طلال حسن : قصص قصيرة جداً للأطفال من الزمن الفلسطيني

talal hasan” 1 ” 

وا عرباه
تشبثت شجرة الزيتون ، بكلّ جذورها ، بأرضها الطيبة ، حين هاجمها بلدوزر صهيوني ، وصاحت بأعلى صوتها : وا عرباه .
فأجابها الصدى : وا .. عر.. با .. ه .

” 2 ”
شجرة البرتقال
علم ضابط من جيش الاحتلال ، أن شجرة البرتقال ، قد خبأت بين أغصانه طفلاً فلسطينياً ، رجمهم بالحجارة مع رفاقه الأطفال، فأمر جنده قتلها رمياً بالرصاص .

” 3 “
قال معلم الرسم للتلاميذ : أرسموا أطفالاً من الأرض المحتلة .
وإذا بجميع التلاميذ يرسمون أطفالاً ، يرفعون علم فلسطين ، وهم يرجمون جند الاحتلال بالحجارة .
” 4 ”
النصر
رجم طفل جند الاحتلال بحجر ، ثم رفع يده بعلامة النصر ، وصاح مع رفاقه : تحيا فلسطين .
وأطاحت أطلاقة صهيونية بإحدى أصابعه ، لكن يده المدماة ، ظلت مرفوعة بعلامة النصر .

” 5 ”
الطريق والبندقية
نسفوا بيته ، وهجّروه خارج الوطن ، مع زوجته وحفيده الصغير . وفي الطريق إلى المهجر ، قال لحفيده : أنظر إلى معالم الطريق جيداً يا بنيً ، لأنك ستعود يوماً ، ومعك بندقية .

” 6 “
قالت راهبة عجوز ، إنها رأت الناصري في القد س ، يحمل الحجارة بين كفيه ، ويقدمها للأطفال، ويقول : طوبى لكم ولحجارتكم ، أرجموا أولاد الأفاعي هؤلاء ، فقد دنسوا الأرض والإنسان .
” 7 ”
لا يمكن
قالوا لي ،إن أبي مات ، وهو يقاتل جند الاحتلال ، يا إلهي ، لا يمكن هذا ، إن أبي لم يمت ، فالقتال مستمر ، وحجارتي وحجارة رفاقي الأطفال ، مازالت تقاتل جند الاحتلال .

” 8 ”
جند النجمة السداسية
وجد الغربان أخيراُ ، من يشاركهم في حصتهم من الرجم بالحجارة ، فحجارة الأطفال ، في الأرض المحتلة ، لم تعد ترجمهم وحدهم الآن ، فهي ترجم أيضاً .. جند العدو.. جند النجمة السداسية.

” 9 ”
إسرائيل
ألقت طائرات تحمل النجمة السداسية ، قنبلة كتب عليها بأحرف عبرية ” إسرائيل ” ، فوق مخيم قي جنوب لبنان ، فقتلت ثلاثة أطفال ، وامرأتين، وشيخاً في الثمانين ، أما ” إسرائيل ” بأحرفها العبرية ، فقد تمزقت ، وتشظت ، وتساقطت في الأوحال.

” 10 ”
أشجار الزيتون
أقبل الطفل مسرعاً على جده ، وقد تحنّت يداه بعبير الحجارة ، وصاح : جدي ، إن جند الاحتلال يقتلعون أشجار الزيتون .
فردّ الجد قائلاً : هذا مستحيل يا صغيري ، فأشجار الزيتون مزروعة في أعماقنا .

” 11 “
العصافير والحجارة
هبّ العصفور الصغير مذعوراً ،وهتف بأمه : فلنهرب يا ماما، وإلا قذفنا الأطفال بالحجارة .
فاحتضنته أمه ، وقالت : لا تخف يا صغيري ، فمنذ أن جاء جند الاحتلال ، لم يعد الأطفال يقذفون العصافير بالحجارة .

” 12 “
الوطن
ألقى جند الاحتلال القبض على طفل ، عبر الحدود مع الفجر ، إلى وطنه المحتل ، وقد حنى يديه بعبير زهرة قتيلة ، فتحوا ثيابه، ومزقوها، بحثاً عن قطعة سلاح ، لكن فاتهم أن يفتشوا صدره ، ويمزقوا قلبه ، حيث كان الطن والحرية مرسومين .

” 13 ”
إنهم يقتلون الأشجار
شرقت غيمة صغيرة بدموعها ، حين رأت جند الاحتلال يقتلعون الأشجار ، وقالت لأمها : ماما ، أنظري ، إنهم يقتلون الأشجار .
فأخذتها أمها بين ذراعيها ، وقالت لها : لا عليك يا بنيتي ، ستنمو الأشجار من جديد ، لأن جند الاحتلال لن يستطيعوا أن يقتلوا الأرض والإنسان .

” 14 ”
النداء
ولدت حمامة في المهجر ، وما إن اشتد جناحاها ، حتى سمعت نداء ، لا تدري أهو من داخلها ، أم من مكان بعيد ، يهيبّ بها أن تعالي .
فردت الحمامة جناحيها الفتيين ، وتركت أمرها للنداء ، وطارت .. وطارت .. وطارت ، حتى حطّت في عشّ ، فوق شجرة زيتون ، شمّت في حناياه شذا الأهل .

” 15 “
يوم الأرض
هتفت الأرض : هذا يومي .
وهبّ الأطفال كالريح ، وراحوا يمطرون جند الاحتلال بالحجارة ، فابتسمت الأرض ، وقالت : نعم ، هذا هو يومي .
ويبدو أن هذا اليوم ، لم ينته بعد ، فالحجارة مازالت تمطر فوق جند الاحتلال .

” 16 “
البيت
نسف جند الاحتلال بيت امرأة عجوز ، لأن ابنها فدائي .
فوقفت المرأة العجوز ، عند ركام البيت ، وقالت : لو أن ابني هنا لأعاد بناء البيت .
عندئذ التفّ حولها شبان القرية ، وقالوا : نحن كلّنا أبناؤك .
وكالمارد نهض بعد أيام ، من ركام البيت المنسوف ، بيت جديد .

” 17 ”
تساؤل
شاهد طفل من الأسكيمو ، على شاشة التلفزيون ، جندياً إسرائيلياً ، يكسر بحجر ذراع شاب فلسطيني ، فالتفت إلى أبيه ، وسأله : كم يبلغ عدد العرب ، يا بابا ؟
فتطلع الأب إلى زوجته ، ولم يجب ، فقالت أخت الطفل : قرأت مرة ، أن عددهم أكثر من مائتي مليون نسمة .
فغر الطفل فاه ، وتساءل : ترى ماذا فعلوا ، حين شاهدوا هذه الصورة في التلفزيون ؟

” 18 ”
عصر الحجارة
أصغى المعلم إلى أزيز الحجارة في المخيم ، ثم التفت إلى تلاميذه ، وقال : أتعرفون يا أطفال ، ما هو أبرز عصر مرّ به شعبنا ؟
فهب ليث من مكانه ، وقال : عصر الحجارة ، يا أستاذ .
وابتسم المعلم ، ولم يتفوه بكلمة .
دقّ الجرس ، وبدل أن يذهب الأطفال إلى بيوتهم ، حملوا الحجارة ، وانظموا إلى العصر .

” 19 ”
بدون ليت
في درس القواعد ، هتف المعلم : فارس .
وهبّ فارس : نعم أستاذ .
وقال المعلم :أدخل ليت في جملة مفيدة .
وفكر فارس ، ثم قال : ليت الغيوم تمطر حجارة ، فوق جند الاحتلال .
وابتسم المعلم ، وقال : إن الغيوم قد تمطر بدون ليت .
وما إن انتهى الدرس ، حتى انضم فارس ورفاقه إلى الأطفال ، وراحوا يمطرون بحجارتهم جند الاحتلال .
” 20 “
النجمة السداسية
رقد ليث في حضن أمه ، وبعينيه الطفلتين راح يتأمل سماء الصيف الواسعة ، الصافية ، المرصعة بالنجوم .وفجأة خرّت نجمة ، فاعتدل مذهولاً، وقال : ماما ، أنظري ، إنها تسقط .
نظرت أمه ، وقالت مازحة : إنها نجمة سداسية .
وابتسم ليث ، وعاد إلى حضن أمه ، وهو يقول : لابد أن أحد رفاقي قد رماها بحجرة ، إن حجارتنا لا تخطىء أهدافها .

