عبد الحسين خلف الدعمي : هذا ما أنبأ به “الفجــــرُ وما تــــلاه ” للشاعر ســلام محمـــــــد البنـــاي

abdulhussein aldamiكم من المجاميع الشعرية بين يدي أقلبها بين الحين والآخر لشعراء من داخل الوطن وخارجه قرأتها قراءة أولية لأن قراءتي الثانية ستكون مشاكسة لنصوصها الأدبية واللافت للنظر أني قد تناولت منها مجموعة الشاعر سلام محمد البناي ( الفجر وما تلاه ) ولم ادر لماذا أ لأنها الأصغر حجما والأكثر أناقة وأنا الذي لم أتعود على ذلك حيث تراني التقط الأوراق الممزقة في الشارع للاطلاع على ما فيها واقرأ دائما الكتب ذات الأوراق السمراء والقديمة لإيماني بقدرات كتابها الخلاقة في ضروب المعرفة التي يدونون بها نتاجاتهم الأدبية بين يدي أربعون صفحة من الحجم المتوسط لأربع عشرة قصيدة وكنت أتمنى أن تكون قصائد المجموعة ثلاثة عشر ليكون (سلام البناي )أول شاعر يكسر حاجز الخوف من الرقم 13 وكأنه يقول بان هناك قصائد ستأتيكم تباعا بعد ( لا احد …رائحة القلق … التي مشت بي … الفجر وما تلاه …عباءة الأخطاء ..خريف الأسئلة- ذاكرة- أنوثة- اعرفهم- مغيبك الأخير- في حضرة الليل- نشيد المطر- حلم الصباحات – وكنت أتمنى أن تعانق ريشة الفنان فاضل ضامد جسد محتوى المجموعة بغلاف رائع وهو المعروف بعشقه وذائقته للأدب ويقينا انه قد قرأ المجموعة قبلنا وهي التي اوحت له بذلك الإبداع في تصميم الغلاف الأول والأخير كنت أتمنى ان يعيدنا إلى عبق الماضي من خلال تداخله مع القصائد ليترجمها إلى لوحات متتالية لان كلا اللغتين مفهومتان عالميا اللوحة التشكيلية واللوحة القصيدة النثــرية عند مغادرتها بلد المنشأ ( ذاكرة المبدع ) فكلاهما لا يفقد من قيمته لا اللوحة تفقد تجانس ألوانها ومعناها ولا القصيدة تفقد دفقها الروحي عند ترجمتها إلى لغات العالم المختلفة فقصيدة النثر قد حملت سمات بقائها وتألقها منذ ولادتها لذلك قرأنا المترجم منها إلى العربية وكأنه نص عربي والعكس ينطبق تماما على نتاجنا من قصيدة النثر التي أثبتت حضورا بين تلك العوالم والأجناس وأنا في الضد من الرأي السائد تماما والذي يشير إلى أن قصيدة النثر غربية الولادة والنشأة والانتماء وما نحن إلا ببغاوات قلدنا ما قراناه لهم ويقينا ان من أطلق هذا الرأي لم يقرا النصوص الشاعرية في الأدب البابلي والسومري وغيرهما وحتى العربية التي قيلت بعد ذلك وكلها تندرج في نمط الشعر المنثور ففيه من الدفء والرؤى ما تفتقر إليه الأنماط الشعرية الأخرى ولست في هذا نصيرا له بل هي حقيقة علينا أن نقولها دون استحياء من سدنة الأنماط الأخرى من الشعر الرافضين لهذا الفن العربي المنشأ والتألق والبقاء ومن اللابد من قوله أن اغلب من كتبوا في هذا الشأن لم يكونوا مؤهلين للكتابة فيه فاساؤا له أيما إساءة وأصبح النقاد يركزون مع نصوص هؤلاء والتي نشروها خارج معايير النشر آنذاك والتي لعب فيها الموقع الوظيفي والمحسوبية دورا مما اضر في هذا الضرب المهم من الشعر ضررا كبيرا حسب عليه وهو منه براء وحينما غادر النقاد الطبالون مواقعهم اختلفت الرؤى بعد أن أصبح لدينا نوعا لا باس به يمثل خلاصة واضحة لقصيدة النثر في العراق و”الفجر وما تلاه ” للشاعر سلام محمد البناي جاءت إضافة نوعية متميزة لهذا الفن الراقي وقد أشرت قصائد الشاعر بأنها تمثل منحى قد يكون متميزا منذ عدة سنوات حينما حضرت أمسية جمعت الشاعر بأقرانه لينشدوا لنا أشعارهم فكان متفردا من بينهم في طريقة البناء والإلقاء والرؤى القريبة من ذاتنا المتلقية فلنستعرض بعض ما جاء به سلام البناي في (الفجر وما تلاه ) وقد لا اتفق هنا مع الشاعر الدكتور مشتاق عباس معن وهو مبدع له شان في عالم الأدب والشعر salam mohammad albannaiلحسينوإسهاماته في حركة التجديد التي لا يمكن لأي منصف إغفالها فلقد أدركت منذ الوهلة الأولى أن الشاعر قد اشتغل في منطقة الوعي التام كما وإنني عرفت البناي متحررا من قيود الخليل في قصائده شانه شان من دخل النظم في هذا الضرب من الشعر والمشرقيون ومنهم البناي وغيره لا يتهيبون الخوض في الجديد …هم متمردون مبدعون في كل ضرب وفن عبر تجاربهم التي لم تتوقف يوما في مشاغل الإبداع الفكري والأدبي وأكاد لا المس الخراب ونوازع اليأس في (سلام البناي) من خلال قصائده الجنائزية كما وصفها الدكتور مشتاق بل أرى غير ذلك فالرماد يدل على ان هناك نارا كانت ولربما الجذوة لا زالت تحت ذلك الرماد وارى ان (سلاما) في الفجر وما تلاه كان منسجما مع الشعراء الآخرين في أطروحاتهم الإنسانية بيد أن قصائد البناي تتمتع بخصوصية مهمة ميزتها عن غيرها من النصوص وهي إمكانية تأويلها فالشاعر يقصد شيئا بذاته بينما الدكتور مشتاق ذهب بالنص لما رآه هو وأنا رايته غير ما راؤه ولعل غيرنا يراه بمنظار آخر يقصده هو وفي رأيي كمتتبع لحركة الحرف الأدبي أن قمة ما يصل إليه الكاتب هو ارتقاء نصه ليكون قابلا للتأويل مشبعا لرغبات المقاصد وقد وجدت ذلك جليا في مجموعة الفجر وما تلاه وأنا هنــا اكرر دعوتي إلى رفض فرض النظريات على النص فقد بنيت النظريات الانطباعية او التفكيكية وغيرها في ضوء دراسة النص والغور في أعماقه وما بني النص وفق نظرية لكي يأتي استنتاجا لها .. ومن هذا لم أر منهجا نقديا أو نظرية يمكن تطبيقها على ماجاءت به مجموعة الفجر وما تلاه ذات القصائد المنفتحة الفضاءات والتي لا تحدهما مسافات بالرغم من انطلاقتها من واقع ملموس ينتمي إليه الشاعر سلام محمد البناي :

إني كنت اغني خلف الجمهور
واعترف
أن كنائس صمتي … لم تكن مرصعة بالفضيلة
وأيامي
ما كانت إلا أخطاء جراح ..
وتأكيدا على أن الشاعر كان يشتغل في منطقة الوعي التام قوله كشاهد إثبات :
الليالي التي اختبأت
قابلت أحلامها
أباحت لي عذرية أسرارها
الليالي فرت من قميصي
نسيت أصابعها ……………………………………………….

وكأنه من خلال نصه الأدبي هذا يرجع ألينا قصة يوسف من خلال الإيماءة الذكية حيث الليالي نسيت أصابعها …” قد قدت قميصه من دبر “.. إن اغلب قصائد سلام البناي واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار فلم يستخدم ” الهيروغليفية ” أي الرمزية إلا أحيانا للارتقاء بالنص لا تواريا عن الأنظار أو خشية الوقوع في المساءلة :
اذهب
يا سري المفضوح في مرايا الجرح
أوراق التوت
أبصرت حماقة قلبي ………………………………
أن شاعر الفجر وما تلاه ولد من رحم المعاناة فلذلك نراه باحثا عن سبل الخلاص منتميا إلى جرح الوطن الذي لم يزل فاغرا يستصرخ فينا بقايا الوشم الذي لازال على بعض أجسادنا ماثلا :
أمدني إليك أكفا من الجمر
أدندن مع الوجع النازل من أعماقي
وبي رغبة للدفء
أدنو إليك
كخطى النعاس في ثنايا الجسد ………………………………………………………………..

وفي قصيدة أخرى يقول :
لا احد يتقدم اليّ
برائحة المدن المرتعشة في الذاكرة
لا أحد ..
يمنحني جدارا يسد علي هروبي
ويطلق أنفاسي
بعناق يطول
ليس في المدينة
غير أبواب تنحني عليها دموع الأمهات …………………………………………………….

وفي مكان آخر نرى (سلام البناي) عبر إحدى قصائده يدعونا إلى نبذ الواقع المتدني ورفضه له من خلال نص هاديء في قراءته صاخبا في معانيه :
أتعكز على سيف الكلمات
إلى ذاكرة أيقظها شوق مجهول
ترتجف كلماتي عند اتساعها
تئن تحت ظلال
تدغدغني كل صباح
ودائما أسال أقنعتي التي لا ترى إلا الفواجع …………………………………………………

ولان الشاعر من تغنى مثلنا بالحرية التي ننشدها ولكن على طريقته في الطرح تلك الطريقة التي أتقن فيها محاورة الآخر وليترك له حرية التأويل عبر طلاسم رسمتها مخيلة (البناي) دون عناء لأنه رآها قبل أن يدونها على القرطاس :
تعبثين بقطعان هواجسي
وتختفين
والى الآن لم افرغ من طعم قبلاتك
ولم تنبت فوق زغبي ريشة الطاووس
لم أجرؤ إلى الآن
على إشاعة النذور عند مصبات المساء ………………………………………………………….

إن المتأمل في ديوان الشاعر (البناي) يراه متفائلا فالشاعر الحق هو لسان قومه لذلك اختتم قصيدته الأسئلة بمناجاة الفجر وما تلاه من صفحات مؤلمة مر بها العراق الذي عشقه الشاعر منشدا :
في آخرة الفصول
ابحث عن فم شمس
أكثر ضخامة من أشجار هرمة
واضعا شباكا
تمر منه الفراشات وهمس الليالي ……………………………………………………………….
ليست هذه قصيدة نثر وإنما هو منشور سياسي علني فيه تنديد وأدانه وتعلق واضح بالحياة فما زال البحث عن البدائل قائما ولابد للفراشات من التحليق ثانية في رياض تملآ الآفاق برحيقها هكذا يرى الشاعر الزمن الآتي مثلما نراه ولكنه يثني باللائمة على الذين حاولوا ويحاولون اغتيال الفجر قائلا :
عندما ألقيت وجهة أقدامي
على عبث الميتين
كانت هناك عصافير
تعلمت أن تسرد درس الفراغ
على شبابيك أرغفتي المهملة
ومدينتي تلف على خاصرتها ظلام الحقول
توقد أقفالها حتى تمر نظراتي
إلى حجر الانتظار
ما من احد باعني سلة الفرح ……………………………………………………………………..
ثم يعود الشاعر (سلام البناي) ليؤكد رفضه لكل سبب حاول او يحاول تمزيق الجسد العراقي حيث يقول :
أيتها السهام
المبتلة بالجراح
على محمل الرجع
إلى طريق الإشارات والجهات والبراعم
في تلك القرى
التي تسمع لهاث الفحولة
تحت البيادر
غادرت (الزرازير) طفولة المرعى
مرسلة مغزى اختفائي
بثوب الطين
إلى ضفائر السلال
التي تدعوني ولا أجيب …………………………………………………………………………..

انه من خلال ما تقدم شاعر يبغي الحياة الحرة الكريمة دون منة احد عليه فذلك صفة المشروع الذي جد يراعه بتدوين الفجر وما تلاه من اجله ويقينا ان هذه المجموعة للشاعر سلام البناي ستبقى منشورات على قارعة المبدعين الذين أصبحنا نخشى عليهم من المداد ألقراطيسي لأنهم في منزع القوس لقد أصبح سلام فيما جاءنا به شاهد إثبات على زمن أكلته النزاعات وشظته الآفات وتقاسمته الجهات وكل ذلك نراه ماثلا في الفجر وما تلاه .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *