المأساة في الملهاة مسرحية في فصل واحد
د. زكي الجابر
إعداد وتعليق: د. حياة جاسم محمد (ملف/30)

zeki aljaber 3إشارة :
يهم أسرة موقع الناقد العراقي أن تقدّم هذا الملف عن الشاعر المبدع والإعلامي الكبير الدكتور زكي الجابر بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيله حيث غادر عالمنا في الغربة يوم 29/كانون الثاني/2201 . وتهيب أسرة الموقع بجميع الأحبة الكتّاب والقرّاء المساهمة في هذا الملف بما يملكونه من مقالات أو دراسات ووثائق وصور ومعلومات وذكريات عن الراحل . وسيكون الملف – على عادة الموقع – مفتوحاً من الناحية الزمنيّة .هذه المادة المهمة التي تكشف ثراء ثقافة الراحل وتعمّقه في حقل مضاف هو المسرح وصلت من الناقدة الدكتورة حياة جاسم محمد فشكرا لها .

النصّ : 

’’إلى تلميذي، صانع المأساة في الملهاة، المخرج الراحل عوني كـرّومي‘‘*

(1)
(يقف الراوية في مقدمة المسرح، يضرب الخشبة بعصاه ثلاث مرات، تتكسر العبرات في صوته هاتفاً:)
’’باسم الشاعر
يحفر بأظافره المدمّاة جدران الزنزانة
باسم الكاتب
حبرُ قلمه دماءُ قلبه
باسم المخرج
يصنع مأساته في ملهاته
ولكنّ هذا المخرج، أيّها السيدات والسادة،
اختفى ولن يعود
غاب وراء الكواليس!
لقد مات!

(فترة صمت، يتوارى فيها الراوية في ظلمة المسرح)

(2)
aoni karomi(تنشق الظلمة عن جوقة ملتفة باليشاميغ، تنشد:)
’’مات المخرج
ظل الممثل ضائعاً يتخبط في أدواره على الخشبة
حتى انتحر!
المسرح أعوادٌ ذاوية، ستارةٌ متهرئة، جمهورٌ أبله
المهرّج ذو الوجه الضاحك أبداً
يرقص بنفسه ولنفسه
(ترمي الجوقة يشاميغها على الأرض، ثم تختفي)

(3)
(يظهر المهرّج، يمسح أصباغ وجهه، ويشرع في بكاءٍ مرير، ثم يقول:)
مات المخرج
وفي صدره زوايا لم تلتف عليها بعد حلقات الدخان، تسكنها امرأة!
وفي البار المثقل بالعَفَنِ والرطوبة
كأس نبيذ لم تلمسه شفتاه
ووراء البار شوارع خلفية
تسكنها أشباح الليل والبغايا والشرطة السرية
(يختفي المهرج)

(4)
(في وسط المسرح يجلس المخرج وحيداً، يقف هاتفاً:)
’’أيها السيدات والسادة
حين غامت مقلتاي
وتلاشت دقاتُ قلبي
لمحتُ من خلال الضباب
بوابة نصف مغلقة
نصف مفتوحة
مددت يدي، وفتحت البوابة
تراءت أمامي ’’زقّورة أور‘‘
وحولها المتعبدون والباعة واللصوص
ينشدون بكل لغات العالم
على نغمات عودٍ عراقيٍّ حزين
(يتعالى الإنشاد من عمق المسرح:)
تظل المشانق أعلى من قامات البشر
وقرع الطبول يخرس تراجيع الناي
وسوق الهرج أشدّ صخباً من سوق السراي
يا من فتح البوابة
أغمضتَ عينيكَ
وسرتَ
لم تضع خطاكَ على الطريق
ولا ضاع الطريق عنكَ
في غرفتكَ لما تَزَلْ موقدةً
ذبالة فانوسٍ شرقي
وفوق رفوفكَ العالية
مسرحيات عَشْرٌ
تنتظر شخوصها إشارة المخرج
(يختفي المخرج)

(5)
(يظهر الراوية، يضرب الخشبة بعصاه ثلاث مرات، ثم يقول:)
’’ولكن المخرج مات
فلتستمر المسرحية
المأساة في الملهاة
والشخوص يتدافعون بين فُوَّهات البنادق
وأصواتُ الذئاب العاوية
تتصادى ما بين أعمدة شارع الرشيد
تتساقط الأعمدة
لكن الشارع يبقى ممتداً حتى نصب الحرية
أيها السيدات والسادة
انظروا تحت قوس الجندي المجهول
سجين مجهول
يتمرّدُ
تَنهدُّ القضبان
أيها السيدات والسادة
مات المخرج
ولكنّ المسرحية مستمرة!

***************************
يُفترض الالتزام بالإيقاع الشعري عند الأداء (ملاحظة المؤلف).

* عوني كرومي (1945-2006، توفي خارج العراق). درس في معهد الفنون الجميلة (1965)، ثم في أكاديمية الفنون الجميلة (1969). حصل على الماجستير (1972) والدكتوراه (1976) من ألمانيا. درس في جامعات عراقية وعربية وألمانية. أخرج أكثر من 70 عملاً مسرحياً (موقع الفنون الجميلة).

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *