” بُعْدُ المَسَافَةِ لا يمنعُ من أنْ أكونَ مَعَكُمْ في سَاحةِ التحرير”
” الواسطي”
قُمْ يَا رَضِيْعُ فَقَدْ أَفَـاقَ النُّـوَّمُ
وَالشَّمْسُ شَعَّتْ والنـَّهارُ مُعَـلِّمُ
بِالأَمْسِ قَالُوا: خَـوْفُهُ فـي ظِلِّهِ
وَاليَوْمَ حَارُوا في الظِّلالِ وَأَسْلَمُوا
في سَاحَةِ التَّحْرِيْرِ صُوْتُكَ هَادِرٌ
نَهْرًا يَفِيْضُ وَآيَـةً لا تُثْلَـمُ
تَزْهُو كَمَا تَزْهُو الجِبَالُ بِطُولِـهَا
وَبِعِلْمِهَا تَزْهُو الشـُّعُوبُ وَتَـنْعَمُ
يَا مُوْقِظَ الكَلِمَاتِ فـي جَرَيَانِهَا
جَاءَتْ إِلَـيْكَ حَنَاجِرٌ لا تُلْجَـمُ
جَاءَتْ تَدُكُّ الفَاسِدِيْنَ فإِنْ هَوَتْ
المُـوْتُ أَهْـوَنُ وَالأَسِنَّةُ أَرْحَـمُ
يَا سَيِّدَ النَّهْرِيْنِ يَا وَطَـنَ الهَوَى
فِيْكَ الصَّبَابَةُ وَالهَوَى لَكَ سُلَّـمُ
تَلْكَ الجَحَافِلُ كَالنُّجُومِ تَنَاثَرَتْ
في سِـرِّهَا يَغْلِي الـنَّهَارُ وَيَلْطِمُ
لا لِلْوِصَايَةِ فـي الشُّعُوبِ فَإِنَّهَا
بُرْكَـانُ حَـقٍّ أَلْـمَعِيٌّ حَـاكِمُ
مِنْكَ الرِّئَاسَةُ وَالرِّئَاسَةُ مَرْكَبٌ
يَغْشَى السُّقُوطَ وَفي ظِلَالِكَ يَحْلَمُ
مَا مِـنْ وَزِيْرٍ يَخْتَفِي فـي جُبَّةٍ
إِلا وَخَــانَ وَلِلْـخِيَانَةِ مَعْـلَمُ
بِالأَمْسِ كَانُـوا يَهْتِفُوْنَ لِـحَقِّنَا
وَاليـَوْمَ جَـاءُوا يَعْبَثُوْنَ وَنَكْتُمُ
دِيْنُ السَّمَاحَةِ فـي بَرَاءٍ مِنْهُمُ
حَتَّى وَإِنْ قَالُوا بِـهِ وَتَكَلَّمُـوا
مَا لِلْحُكُومَةِ أَنْ تَكُوْنَ وَصِيَّةً
فِيْنَا وَأَنْتَ الحَاكِمُ المُتَحَكِّمُ
القَوْلُ قَوْلُ الشَّعْبِ يَوْمَ ظُهُورِهِ
لا لِلْفَسـَادِ وَلا لِـفَرْدٍ يَـحْكُمُ
والـعَدْلُ عَدْلٌ أَنْ تَكُونَ ثِيَابُـهُ
دِرْعًـا لِشَـعْبٍ لا يُهَـانُ وَيُظْلَمُ
أَسَفِي لِقُوْمٍ قَـدْ تَطَـاوَلَ غَيُّهُمْ
فِيْنَا وَجَـالَ بِظَنِّـهِمْ أَنْ يَسْلَمُوا
هُمْ في فَسَادٍ قَدْ بَنُوا أَعْشَاشَهَمْ
لا يَفْقَهُونَ مِنَ الحَقِيْقَةِ مَنْ هُمُ
عَهْدٌ عَلَـيَّ أَنْ أَكْونَ نَدِيْدَهُمْ
وَنَدِيْدُهُـمْ جُـرْحٌ يَئِـنُّ وَمَـأَتَمُ
حَـتَّى إِذَا آوَوْا وَقَـلَّ نَـحِيْبُهُمْ
يَنْدَى الجَبِيْنُ بِهِمْ وَفِيْهِمْ يَشْتِمُ
فَالفَاسِدُونَ كَمَا الـغُزَاةِ ثِيَابُهُمْ
لَيْلٌ بِـهِ ضَوْءُ النَّهارِ مُـحَرَّمُ
قُمْ يَا رَضِيْعُ فَأَنْتَ مُوْطِنُ حُزْنِنَا
فِيْكَ الإِبَاءُ وَفِيْـكَ مَـجْدٌ قَائِمُ
أَهْلُوْكَ شَعْبٌ لا تُطَالُ سَمَاءَهُمْ
فَهُمُو إِذَا هَـبُّوا تَرَقْرَقَ زَمْـزَمُ
يَا أَيُّهَا الشَّـعْبُ الأَبـِيُّ تَـجَمُّلًا
لَكَ في الشَّهَادَةِ كَوْكَبٌ لا يُحْجَمُ
ذَاكَ الشَّهِيْدُ الفَيْلَسُوْفُ الأَعْلَمُ
نِبْرَاسُ قُـوْمٍ لَمْ يَـزَلْ يَتَكـَلَّمُ
هُبُّـوا لِذِكْرِ بَرَاءَتِـي مِـنْ أُصْبُعٍ
خَـانَ النَّهَارَ وَصَـارَ يَوْمـًا يَظْلِمُ
وَيْحٌ لِمَنْ خَانَ الأَمَانَةَ وَاِرْتَضَى
أن يَسْكُنَ الآهَاتِ جُـرْحٌ عَلْقَمُ
يَا سَيِّدِي أَيْنَ الـدُّعَاةُ ؟ فَهَاهُمُ
في الحُكْمِ قَامُوا لِلْفَسَادِ وَخَيَّمُوا
في سَاحَةِ التَّحْرِيْرِ صُـوْتُكَ آيَةٌ
تَبْقَى تُرَدِّدُهَا الـجُمُوعُ لِيَعْلَمُوا
مَا كُنْتَ يَوْمًا في العُيُونِ سَحَابَةً
بَلْ أَنْتَ بُؤْبُؤُها الَّذي بِهِ تَـحْلَمُ
إِنَّ الـدُّعَاةَ دُعَاةُ حَقٍ إِنْ طَغُوا
قَتَلُوا الحَقِيْقَةَ وَهْيَ سِيْفٌ صَارِمُ
وَيْحِي إِذَا عَادَ الـمَسَاءُ بِـحُزْنِهِ
فَالقَلْبُ مُنْفَطِرٌ عَلَيْكَ وَمُـغْرَمُ
كَمَدِي عَلى قَوْمٍ عَثَوْا في مُوْطِنٍ
في الـهَّمِ يَطْفَحُ في البُكَاءِ يُسَلِّمُ
تَلْكَ الـمَآسِي في العِرَاق تَجَذَّرَتْ
فِيْهَا الجِرَاحُ وَطَالَ فِيْهَا الـمَأْتَمُ
حَتَّى النَّخِيْلُ تَضَعْضَعَتْ أَطْرَافُهُ
وَهَـوى على قَامَاتِـهِ المُتَلَـثِّمُ
مَاءُ الـفُرَاتِ سَـقَى وَيَسْقِي أُمَّةً
فِيْهَا الرِّسَـالَةُ سِـيْفُهَا لا يُعْدَمُ
هَبُّوا نَعَمْ ! رِيْحُ الجَنُوبِ تَزُفُّهُمْ
فَبَـدَتْ لَهَمْ أَحْلَامَهُمْ تَتَلَمْلَمُ
فـي الوَاقِعَاتِ تَفَرَّدُوا بِسِيُوفِهِمْ
وَعَلى الأَزِقَّـةِ صُوْتُـهُمْ يَتَرَحَّمُ
أَهْـلُ المَحَبَّةِ لِـمْ يُفَارِقْ قَلْبَهُمْ
أَنْ لا يُغَطِي الفَجْرَ لَيْلٌ أَدْهَمُ
فَـهُمُ الأَهِلـَّةُ والـرَّجَاءُ لِـنَخْوَةٍ
فِيْهَا تُعَادُ حُقُوْقُ مَـنْ قَدْ يُتِّمُوا
فَالبَصْرَةُ الفَيْحَاءُ يَسْكُنُهَا الضَّنَى
وَعَلى مَرَابِعِـهَا يَسـِيْلُ المَغْنَمُ
وَنِسَاؤُهَا سِيْقَتْ لِسُوْقِ نِـخَاسَةٍ
بِاسْمِ العَشِيْرَةِ وَالـدُّمُوعُ خُوَاتِمُ
في أَيِّ دَارٍ أَرْتَضِيْكَ ؟ يَقُولُ لي
هَذا الحَـمَامُ وفي العُيُونِ هَزَائِمُ
فَالبُعْدُ عَنْكَ أَيَا عِرَاقُ مَـلامَةٌ
تَرْمِي بِهَا عَيْنِي الجُفُونَ وَتَرْجُـمُ
وَالبُعْدُ عَـنْكَ مُصِيْبَةٌ لا تَنْتَهِي
إِلا وإِنْ كَـانَ اللِّـقَاءُ الـمُقَدَّمُ
مَا أَقْصَـرَ الأَيَّامَ حِـيْنَ تَعِـدُّهَا
لَكِنَّهَا فـي الـضِّيْقِ دَهْـرٌ قَاتِمُ
قَدْ شَدَّ قَلْبِي قَلْبَ مَنْ سَكَنَ النَّوَى
وَأَفَـاضَ في أَحْـزَانِهِ الـمُتَكَلِّمُ
أَهْلُ الـعِرَاقِ تَنَاثَرَتْ أَقْمَارُهُمْ
وَدَعَـا عَـلَيْهِمْ حَاسِـدٌ مُـتَظَلِّمُ
للهِ دَرُّكَ يَـا عِرَاقُ فَأَهْـلُنَا
في سَاحَةِ التَّحْرِيْرِ قَلْبٌ يَكْظِمُ
في ظِلِّهِ تَبْقَى الـرِّجَالُ شَـوَامِخًا
تَلْوِي الـزَّمَانَ وَإِنْ أَتـَى يَتَبَرَّمُ
للهِ حَسْبُكَ يَا عِرَاقُ فَلَيْسَ لي
إِلا وَأَنْ أَدْعُوا الّـَذي لا يُهْزَمُ
رَبِّي وَرَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّـكُمْ
يَهْدِي القُلُوبَ الضَّاغِنَاتِ وَيَرْحَمُ ([1])
شعر: مالك الواسطي – نابولي خريف 2015
[1] – استخدمت الكلمتين ( حناجر و شوامخ ) متصرفتين لضرورة في الوزن