قاسم ماضي : كان خريفاً متجبراً، مكابراً، قصص “مابعد الخريف” للقاص العراقي عبد الكريم الساعدي

kasem madi 2حكْم وأمثال يستخلصها القاص العراقي ” عبد الكريم الساعدي ” من تجربته الحية كما مارسها في حياته ، وعاناها ، فتجيء عبارته التي يغص بها كائن من يكون ،حتى نفهم المعنى لهذه التجريدات الصورية التي يستخلصها القاص ” الساعدي “وهو يقضي ساعاته الطوال إمام مرآة نفسه الصافية والواضحة وضوح الشمس ، لتكون الصورة القصصية التي يبحث عنها بهذا التلوين الفيضي مسافة فنية بينه وبين المذعورين ، وهو يبادلنا صور الواقع العراقي المًر على مدى أجيال .
” يرتجف المدى في أعماقه ، ينحدر إلى مساحات أنفاسه ، يتسلل إلى زاوية حادة ، ضاقت بعتمة الأزمنة وجفاف المكان ” قصة ارتعاشة آخر ليلة
وهي صور مفعمة بالحياة وهي تشير إلى مصير الإنسان الذي يسوقه قدره ، وهي رحلة فيها الكثير من العذابات التي أراد منها أن يسوق الحق خالصاً في زمن لاحق فيه ، ومن خلال مجموعته القصصية ” مابعد الخريف ” والتي كتبها على الورق الأبيض ، وتضم في طياتها مجموعة من العناوين نذكر منها ” حرائق ساخنة ، رسائل موتى ، دموع خرساء ، في بطن الحوت ، ليلة أليمة ، ارتعاشة آخر ليلة ” وغيرها من القصص ، وهو يكشف لنا عن سرائره التي إنطلق منها ،هي قلب ولسان ووجدان وجنان ، و لو تفحصنا مفردات هذه القصص لوجدنا فيها ذكاءًا ، ومنطقا ً لما دار ويدور في واقعنا العراقي الذي عشناه عن كثب ، بل أُصر على فهمي الذي أوصلني ومن ثيمات هذه القصص ، أن ” الساعدي ” محلل يزاوج بخبرته الإستراتيجية التي اكتسبها من محيطه ، و تعلم منها معنى الحكمة ، وهو يدخلنا في عالمه القصصي الذي يمس هذا الكائن الإنساني المتضرر مادياً وفكرياً ونفسياً وحتى عقدياً وهو ينقلنا من ضفة إلى أخرى ، ولكن بلعبة الزمن السردي الذي إتخذه على نحو أكثر تركيزاً وقصدية .
” تهزه طقوس التحدي ، ليقتلع جمر الفساد وجيف العروش الجاشمة على أنفاس الحياة ، منطلقاً من زوايا منفرجة بالأمل ، إلا أن الخطوات المحمومة بالكراهية والموت ” من قصة ليلة أليمة
وهو مستمر في توزيع اشتغالاته السردية التي يحاول من خلالها إبراز مخرجات متجددة ، ولكن بطريقة شاعرية ، مرتكزاً على خبرته الحياتية التي شخصها في فرد واحد ، وهل هذا القسم الذي إنطلق منه هو إشارة للذين يعانون معه، وهم من الذين كبدّتهم الظروف الكثير من المآسي التي أصبحت وباءاً على كاهلهم ،وكأنه يقول لنا ، ها أنذا مستمر معكم بطقسيتي السردية ذات الدلات القصدية متخذها كمتنفسٍ لما يدور حولي ! وهذا ما وجدناه منذ بداية الصفحات الأولى للمجموعة ، وهو ينطلق من ألإهداء الذي هو إشارة واضحة لحركة الحياة التي أراد لها أن تكون .
” إلى من توضؤوا بشهد الحرائق ، أحلامكم التي وطأتها سنابُل الدمع ، ما زالت تهطل ” kh abdulkarim alsaedi
يقول عنه الناقد ” صالح هاشم ” التعبير بالمرموز هو الذي يشد إنتباه المتلقي ، إلى التركيب اللغوي الذي وظفه القاص في سياقه السردي ، ماهي الصور التي يمكن أن نستنتجها من هذه التعابير ، التي وظفها القاص أو التي إختار بعضها لإعتبارها أمثلة في هذا التحليل النقدي ”
” إختزلت ضباب الضجيج ، كان البوح يرتدي نشيج الشوق إلى احلام معلقة في الهواء ، أحلام معتقة بالنسيان ، مرتبكة بظلال الدخان المتصاعد من حرائق الحسرات والندم ” من قصة رسائل الموتى
هذا المثقل الذي يتصدر ذاته المشتعلة بكوابيس الزمن والتي إتخذها مصباحاً كي يطفأ هذا الظلام بمفرداته الجميلة ولغته الحية كي يحرك ضمير المخاطب ،والذي أراد أن يصرخ من هذه القيود المفروضة من خارج النفس ، وهو يقدم لنا هذا التشكيل الشعري .
” وأنا ألمح شخصاً ما قادماً نحوي ، له ملامحي ، فبرزت عيناه من تحت السكون ، ملوحاً ب ” بيريته ” السوداء كطيف موشى بالحنين ، يتلو سيرة الخراب ” من قصة دموع خرساء
حتى أنني أجد في معظم القصص نشاطاً تشكيليا ً ، اشتغل عليه ” الساعدي ” يحاكينا بقراءة الإيقونة البصرية ، وكأننا أمام عروض مسرحية مختلفة ، تقوم على شبكة من الاحتمالات الدلالية ، وبالتالي تصب جميعها في بؤرة تصعيد دراما السرد ، وأنا من المشتغلين بفضاءات العرض المسرحي ، الذي يعّمد أنفسنا من علل الأشياء التي تحيطنا من كل مكان ، وهو الذي يؤكد وبقراءة واعية على أن الأدب مقترن بعملية التغيير الناتجة من حركة التاريخ ، ومن هنا تأتي أهميته من رسم التقدم البشري وإخفاقاته ، الصراع بين الخير والشر ، لاسيما أنه يقدم لنا تلك المعاني بأعذب الكلمات وأبهى الصور .
” كنت أطوف حول ملامحي المختبئة بين السطور بخشوع ناسك ، كان يُشبهني تماماً ، مرت ثوان ِ بعمر الكون ، وأنا أرّتل في المدى دعاءا ً له بنبض خوفي وضعفي وأنين الأمهات ” من قصة دموع خرساء
بقي أن نذكر ” الساعدي ” هو من مواليد بغداد 1958 ، ويعمل حالياً مدرس لغة عربية ، ولديه مجموعة قصصية ثانية تحت الطبع بعنوان ” مرايا الشيب ” وهو كاتب وباحث في الشأن السياسي والثقافي ، وأحرز المركز الخامس في مسابقة ” ضاد ” للقصة التي أقيمت مؤخرا ً في مصر عن عمله ” هبوط عابر ”
قاسم ماضي – ديترويت

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *