عبدالحسين خلف الدعمي : وزارة الثقافــة … إلى أَيـنْ ؟

abdulhussein aldamiالمتتبعُ للمشهد الثقافي العراقي بالرغم مما قيلَ ويُقال فهوَ حَقاً يعاني التردي والأحتظارَ لأسبابٍ كثيرةٍ تفاقمت يوماً بعد آخرَ أَدت إلى ما لا يخطرُ على بال بأن الثقافة في بلاد مابينَ النهرين قد آلـَتْ إلى هذا المآل .. لقد إنتظرَ المثقفونَ العراقيونَ التغييرَ بأمانٍ وَرديةٍ وإذا بهم يفاجأونَ بالأقصاءِ والتهميشِ والأهمالِ لمشهدهم الثقافي وإزاء ذلك لابُدَ لهم من موقف حازمٍ يوحد كلمتـَهم بالبينة الدامغةِ ، والإشارةِ الواضحةِ إلى مَنْ يكيدُ بهم ومِن خلالهم الثقافةَ العراقيةَ برُمتـِها وما تمثلـُهُ من آدابٍ وفنونٍ وعلوم ، فالأُممُ لم تُعرفْ هويتـُها إلا من خلال مفكريها وأُدبائها وعلمائها .. ولكن كيفَ تقومُ للثقافة قائمةٌ و(المثقفونَ والأدباءُ) يقفونَ طوابيراً عند أبوابِ الساسة صاغرينَ مذعنينَ لأملاءآتـِهم .. لذلكَ فقد عزِفَ الكثيرونَ من أدباء العراق الأصلاء ومفكريهِ عن الحياةِ (الثقافية) وحضورِ مناسباتها ولاذوا بالصمت والكتابة عبر مواقع شـــبكات (الأنترنت)إن لم يغـــادروا البــــــلاد فـ ( مُغنـــية ُالحَي لا تـُطرِبْ ) .. ووزارة الثقافة في شغلٍ شاغل عنهم و (في صراع مَنْ سيشغل الكراسي الثقافية في الوزارة) وأكتفى البعضُ بإملاء الكراسي الشاغرة ليضمن لنفسه موقعاً إدارياً ومُرَتباً حتى لو كان ذلكَ بـ (العقدالمؤقت) وكـَــفاهُ ذلكَ ليـــقفَ مُـــــدافــعاً عن ( وزارته ..) ونشاطاتها (المتميزة) وقد غَرُبَ عن بال وزارته والقائمون عليها أَن المثقفَ والأديبَ والفنانَ العراقيَّ المبدع قد نحتَ كيانهُ بإزميله وهو ليسَ بحاجةِ وصايةِ أحدٍ عليه لذلك تـَراهُ عَـلماً في جميع المحافل العربية والعالمية بينما مانشهدُهُ أو نســمعُ عنهُ أو نقــرأهُ من أنشـــــــطة الـــوزارة مـــاهوَ إلا ( إسقاط ُ فرض ٍ) قائمٌ على الأستنساخ والأجترار والبدائل القائمة على المنافع والعلاقات الشخصية والتي هي من العوامل الرئيسة في عملية تخريب المشهد الثقافي العراقي الذي نتمنى على الساسة أن ينتبهوا إلى خطورة تهميشه وما سيترشحُ عن ذلك ويترتب عليه في حين آتٍ لاريب .. وليتهم تأثروا بحكمةِ سياسيي كردستان وإدراكهم لأهمية الثقافة في بناء المجتمع فقدموا للأُدباء الكُرد ماأغناهم مادياً ومعنوياً .. إضافة إلى نشر نتاجاتهم مقابل ثمن يمنحُ لهم ومكافآتٍ سخيةٍ ، وبدورنا تساءَلنا عن مصادر ذلك التمويل والسخاء في رعاية المثقفين الأكراد وجاءَ الردُ على ألسنتهم بالثناء (إنهُ من حكومة الأقليم) .. وإزاء ذلك نتوسم خيراً بالوكيل (الأتروشي) فلعله سيقوم بالمهمة متأثراً بواقع الثقافة الكردستانية بعيداً عن الوعود والشعارات والأنويات التي أَتخَمَتنا بها وزارته من قبل والتي هي الآن بأمس الحاجة إلى (صَحوَةٍ وإسناد) ولاننسى في هذا أن نشيرَإلى أن أغلب الذين خدموا (الضاد) ليسوا من أقحاحها كـ (سيبويه ونفطويه وصولاً إلى مصطفى جواد و إبراهيم الداقوقي ) فلقد كانوا أكثر بحثاً في (الضاد) وغيرة وإنتماءً وحرصاً عليها وعلى نتاجها العلمي والفكري والثقافي وفي هذا نُحَمِل الدولة مسؤولية رعاية الأدباء والمثقفين والفنانين وأن تساوي فيما بين الشمالي والجنوبي وكان حَريٌ بالبرلمان أن يُشَرِّعَ قانوناً مُتأثراً بتشريعات (برلمان كردستان) بهذا الشأن وما تـَـنَـدّى لأحدهم جبيناً حين أخذت تلكَ المبادرة منهم بعد دراستها(الأستباقية) لواقع المثقف العراقي(مؤسسة المدى الثقافية) وشهادةً للتاريخ نقولها إن تلك المؤسسة (المَدى) قد أسعفت الكثيرين منهم ( عِلماً إن كاتبَ السطور ليسَ منهم) في غياب دَور الدولة التي شاعت بأروقتها أو أشيعَ بأنها لاعلاقة لها بالمؤسسات الثقافية والفنية وفي مُبادرةٍ أُخرى تَصَدَت( قناة الشرقية) بتفقد الأدباء والفنانين في الشتاة وتقديم العون لهم ونقل جثامينهم على متن طائراتٍ خاصة لتورى في ثرى الوطن والأحرى أن تقوم بهذا الدور وزارة الثقافة التي لم ترفع (فيتو) عند تجريف قبور شواخص الثقافة العراقية ( د. علي الوردي ، د. علي جواد الطاهر ، د. طه باقر) هذا بالأضافة إلى ما لمسناه من خلال مصادرة مقرات إتحاد الأدباء ونقابة الفنانين في أغلب المحافظات .. ولم ترفــع كَــفاً إحتجاجـــاً أو مذكــرة إســتياء وإدانة بلْ لمســـناهُ من ( كرمـها الحاتمي ) الذي وصلنا عبرالأستغاثات المتكررة لـ (مؤسساتنا الثقافية المستقلة) التي لا تمتلك تمويلاً بَيدَ إننا من جانبٍ آخر نرى الوزارة ناشطة في إقامة المعارض والأصبوحات ..! والأماسي والأحتفاءآت لمن تروم إقامة علاقاتٍ وديةٍ نفعية متبادلة معهم لصالح الذوات وكلاء ومديرين عامين فيها وفق إستراتيجية إختزال الزمن ..! وغير بعيدة المَدى ، تلعب فيها نسبة الربح والخسارة دوراً ، وإثرَ ذلكَ شاعَ وسادَ وتنامى التباهي والتحاسد والتنافق فيما بين هؤلاء حتى بلغَ الزُبى وهم أصلاً ثلةً لم يكن لهم شأنٌ يوماً ما في أروقة الأبداع فمن أعطاهم حق (القيمومية) على الثقافة والأدب العراقي وما هم إلا خريجو (المتجر السياسي) إمتهنوا التكسب بالأدب والمتكئين على جهدالآخرين في إنتعاش تجارتهم على حساب الكلمة والرأي والبحث والمقالة التي تُجَيَّر بأسمائهم ..!! وما أكثرهم في زمنٍ إنحسرت فيه الرؤى وطفت فيه إستراتيجيات المصالح الخاصة والفئوية ودائماً نتساءَل فيما بيننا ، مِن أينَ أتى هذا الكم الهائل وكيفَ تمكن من التسلل لميدان الثقافة العراقية بمؤهلاتٍ مُزَورَةٍ وألسنةٍ لولبيةٍ ينشرون (بضاعتهم) من خلالها حينما يندلق الكذب من أفواههم كالباعة المتجولين لأن (بضاعتهم) لاتـــجد فيـــــها إلا ( المسروق ، والمُعاد التصنيع ، والتقليد) وماشاكلَ ذلكَ .. وفي النتيجة نخلص إلى أن هؤلاء ما هُم إلاّ أدعياء لم يمتهنوا حرفة الأدب ولم يَمِتوا لأعرافها وأخلاقياتها بصلةٍ ونقولُ جواباً على ماتقدم مثلما فـُتحَت بَوابات حدود العراق على مصاريعها للـوافدين من كافة الألوان والأجناس فـَتحت وزارة الثقافة بوابتـــــــها فــــدخـــلت من خلالـــــــــها ـ الكفــاءآت ـ ( الموقوذة والمتردية والنطيحة) وتمكن هؤلاء ومَن هُم على شاكلتهم والموظفون الخدميون والأداريون السابقون في (وزارتيّْ الثقافة والأعلام المنحلتين) من التقافز على الكراسي وأستطاع بعضهم التسلق لمهام المسؤلية في أهم مفاصل الوزارة ومؤسسات البلاد الثقافية ولدينا بعض الأستثناء ممـــا قلنـــا فلـــقد لعبـــت ثيمة ( للضرورة أحكام) دوراً مهماً في أن يكون َللشاخصِ الأبداعي نصيب لتضبيب الرؤى لاغير ….. ولو عُدنا مرة أخرى نتساءَل مَن المسؤول نجدُ الجواب في تصفحنا لكتاب (تأريخ الوزارات العراقية للسيد عبدالزاق الحسني) لنرى من خلاله أن الدولة العراقية في عهدها الملكي ومنذ تأسيسها عام 1921لم تستوزر للثقافة (المعارف) ـ وكانت تضم مديريتي الدعاية والأذاعة ـ إلاّ مَنْ هُم من أَهلها والمتمرسين فيها الذين خبروا فنونها ومعارفها كـ (الشاعر الثائرالشيخ محمد حسن أبو المحاسن ورائد الصحافة روفائيل بطي وشاعر العراق الكبير محمد رضا الشبيبي) ولأنهمُ من الوسط الثقافي والأدبي عَرفوا لِمَن يختارون من المبدعين آنذاك ليتولى إدارة المفاصل في وزارتهم ، ولانريد الخوض بتفاصيلٍ أكثر إيلاماً للنفس والمشهد .. ونرى إنه لاحَلَ لكل تلكَ الأشكاليات إلا بمراجعة شاملة لكل مفاصل وزارة الثقافة إن كنا نريد إعادة تفعيلها حَقاً ، وليعلم السياسيون إنهم بدون مؤآزرة المثقفين سوف لايتمكنون أبداً من تحقيق برامجهم مهما بلغوا من الحنكة السياسية والدهاء وإن في عدم رعاية الدولة المباشرة للثقافة والآداب والفنون يؤدي إلى فقدان العراق بعد حين لثروة كبيرة عَرفتهُ بها الأمم الأخرى قبل (البترول) وغيره منذ آلاف السنين وقد ملأت علوم مبدعيه قراطيس العالم .. ليتهم يدركون ذلك قبل فوات الأوان فالدول الأخرى وخاصة الغربية منها بحاجة ماسة حسبما ذكرته التقارير والدراسات والأبحاث التي ظهرت إبان الستينات والسبعينات من القرن الماضي داعية ً إلى ضرورة تخصيب ذاكرتها من خلال وسائل إجتذاب الفكر المبدع الخَلاق وزرعه في