” 21 ”
شذا المعركة
عاد ليث متأخراً إلى البيت ، وقد علا وجهه عرق المعركة ، وشذاها . وبعينيه اللتين لم تعودا طفلتين ، راح يتبادل النظر مع أمه . وحملقت أمه في وجهه ، ويديه ، ثم قالت : أعرف أين كنت.
احتجّ ليث قائلاً : ماما ..
وقاطعته أمه : أنت صغير على الحجارة .
وفوجئت به يقول : وأنت .. ؟
لم تحر أمه جواباً ، فغمز لها مبتسماً ، وقال : ماما ، لقد رأيتك .
” 22″
الغربان
المصيادة الذهبية ، هكذا وصف رفاقه الأطفال مصيادته ، واعترفوا بأنه أفضل صياد في المخيم .
وفرح ليث لهذا الاعتراف ، وأراد أن يفرح به جده ، فقد أخبره جده مراراً ، بأنه كان في شبابه صياداً ماهراً .
لم يفرح الجد ، بل حدق في ليث ، وقال : إذا أردت أن أفرح يا بنيّ ، فلا توجه حجارة مصيادتك نحو العصافير ، بل نحو الغربان .
وفرح الجد ، فقد كفّ ليث عن توجيه حجارة مصيادته نحو العصافير ، وراح يوجهها نحو .. جند الاحتلال .

” 23 ”
حجر .. حجارة
سأل المعلم تلاميذه : ما جمع حجرة ؟
وتسابق أكثر من تلميذ للإجابة بصوت مرتفع : حجارة .
وابتسم المعلم ، رغم ضجيج تلاميذه ، ونهض ليث من مكانه ، وقال : أرجوك أستاذ ، اسمح لي أن أستخدم الحجارة في جملة مفيدة .
فردّ المعلم قائلاً ، وهو مازال يبتسم : استخدمها يا ليث ، لكن ليس هنا في الصف .
وعند الخروج من المدرسة ، لم يستخدم ليث وحده .. الحجارة ..وإنما استخدمها معه جميع رفاقه ، في رجم جند الاحتلال .

” 24 ”
القسمة والضرب
تأخر ليث في العودة من المدرسة ، وقد قلقت أمه عليه ، ولما رأته مقبلاً ، وحقيبته الجديدة فوق ظهره ، أسرعت إليه باشة ، وقالت : تعال يا عزيزي ، حدثني عما تعلمته اليوم .
فوضع ليث الحقيبة جانباً ، وقال : تعلمت القسمة والضرب .
وضحكت الأم قائلة : القسمة والضرب ! لكن هذا هو يومك الأول في المدرسة .
فرد ليث : لم أتعلمها في المدرسة .
وفغرت الأم فاها مندهشة ، فتابع ليث قائلاً : لقد تعلمتها في التظاهرة ، التي شاركت فيها مع رفاقي الأطفال ، فقد قسّمنا الحجارة بيننا ، وضربنا بها جند الاحتلال .
” 25 ”
وأنت بنت
توسط ليث رفاقه الأطفال ، وبعينيه الطفلتين ، راح يتأمل سماء المعركة المضببة ، المرصعة بمئات الحجارة ، وفجأة خرّت قربهم قنبلة غاز ، فأسرعت ليلى إليه ، وقالت : ليث ، عد إلى البيت .
لم يلتفت ليث إليها ، بل مدّ يده ، والتقط حجرة ، وقال : دعيني ، مكاني هنا ، بين رفاقي الأطفال .
احتجت ليلى : أنت صغير ..
فقاطعها ليث : وأنت بنت .
ولاذت ليلى بالصمت ، فرفع ليث يده بالحجرة ، ورماها بقوة ، فانطلقت مع مئات الأحجار ، باتجاه النجمة السداسية .

” 26 “
الحرية
حين عبرت الحدود ، أوقفني جند مدججون بالسلاح ، وسألني قائدهم : إلى أين ؟
فأجبت : إلى المخيم .
ابتسم القائد ابتسامة صفراء ، وقال : عودي ، إنهم إرهابيون ، ولن يفهموك .
وحدجته بنظرة صارمة ، وقلت : إنهم يقاتلون حتى الموت من أجلي ، فكيف لا يفهمونني ؟
ماتت ابتسامة القائد ، وقال : آسف ، يجب أن أحميك .
وأشار إلى جنده المدججين بالسلاح ، وقال : خذوها .
ولكي يحميني قائد جند الاحتلال من الإرهابيين ، وضعني في زنزانة لا يدخلها ضوء النهار ، وتغريد الطيور ، وعبير الأزهار.

” 27 ”
أنا أعترف
عدت إلى البيت ، بعد الظهر ، حاملاً حقيبتي المدرسية . واستقبلتني أمي بوجه متجهم ، وهمست لي قائلة : جدك غاضب منك .
ونظرت إليها متسائلاً ، فقالت : لقد علم بأنك لم تذهب اليوم إلى المدرسة .
ودخلت على جدي ، وكان كالعادة متمدداً في سريره . وما إن رآني حتى أشاح بوجهه عني ، فوقفت أمامه ، وقلت : أنا أعترف يا جدي ، لم أذهب اليوم إلى المدرسة .
وصمت لحظة ، ثم قلت : إن أبي قي المعتقل ، وأنت في السرير، وأمي في البيت ، فمن منّا يشارك الآخرين في رجم جند الاحتلال بالحجارة ؟
وعلى العكس مما توقعت ، اعتدل جدي منفرج الأسارير ، وقال : لابد أنك جائع الآن ، اذهب إلى أمك ، وقل لها أن تعدّ المائدة ، سنتغدى هذا اليوم معاً .
” 28″
تحن نزرع
جلس الطفل تحت الشجرة ، يراقب جده ، وهو يزرع شتلات الزيتون . وتوقف الجد لحظة ، يمسح العرق عن جبينه ، فقال الطفل : للأسف يا جدي ، أنت تزرع أشجار الزيتون اليوم ، فيقلعها غداً جند الاحتلال .
وقبل أن يعود الجد إلى عمله ، قال : لا بأس يا بنيّ ، وليشهد العالم ، بأننا نزرع وهم يقلعون .
فهبّ الطفل من مكانه ، وأخذ يزرع مع جده شتلات الزيتون .

” 29″
حفنة من الحجارة
مرضت ذات يوم ، وبقيت مدة طريح الفراش ، لم يزرني خلالها واحد من أصدقائي . ومهما يكن ، فقد قررت أن لا أعاتب واحداً منهم ، فمن يدري ، لعلهم لم يعلموا بمرضي .
وفي إحدى الليالي المقمرة ، وبعد أن نام كل من في البيت ، أغمضت عينيّ عليّ أرتاح ، وإذا أحبّ أبطال قصصي يلتفون حولي ، البلبل والحمامة والقطاة ودبدوب وسنجوب والعمة دبة وقيس وزينب ، وعدد من أطفال الحجارة وليث وملك الريح نفسه .
وقد جاءني الجميع بهدايا جميلة ، فرحت بها كلها ، لكن أكثر ما أفرحني ، هو هدية أطفال الحجارة ، نعم ، فقد أهدوني حفنة من حجارة فلسطين ، صحيح إنني عندما فتحت عينيّ ، لم أجد أحداً حولي ، لكني كنت في منتهى الراحة ،حتى لقد شعرت بأني شفيت تماماً ، فأغمضت عينيً ثانية ، وسرعان ما استغرقت في نوم هادىء عميق .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عبدالقادر رالة : زّوجي .

    أبصرهُ مستلقياَ فوق الأريكة يُتابع أخبار المساء باهتمام…      إنه زّوجي، وحبيبي..     زّوجي …

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *