((قصيدة الاغتيال))
،،،،،،،،،،،،،
ميتاً
بيدٍ لست ُ أعرفُها
أطلقت ْ باتجاه فمي
زخة ً حاقدة ْ
ورمى ألأخرُ
بين عينيَ نظرتَه الباردة ْ
لست ُ في واقع ألأمر ِ
أعرفُ ما ينبغي قولُهُ
للذين يغضون َ أبصارَهم
عن دمي
ويخافون من جثتي الهامدةْ !!
هكذا يرتئي القائلون
أن أكون
صامتاً
في تَفَقدِ أشرعتي
موجَ هذي المدينةِ
بعد عبور الرؤى
ما أُ ريدَ لها من سكون ْ
وألوذ بصمتي هنا ٠٠ أو هناك
في ركام حروفٍ
سينثرها قلمي
لتظل ترددُ أغنيةً
عن شناشيل بغدادَ ٠٠ طائرة ً
في ندى حلمي
ميتاً ٠٠
كم أراد َ ليَ الراسخون ْ
في السجودِ
الى زجرةٍ من وراء الحدودْ
لتدحرج هذا الوجود ْ
نحوَ هاويةٍ
من صخور السجون ْ… ))
تفتتح القصيدة عالمها على حزن قاتم يبتدئه العنوان ويكمله النص، فيظهر المشهد الحزين بأول كلمة يغص بها المتلقي _(ميتا)_ التي تشخص حالة منتشرة في قلب الذات قبل جسد الوطن، وهي تفتح باب التاؤيل فيما يكون هذا الموت وكيف؟ وأي نوع من الموت يريده النص ؟ لتغيب الذات في عالم الصمت والموت مقابل تغييب الآخر وعدم معرفة هويته الأمر الذي يجعل الذات عالقة في باب السؤال من يكون السبب!؟ ووراء من يختبئ الفاعل الحقيقي ؟؟ وتغييب العناصر المؤثرة سلبيا يضفي على النص مشهدا دراميا يتضمن صراع الذات مع الآخر المغيب، وما يفعله من أفعال قتل وتدمير .
وإن كان الاغتيال يركز على الموت لكنه يعرض لنا صورا عدة تندرج تحته، ليبين أنواعه إذ تشخص بـ ( زخة حاقدة/ نظرته الباردة) من الحقد والبرود وتصيب مناطق بعينها من الجسد ( باتجاه فمي/ بين عيني)، فالحقد ينطلق بإتجاه الفم والبرود بين العينين، وخصت الجانبين (الفم والعين)، لأنهما وسيلة للتواصل الكلام والرؤية وبدونهما تفقد الذات اتصالها وتأثيرها على الاخر، وبفقدانها لهما تقطن عالما مستكينا كسرت وسائله ،فتصبح صامتة لا كلام ولا وجهة للرؤيا فاقدة للنظر. وهذه بعض انواع الاغتيال التي تنفذ بأيد مجهولة .
ساعد جو الحزن في هذا المقطع نهايات الاسطر فضلا عن المفردات التي تستبطن الحزن والموت والسكون، إذ تشكل ايقاعا بطيئا يناسب الحدث ويتأقلم معه بـ (حاقدة/ الباردة/ الهامدة )، والسكون المترامي على نهايات الاسطر لهذه الكلمات يترجم واقعا بائسا ولا حول ولا قوة للذات في مواجهة الأمر في ظل الاستهداف المستمر لشل حركتها وتواصلها .
يأتي نوع آخر من الاغتيال (يغضون ابصارهم عن دمي/ ويخافون من جثتي الهامدة)، بالصمت عن الجريمة وعدم الابلاغ عنها ، ثم الخوف حتى من الجثة التي تستكين أرضا، وجاء الخوف نتيجة فعل قسري مشوه لها داعما مساحة الخيال ليؤول مايراه العقل بداخله لهذه الجثة التي باتت تخوف من يراها، وما تحمله الجثة الهامدة من مكنونات قد تعي الذات أنها في عالم مختلف من اللا انسانية واللا مبالاة .
ليخرج بنتيجة بعد هذا بأن الغرض المبتغى منه هو (الصمت) (هكذا يرتئي القائلون أن اكون صامتا) ليس للذات فقط بل للمدينة ايضا (موج هذي المدينة ….. ما أريد لها من سكون ) بأن هذا الاغتيال وقع متعمدا للنيل من الذات ومكانها. في مقطع آخر يقع بين مقطعين يحيطهما الموت .
وإن الاغتيال بالصمت الموجه للذات جاء حافزا لها للانطلاق بمكنونها الكتابي الذي يشكله قلمها (في ركام حروف سينثرها قلمي )، فضلا عن استنهاض الذات لعالمها بنوع من الظهور لها عبر الياء الدالة عليها بقوة ( أشرعتي/ بصمتي/ قلمي/ حلمي) فاردة عالمها وسط حقد الآخرين وما يريدونه من سكون. وكل هذا يشكله المقطع المتجذر تحت بؤرة الصمت (صامتا) .
يظهر المقطع الآخر من القصيدة تحت بؤرة (ميتا)، وإن كان هذا لكنه يقبع تحت الاحلام للمتأمرين على صوت الحياة بقوله (كم أراد لي الراسخون في السجود)، فهذا ما يطمحون إليه. لكن الذات تعلن البقاء والمواجهة بوجه الظلم .
ان تحويل المعنى في هذه الجملة ورد من الشيء الايجابي الى السلبي من الرسوخ والثبات في السجود للحق الى الباطل والظلم والقتل، وإن جاء بهذه الصيغة فلا يعلي من شأن الظلم والظالمين بقدر مايثبت دائرة الظلم بهم وبقائهم عليه .
يخبئ النص صرخات مبطنة بشفيف الحزن من عدم الاستكانة في هذا العالم الملئ بالخذلان والظلم، وتترجم كلمات نهاية الأسطر ذلك (الراسخون/ السجود/ الحدود/ الوجود/السجون )، على وفق رؤيتهم المبتغاة ( كم أراد لي الراسخون). فضلا عن وقوف الذات بوجه الجموع بإرادة (لي)، والمتمثلين هم بصيغة الجمع في (الراسخون)، وانسلالها من مقاطع سابقة بمسمى الفعل والاسم في (يغضون/ يخافون/ القائلون ).
إذ تتعاون ( النون والدال) في اضفاء ملامح مايريده الراسخون بالسجون بين أول كلمة للمقطع وآخرها من الحبس المستديم والموت لهذه الحياة والوجود .
د. إخلاص محمود : قصيدة الاغتيال لـ د. ستار عبدالله … رؤيا تأويلية
تعليقات الفيسبوك