مجتمعاتها وتهيئة كافة السُبل التي تضمن تحقيق تلك الغاية .. فلا غرابة فيما نراهُ ماثلاً في أغلب المؤسسات الثقافية والعلمية لدول العالم فقد تبوأَ العراقيون أعلى المنازل والمقاعد فيها وفقاً لمصالح تلكَ الدول بينما يجتهد البعض في (داخل الوطن) إلى تهميش وإقصاء ومحاربة الأجدر والأكفأ بالتُهمِ الجاهزة أوالملفقة لتضييق الخناق عليه أوتصفيته إن بقيَّ على موقفه مُصرحاً به حُراً بينما يقف الآخر لاحول ولا قوة له فيختارالصمت تحت وطأة الفاقة والشعور بالأحباط مما يحيقُ به ومايراهُ على شاشة المشهد الثقافي اليوم من تدنٍ وكان يأملُ تقييماً لعطائه عبر مسيرة مثابرة لسنوات لم ينحسر فيها ولم يقف عندها وأُهملَ لا لسببٍ سوى رفضه الأنضواء تحت هذه اليافطة أوتلكَ لذلكَ ندعو إلى قيام (مجالس وطنية لرعاية الثقافة والفنون والآداب) في جميع المحافظات وأن يعمل فيها مَنْ ذكرناهُم بصفة خبراء و مستشارين للأستفادة من تراكم خبراتهم الثقافية في إختصاصاتهم المعرفية والأحتفاء بهم بدلاً من رميهم ونتاجهم الفكري في (سلة المهملات) في حين يذهب القائمون على (المفاصل الثقافية) بتقديم (البديل المزعوم) من خلال أنشطتهم .. ـ ومن المؤكد أن يكون البديل هذا دون مستوياتهم الغير مشمولة بمقياس ريختر الأدبي ـ وهذا واقعٌ لمسناهُ من خلال أُمسية (ثقافية) أقامتها دائرة العلاقات في وزارة الثقافة لـ (شاعرٍ مُغترب ..!!) بحجة تلاقح الثقافات ، وقد عَزى أحد المفكرين إن من ألأسباب الرئيسة لتردي المشهد الثقافي لبلاد مابين النهرين يعود لأنعدام إستيعاب وتبني الدولة لثقافة لاتنحو بمنحى يتناغم مع توجهاتها (الدينية) في جوهر قرارها الحاكم بالرغم من محاولات الأصلاح التي يتبناها البعض من الأسلاميين المعتدلين ولكنها تصطدم بـ (هيمنة الشريعة) التي لاتجيز لهم ذلك..! وهذا غير مُعلنٍ أو واضحٍ للعيان ولكنه جذوة الصراع ولـُب المشكل القائم المُعيق لكل ما من شأنهِ الأرتقاء بواقع حال ثقافتنا اليوم .. وقد صرحَ آخر بأن تفتيت المشهد الثقافي العراقي بدأ بتهميش دورالأتحادالعام للأدباء والكتاب ونقابة الفنانين بـ(رفع الحصانة والتمويل عنهما) حتى أصبحتا واهنتين عاجزتين عن تقديم أي دعمٍ للأديب والفنان العراقي وأصبحَ دورهما ـ الأتحاد والنقابة ـ (أرشيفياً) لايعدو ذلكَ غايةً في أن تتشظى هذه النخبة من المبدعين بين هذا وذاك من المؤسسات الثقافية والأحزاب والتيارات…!؟ طلباً للعافية وسداً للرمق ..!! دون النظر الى ماهية تلكَ المؤسسات أو التغاضي عن معرفة مرجعياتها .. والتي هيَّ الأخرى نراها تهتم بملاطفتهم وتقديم الدعم لهم لأقامة معارض أوندوات أومهرجانات للمسرح والموسيقى كلما إقتربَ موعدٌ لأستفتاءٍ أو إنتخابات ، إذن فالحالة مقصودة سلفاً ومدروسة لاتحتاج إلى إثبات وبرهان وإلا لَكان بالأمكان معالجتها وما أيسر ذلكَ إن كانت النوايا صادقة سليمة بدلاً من التركيز والأصرار على إقامة مهرجان (المربد الرسمي) والـــذي طالـــب الكثيــرون بـ (إطلاق رصاصة الرحمة عليه فهوَ أولى بها ) لرداءة إدارته وإختياراته لمن يمثلون المشهد الثقافي ومنهم مَن صرحَ علناً بأنهُ يرتقي المنصة لأول مرةٍ .. عَجباً فـ (المربد) المهرجان الدولي الأول الذي عُرِفَ به العراق رائداً للثقافة وراعياً للفنون منطلقاً نحو الآفاق الكونية منذ بداية سبعينيات القرن المنصرم إضافة إلى عُمقه التراثي والغاية من إقامته .. وغير ذلكَ الكثير مما لاناقة ولاجمل للثقافة والأدب فيه ولكن لهم فيها مآربُ تلعب فيها المتاجرة دوراً كبيراً وعلى جميع الصُعد التي تمتُ للكلمةِ الأدبيةِ بصلةٍ .. إنه لمن المؤسف حقاً أن دور الوزارة اليوم لايعدو برمجة الحالة المعاشية والأدارية لبعض من الأفراد حيثُ يتولى مهام المشهد الثقافي الذي باتَ يئن من وطأة أُميتهم بماهية مايفعلون وبعقليات متخلفة لاتتواكب مع معطيات العصر الحداثوي لفقدانهم الأهلية والخبرة والأختصاص المعرفي بأهمية المكان الذي وضعوا أنفسهم فيه ، أو وضعتهم فيه حتمية الأنضواء تحت يافطة (القانودينية) لاإيماناً بها بل إنتفاعاً منها وقد تنامى هؤلاء وكثروا كالطحالب وقد وجدتهم ـ حينما تيسر لي أن أتعرف على أغلبهم حينما تغربتُ عن الوطن إبان النظام السابق ـ وكنتُ قريباً جداً من المشهد الثقافي لتلك البلدان .. وجدتهم قد إمتهنوا الأنتماء إلى رموزها وعناوينها والمتنفذينَ فيها من الأدباء والكُتاب والفنانين والصحافيين يتملقونهم ويكتبون عنهم وصولاً لمآربهم الأنتفاعية بأقصر الطـُرق و(أيسرها) وَمثلهُم في هذا كمثل المُومس التي تزاول البغاء في غير مدينتها ويطأوها كل من هبَ ودب ولكنها حين تعود لمدينتها تلبسُ قناعَ الورع والتقوى .. وبالأعتماد على مثل هؤلاء وَمَن هُم على شاكلتهم نكون قد فقدنا عنصراً مهماً من عناصر المبادرة والجرأة على الأبداع .. لذلكَ بدأ هؤلاء بالتعامل مع أسماء وعناوين الإعلان عنها جميلٌ والغاية منها معلومة والأستماعُ إليها فقيرٌ حيثُ لم تَضفْ مجمل النشاطات وعلى مدى السنوات الست الماضية إلى المشهد الثقافي العراقي إلا خراباً ومن تلكَ على سبيل المثال لا الحصر .. أُمسيةً أقيمت لـ (شاعرٍ كبير) هكذا ورد على اليافطة في المدينة وحضـــرتها بدعوة كريـــمة من البيت الثقافي العراقي ( وهذا الشاعر إشتركَ في حفل إفتتاح مهرجان المربد الأخيرفي ثغرالعراق الباسم ، بصرة الخصب والنماء والفراهيدي والسياب).. ، فلأصفَ لكم بعضاً من جوانب تلكَ الأمسية التي أقامتها دائرة العلاقات / وزارة الثقافة في مدينتي مدينة الحضارة والتأريخِ والفن والأبداع .. بدأ (هـ) مُعَرفاً بالـ (الشاعر) قائلاً : أَنا مَن لايعجبني العجب وحتى بما أكتبهُ من الشعر أَعترفُ بأني لَم أتأَثر ولم تهتزُ عواطفي نحو نتاجُ شاعرٍ بأستثناءِ من ألتقيهِ اليوم وجهاً لوجه وقد إلتقيتهُ من خلال صديقي القاص جاسم عاصي الذي أعارني ديوان الشاعر الذي أهداه إليه في عَمان ، وبدأ (هـ) مكفهراً مُرتبكاً في تقديمه للـ (الشاعر الكبير) المُحتفى به والثر العطاء وقد أسبغَ عليه وأسهب بالحمد والثناء وإنحنى للـ (شاعرالكبير) طالباً منه أن يبدأ بأنشادِ مُختاراتٍ من قصائدهِ علينا .. وأشدُ ما أحزننا هو أَننا لم نسمع من المحتفى بهِ شعراً حيثُ بدأ الناس بمغادرة المكان تباعاً وجعلنا نتساءَل أين هذا من جزالة اللغة والمفردة العصماء والكلمة التي تداعب شغاف القلب والريادة في تمثيل الأدب العراقى في بلاد الغرب مما عرَّفنا به مُقدم الأحتفائية والأوراق الثبوتية التي وزعها الشاعر على الكراسي قبل حضورنا القاعة ومنحنا فرصة قراءتها بتأخره عن موعد إبتداء الأمسية لأكثر من أربعين دقيقة .. ثُم أعطيت الكلمة للقاص (جـ) فتحدث عن صديقه (الشاعر) بأسهاب وكأنـــه قد إكتشف في
( الشاعر) مَـنجَماً أدبياً مُتناسياً بأننا لم نستمع إلا إلى سردٍ لم يكن ذا علاقة بالشعر أو يمتُ بصلةٍ لما جاء بالكتاب اليتيم عن قصيدة النثر لـ (سوزان بورنار) أبداً ولكن للصفقات ضرورة تعقد بين هذا وذاك على حساب الأدب والشعر والأصالة لغايات محسوبة سلفاً فكنا جميعاً نشمُ رائحة التملق والتزلف والرياء وبدأ عدد الحاضرين بالتناقص الملحوظ والبعض خرج حانقاً على جو القاعة الذي تلوثَ بالرياء والمخادعة لعلَّ هذا الكائن الزائر يدعوهم ذات يوم إلى بلده الغربي فهوَ (مدير مهرجانات ثقافية) فيه ..!! حسب ما ذكرته أوراق سيرته أو لأستثمار علاقته بالمسؤولين العراقيين مِمَنْ وَطـدَّ العلاقة معهم والعرب كذلك وغيرهم وهذا مالَمسته من خلال حديثٍ جانبي بينه وأحد المتحدثين مَعَهُ ، ثُمَ طلب الحديث والمداخلة الشاعر (م ع الخفاجي) فقالَ وعتبَ وأثنى فعجبت مما قاله في المُحتفى به وحينما عادَ إلى مقعده بجانبي قلتُ لهُ (أبا .. .. أحقاً ماذكرتهُ) فردَ عليَّ قائلاً (لابُدَ لي من رد الجميل فقد أرسل لي دعوة … ، وقد إستثمرها (ع م / لصالحه ) .. أَقولها وكلي أسىً على واقعنا الثقافي الراهن لقد أزكمتنا عفونة مثل هذه الأماسي التي تقام لبناءِ علاقاتٍ وتبادلِ منافعٍ لاغير على حساب (الأدب الرفيع ، فلم نسمع فيها إلا النفاق الوضيع) ثُمَ أعقبه القاص (علي لفته سعيد) فأشار عن إستياءهُ مما قٌدمَ في هذه الأمسية ولكن بصيغة إيماءآت لايمكن إدراك أبعادها إلا بمجساتٍ فاحصة دقيقة .. أدركها المعنيون يقيناً .. بعدهُ إنتصبَ على كرسي المُداخلات الفنان المبدع حقاً ( علي الشباني) فأثارَ إن السيرة الذاتية للمحتفى به تشيرُ بأنهُ عَملَ كاتباً مسرحياً وممثلاً على خشبة المسرح في العراق ولم يتكلم لنا هو عن هذا الجانب الثقافي والمفصل المهم الذي لابد من التطرق اليه والخوض فيه في هكذا إحتفالية ، فكانت ردود المُحتفى به دبلوماسيةً فهو فنان يجيد لغة الحوار معَ الآخرين بالقبول والصمت وإيماءة الرأس .. وإزاء ذلكَ رأيتُ من اللابد منه أن يكون للحقيقة مكانٌ بينَ هذا الكم المتناقض الرؤى المتفق على المشاركة في (متجرالنفاق الأدبي) فبدأتُ بمقولةٍ للدكتور علي الوردي حول ظاهرة (الشموع المحترقة) إذْ قال: ـ رأيتُ لدى بعض أُدبائنا المعاصرين هياماً مصطنعاً بالحقِ والحقيقة فهم يُمجدونَ(عبقريات) وهؤلاء (العباقرة) من أبعدالناس عن طبيعة الشموع المحترقة ، نجدهم يحترمون الأديب الذي يتزلف إلى السلاطين والمترفين ويعيش على فضلاتِ موائدهم …. ولكنهم في الوقــت ذاتــه ( أي الأدباء) يحتقرون مَنْ يحاول أن يتزلف بأدبهِ إلى أبناء الشعب وينزل بأسلوبه إلى مستواهم ـ أقولُ للوردي نعم .. فأنك المتفحصُ الدارسُ والعارفُ الواعظ فما ذكرتهُ في كتابكَ (إسطورة الأدب الرفيع) هو عين الصواب لذلكَ ذكرتُكَ وأقولُ مُعقِباً .. إن الشعر هو إستعدادٌ فطري في النفس البشرية على إختلاف لغاتها وأجناســـــها لذلكَ وللحقيـــــــــــقة أقــــــول مأســـتمعــــتُ له اليــــــــــوم مـــن ( الشاعرالمغترب الكبير) لم أشمُ رائحة للشعرفيه .. إستمعتُ إلى ما نَطلقُ عليه بالشعر المُترجَم إلى العربيةِ حيثُ يفتقد إلى أبسط مميزات الشعر وأحسبُ إن المحتفى به قد كتبه أصلاً بلغة البلد الذي توطنَ فيه ثمَ ترجمه إلى العربية والنصُ المترجم يفقد الكثيرمن مكوناته وأهمهاهندسته الشكلية وبناؤه الفكري .. ولربما في رأيي إن الـ (شاعر) لم يحسن الأختيار لقصائد الأمسية وأقولها للحق إن الـ (شاعر) المُحتفى به يتميزُ بحديثٍ جذاب لذلك كان لحديثه السردي الذي تحدث عنه (القاص علي لفته سعيد) والذي إفتتحَ به الجلسة أبلغ حيثُ إحتوى على ومضاتٍ شاعرةٍ لم تبلغها النصوص التي قُــُرأَت علينا حيثُ لم نرَ ما يُدهشُ فيها ولم يأتِنا بجديد .. وإنَ مايغفرُ للشاعر هو إلتصاقه بعراقيتهِ التي داعبها هيَّ الأُخرى بأستحياءٍ ومن وراءِ حِجاب ….!! أي عبر الهيروغليفية أي (الرمزية) .. ولم يفصح الـ(شاعر) عما يُعانيه العراقيون بغربتهم عن الوطن .. الأم ، الطفولة / النخيل / العراقية الباسلة / ماء