، ونزع الأجنة من الأرحام، ولطم رؤوس الأطفال بالجدران .. الآن تُصوّر هوليود الهندي الأحمر متوحّشاً يجز الفروات ويقطع الرؤوس !! .. بمعلقته الشعرية المهمة هذه “خطبة العربي الأحمر” يعيد عدنان حسين صياغة تلك الخطبة المؤثرة – ولا أعلم هل جعلها الشاعر مرفقة بمجموعته أم لا ؟! – وهي وثيقة تاريخية وإبداعية وإنسانية وكانت على مستوى رفيع من البلاغة التي اشتهر بها الهنود وليست طنطنة همجية كما صوّرتهم هوليود .. يعيد صياغتها شعرياً لكن وفق رؤى وتجلّيات جديدة ولبوسات معاصرة تمزج الراهن بالماضي، والأسطوري بالواقعي، والفعلي بالمتخيّل، لتقدم “تركيباً” يخلص للحقيقة الأساسية المتمثلة في وحشية الرجل الأبيض “ربّ الحديد” – الأمريكي خصوصاً – الذي ما يزال يعيث في الأرض خراباً وينهش الوجود البشري على هذه الأرض بلا رحمة، لتمتد جرائمه – حسب الملحمة – من مذبحة غرب المسيسبي إلى فاجعة أبي غريب .. ربّ الحديد هذا فاجأ بروحه الشيطانية عالم الهندي المسالم المتناغم مع إيقاعات مكونات الطبيعة بإلفة وهدوء .. مع الحمام والفراشات والعشب ونبض النجوم .. لقد “لوّث ريشَ البحيراتِ الرقيقة ، وحقولَ الذرة وسربَ الهندباءْ” .. ومع دخول الرجل الأبيض سُحقت الروح المسالمة ودُمّرت سكينتها في هذا الكون لتعلو راية المادة الشيطانية الهوجاء .. كان الإنسان شاعراً يردّد أغنية الروح الخالدة ضمن جوقة الكون من ماء وحمام ونجوم وغيوم وتراب .. فجعلوه قاتلاً سفّاحاً يحيل كل شيء يلمسه إلى حجر، ويدمّر كل شيء حوله كثور هائج في دكّان خزف، ويغني زاعقاً لصوت الثكالى وأنين المعذّبين ..
kh adnan husseinتحية للشاعر عدنان حسين ..
من المعلقة الإنسانية الجديدة :
إذاً ,
ما اكتفيْتَ …
يا سيدَ البيضِ …

” سبعونَ مليونَ قلبٍ فقأتَ ”
في ضفافِ المسيسبي
عندَ ذاكَ الأمسِ البعيدْ
كمْ قتلْتَ ! !
يا سيدَ الخيلِ … من إخوتي … كمْ قتلْتْ…
في أمسِ روحي
كمْ تماديْتَ !!
يا ربَّ الحديدْ …
وما اكتفيْتْ
سيدَ الليلِ والخيلِ والنبيذِ المُشاعْ .

دنَّسْتَ فوقَ السهوبِ
في قوسِ قلبي
مرايا الأساطيرِ العتيقةْ
لوّثتَ ريشَ البحيراتِ الرقيقة ، وحقولَ الذرة
وسربَ الهندباءْ

ما فَهِمتَ كلامَ الروحِ فينا
مع المِسلّاتِ القديمةْ
حينما أسندَتْ سماءَ الوجودِ
من السقوطِ على حقولِنا …
لم تصغِ للنجومِ التي كمْ روتْ من تاريخِنا ..
لم تستمعْ لنبضِ النجومِ , و نسغِ النورِ فينا

ولنْ تفهمَ المعنى المجازيَّ في دمعِنا
حينَ كنّا , نغني للسماءْ
بُحةُ النايّ فينا
وانكساراتُ الشجنْ .

يا سيدَ البيضِ
قُلْ لأولادِكَ القادمين ..
لا يسجنوا فينا
أبوغريبَ دوماً ودوماْ …

لا يخدشوا فينا , بلّورَ الرجولةِ
لا يهزؤوا
فينا
من قُنُسرينَ النسرِ الملحمي …

قتلتَ شعبيَ هناكَ من هنودْ
أدمنوا حبَّ الوجودْ ، قدّسوا روحَ الشجرْ
ومزّقتَ قلبَ الذي كانَ لي رفيقاً
في انتمائِنا لجدِّنا النهرْ …

قدْ نحرتَ الفراشْ
في تجاعيدِ البحيرةْ ، في غابةِ السنديانْ ، وما سمعتْ ..
صوتَ أسلافي يصرخونْ
آهِ …
ما هذا الجنونْ …
لا تُهِنْ سربَ الحمامْ
لأنّ الحمامَ به روح ُ الملاكْ
فيخمشَ الغيمَ الرقيقَ مِنَ الألمْ …

هذي الرياحُ
قدّاسُ روحِ الإله ، فوقَ الجبالِ تسدُّ ثقوبَ العدمْ ،
في فضاءاتِ الوجودْ …
لا تُهِنها
يا مَنْ يريدُ شراءَ روحي …
وسرَّ ابتدائي مِنَ العدمْ
عشبَ أرضي …
روحَ أرضي …
صوتَ أسلافي , في ثنايا النايْ , في جرحِ النغمْ …

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| زياد جيوسي : دوامة “منّ السَما”.

“منّ السَما” هي الرواية الثانية للكاتبة غصون رحال التي يتاح لي قراءتها بعد روايتها “في …

| “مهاجرون بلا منأى” رواية جديدة للكاتب والباحث اليمني هايل علي المذابي

صدرت مؤخرا للروائي والباحث والأديب اليمني هايل علي المذابي رواية بعنوان “مهاجرون بلا منأى” رواية …

تعليق واحد

  1. الطالب مهدي سليم

    من اجمل ما قرأت ابدعت استاذي القدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *