على متن الريح
دون كيشوت:تعال نتظاهر مع الشعوب يا سانشو.
سانشو: كيف ونحن في الربع الخالي يا سيدي الدون.ليس أمامنا إلا طواحين الرمال ؟!
دون كيشوت:سنرفع أصواتنا عالياً،لتحملها العواصف لإيقاظ النائمين هناك.
سانشو: وهل تظن أن بعض الشعوب شبعت من النوم يا سيدي الدون، لتنهض خارجة من عزلتها وأقفاصها المذهبية والحديدية؟
دون كيشوت:أجل.فقد تكاثر هؤلاء في نومهم،ولم تعد الأسرة تستوعب ضخامة أجسادهم من كثرة اللحم الفاسد الذي يحتويهم.
سانشو: ولكن ألا تعتقد يا سيدي الدون بأن المسألة لم تعد تتعلق باللحم وبالعظم،بقدر ما هي تتبع الرأس وما في الرأس من أفكار؟
دون كيشوت:أدرك ذلك يا سانشو.ولكن الرؤوس مصانع قد لا تتحرك دون هزّة أو زلزال.وهؤلاء رؤوس لا نريدها أن تبلغ مرحلة الشيخوخة،فتساقط كالأوراق من على الأكتاف.
سانشو: أنه الحلم يا سيدي الدون.
دون كيشوت:ومنذ متى وأنت تحلم بالحركات والحراك والتحريك يا سانشو ؟!
سانشو: أنا لا أحلم يا سيدي الدون.تركت تلك المهنة لسواي من الناس. فمنذ ولادتي على ظهر هذا الحمار الكهل في هذه الصحراء المريعة،وأنا غارق بحروبك لطواحين الهواء. كانت دروسك تشجعني على الاستمرار بالمعارك،وترك الأحلام الخيالية جانباً.
دون كيشوت:وما المعنى بأنك لم تعد تحلم يا سانشو؟؟
سانشو: من بعد ما نال مني الإحباطُ تماماً.فرأيت أن التغيير الجدي أمراً تعجيزياً بين آلاف الحيتان والتماسيح والضباع.لذلك غادرت أخطر الأمكنة في رأسي:منطقة الأحلام .تركتها لغيري وانكفأت .
دون كيشوت:هذه أفكار غير لامعة، ولا محل لها من الإعراب الآن يا سانشو.
سانشو: أنا لست صاحب نظرية من النظريات يا سيدي الدون.وإذا وجدت الشعوب قدرتها على إسقاط الظلم والظلام،فلا أعرف ما الذي عليها فعله بالضبط ؟
دون كيشوت: عليها تجاوز مرحلة الأحلام يا سانشو ،ليس إلا .
سانشو: كم تعجبني شراهة الحالمين يا سيد الدون!!
دون كيشوت:ولكنها قد تذهب بنا إلى الدُّوار والطيش والتقاط صور السلفي فقط !
سانشو: يا للهَوْل.كأنك تُقشر لي رأسي من الأفكار الايجابية يا سيدي الدون!!
دون كيشوت:لا تطلق لنفسك العِنان يا سانشو.فالذئاب خبراء على موائد اللحوم الطازجة.وهم من أرْباب صناعة الجرائم ومشتقاتها أيضاً.
سانشو: ولا أعتقد بأن الشعوب تمر بوَعْكة صحية ليس غير يا سيدي الدون!
آبار النصوص
هنا الوطنُ الأمُ..
نزيلاً في فندق.
هو الآخر هارب مثل كتابٍ من جلده.
أغانيهِ في جيوبهِ،
وهي آخر الليل قطنٌ يخرجُ
من تربة العقل.
أيها الشهوةُ المعتمة.
يا مصطلحاً شرقياً يختزنُ أساطير الموتِ
والإرهاب والترحيل.
أنتِ أم الحيرةُ بقُرةٌ لهذا الحبرِ.
إني أشمُ رائحةً لبلدٍ في البعدِ..
وبعداً في بلدٍ.
على جبهتي ألفٌ من الصحارى تتدلى
ستائرُها.
تلك البلادُ قفلُ سكرانٌ في المجهول.
أمامها أقدامُنا تساقطُ،
وتلك القلوبُ متفحمةٌ كموسيقى
القُدّاس.
غرفة للغرائز
في أحايين كثيرة،أجد بعض ورق الكتب شاحب اللون ممتقع الوجه،ولا يتمتع بأية مغناطيسية لاستدراج العقل أو النفس إليه.أمرٌ مثل ذلك مؤلم .ولكن الأكثر ألماً وحزناً ،أن تجد الكلمات مثل علب فارغة تطفو على مياه مستنقع آسن.
الشِعرُ الذي يولد في هكذا أمكنة من الورق ،سرعان ما نجد له شبيها مروعاً في غرف الفيسبوك وتوتير وغيرها من الملاجئ الإليكترونية.
صحيح أنه بالإمكان تفادى قراءة مثل ذلك الورق المطبوع بصريّاً،ولكن من الأفضل دائماً فتح نافذة ولو صغيرة ومؤقتة مع تلك الأرواح المهاجرة للشعر أو لطقوسه اللغوية الصعبة، بهدف الحصول على مقعد في جنة الشعر.
هروب الذكور والإناث الإليكتروني إلى الشعر،قد يكون بديلاً عن استغراق هؤلاء ((الأوادم)) في جحيم الأمكنة السلفية المعتمة ومراكز محو العقل بالتصحر وأدواته التسليحية التي عادةً ما تقودهم إلى صناعة الظلام أو إعادة الاعتبار إلى الكهوف والسراديب التراثية ومعتقلات الحداثة.
شعراء اللحظة الضيقة هؤلاء- إناثاً وذكوراً- هم أرواحٌ مناهضة للافتراس،ويهدفون التعبير بقلقهم عن دمار المخلوقات والمدن والورق والشاشات.
بعبارة أدق..هؤلاء يريدون استبدال اللغة المسلحة في حياتهم اليومية، بلغة أكثر حميمية من السيوف والبنادق والقذائف التي تساقط على الرؤوس.
وإذا كان الشعرُ يستوعب الآلام والدموع والأجساد المهشمة والذكريات المحترقة والمدن المهدمة والأقدام العارية التي تمشي لتوصل شمال القطب بجنوبه،فما علينا إلا أن نكون سنداً لهؤلاء الأرواح البيضاء التي تريد التعبير عن مخلوقات العالم،كل شخص بطريقته، حتى وأن ظهر الضعفُ مسيطراً على النصوص.حتى وإن كانت الكلمات تائهة أو متراكمة كأجساد البشر في شاحنات الموت أو مراكبه الممزقة.فالشعرُ يضعفُ أيضاً ،عندما تقع حياة الإنسان مثل كلمة من سطر ،لتصبح كائناً مُتلَفاً .
بنك الخيال
في آخِرِ لحظةٍ من الماراثون،
كانت الكلماتُ عاريةً.