الفراتين / المتنبي والشريف الرضي ، الجواهري والحبوبي والرصافي / حسين مردان ، نازك ، السياب ، البياتي / سامي مهدي ، حميد سعيد ، كزار حنتوش ، خالد مطلك ، نصيف الناصري .. إلى أي جيلٍ من هـــــؤلاء ينتمي .. لــــم يرد في شـــعره أيــاً مما ذكرنا ولكنـــه بالــــرغم مــــن ذلكَ إرتقـــــى ( بحرجه الساذج المرتبك) حسبما قالها هو في تعقيباته ليربكَ مشاعرنا تجاه نتاجه الذي ترشحَ من (منطقة اللاوعي) الشاعرية .. بينَ كل هذا الحشد من المثقفين والأدباء والباحثــــين قال المُحتفــــى بـــه عَــلنـاً ( أنا خائفٌ متردد) نعم هكذا وجدناك فعلاً فلقد إقتربت من الشعر فأحرقكَ ولم يكن من صناعتكَ فإنك في نثرك أبلغُ تأثيراً فينا .. لذلكَ أنتَ تدخلُ قلبَ المُتلقي دون إستئذان منهُ ، عَسى أن أراكَ ثانيةً غنياً لا فقيراً في ميادين الأبداع الأدبي ، وقاكَ الله مداد النقاد ومَنَ عليكَ بما يغبطكَ من إطراء المتملقين الذينَ يعتاشون على فتات موائد (الأدب الرفيع …!) فردَ عليَّ قائلاً : ـ أنا أشكركَ جداً .. ( إنظر الى الدبلوماسية وكأننا نتفاوضُ في سفارة خارج البلاد في شأنٍ سياسي ) .. ـ أشكر لكَ جرأتكَ في الطرح ولولا هذا التباين في إختلاف وجهات النظر والآراء لما كُنا على مانحنُ عليه ـ .. وإزاء ماصرحتُ به كان مُعَرِّف الضيف يزدادُ إرتباكاً فقدَمَ الأستاذ المربي الباحث المعروف (حسين الجبوري) قائلاً : يتفضل القاص حسين الجبوري ليقدم هدية البيت الثقافي العراقي للشاعر…. ، فأعترضَ الأستاذ الجبوري قائلاً أنا باحثٌ ولستُ بـ قاصٍ أو شاعر .. كلُ ذلكَ حَدَثَ لعدم إيمان هؤلاء بما تقوم به وزارة الثقافة ودائرة العلاقات فيها ولكنهم قد جبلوا على أن يكونوا من أدواتها غايةً في الوصول وقد بلغوا من عُمر الجفاف مالا يؤهلهم للوصول مهما فعلوا فـ الزبَدُ دائماً يذهبُ جفاءً وبذلكَ يكونون قد أضروا بأنفسهم والآخرين وهم يعلمون بما يفعلون فالذَنَبُ قد يتصلُ عَبر إلتوءآته بالرأس ولكنهُ لن ولم يكن رأسـاً أَبداً .. فرحم الله الثقافة والمثقفين والأدب والأدباء والفن والفنانين في بلاد حضارة مابين النهرين .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| أحمد خيري : الكتابة وفضيلة أن نكون اجتماعيين “قراءة في كتاب اعترافات بلا كمامات” .

قد يكرّس المثقّف موهبته لحملِ رسالةٍ ما، أو تمثيلِ وجهة نظرٍ ما، أو موقفٍ ما، …

| عبد الرضا حمد جاسم : الاحتلال الأمريكي للخليج و الجزيرة العربية 1/4 .

مقدمـــــــــــــــــــة: ونحن في أيام ذكرى الهجمة الامريكية الصهيونية العربية لتدمير العراق و من ثم احتلاله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *